الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت وبرهان بُطْلَانه مَا دلّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} وَهُوَ مُوجب اتِّخَاذ الرئيس كَمَا تقدم
الثَّانِي تحاسد الشُّرَكَاء فِيهِ وتنافسهم لفسادهم بِدُخُول الْهوى فِيهِ
قلت وَهَذَا حَيْثُ لَا يكون الْأَمر رَاجعا إِلَى لُزُوم الْإِنْفَاق إِلَى رَأْي وَاحِد جبرا أَو تواضعا وَأما بِتَقْدِير استبداد كل وَاحِد فالفساد لَازم وَلم يكن هُنَاكَ تحاسد بِالْفَرْضِ
الثَّالِث ملك التَّدْبِير من غَابَ عَن الْأَمر دون من حَضَره وباشره كَمَا كتب الْمُهلب إِلَى الْحجَّاج حِين كتب إِلَيْهِ بِسَبَب يستعجله فِي حَرْب الْأزَارِقَة أَن من البلية أَن يكون التَّدْبِير لمن يملكهُ دون من يباشره قيل وَإِذا كَانَ ذَلِك دَاخله حقد الْمُبَاشر وفوت الفرص
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من مُحكم التَّدْبِير مَا يجب أَن يستشعر مَعَه شدَّة الْمُبَالغَة فِي التحفظ والاحتراز فَفِي الأفلاطونيات ليكن خوفك من تدبيرك على عَدوك أَكثر من تَدْبِير عَدوك عَلَيْك
الرُّكْن الثَّالِث عشر
تَقْدِيم الْوُلَاة والعمال
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ الطرطوشي منزلَة الْعمَّال من الْوَالِي بِمَنْزِلَة
السِّلَاح من الْمقَاتل والآلات للصناع لَا يسد بَعْضهَا مسد بعض فَمنهمْ للرأي والمشورة ومباشرة الْحَرْب وَجمع المَال والحجابة وَالدُّعَاء وَالْعلم والفتيا لَا يقوم للْملك ملك مَا لم تَجْتَمِع هَذِه الطَّبَقَات
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قَالَ ابْن حزم يلْزم الإِمَام أَن يتَخَيَّر ولاته وعماله لتعذر مُبَاشَرَته لجَمِيع الْأُمُور وَلِئَلَّا يشْتَغل عَن التَّدْبِير بأعظم من ذَلِك
قلت من الْأَوْصَاف الْمُعْتَبرَة فِي صِحَة هَذَا التخير وكماله أُمُور
أَحدهمَا الدّين الْوَازِع عَن الْجور والخيانة الْعَائِد وبالهما على الدولة والرعايا
قَالَ الْمَأْمُون مَا فتق على فتق قطّ إِلَّا وجدته جور الْوُلَاة
وَفِي العهود اليونانية الْخِيَانَة تفْسد الرَّاعِي والرعية
الثَّانِي الْكِفَايَة الْمَأْمُون بهَا مَحْذُور التضييع والتفرد والتفريط فَفِي العهود تجنب اسْتِعْمَال من كَانَ حَظه من السَّلامَة والصيانة أَكثر من حَظه من الْكِفَايَة والشهامة فَإِن تضييعه عَلَيْك أَكثر من استدراكه لَك وتعزيره يزِيد على إحسانه إِلَيْك
الثَّالِث الْجمع بَين وصفي الشدَّة واللين قَالَ عمر رضي الله عنه يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْوَالِي من الشدَّة مَا يكون ضرب الرّقاب عِنْده بِالْحَقِّ كَقَتل عُصْفُور وَيكون فِيهِ من الرقة والحنو وَالرَّحْمَة والرأفة مَا يجزع من قتل عُصْفُور
الرَّابِع التَّوَاضُع عَن رفْعَة السِّيَادَة الذاتية قَالَ بعض الْخُلَفَاء دلوني عَن رجل وَاسْتَعْملهُ على أَمر قد أهمني قَالَ وَكَيف تريده إِذا كَانَ فِي الْقَوْم
وَلَيْسَ أَمِيرهمْ كَانَ كأميرهم وَإِن كَانَ أَمِيرهمْ كَانَ كَرجل مِنْهُم قَالُوا مَا نعمله إِلَّا الرّبيع بن زِيَاد الْحَارِثِيّ قَالَ صَدقْتُمْ وَهُوَ لَهَا
الْخَامِس التجربة الْحَاصِلَة بتقدم الْولَايَة الحميدة السِّيرَة فقد قيل يَنْبَغِي للْملك أَن يتَخَيَّر لولاية الْأَعْمَال من تقدّمت لَهُ فِيهِ تجربة وسيرة حميدة وَلَا يعدل عَنهُ مَا وجده فقد كَانَ صدر الْإِسْلَام من ولي لخمسة من ذَوي الْأَمر كَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وروح بن حَاتِم
وَقلت وَقد ذكر عَن القَاضِي أبي اسحق بن عبد الرفيع التّونسِيّ أَنه ولي الْقَضَاء بِحَضْرَة تونس فِي خمس دوَل لملوك الحفصيين بهَا لطول عمره وَحسن سيرته
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الْوَارِد من العهود الْمَأْخُوذ على الْوُلَاة والعمال نَوْعَانِ
أَحدهمَا مَا هُوَ ديني محضى عريق فِي السذاجة والبعد عَن مُنَازع الْملك وعوائد ترفه كَمَا يروي عَن عمر رضي الله عنه أَنه كَانَ إِذا بعث عَاملا اشْترط عَلَيْهِ أَرْبعا لَا يركب البراذين وَلَا يلبس الرَّقِيق وَلَا يَأْكُل النقي
وَلَا يتَّخذ حاجبا وَلَا يغلق بَابا على حوائج النَّاس وَمَا يصلحهم وَيَقُول لَهُ إِنِّي لَا استعملك على أبشارهم وَلَا على أعراضهم وَلَا على أَعْمَالهم وَإِنَّمَا استعملك لتصلي يهم وتقضي بَينهم بِالْعَدْلِ
الثَّانِي مَا هُوَ سياسي وَالْمُعْتَبر مِنْهُ مَا تشهد لَهُ الشَّرِيعَة بِالْقبُولِ كَمَا يُقَال أَن أنو شرْوَان كَانَ يكْتب فِي عهد الْعمَّال سس خِيَار النَّاس بالمحبة وامزج للعامة الرَّغْبَة بالرهبة وسس سفلَة النَّاس بالمخافة وَفِي العهود اليونانية قرر فِي نُفُوسهم أَن أعظم مَا تقربُوا بِهِ إِلَيْك إِقَامَة حق أَو دحض بَاطِل وَأَن أَخذ حكام مَا جرى على أَيْديهم وَأخذ الْقسْط من الصَّوَاب لديهم آثر عنْدك من توفير عائده ودرور حلبة
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة من جَوَامِع مَا يحذر مِنْهُم أَمْرَانِ
أَحدهمَا إتصافهم بِمَا يحمل على سوء السِّيرَة الْمضرَّة بهم أَولا وبنظام الْخلق بعد ثَانِيًا فَفِي العهود اليونانية تجنب مِنْهُم من غلب عَلَيْهِ سوء المنشأ والتخرق فِي الْإِنْفَاق والتناوش فِي الإكتساب وَسَهل عَلَيْهِ التبكيت وَمنع رَعيته الإيصاف وساسهم بهَا بالإخافة وَكَانَت ذريعته فِيهَا بتقليده المصانعة دون التَّقَصِّي والكفاية فَإِنَّهُ يفْسد نظام المدن وَيشْهد أَهلهَا كتمان النِّعْمَة وَإِظْهَار الْفَاقَة
الثَّانِي تلبيسهم على مواليهم فِي التَّقَرُّب إِلَيْهِ بِمَا يعْتَقد صَلَاحه وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة أعظم فَسَاد يجر إِلَيْهِ فَفِيهَا أَيْضا وَأحذر أَن يفتك من قلدته سخفه فِي اجتلاب الْحَظ لَك وإتباعه رضاك بسخط رعيتك والتماسه التوفير عَلَيْك بالإجحاف بهَا والتحرز فِي عمَارَة بلادها فَإِن هَذَا قد عاداك من حَيْثُ يتَوَهَّم أَنه أولاك
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من مستحسن السِّيرَة مَعَهم تفقدهم بِأحد أَمريْن
الْأَمر الأول بَث الْعُيُون عَلَيْهِم ليطلع بذلك على حَقِيقَة حَالهم فَفِي العهود اليونانية وَابعث على عمالك بحضرتك وقاصيتك عيُونا ينهون إِلَيْك مَا وقفُوا عَلَيْهِ من زللهم وفجورهم وَمَا شجر بَين رعيتك وَبينهمْ وَخبر من وكلته بذلك أَلا يُنْهِي إِلَيْك مِنْهُ إِلَّا مَا يقوم بنصيحة وَلَا يلْزم أحدا بمؤونة فِيهِ وتوعده عَلَيْهِ بغاية الْعقُوبَة وَأعْرض مَا أنهِي إِلَيْك عَنْهُم على خيرتك فَمن رفع إِلَيْك عَنهُ وظنك فِيهِ وَمَا صَححهُ الرافع عَلَيْهِ فأمض أمره بِمَا يُوجِبهُ الْعدْل لَهُ وَعَلِيهِ وَإِن عثرت على عين مِنْهُم بِظَنّ جَائِر بقول كذب فعاقبه على ذَلِك عُقُوبَة تودع من سواهُ عَن سلوك نهجه وتجنب اسْتِعْمَاله مَا بقيت
الْأَمر الثَّانِي استقدام من يعْتد بِهِ من أهل عمالتهم ليتعرف من ناحيتهم مثل مَا تنْهى إِلَيْهِ الْعُيُون المبثوثة من لَدنه مُنْضَمًّا لما فِي هَذَا الْأَمر الآخر من وضوح الشَّهَادَة
قَالَ ابْن حزم يلْزم الإِمَام أهل كل جِهَة من جِهَات بَلَده أَن يفد عَلَيْهِ من خيارهم وعلمائهم ليستخبرهم عَن حَال الْأَمِير وَالنَّاس ويكسوهم ويصلحهم كَمَا كَانَ عليه السلام يفعل فَإِذا وفدوا عَلَيْهِ انْفَرد بهم وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى يقف على الْحق من الْبَاطِل فِي أَمر النَّاس وَأمر ولاته وَجَمِيع أَحْوَال عماله
مُبَالغَة اعتذار من حزمة المراء من أفْصح لعماله بِاشْتِرَاط تفقدهم وَتَعْيِين جزائهم ثَوابًا وعقابا فيحكى عَن زِيَاد أَنه كَانَ إِذا أولى أحدا قَالَ خُذ عَهْدك وسر إِلَى عَمَلك وَأعلم أَنَّك مَصْرُوف رَأس سنتك وَأَنَّك تصير إِلَى أَربع خلال فاختر لنَفسك إِنَّا إِن وجدناك أَمينا ضَعِيفا استبدلنا بك لضعفك وسلمتك من مضرتنا أمانتك وَإِن وجدناك خائنا قَوِيا استبدلنا بك وأحسنا على خِيَانَتك أدبك فأوجعنا ظهرك أتثقلنا غرمك وَإِن جمعت بَين الجرمين جَمعنَا عَلَيْك العقوبتين وَإِن وجدناك أَمينا قَوِيا زدناك فِي عَمَلك ورفعنا ذكرك وكثرنا مَالك وأوطأنا عقبك
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة قَالَ ابْن الحزم يلْزم الإِمَام أَن يرْزق أُمَرَاء النواحي رزقا وَاسِعًا يقوم بهم وبمئونتهم حَتَّى لَا يشرهوا إِلَى مَال وَاحِد من أهل عَمَلهم وترزق من لَهُم من الأعوان والفرسان وَالرِّجَال ليستظهر بهم على مَا هم بسبيله على قدر مَا يَلِي كل وَاحِد مِنْهُم من كبر النَّاحِيَة وصغرها من قمع ظَالِم أَو معاند وَشبه ذَلِك
قلت وَفِي العهود اليونانية كفهم بِمَا تسبغ عَلَيْهِم من الرزق وَعَن التصدي بِزِيَادَة الرِّفْق
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من الْوَصَايَا الْوَارِدَة فِي هَذَا الْمقَام وصيتان
الْوَصِيَّة الأولى يذكر عَن أبرويز أَنه كتب إِلَى إبنه يوصيه بالرعية ليكن
من تختاره لولايتك أُمَرَاء كَانَ فِي ضعة فَرَفَعته أَو كَانَ ذَا شرف فعلا فاصطنعه وَلَا تَجْعَلهُ أمرءا أصبته بعقوبة فاتضح لَهَا وَلَا أحد اممن يَقع بقلبك أَن إِزَالَة سلطانك أحب إِلَيْهِ من ثُبُوته وَإِيَّاك أَن تستعمله غمرا إعجابه بِنَفسِهِ قَلِيلا تجربته فِي غَيره وَلَا كَبِيرا مُدبرا قد أَخذ الدَّهْر من عقله كَمَا أخذت السنون من جِسْمه الْوَصِيَّة الثَّانِيَة يحْكى عَن سَابُور أَنه قَالَ لَا تستعملن على الأَرْض الْكَثِيرَة الْخراج شريفا عَظِيم الشَّأْن وَلَا قَائِد جند وَمن لَا يعْتَمد عَلَيْهِ فِي الخطوب فَرُبمَا خانوا أَو ضيعوا الْعَمَل فَإِن سوغتهم هلك المَال اقْتدى بهم غَيرهم وَإِن عاقبهم أذهب بهاءهم وهيبتهم وأضغنت صُدُورهمْ وضعفت نياتهم فِي المناصحة فَكنت قد فللت سِلَاحك وهدمت حصنك
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة من المواعظ فِي الْغَفْلَة عَن تفقد الْوُلَاة مَا يرْوى أَن عَمْرو بن عبيد دخل على الْمَنْصُور فَقَرَأَ {وَالْفَجْر وليال عشر} حَتَّى بلغ {إِن رَبك لبالمرصاد} لمن فعل مثل فعالهم فَاتق الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن ببابك نيران تتأجج لَا تعْمل فِيهَا بِكِتَاب الله وَلَا بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأَنت المسؤول عَمَّا اجترحوا وَلَيْسوا مسؤولين عَمَّا اجترحت فَلَا يصلح دنياهم بِفساد آخرتك أما وَالله لَو علم عمالك أَنه لَا يرضيك مِنْهُم إِلَّا الْعدْل لتقرب بِهِ إِلَيْك من لَا يُريدهُ فَقَالَ سُلَيْمَان بن خَالِد أما كَفاك أَن تعرض نصيحتك عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ حَتَّى أردْت أَن تحول بَينه وَبَين من ينصحه فَقَالَ عمر أتق الله يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإِن هَؤُلَاءِ قد اتخذوك سلما إِلَى شهواتهم فَأَنت كالماسك بالقرون وَغَيْرك يحلب وَإِن هَؤُلَاءِ لن يغنوا عَنْك من الله شَيْئا
تتميم مَا يكسبه الْوُلَاة والعمال ينظر فِيهِ فِي مَوَاضِع والمقرر مِنْهَا بِحَسب الْفَرْض ثَلَاثَة مَوَاضِع
الْموضع الأول الْحَاصِل مِنْهُ هَدِيَّة
وَقد دلّ الحَدِيث على عدم الِاعْتِبَار بِظَاهِر تِلْكَ الْحَال رعيا لباطن الْقَصْد وَهُوَ الْعَطاء لأجل الْولَايَة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ اسْتعْمل النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يُقَال لَهُ ابْن اللتبية على الصَّدَقَة فَلَمَّا قدم قَالَ هَذَا لكم وَهَذَا أهْدى إِلَيّ
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا على الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أسْتَعْمل الرجل مِنْكُم على الْعَمَل مِمَّا ولاني الله فَيَأْتِي فَيَقُول هَذَا مالكم وَهَذَا هِدَايَة أهدي إِلَيّ أَفلا جلس فِي بَيت أَبِيه وَأمه حَتَّى تَأتي هديته إِن كَانَ صَادِقا وَالله لَا يَأْخُذ أحدكُم شَيْئا بِغَيْر حَقه إِلَّا لَقِي الله يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة فَلَا أَعرفن أحدا مِنْكُم لَقِي الله يحمل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء أَو بقرة لَهَا خوار أوشاة تبعر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى رؤى بَيَاض إبطَيْهِ يَقُول اللَّهُمَّ قد بلغت
الْموضع الثَّانِي المكتسب مِنْهُ رشوة
وَفِيه وعيدان
الْوَعيد الأول آجل وَهُوَ اللَّعْنَة كَمَا فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ لعن الله الراشي والمرتشي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَفِي حَدِيث ثَوْبَان رضى الله عَنهُ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الراشي والمرتشي والرائش الَّذِي يمشي بَينهمَا
الْوَعيد الثَّانِي عَاجل وَهُوَ الْأَخْذ بِالرُّعْبِ فَعَن حَدِيث عَمْرو بِهِ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من قوم يظْهر فيهم الرِّبَا إِلَّا أخذُوا بِالسنةِ وَمَا من قوم يظْهر فيهم الرشا إِلَّا أخذو بِالرُّعْبِ رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد
الْموضع الثَّالِث مَا حكم المَال فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ مَا هُوَ من وَجه غير حَلَال وَلَا خَفَاء بِوُجُوب رده إِلَى أربابه إِن عرف بِعَيْنِه وَعلم صَاحبه وَإِلَّا فلبيت مَال الْمُسلمين وَقد قَالَ الدَّاودِيّ
إِن وَصَايَا المتسلطين المستغرقي الذِّمَّة لَا تنفذ وعتقهم مَرْدُود وَلَا تورث أَمْوَالهم ويسلك بهَا سَبِيل الْفَيْء انْتهى
فَإِن قلت أَفلا يشاطرهم الإِمَام كَمَا فعل عمر رضي الله عنه حَتَّى أَخذ لخَالِد بن الْوَلِيد فَرد نَعْلَيْه وَشطر عمَامَته
قلت لَا تَكْفِي المشاطرة فِيمَا هُوَ حرَام مَحْض وَإِنَّمَا وَجههَا فِي حق
الصَّحَابَة رضي الله عنهم أَمر آخر قَالَ الطرطوشي كَأَنَّهُ رأى مَا أصَاب الْعَامِل فِي غير رشوة وَأَن كَانَ حَلَالا لَا يسْتَحقّهُ لقُوته بِالْولَايَةِ على نيل حَلَال لَا يَنَالهُ غَيره فَجعله كالمضارب للْمُسلمين
قلت وَوَجهه الْغَزالِيّ بِاحْتِمَال أَن يكون من مَالهم فَرَأى شطره من فَوَائِد الْولَايَة فاسترجعه إِلَى مُسْتَقر مثله وَهُوَ بَيت المَال
فَائِدَة فِي تَنْبِيه قَالَ ابْن قيم الجوزية الْفرق بَين الْهَدِيَّة والرشوة وَإِن إشتبها فِي الصُّورَة أَن الراشي قَصده التَّوَصُّل إِلَى إبِْطَال حق أَو تَحْقِيق بَاطِل فَهَذَا الراسي الملعون على لِسَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمهْدي قَصده استجلاب الْمَوَدَّة والمعرفة فَإِن قصد الْمُكَافَأَة فمعارض أَو الرِّبْح فمستكثر
تبصرة لتوفر مَا بأيدي الْوُلَاة والعمال من مُسْتَفَاد الْولَايَة عَلَامَات مِنْهَا التَّوَسُّع فِي المصانع والمباني فقد كَانَ عمر رضي الله عنه يَقُول لي على كل خائن أمنيان المَاء والطين وَمر يَوْمًا بِبِنَاء يبْنى بحجارة وجص فَقَالَ لمن هَذَا فَذكرُوا أَنه لعامل لَهُ على الْبَحْرين فَقَالَ أَبَت الدَّرَاهِم إِلَّا أَن تخرج أعناقها
فَوَائِد مكملة
الْفَائِدَة الأولى قَالَ الْبُرْزُليّ من بَاب الرِّشْوَة هَدِيَّة المنقطعين إِلَى الْعلمَاء والمتعلقين بالسلطان ليدفعوا عَنْهُم الظُّلم قَالَ لِأَن دفْعَة وَاجِب على الْقَادِر عَلَيْهِ من مُسلم أَو ذمِّي أَو غَيرهمَا
قلت إِذا تعين فَوَاضِح لقَوْله صلى الله عليه وسلم من شفع لِأَخِيهِ الْمُسلم شَفَاعَة فأهدى إِلَيْهِ هَدِيَّة فقبلها فقد أَتَى بَابا عَظِيما من أَبْوَاب
الْكَبَائِر رَوَاهُ أَبُو دَاوُود عَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه وَحَيْثُ يكون كفائيا فَفِي إِطْلَاق ذَلِك نظر وَأَظنهُ مشارا إِلَيْهِ بعض الْعلمَاء
الْفَائِدَة الثَّانِيَة فِي الطرز عَن أبن عبد الغفور مَا أهْدى إِلَى الْفَقِيه من غير حَاجَة جَائِزَة لَهُ قبُوله ولرجاء العون على خُصُومَة أَو قَضَاء حَاجَة عِنْده على خلاف الْمَعْمُول بِهِ لَا يحل لَهُ الْقبُول إِذْ هِيَ رشوة قَالَ وَكَذَا لَو تنَازع خصمان فأهديا إِلَيْهِ أَو أَحدهمَا رَجَاء العون لَهما عِنْد حَاكم يسمع مِنْهُ لَا يحل لَهُ الْأَخْذ مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا
ثمَّ حكى عَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَنه سُئِلَ عَن الْهِدَايَة على الْفَتْوَى فَقَالَ إِن كَانَ ينشط فِي الْفَتْوَى أهدي إِلَيْهِ أم لَا فَلَا بَأْس بهَا وَإِن كَانَ لَا ينشط إِلَّا بهَا فَلَا يَأْخُذهَا وَهَذَا مالم لم تكن خُصُومَة
قَالَ وَإِلَّا حسن أَن لَا تقبل هَدِيَّة صَاحب فَتْوَى وَهُوَ قَول ابْن عيشون وَلَا عِبْرَة يَجْعَل ذَلِك رشوة قَالَ الْبُرْزُليّ وَمَا نَقله
عَن ابْن عيشون أعرف لَهُ أَنه لَا يجوز كالقول الثَّانِي من التَّحْرِيم وينشده فِيهِ
(إِذا أَتَت الْهَدِيَّة دَار قوم
…
تطايرت الْأَمَانَة من كواها)
الْفَائِدَة الثَّالِثَة نَص ابْن عيشون على أَن القَاضِي إِذا امْتنع من تَنْفِيذ مَا تبين لَهُ الْحق إِلَّا بعد أَن تُعْطِي شَيْئا أَن حِكْمَة مَرْدُود غير جَائِز قَالَ الْبُرْزُليّ وتتخرج على أَحْكَام القَاضِي الْفَاسِق إِذا صَادف الْحق هَل يمْضِي أم لَا
قلت فِي شرح عقيدة النَّسَفِيّ المتفتازاني وَفِي فَتَاوَى قاصي خَان أجمعا على أَنه إِذا ارتشى يَعْنِي القَاضِي لَا ينفذ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارتشى وَأَنه إِذا أَخذ القَاضِي الْقَضَاء بالرشوة لَا يصير قَاضِيا وَلَا ينفذ قَضَاؤُهُ
الْفَائِدَة الرَّابِعَة قَالَ ابْن عيشون أجَاز إِعْطَاء الرِّشْوَة إِذا خَافَ الظُّلم على نَفسه وَكَانَ محقا
قلت قيل وتختص اللَّعْنَة بِمن قبلهَا على ذَلِك وَهُوَ المرتشي قَالَه ابْن قيم الجوزية
الْفَائِدَة الْخَامِسَة قيل أول من رشي فِي الْإِسْلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة كَانَ يُعْطي يرفا حَاجِب عمر رَضِي الله عنخ ليستأذن لَهُ عَلَيْهِ ويرفا هَذَا أول من قبلهَا فِي الْإِسْلَام
قلت لَعَلَّ فعل الْمُغيرَة رضي الله عنه من بَاب التَّوَصُّل بِهِ إِلَى حق منع مِنْهُ على مَا تقدم
قيل وَأول من رد الْهَدِيَّة عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه
مزِيد موعظة قيل الْهَدِيَّة تُطْفِئ نور الْحِكْمَة
وَقيل الْهَدِيَّة تعمي وتصم حَتَّى قَالَ
(وَأكْرم من يدق الْبَاب شخص
…
ثقيل الْحمل مَشْغُول الْيَدَيْنِ)
(ينوء حَتَّى قَالَ
(وَأكْرم من يدق الْبَاب شخص
…
ثقيل الْحمل مَشْغُول الْيَدَيْنِ)
(ينوء إِذا مَشى نفسا ونفخا
…
وينطح بَابه بالركبتين)
(وَأكْرم شَافِع يمشي عَلَيْهَا
…
أَبُو المنقوش فِي الصفحتين)
قلت وَلَا أَسْوَأ فِي عمي البصيرة وصمم آذان الْقُلُوب من الرِّضَا بفقد الْأَمَانَة وكرامة من تسبب فِي ذَلِك وَالْبَيْت الْأَخير ينظر إِلَى قَوْله
(ودع عَنْك كل رَسُول سوى
…
رَسُول يُقَال لَهُ الدِّرْهَم)