الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاسيما فِي الْمغرب إِلَّا أَن التعصب لشأنه لم يتْركهُ لهَذَا القَوْل وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ
الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ
إِن من متمات النّظر فِي هَذَا الْكتاب الْبَحْث عَن حدثان الدول وَعَن مُسَمّى الجفر والملاحم
قلت وتلخيص مَا لِابْنِ خلدون فِي ذَلِك مجموعا من كَلَام يظْهر بِفَرْض مبَاحث
الْبَحْث الأول فِي تَوْطِئَة مَا هُوَ كمقدمة الْمَقْصُود من ذَلِك وَهُوَ أُمُور
أَحدهمَا أَن من خَواص النُّفُوس البشرية التشوف إِلَى مَا سيحدث لَهُم فِي عواقب أُمُورهم من حَيَاة أَو موت أَو خير أَو شَرّ
لاسيما الْحَوَادِث الْعَامَّة كمعرفة الدول وَمَا بَقِي من الدُّنْيَا وَلذَلِك يُوجد فِي المدن صنف من النَّاس ينتحلون المعاش من ذَلِك وَهُوَ من الْمُنْكَرَات الفاشية فِي الْأَمْصَار لما علم من ذمَّة شرعا وَأَنه لَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله أَو من اطلع عَلَيْهِ بنبوة أَو ولَايَة
الثَّانِي إِن أَكثر من يعتني بذلك يتطلع إِلَيْهِ الْمُلُوك والأمراء استكشافا لآماد الدول لمن يصير أمرهَا وَلذَلِك انصرفت إِلَيْهَا عناية المشتغلين بِهِ من الْعلمَاء
الثَّالِث إِن كل أمة يُوجد لَهُم الْكَلَام فِي ذَلِك مُطلقًا كعلم الكوائن الْمُسْتَقْبلَة خُصُوصا مَا يعم الجيل مِنْهَا كانقلاب الْملك وَوُقُوع الحروب والملاحم مَعَ الْأُمَم وَذَلِكَ من نَاحيَة مَا يُوجد من كَاهِن وعراف ومنجم وَغير ذَلِك كشق وسطيح فِي الْعَرَب ومُوسَى بن صَالح من بني
مرين يفرح وَيُقَال من بني عمْرَة فِي البربر
الْبَحْث الثَّانِي فِي مُسْتَند الركون إِلَى ذَلِك فِي الدولة الإسلامية وَهُوَ فِي الْأَكْثَر أَمْرَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ خَاص بصدرها مَا يتناقل فِي ذَلِك من آثَار عَن الصَّحَابَة وخصوصا من عاصرهم من مسلمة بني إِسْرَائِيل ككعب الْأَحْبَار ووهب بن مُنَبّه وَوَقع لجَعْفَر الصَّادِق وَأَمْثَاله من أهل الْبَيْت كثير من ذَلِك ومستندهم فِيهِ وَالله أعلم الْكَشْف لما كَانُوا عَلَيْهِ من الْولَايَة
الثَّانِي وَهُوَ حَادث بعد ذهَاب صدرها وَحين عكف النَّاس الْعُلُوم التَّرْجَمَة من كَلَام الْحُكَمَاء مَا نقل عَن ذَلِك عَن المنجمين فِي الْأَكْثَر ككلامهم فِي
الْملك والدول وَسَائِر الْعُلُوم الْعَامَّة والخاصة
الْبَحْث الثَّالِث فِي مُسَمّى الجفر فِي ذَلِك الْمُسْتَند والجفر لُغَة الْجلد الصَّغِير وأصل تَسْمِيَة الْحدثَان بِهِ أَن هَارُون بن سعد الْعجلِيّ رَأس الزبيدية كَانَ لَهُ كتاب يرويهِ عَن جَعْفَر الصَّادِق فِيهِ علم مَا سيقع لأهل الْبَيْت عُمُوما ولبعض مِنْهُم خُصُوصا كَانَ مَكْتُوبًا عِنْده فِي جلد ثَوْر صَغِير مِمَّا يَقع لَهُ ولنظرائه من رجالاتهم كشفا وكرامة فَكَتبهُ هَارُون وَسَماهُ الجفر باسم الْجلد الَّذِي كتب مِنْهُ فَصَارَ علما عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهِ من تَفْسِير بَاطِن الْقُرْآن غرائب وَهُوَ كتاب لم تتصل رِوَايَته وَلَا عرف عَيْنَيْهِ وَإِنَّمَا يظْهر مِنْهُ شواذ من الْكَلِمَات لَا يصحبها دَلِيل وَلَو صَحَّ سَنَده إِلَى جَعْفَر لَكَانَ فِيهِ نعم الْمُسْتَند مِنْهُ أَو من رجال قومه رضي الله عنهم
تَعْرِيف وَقع بالمغرب جُزْء يُسمى بالجفر الصَّغِير وَالظَّاهِر وَضعه لبني عبد الْمُؤمن لذكر أَوَائِل مُلُوكهمْ على التَّفْصِيل ومطالبة مَا تقدم من ذَلِك لحدثانه وَكذب مَا بعده وهم مَنْسُوب إِلَى كتاب وَضعه الْكِنْدِيّ المنجم فِي القرانات الكائنة فِي الْملَّة سَمَّاهُ بالجفر اتبَاعا للشيعة فِي ذَلِك
قَالَ ابْن خلدون وَلم نقف على شَيْء من خبر هَذَا الْكتاب وَلَا رَأينَا من
وقف عَلَيْهِ وَلَعَلَّه غرق فِي كتبهمْ الَّتِي طرحها ملك التتر فِي دجلة عِنْد استيلاءهم على بَغْدَاد وَقتل المستعصم آخر الْخُلَفَاء
الْبَحْث الرَّابِع فِي معنى الْمَلَاحِم من جملَة ذَلِك وَهُوَ مَا كتب مِنْهُ بعد الْمُسَمّى بالجفر فِي حدثان الدول نظما ونثرا عُمُوما فِيهَا وخصوصا وَمَعَ نسبتها إِلَى مشاهير من الْخَلِيفَة فَلَيْسَ مِنْهَا مَا تصح فِيهِ الرِّوَايَة عَن وَاضعه
قلت يُرِيد فِي الْأَكْثَر قَالَ وبأيدي النَّاس مِنْهَا كثير كقصيدة ابْن مرانة وملعبة الْيَهُودِيّ الْمَقْتُول بفاس كَمَا أخبر فِيمَا زَعَمُوا أَو ملعبة الهوشني وَذكر غير ذَلِك مِمَّا حكم على أَكْثَره بِالْوَضْعِ وَالْكذب
قلت وَرُبمَا صدق بَعْضهَا استنادا لمدرك صَحِيح وَإِن تردد فِي تَعْيِينه كَمَا حكى الْمَازرِيّ فِي تَعْلِيقه على أَحَادِيث الجوزقي عَن عبد
الْكَافِي بن سُلَيْمَان قَالَ كُنَّا عِنْد ابْن مُحرز حِين وصل الْخَبَر بِكَسْر الْمعز وَأخذ أمه وأخيه فَقَامَ عَنَّا فِي الْحَال وَأخرج ملحمة فِيهَا جَمِيع مَا جرى هَذِه الْقَضِيَّة فعجبنا من ذَلِك ثمَّ ذكر انه سَأَلَ عَن ذَلِك الشَّيْخ أَبَا عمرَان فَأجَاب بِمَا يُقَال فِي ذَلِك وَمِنْه التنجيم
قَالَ الْمَازرِيّ وَهُوَ أقرب قلت وَفِيه نظر لما يرد إنْشَاء الله
الْبَحْث الْخَامِس فِيمَا يجب اعْتِقَاده فِي هَذَا الْبَاب
قَالَ فِي مَوضِع آخر وَالتَّحْقِيق الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون نصب فكرك أَن الغيوب لَا تدْرك بصناعة الْبَتَّةَ وَلَا سَبِيل إِلَى تعرفها إِلَّا للخواص من الْبشر المفطورين على النُّزُوع عَن عَالم الْحس إِلَى عَالم الرّوح وَقَررهُ بِمَا يُشَاهد من وجود أشخاص يخبرون بالكائنات قبل وُقُوعهَا بِمُقْتَضى الْفطْرَة الَّتِي فطروا عَلَيْهَا العارفين والناظرين فِي الْأَجْسَام الشفافة كالمرايا وطاس المَاء وَأهل الطّرق بالحصى والحبوب والمجانين والنائم وَالْمَيِّت لأوّل نَومه أَو مَوته وَأهل الرياضة من الصُّوفِيَّة على طَرِيق الْكَرَامَة
قلت وتلخيص مَا برهن بِهِ على ذَلِك يخرج عَن الْمَقْصُود
تَنْبِيه مَا يدل على أَن أَكثر الْحدثَان مَمْنُوعَة مَا حكى فِي أَخْبَار
بَغْدَاد أَنه كَانَ بهَا أَيَّام المقتدر وراق ذكي يدعى بالدانيالي يبل الأوراق وَيكْتب فِيهَا بِخَط عَتيق ويرمز فِيهِ بحروف من أَسمَاء أهل الدولة وَيُشِير بهَا إِلَى مَا يعرف ميلهم إِلَيْهِ من أَحْوَال الرّفْعَة والجاه كَأَنَّهَا ملاحم وَيحصل بذلك على مُرَاده مِنْهُم وَأَنه وضع فِي بعض دفاتيره صُورَة مِيم مكررة ثَلَاث مَرَّات وَجَاء بِهِ إِلَى مُفْلِح مولى المقتدر وَكَانَ عَظِيما فِي الدولة فَقَالَ لَهُ هَذَا كِنَايَة عَنْك وَهُوَ مُفْلِح مولى المقتدر مِيم من كل وَاحِدَة وَذكر عِنْدهَا مَا يعلم فِيهِ رِضَاهُ مِمَّا يَنَالهُ من الْملك وَالسُّلْطَان وَنصب لَهُ عَلَامَات لذَلِك من أَحْوَاله المتعارفة موه بهَا عَلَيْهِ فبذل لَهُ مَا أغناه بِهِ وانْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ
قلت وَلَا أدل على ذَلِك من ظُهُور كذب كثير مِمَّا يحتوي عَلَيْهِ عيَانًا {وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}
تَقْرِير وَاجِب على الْمُوفق
فِي هَذَا الْمقَام ثَلَاث وظائف قررها الْأُسْتَاذ أَبُو سعيد فِي بعض تقاييده حَسْبَمَا وجدت بِخَط الشَّيْخ أبي اسحق الشاطبي رحمهمَا الله فلنذكرها ملخصاي من كَلَامه
الْوَظِيفَة الأولى أَن لَا يتعاطى شَيْئا من علم الْغَيْب وَلَا يصف بِهِ نَفسه فقد كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يصف بِهِ نَفسه وَيَردهُ على من وَصفه بِهِ كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم لمن سَمعه يَقُول إِنَّه يعلم مَا غَد لَا يعلم مَا فِي
غَد إِلَّا الله تَعَالَى مَعَ اطِّلَاعه على كثير مِمَّا علمه الله من ذَلِك
قَالَ وَقد سد الشَّرْع هَذَا الْبَاب فِي وُجُوه الْخلق غير من ارتضى مِنْهُم للرسالة حَتَّى أَن الْعلمَاء نهوا عَن النّظر فِيمَا لَيْسَ من بَاب علم الْغَيْب لظن الْجَاهِل أَنه مِنْهُ كالإخبار بالكسوف الْمدْرك بطرِيق الْحساب كَمَا نَص عَلَيْهِ مَالك فِي الْعُتْبِيَّة قَائِلا إِنَّه من حبائل الشَّيْطَان
الْوَظِيفَة الثَّانِيَة أَن لَا يتَعَرَّض لطلب ذَلِك بِشَيْء من الْأَسْبَاب المقتحمة لبابه كالخط وَالْحب والسبك والقرعة والعيافة والطيرة والسانح والبارح والاستصحاب والاستكهان والاستنجام لِأَنَّهَا من معنى الاستقسام بالأزلام قَالَه الطرطوشي فِي مُخْتَصر التعليقة
قَالَ الْأُسْتَاذ وَاسْتثنى بعض الْعلمَاء الْخط بِنَاء على أَنه المُرَاد فِي قَوْله تَعَالَى {أَو أثارة من علم} وَفِي الحَدِيث كَانَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء يخط فَمن وَافق خطه فَذَاك قيل جَاءَ للْإِبَاحَة الضَّرْب بِهِ وَقيل للنَّهْي عَنهُ إِذْ لَا سَبِيل إِلَى معرفَة طَرِيق النَّبِي الْمُتَقَدّم بِهِ
قَالَ وَهُوَ الصَّحِيح الْمعول عَلَيْهِ عِنْد الْأَئِمَّة وَأهل الْحق
قلت وَفِي نَوَازِل الْبر زلي أدْركْت بعض الْفُقَهَاء أدْركْت بعض الْفُقَهَاء يستخفه ويستعمله وعَلى ظَنِّي أَنِّي سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام يَعْنِي ابْن عَرَفَة يَقُول فعله لَيْسَ بجرحه وَكَأَنَّهُ يستخفه قَالَ وَالصَّوَاب تَركه
الْوَظِيفَة الثَّالِثَة أَلا يصدق من يخبر بذلك غير مُسْتَند لخَبر نبوي لقَوْله صلى الله عليه وسلم من أَتَى كَاهِنًا فَصدقهُ فِيمَا يَقُول فقد بَرِيء مِمَّا انْزِلْ على مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُود
قَالَ ابْن رشد وَأَنِّي يجمع فِي قلب مُسلم تَصْدِيقه مَعَ قَوْله تَعَالَى {قل لَا يعلم من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض الْغَيْب إِلَّا الله}
فَائِدَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو اسحاق الشاطبي فِي بعض تقاييده مفاتح الْغَيْب تِسْعَة مفاتح علم بِلَا اكْتِسَاب وَلَا أَعْلَام وَهُوَ علم الله تَعَالَى ومفاتح اطلَاع وَهُوَ اطلَاع الله من يَشَاء من خلقه على من شَاءَ من غيبه مفاتح أَخْبَار وَهُوَ مَا علم الله مِنْهُم بأخبار الله وأخبار رَسُوله مفاتح الْهَام وَهُوَ أَن يلهم اله من شَاءَ من خلقه مَا شَاءَ من غيبه دون اسْتِدْلَال كَقَوْلِه فاحمده بِمَحَامِد يلهمنيها فِي حَدِيث الشَّفَاعَة مفاتح نفث فِي الْقلب كَقَوْلِه إِن روح الْقُدس نفث فِي روعي الحَدِيث وَهُوَ الْهَام بِوَاسِطَة الْملك مفاتح توسم وَهِي الفراسة وَانْظُر فِي التَّعْرِيف تعمر بن عبد الْعَزِيز لِابْنِ حبيب مفاتح دلَالَة وَتَقْدِيم وَهِي أَن يسْتَدلّ بحاضر على مغيب كَقَوْلِه إِذا أنشأت بحريّة