الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُقدمَة الأولى أَن الْعمرَان البشري لابد لَهُ من سياسة يَنْتَظِم بهَا أمره لما تقدم أَن الْوَازِع فِيهِ ضَرُورِيّ سَوَاء كَانَ يَزع الْخلق بِمُقْتَضى السياسة الشَّرْعِيَّة أَو الْعَقْلِيَّة وَحِينَئِذٍ فرياسته بذلك إِن لم تَنْتَهِ إِلَى الْملك الْحَقِيقِيّ لفقد شَرطه فَلَا أقل من تمكنه وتمشية مَا يسوس بِهِ من تَحت رياسته وَحِينَئِذٍ يُسمى رَئِيسا
الْمُقدمَة الثَّانِيَة إِن الْملَّة لابد فِيهَا من الْقَائِم بهَا عِنْد غيبَة نبيها يكون فِيهَا كالخليفة عَنهُ فِي حملهمْ على مَا جَاءَ بِهِ من الْأَحْكَام والشرائع وَالْحَاجة مَعَ ذَلِك إِلَى الْوَازِع الْمُسَمّى بِالْملكِ إِنَّمَا هُوَ أما تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَالْملَّة الإسلامية لما شرع فِيهَا الْجِهَاد لحمل الكافة على إِجَابَة دعوتها الْعَامَّة طَوْعًا أَو كرها فَلَا جرم اتَّخذت فِيهَا الْخلَافَة وَالْملك وَلَا كَذَلِك عيرها من الْملَل فَلذَلِك لَا يَنْبَغِي للقائم فِيهَا بِأَمْر الدّين شَيْء من سياسة الْملك ووجوده فِيهَا مَا هُوَ بِالْعرضِ وَالْأَمر غير ديني إِذا لم يخاطبوا بالتغلب على الْأُمَم كَمَا فِي الْملَّة الإسلامية زَادهَا الله ظهورا إِذا عرفت هَذَا فَتلك الرياسة الْقَائِمَة سياستين نَوْعَانِ بحسبهما
النَّوْع الأول الرياسة الشَّرْعِيَّة
وَمن مَشْهُور الْوَاقِع من ذَلِك مُلَخصا من كَلَام ابْن خلدون رياستان هما للْيَهُود وَهِي رياسة الكوهن وَالْأُخْرَى لِلنَّصَارَى وَهِي رياسة البابا
الرياسة الأولى
رياسة كوهن
وَلَهُم فِيهَا بِاعْتِبَار الِاقْتِصَار عَلَيْهَا والتدرج مَعهَا إِلَى الرياسات الطبيعية ثمَّ الرُّجُوع إِلَيْهَا إِلَى الْآن سِتّ حالات
الْحَالة الأولى أَقَامُوا فِيهَا من بعد مُوسَى ويوشع علنهما السَّلَام نَحْو
أَرْبَعمِائَة سنة لَا يعتنون فِيهَا بِشَيْء من أَمر الْملك اقتصارا على إِقَامَة رَئِيس ذُرِّيَّة هَارُون علنه السَّلَام كَأَنَّهُ خَليفَة مُوسَى عليه السلام فِي إِقَامَة الدّين خَاصَّة كَالصَّلَاةِ والقربان ويسمونه الكوهن ثمَّ اخْتَارُوا سبعين شَيخا لإِقَامَة السياسة الطبيعية للبشر فَكَانُوا يتولون تَنْفِيذ أَحْكَامهَا الْعَامَّة والكوهن فَوْقهم بالرتبة الدِّينِيَّة واتصل ذَلِك بهم إِلَى أَن استحكمت طبيعة العصبية وتهيأت الشَّوْكَة للْملك وَهِي
الْحَالة الثَّانِيَة فغلبوا الكنعانيين على الأَرْض الَّتِي أورثهم الله بِبَيْت الْمُقَدّس وَمَا جاوروها كَمَا وعدوا على لِسَان مُوسَى عليه السلام ورياستهم رَاجِعَة إِلَى شيوخهم مُدَّة من نَحْو أَرْبَعمِائَة سنة وَلما لم بكم لَهُم صولة ملك ضجروا من مغالبة الْأُمَم فطلبوا على لِسَان شمويل عليه السلام أَن يَأْذَن الله تَعَالَى لَهُم فِي تمْلِيك رجل عَلَيْهِم فَكَانَ طالوت وَغلب الْأُمَم وفتل جالوت ثمَّ ملك بعده دَاوُد ثمَّ سُلَيْمَان عليهما السلام واستعجل ملكه وَهِي الْحَالة الثَّالِثَة فامتد غلى الْحجاز ثمَّ غلى أَطْرَاف الْيمن ثمَّ إِلَى أَطْرَاف بِلَاد الرّوم ثمَّ افترق الأسباط بعد سُلَيْمَان عليه السلام إِلَى دولتين أَحدهمَا بالجزيرة والموصل للأسباط الْعشْرَة وَالْأُخْرَى بالقدس والسام لبني يهود وَبَين يَامِين ثمَّ غلبهم بخت نثر ملك بابل على مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم بعد اتِّصَال ملكهم نَحْو ألف سنة وَخرب مَسْجِدهمْ وأحرق توراتهم ونقلهم إِلَى أَصْبَهَان وَالْعراق إِلَى أَن ردهم بعض ملك الْفرس إِلَى بَيت الْمُقَدّس بعد سبعين سنة من خُرُوجهمْ فبنوا الْمَسْجِد وَأَقَامُوا دينهم على الرَّسْم الأول للكهنة فَقَط وَهِي
الْحلَّة الرَّابِعَة وَالْملك حِينَئِذٍ إِنَّمَا هُوَ للْفرس ثمَّ غلب الْإِسْكَنْدَر واليونانيون على الْفرس وَصَارَ الْيَهُود فِي ملكهم ثمَّ فشل أَمر اليونانيين فاعتز الْيَهُود عَلَيْهِم بالعصبية وقائم مملكتهم الكهنة الَّذين كَانُوا فيهم إِذْ ذَاك وقاتلوا يونان حَتَّى انقرضوا وَهِي
الْحَالة الْخَامِسَة ثمَّ غلبهم الرّوم وَرَجَعُوا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَبهَا بَقِيَّة دولتهم فحاصروهم مُدَّة ثمَّ افتتحوها عنْوَة وأفحشوا فِي الْقَتْل وَالْهدم وَالتَّحْرِيق وخربوا بَيت الْمُقَدّس وأجلوهم عَنْهَا غلى رومة وَمَا وَرَاءَهَا وَهُوَ