الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسرد كلَاما بليغا حَتَّى أبكى القَاضِي قَالَ وَإِن كَانَ هَؤُلَاءِ زنادقة فَمَا على وَجه الأَرْض مُسلم وَأرْسل إِلَى الْخَلِيفَة وَأمر بالتخلي عَنْهُم
الْمِنْهَاج الثَّانِي
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى مِمَّا يدل على ذمّ الْبُخْل وَجْهَان
أَحدهمَا استعادة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْبُخْل والكسل وأرذل الْعُمر وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الْمحيا وَالْمَمَات
الثَّانِي طرده عَن مجاورة رب الْعِزَّة فَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله جنَّة عدن بيدَيْهِ ودلى فِيهَا ثمارها وشق فِيهَا أنهارها ثمَّ نظر إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يجاورني فِيك بخيل رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِمَّا يدل على ذمّ الشُّح وَجْهَان
أَحدهمَا حمله على الْفَوَاحِش الْمُوجبَة للهلاك فَفِي الصَّحِيح عَن جَابر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من كَانَ قبلكُمْ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ
عدم اجتماعه مَعَ الْإِيمَان فِي قلب إِنْسَان فَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي جَوف عبد مُؤمن أبدا وَلَا يجْتَمع شح وإيمان فِي قلب عبد أبدا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قيل هما بِمَعْنى وَاحِد وَقيل الْبُخْل بِمَا فِي الْيَد وَالشح بِمَا بيد الْغَيْر قَالَه طَاوُوس وَقَالَ رجل لِابْنِ مَسْعُود رضي الله عنه إِنِّي أَخَاف أَن أكون قد هَلَكت سَمِعت الله يَقُول {وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون} وَأَنا رجل لَا يكَاد يخرج من يَدي شَيْء فَقَالَ لَيْسَ بالشح الَّذِي ذكر الله وَلَكِن الشُّح أَن تَأْكُل مَال أَخِيك ظلما وَلَكِن ذَلِك الْبُخْل وَلَيْسَ الشُّح هُوَ الْبُخْل قَالَ الطرطوشي فَفرق بَينهمَا
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ ابْن قيم الجوزية الْفرق بَين الشُّح والاقتصاد أَن الاقتصاد خلق مَحْمُود يتَوَلَّد بَين عدل الْمَنْع والبذل من حسن الظَّن وَحكمه وضع كل مِنْهُمَا مَوْضِعه وَالشح خلق مَذْمُوم يتَوَلَّد من سوء الظَّن وَضعف النَّفس ويمده وعد الشَّيْطَان حَتَّى يصير هالعا شَدِيد الْحِرْص شَرها فيتولد عَنهُ الْمَنْع لبذله والجزع لفقده قَالَ الله تَعَالَى {إِن الْإِنْسَان خلق هلوعا إِذا مَسّه الشَّرّ جزوعا وَإِذا مَسّه الْخَيْر منوعا}
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة تقدم إِن حِدة الْإِمْسَاك حَيْثُ يجب الْبَذْل وَأَن أشده منع مَا وَجب شرعا ودونه منع مَا وَجب مُرُوءَة وَإِن استقباحه يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال
قلت وشناعة قبحه بِحَسب رُتْبَة السُّلْطَان بِمَا لَا مزِيد عَلَيْهِ فِي الرذيلة العائدة بشر الْفساد وَيَكْفِي من ذَلِك أُمُور
أَحدهمَا فَوت النَّصِيحَة لأَجله قَالَ الطرطوشي إِذا كَانَ السُّلْطَان بَخِيلًا لم بناصحه أحد وَلَا تصلح الْولَايَة إِلَّا بالمناصحة
الثَّانِي شياع توقع الْمَكْرُوه بِهِ قَالَ أفلاطون إِذا كثر الْمُلُوك الإرجاف بهم
الثَّالِث استلزامه للجور غَالِبا فَفِي الأفلاطونيات قل من يكون من الْمُلُوك بَخِيلًا فَيكون عادلا لِأَن الْعدْل يعطل الضرائب وَإِذا كَانَ بَخِيلًا لم يسمح بإسقاطها
الرَّابِع اتصافه مِنْهُ بشر الْخِصَال فقد قيل شَرّ خِصَال الْمُلُوك الْجُبْن على الْأَعْدَاء وَالْقَسْوَة على الْأَوْلِيَاء وَالْبخل عِنْد الْإِعْطَاء
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة قَالَ الْغَزالِيّ علاج الْبُخْل بِعلم وَهُوَ يرجع إِلَى معرفَة آفَة الْبُخْل وَفَائِدَة الْجُود وبعمل وَهُوَ يرجع إِلَى الْبَذْل على سَبِيل التَّكَلُّف وَلَكِن قد يُقَوي الْبُخْل بِحَيْثُ يعمى ويصم فَيمْنَع تحقق الْمعرفَة بآفاته وَإِذا لم تتَحَقَّق لم تتحرك الرَّغْبَة فَلم يَتَيَسَّر الْعَمَل فِيهِ فَتَصِير عِلّة مزمنة
قَالَ وَمن الْأَدْوِيَة النافعة كَثْرَة التَّأَمُّل فِي أَحْوَال البخلاء ونفور الطَّبْع عَنْهُم فَإِنَّهُ مَا من بخيل إِلَّا ويستقبح الْبُخْل من غَيره ويستثقل كل بخيل فَيعلم أَنه كَذَلِك
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة قَالَ أفلاطون لَا يحسن الْبُخْل إِلَّا فِي أَربع الدّين وَالْحرم وَأَيَّام الْحَيَاة والمقاتلة
قلت لِأَن الشُّح فِي الدّين هُوَ الْخَيْر الَّذِي لَا خير مثله والسخاء الَّذِي لَا خير مثله والسخاء بِالْحرم خسة لَا حضيض بعْدهَا وبأيام الْحَيَاة تضيع مَالا عوض عَنهُ وبالمقاتلة قبل وَقتهَا تغرير لَا تلجأ إِلَيْهِ ضَرُورَة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا
شح الْغَنِيّ فضيحة
من طلب مَا عِنْد الْبَخِيل مَاتَ جوعا
إِذا قصدت الْبَخِيل فِي حَاجَة أبدى لَك الحرمان والعداوة فَهُوَ شَرّ مِنْهُ وَمن لم يواس الإخوان فِي دولته خذلوه فِي نكبته
من نقص الْبَخِيل أَنه يصون مَا فِي ذَات يَده من الْخَارِج عَنهُ ويبذل نَفسه وَقواهُ اللَّتَيْنِ هما ذاتيتان لَهُ فيفضل الْبعيد على الْغَرِيب والوضيع على الرفيع
الْبَخِيل يسخو من عرضه بِمِقْدَار مَا يسخو بِهِ من مَاله والسخي يبخل من عرضه بِمِقْدَار مَا يسخو بِهِ من مَاله
البخلاء يكون عفوهم عَن الذَّنب أسهل عَلَيْهِم من الْمُكَافَأَة على صَغِير الْإِحْسَان
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة من حكايات البخلاء مَا يُقَال أَن مُحَمَّد بن يحي بن خَالِد بن برمك كَانَ بَخِيلًا قَبِيح وَالْبخل فَسئلَ نسيب لَهُ كَانَ يألفه عَنهُ وَقيل لَهُ صف مائدته قَالَ هِيَ فتر فِي فتر وصحائفه منقورة من حب الخشخاش قيل فَمن يحضرها قَالَ الْكِرَام الكاتبون قيل أفيأكل مَعَه أحد قَالَ بل الذُّبَاب قيل واسواة لَهُ فَأَنت خَاص بِهِ وقميصك مخرق قَالَ أَي وَالله مَا أقدر على إبرة أخيطه بهَا وَلَو ملك مُحَمَّد بَيْتا من بَغْدَاد إِلَى النّوبَة مملوءا إبرا ثمَّ جَاءَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عليهما السلام ومعهما يَعْقُوب عليه السلام يضمنُون عَلَيْهِ إبرة ويسألونه إعارتهم إِيَّاهَا ليخيط بهَا قَمِيص يُوسُف الَّذِي قد من دبر مَا فعل