الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى إِذا انحسرت ظلماؤها وانكشفت غطاؤها وَآل الْأَمر إِلَى مآله وَصرح عَن محضه ارْتَفع العبوس وثابت النُّفُوس فتركنا فتنتنا ولزمنا عصمتنا وعرفنا خليفتنا وَمن يجد متابا لم يرد الله بِهِ عقَابا وَمن يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما فَعجب مُعَاوِيَة من فَصَاحَته واستغرب حسن اعتذاره وَعَفا عَنهُ وَأحسن إِلَيْهِ
الْقَاعِدَة السَّابِعَة
كظم الغيظ وَالْغَضَب
وفيهَا طرفان
الطّرف الأول فِي كظم الغيظ وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى من فَضِيلَة التحلي بِهِ زَائِدا على مدحه بقوله تَعَالَى {والكاظمين الغيظ} فَوَائِد عاجلة وآجله
الْفَائِدَة الأولى مَا فِي معلقات البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ الصَّبْر عِنْد الْغَضَب وَالْعَفو عِنْد الْإِسَاءَة فَإِذا فعلوا عظمهم عدوهم وخضع لَهُم
الْفَائِدَة الثَّانِيَة دلَالَة قهر الْغَضَب بِهِ على الشدَّة النافعة فَفِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الشَّديد بالصرعة إِنَّمَا الشَّديد الَّذِي يمسك نَفسه عِنْد الْغَضَب
الْفَائِدَة الثَّالِثَة عظم الْأجر بِهِ وتوفيره فَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من جرعة أعظم جَزَاء عِنْد الله من جرعة غيظ كظمها عِنْد ابْتِغَاء وَجه الله رَوَاهُ ابْن ماجة
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِمَّا يدل على ذمّ التشفي بِمَعْصِيَة الله أَمْرَانِ
أَحدهمَا اخْتِصَاص صَاحبه بِدُخُول جَهَنَّم من بَاب لَا يدْخل مِنْهُ غَيره فَفِي الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مَرْفُوعا أَن لِجَهَنَّم بَابا لَا يدْخلهُ إِلَّا من شفى غيظه بِمَعْصِيَة الله
الثَّانِي إِدْخَال السقم بِهِ على الدّين فَمن كَلَام بَعضهم لَا يحملنك الْغَضَب على اقتراف إِثْم فتشفي غيظك وتسقم دينك
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة الْأَسْبَاب الْمعينَة على كظم الغيظ نَوْعَانِ
أَحدهمَا علمي وَالْآخر عَمَلي
النَّوْع الأول العلمي وَهُوَ أَمْرَانِ
أَحدهمَا الفكرة فِيمَا يحملهُ على الرَّغْبَة فِي ثَوَابه والرهبة من عِقَاب التجاوز عَنهُ إِلَى التشفي والانتقام فَفِي بعض الْكتب السَّابِقَة يَقُول الله تَعَالَى يَا ابْن آدم أذكرني حِين تغْضب أذكرك حِين أغضب فَلَا أمحقك فِيمَن أمحق
الثَّانِي تذكير النَّفس بِمَا فِي الانتقام من نفرة الْقُلُوب عَن المتشفي بِهِ وَمن نسبته إِلَى الخفة والطيش وَأَشد من ذَلِك على الرؤساء إِعْمَال الْحِيلَة عَلَيْهِم فِي طلب الْخَلَاص مِنْهُم مَتى عرفُوا بِسُرْعَة الْبَطْش ومعالجة الانتقام
موعظة يحْكى أَن الْأَمِير شمس الْمَعَالِي كَانَ من محَاسِن
الدُّنْيَا وبهجتها غير أَنه كَانَ شَدِيد السطوة وَمَا زَالَ على هَذَا الْخلق حَتَّى استوحشت النُّفُوس مِنْهُ وانقلبت الْقُلُوب عَنهُ فأجمع أَعْيَان عسكره على خلعه وَنزع الْأَيْدِي عَن طَاعَته فَوَافَقَ هَذَا التَّدْبِير مِنْهُم غيبته عَن جرمان بَلَده فَلم يشْعر بذلك وَلم يخبر حَتَّى قصدوه وَأَرَادُوا الْقَبْض عَلَيْهِ فحامى عَنهُ بعض من كَانَ فِي صحبته من خواصه فنهبوا فيله وأمواله وَرَجَعُوا إِلَى جرجان فملكوها وبعثوا إِلَى وَلَده أبي مَنْصُور وقهروه على الْوُصُول إِلَيْهِم لعقد الْبيعَة لَهُ فأسرع فِي الْحُضُور فَلَمَّا وصل إِلَيْهِم أَجمعُوا على طَاعَته وخلع أَبِيه فَلم يَسعهُ فِي تِلْكَ الْحَال إِلَّا المداراة والإجابة خوفًا على خُرُوج الْملك عَن بَيتهمْ وَلما رأى الْأَمِير شمس الْمَعَالِي تِلْكَ الْحَال توجه إِلَى نَاحيَة بسطَام بِمن مَعَه من الْخَواص لينْظر مَا يسْتَقرّ عَلَيْهِ الْأَمر فَلَمَّا سمع الخارجون عَلَيْهِ انحيازه إِلَى تِلْكَ الْجِهَة حملُوا وَلَده متوجهين قَصده وإزعاجه عَن مَكَانَهُ فَسَار مَعَهم مُضْطَرّا فَلَمَّا وصل إِلَى أَبِيه اجْتمع بِهِ وتباكيا وتشاكيا وغرض الْوَلَد أَن يكون حِجَابا بَينه وَبَين أعدائه وَلَو ذهبت نَفسه فِيهِ وَرَأى الْوَالِد أذلك لَا يجدي وَأَنه أَحَق بِالْملكِ من بعده فَسلم المملكة إِلَيْهِ واستوصاه خيرا بِنَفسِهِ مَا دَامَ على قيد الْحَيَاة واتفقا على أَن يكون فِي بعض القلاع إِلَى أَن يَأْتِيهِ أَجله فَأرْسل إِلَى تِلْكَ القلعة وَشرع الْوَلَد فِي الْإِحْسَان إِلَى الْجَيْش وهم لَا يَخْشونَ خشيَة هجم الْوَالِد وَلَو لم يزَالُوا بِهِ حَتَّى قتل
النَّوْع الثَّانِي العملي وَهُوَ ضَرْبَان
أَحدهمَا أَقْوَال وَالْآخر أَفعَال
الأول مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان وَأَحَدهمَا قد احمر وَجهه وَانْتَفَخَتْ أوداجه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنِّي لأعْلم قولة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد لَو قَالَ أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ذهب عَنهُ مَا يجد فَقَالُوا لَهُ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَقَالَ وَهل بِي من جُنُون
الثَّانِي أَفعَال وَهِي جُلُوس الغاضب من قِيَامه واضطجاعه من جُلُوسه إِن لم يذهب عَنهُ غيظه وَكَذَا وضوءه فَعَن أبي ذَر الْغِفَارِيّ عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا غضب أحدكُم وَهُوَ قَائِم فليجلس فَإِن ذهب عَنهُ الغيظ فليضطجع رَوَاهُ أَبُو دَاوُود وَعَن عَطِيَّة بن عُرْوَة السَّعْدِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِن الْغَضَب من الشَّيْطَان وَإِن الشَّيْطَان خلق من نَار وَإِنَّمَا تُطْفِئ النَّار بِالْمَاءِ فَإِذا غضب أَحَدكُمَا فَليَتَوَضَّأ
فَائِدَة حكمِيَّة الِاضْطِجَاع قرب الْغَضَب من الأَرْض الْمَخْلُوق مِنْهَا ليعرف بذلك ذل نَفسه وَالْمَقْصُود مِنْهَا أَن الْجُلُوس طلب للسكون المضاد للحركة الَّتِي هِيَ حرارة الْغَضَب أَشَارَ إِلَيْهِ الْغَزالِيّ وَقد ذكرُوا أَن بعض الْمُلُوك كَانَ إِذا غضب ألْقى بَين يَدَيْهِ مَفَاتِيح تربة الْمُلُوك
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْوَصْف
كظم الغيظ حلم والحلم صَبر
لَا توقدن بَين جنبيك جَمْرَة الْغَضَب وأردد إساءته بالحلم فَإِن شَجَرَة الثأر إِذا هبت عَلَيْهِ الرِّيَاح تحانت أَغْصَانهَا فتشتعل نَارا وتحترق من أُصُولهَا
ثَلَاثَة من اجْتَمعْنَ فِيهِ فقد سعد من إِذا غضب لم يُخرجهُ غَضَبه عَن الْحق وَإِذا رَضِي لم يدْخلهُ رِضَاهُ فِي الْبَاطِل وَإِذا قدر عَفا
من اتَّقى الله لم يشف غيظه وَمن خَافَ الله لم يفعل مَا يُريدهُ
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من الْمَنْقُول فِي كظم الغيظ لتذكر الثَّوَاب وَالْعِقَاب حكايتان
الْحِكَايَة الأولى يرْوى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه أَمر بِضَرْب رجل ثمَّ قَرَأَ {والكاظمين الغيظ} فأقاله الْحِكَايَة الثَّانِيَة يُقَال أَن عبد الله بن مُسلم قَالَ للرشيد يَا أَمِير