المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سترى فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل جلسا عِنْد الْملك فَلَمَّا قرب النّوم - بدائع السلك في طبائع الملك - جـ ١

[ابن الأزرق]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌بَدَائِع السلك فِي طبائع الْملك

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْكتاب الأول

- ‌النّظر الأول

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌النّظر الثَّالِث

- ‌الطّرف الأول

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْكتاب الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌الرُّكْن التَّاسِع

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌الرُّكْن التَّاسِع عشر

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الثَّالِث

- ‌الْكتاب الرَّابِع

- ‌الْمُقدمَة الأولى فِي تَقْرِير مَا يوطىء للنَّظَر فِي الْملك عقلا وَفِيه عشرُون سَابِقَة

- ‌السَّابِقَة الأولى

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة

- ‌تمهيد قَالَ ابْن خلدون

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة

- ‌السَّابِقَة الْعَاشِرَة

- ‌السَّابِقَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌بَيَان الأول

- ‌بَيَان ثَانِي

- ‌تَنْبِيه

- ‌السَّابِقَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌تَنْبِيه

- ‌استظهار

- ‌السَّابِقَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار بالخليفة

- ‌برهَان وجود

- ‌السَّابِقَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌عاطفة اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌اعْتِبَار

- ‌السَّابِقَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌السَّابِقَة الْعشْرُونَ

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌فِي تمهيد أصُول من الْكَلَام فِي الْملك شرعا

- ‌الْفَاتِحَة الأولى

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة

- ‌وَقَاعِدَة

- ‌الْفَاتِحَة الْحَادِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌استظهار

- ‌الْفَاتِحَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌تَنْزِيل

- ‌الْفَاتِحَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْفَاتِحَة الْعشْرُونَ

- ‌الْكتاب الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أنولع الرياسات وَسبب وجود ذَلِك وَشَرطه

- ‌فِي حَقِيقَة الْملك والخلافة وَسَائِر أَنْوَاع الرياسات

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌النّظر الأول

- ‌فِي حَقِيقَة الْخلَافَة

- ‌الرياسة الأولى

- ‌رياسة كوهن

- ‌الرياسة الثَّانِيَة

- ‌رياسة البابا

- ‌عاطفة تَكْمِيل

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الرياسة غير الشَّرْعِيَّة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي شَرط وجوب الْملك وَهِي

- ‌العصبية أَو مَا يقوم مقَامهَا

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّادِسَة

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة

- ‌تَصْدِيق بواقعين

- ‌اعْتِبَار

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌بَيَان الْعَكْس

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌مزِيد اعْتِبَار

- ‌بَيَان الثَّانِي من وَجْهَيْن

- ‌الْمَسْأَلَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الْمقَام الأول

- ‌الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ

- ‌الطّرف الثَّالِث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي صفة الحروب

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي تعبئة العساكر

- ‌تَنْبِيه

- ‌تَكْمِيل

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي ضرب المصاف وَرَاء العساكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي مَكَائِد مَا قبل الْقِتَال وآدابه

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌فِيمَا يخدع بِهِ الْعَدو عِنْد الْقِتَال

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌فِي مَكَائِد حِصَار المدن والحصون

- ‌فِي الْأَفْعَال الَّتِي تُقَام بهَا صُورَة الْملك ووجوده

- ‌الرُّكْن الأول

- ‌نصب الْوَزير

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌الْموضع الأول الْمشرق

- ‌الْموضع الثَّانِي فِي الْمغرب وَذَلِكَ فِي دوَل

- ‌الْمطلب الأول

- ‌فِي شُرُوطه الضرورية والمكملة

- ‌الْمطلب الثَّالِث

- ‌الرُّكْن الثَّانِي

- ‌إِقَامَة الشَّرِيعَة

- ‌تركيب

- ‌تَنْبِيه

- ‌الرُّكْن الثَّالِث

- ‌إعداد الْجند

- ‌الْعِنَايَة الثَّالِثَة

- ‌فِي اخْتِيَار قَائِم الْجند ورئيسه

- ‌الرُّكْن الرَّابِع

- ‌حفظ المَال

- ‌وَفِيه مسَائِل

- ‌الرُّكْن الْخَامِس

- ‌تَكْثِير الْعِمَارَة

- ‌الرُّكْن السَّادِس

- ‌إِقَامَة الْعدْل

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌تَوْلِيَة الخطط الدِّينِيَّة

- ‌الخطة الأولى

- ‌إِمَامَة الصَّلَاة

- ‌الخطة الثَّانِيَة

- ‌الْفتيا

- ‌الخطة الثَّالِثَة

- ‌التدريس

- ‌الخطة الرَّابِعَة

- ‌الْقَضَاء

- ‌الخطة الْخَامِسَة

- ‌الْعَدَالَة

- ‌الخطة السَّادِسَة

- ‌الْحِسْبَة

- ‌الخطة السَّابِعَة

- ‌السِّكَّة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن

- ‌تَرْتِيب الْمَرَاتِب السُّلْطَانِيَّة

- ‌ الحجابة

- ‌الْمرتبَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة

- ‌نَوَادِر

- ‌الْمرتبَة الثَّانِيَة

- ‌الْكِتَابَة

- ‌الْمَسْأَلَة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة

- ‌الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة

- ‌الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌الْمرتبَة الثَّالِثَة

- ‌ديوَان الْعَمَل والجباية

- ‌الْمرتبَة الرَّابِعَة

- ‌الشرطة

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌رِعَايَة السياسة

- ‌الرُّكْن الْعَاشِر

- ‌وَفِيه مُقَدمَات ومقامات

- ‌الْمقَام الأول

- ‌المستشير

- ‌الْمقَام الثَّانِي

- ‌المستشار

- ‌الْمقَام الثَّالِث

- ‌المستشار فِيهِ

- ‌الْمقَام الرَّابِع

- ‌الرُّكْن الْحَادِي عشر

- ‌بذل النَّصِيحَة

- ‌الرُّكْن الثَّانِي عشر

- ‌إحكام التَّدْبِير

- ‌الرُّكْن الثَّالِث عشر

- ‌تَقْدِيم الْوُلَاة والعمال

- ‌الرُّكْن الرَّابِع عشر

- ‌إتخاذ البطانة وَأهل الْبسَاط

- ‌الرُّكْن الْخَامِس عشر

- ‌تنظيم الْمجْلس وعوائده

- ‌الرُّكْن السَّادِس عشر

- ‌تَقْرِير الظُّهُور والاحتجاب

- ‌وَهُوَ نَوْعَانِ

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْمَمْنُوع مِنْهُ

- ‌الرُّكْن السَّابِع عشر

- ‌رِعَايَة الْخَاصَّة والبطانة

- ‌الرُّكْن الثَّامِن عشر

- ‌ظُهُور الْعِنَايَة بِمن لَهُ حق أَو فِيهِ مَنْفَعَة

- ‌الصِّنْف الثَّالِث

- ‌الصالحون

- ‌الرُّكْن السَّابِع

- ‌مُكَافَأَة ذَوي السوابق

- ‌الرُّكْن الْعشْرُونَ

- ‌تخليد مفاخر الْملك ومآثره

- ‌الْبَاب الثَّانِي

- ‌فِي الصِّفَات الَّتِي تصدر بهَا تِلْكَ الْأَفْعَال على أفضل نظام

- ‌ الْعقل

- ‌الْقَاعِدَة الأولى

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة

- ‌الْعلم

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة

- ‌الشجَاعَة

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة

- ‌الْعِفَّة

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة

- ‌السخاء والجود

- ‌الْمنْهَج الأول

- ‌الْمِنْهَاج الثَّانِي

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة

- ‌الْحلم

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة

- ‌الطّرف الثَّانِي

- ‌فِي الْغَضَب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة

- ‌الْعَفو

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة

- ‌الرِّفْق

- ‌الْقَاعِدَة الْعَاشِرَة

- ‌اللين

- ‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة

- ‌الْوَفَاء بالوعد

- ‌الْقَاعِدَة الثَّالِثَة عشرَة

- ‌الصدْق وضده وَهُوَ الْكَذِب

- ‌الْقَاعِدَة الرَّابِعَة عشرَة

- ‌كتم السِّرّ

- ‌الْقَاعِدَة الْخَامِسَة عشرَة

- ‌الحزم

- ‌الْقَاعِدَة السَّادِسَة عشرَة

- ‌الدهاء والتغافل

- ‌النّظر الثَّانِي

- ‌فِي التغافل

- ‌الْقَاعِدَة السَّابِعَة عشرَة

- ‌التَّوَاضُع

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْكبر

- ‌الْمطلب الثَّانِي

- ‌فِي الْعجب

- ‌الْقَاعِدَة الثَّامِنَة عشرَة

- ‌سَلامَة الصَّدْر من الحقد والحسد

- ‌الطّرف الأول

- ‌فِي الحقد

- ‌الْقَاعِدَة التَّاسِعَة عشرَة

- ‌الصَّبْر

- ‌الْقَاعِدَة الْعشْرُونَ

- ‌الشُّكْر

- ‌النَّوْع الأول

- ‌الْقلب

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌اللِّسَان

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌الأذنان

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْبَصَر

- ‌النَّوْع الْخَامِس

- ‌اليدان

- ‌النَّوْع السَّادِس

- ‌الرّجلَانِ

- ‌النَّوْع السَّابِع

- ‌الْفرج

- ‌النَّوْع الثَّامِن

- ‌الْبَطن

الفصل: سترى فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل جلسا عِنْد الْملك فَلَمَّا قرب النّوم

سترى فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل جلسا عِنْد الْملك فَلَمَّا قرب النّوم قَالَ لَهُ يَا أخي علمت أَنِّي قد رَأَيْت البارحة الْوَزير خَارِجا من عِنْد الْملك دَاخِلا إِلَى دَار النِّسَاء فلحقته فَقلت لله إِلَى أَيْن قَالَ غَلطت فَلم أدر أَيْن أَخذ فَعلمت أَنه لم يسْلك تِلْكَ الطَّرِيق إِلَّا وَقد اعْتَادَ ذَلِك فَلَمَّا أصبح الْملك قبض على وزيره فاستأصله فَمر بِهِ الوصيف يَوْمًا فَقَالَ لَهُ يَا فلَان إِنَّمَا كَانَ خيرا أَن تُعْطِينِي مَا طلبت أَو هَذِه الْحَالة قَالَ وَإنَّك لصاحبي قَالَ نعم قَالَ الله حسيبك قَالَ فَمَا تَقول تُعْطِينِي مَا طلبت أعيدك إِلَى مَنْزِلك قَالَ نعم ثمَّ انْصَرف إِلَى أَخِيه الْمَمْلُوك فحدثه فَقَالَ كَيفَ لَك أَن تصلح مَا أفسدت قَالَ دَعْنِي وَالْأَمر فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل وقارب الْملك النّوم قَالَ الوصيف لِأَخِيهِ وددت أَنِّي لَو كُنَّا لرجل من السوقة قَالَ وَلم قَالَ أَن السوقة إِذا غضب عَلَيْهَا وجدت من ينصفها ويشفع إِلَيْهِم وَالْملك إِذا سخط لَيْسَ إِلَّا الْغَضَب قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ الْوَزير قد علمت نصحه للسُّلْطَان ومصلحته وَمَا آل إِلَيْهِ أمره وَلم أعرف لحاله سَببا فَاسْتَوَى الْملك جَالِسا وَقَالَ وَيحك أَلَسْت أَنْت سَببه قَالَ وَكَيف قَالَ أَلَسْت حدثت أَنه دخل إِلَى دَار النِّسَاء قَالَ أَيهَا الْملك وَإِنَّمَا هَذَا لذاك قَالَ نعم إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي الْمَنَام فندم الْملك على مَا صنع فَلَمَّا أصبح أَعَادَهُ إِلَى مَكَانَهُ

‌الْقَاعِدَة الثَّانِيَة عشرَة

‌الْوَفَاء بالوعد

وَفِيه طرفان

الطّرف الأول فِي الْوَفَاء بالوعد وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى الْآيَات المتضمنة لِلْأَمْرِ بهَا كَثِيرَة

قَالَ النَّوَوِيّ وَمن أَشدّهَا قَوْله تَعَالَى يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَالا تَفْعَلُونَ كبر مقتا عِنْد الله أَن تَقولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ قَالَ وَفِي

ص: 480

الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ آيَة المناطق ثَلَاث إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا أؤتمن خَان ذاد فِي رِوَايَة مُسلم وَإِن صلى وَصَامَ زعم أَنه مُسلم

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مِمَّا يدل على فَضله أَمْرَانِ

أَحدهمَا ثَنَاء الله تَعَالَى بِهِ على نبيه اسماعيل عليه السلام بقوله أَنه كَانَ صَادِق الْوَعْد وَكَانَ رَسُولا نَبيا قيل أَنه واعده إِنْسَان فِي مَوضِع فَلم يرجع إِلَيْهِ فبقى إثنين وَعشْرين يَوْمًا فِي انْتِظَاره

الثَّانِي ضَمَان الْجنَّة بِهِ فِي جملَة خِصَال سِتّ فَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ اضمنوا لي سِتا أضمن لكم الْجنَّة اصدقوا إِذا حدثتم وأوفوا إِذا وعدتم وأدوا إِذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وَكفوا أَيْدِيكُم رَوَاهُ الْحَاكِم

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ النوري أجمع الْعلمَاء أَن من وعد بِمَا لَا يُنْهِي عَنهُ فَيَنْبَغِي أَن يُوفي بوعده وجوبا عِنْد عمر بن عبد الْعَزِيز وَجَمَاعَة واستحبابا عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة وَالْجُمْهُور قَالَ من تَركه فَاتَهُ الْفضل وارتكب كَرَاهَة شَدِيدَة وَلكنه لَا يَأْثَم

قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَعند الملكية إِن ارْتبط بِسَبَب كَقَوْلِه تزوج وَلَك كَذَا وَجب وَإِلَّا فَلَا

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة تَنْزِيه مقَام السُّلْطَان عَن إخلاف الْوَعْد من أوجب مَا يُطَالب بِهِ فَفِي سياسة أرسطو لَا تقل فِيمَا قلت فِيهِ لَا نعم وَلَا نعم فِيمَا قلت فِيهِ لَا إِلَّا أَن يُؤَدِّي إِلَى خلل سياسة ضَرُورِيَّة

ص: 481

قلت وَمِمَّا يُؤَكد ذَلِك زَائِدا على مَا تقدم أَمْرَانِ

أَحدهمَا أَن إخلاف الْوَعْد فِيهِ محذوران إخفاق الْوَعْد وَتَكْذيب الْولَايَة على الْمَوْعُود بِهِ وَهُوَ معنى قَوْلهم الْوَعْد سَحَاب الإنجاز مطره

الثَّانِي أَن الْوَعْد بداية بِإِحْسَان وكماله الْوَفَاء كَمَا قيل حقيق على من أَوْرَق بوعد أَن يُثمر بإنجاز الْوَعْد

كَمَا قيل

(إِذا قلت فِي شَيْء نعم فأتمه

فَإِن نعم دين على الْحر وَاجِب)

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة مِمَّا تقل عَن السّلف الْكَرِيم فِي إنجاز الْوَعْد خبران

الْخَبَر الأول يرْوى أَنه لما ولي أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه جَاءَهُ المَال من الْعمَّال فصحبه فِي الْمَسْجِد ثمَّ أَمر مناديا يُنَادي من كَانَ لَهُ عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ وَسلم دين أَو عدَّة فليحضر قَالَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه يَا خَليفَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لي لَو جَاءَنِي مَال أَعطيتك هَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بكفيه فَسكت فَانْصَرَفت ثمَّ عاودت فَقلت إِمَّا أَن تُعْطِينِي وَإِمَّا أَن تبخل عني فَقَالَ مَا أبخل عَنْك اذْهَبْ فَخذ فَذَهَبت فَأخذت حفْنَة فَقَالَ عدهَا فعددتها فَوجدت فِيهَا خَمْسمِائَة دِينَار قَالَ عد مثلهَا فَانْصَرَفت بِأَلف وَخَمْسمِائة دِينَار

قَالَ الطرطوشي وَأَبُو أَيُّوب من أَغْنِيَاء الصَّحَابَة وَهُوَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم

الْخَبَر الثَّانِي يرْوى أَن عمر رضي الله عنه قَالَ لجرير بن عبد الله

ص: 482

البَجلِيّ رضي الله عنه وَالنَّاس يحاصرون الْعرَاق من قبل الْأَعَاجِم سر إِلَى قَوْمك فَمَا غلبت عَلَيْهِ فلك ربعه فَلَمَّا جمعت غَنَائِم جَلُولَاء ادّعى جرير أَن لَهُ ربع ذَلِك كُله فَكتب سعد إِلَى عمر رضي الله عنهما فَكتب عمر صدق جرير قد قلت ذَلِك لَهُ فَإِن شَاءَ أَن يَقُول قَاتل هُوَ وَقَومه على جعل فَأَعْطوهُ جعله وَإِن يكن إِنَّمَا قَاتل لله وَدينه وحسبه فَهُوَ رجل من الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم فَلَمَّا قدم الْكتاب على سعد أخبر بذلك جَرِيرًا فَقَالَ صدق أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا حَاجَة لي بِهِ بل أَنا رجل من الْمُسلمين

الطّرف الثَّانِي فِي الْوَفَاء بالعهد وَفِيه مسَائِل

الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ مَا حَاصله هُوَ إِكْمَال مَا هُوَ مَطْلُوب قَالَ تَعَالَى وأفوا بعهدي أوف بعهدكم وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} والعهد الْإِعْلَام بالشَّيْء وَالْعقد ربطه وتوثقه وَالله تَعَالَى قد أعلم الْخلق بِمَا شرع وربطهم إِلَى أَمر بِهِ وجوابا أَو ندبا أَو نهي عَنهُ تَحْرِيمًا أَو كَرَاهَة

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قَالَ وَيلْزم الْوَفَاء بِعَهْد الْآدَمِيّ لما فِي الْوَفَاء بِهِ من الْوَفَاء بِعَهْد الله من جِهَة أمره بحفظه وَالْوَفَاء لَهُ حَتَّى لَو كَانَ لكَافِر لقَوْله تَعَالَى فَأتمُّوا لَهُم عَهدهم إِلَى مدتهم إِن الله يحب الْمُتَّقِينَ

ص: 483

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ والعهد بِالْفِعْلِ كالقول كالتفات الْمُحدث هُوَ عهد بِالْكِتْمَانِ

قلت لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِذا حدث رجل رجلا بِحَدِيث ثمَّ الْتفت فَهُوَ أَمَانَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ وَقد يكون مَا عَلَيْهِ فَمَا يضرّهُ إِظْهَاره فعهده عَلَيْهِ أَن يستره وَفِيه ورد لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يَأْمَن جَاره بوائقه

قَالَ إِلَّا أَن بتوجه فِي ذَلِك عَلَيْهِ فتلزم الشَّهَادَة بِهِ

قلت لقَوْله صلى الله عليه وسلم الْمجَالِس بالأمانات إِلَّا ثَلَاثَة سفك دم حرَام أَو فرج حرَام أَو اقتطاع مَال بِغَيْر حق رَوَاهُ أَبُو دَاوُود عَن جَابر رضي الله عنه

الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة السُّلْطَان أَحَق النَّاس برعاية هَذَا الْوَفَاء وترفع منصبه عَن رذيلة مَا يخل بِهِ خُصُوصا حَيْثُ يقْتَرن الْعَهْد بِالْإِيمَان

فَفِي سياسة أرسطو تحفظ من نقض أيمانك فَإِنَّهَا شُعْبَة قَوِيَّة من ديانتك مَا دعَاك إِلَى الْحلف لَا تستعمله إِلَّا لَو حجزت بالمواسى لم تنكثه أبدا فوَاللَّه مَا خربَتْ مملكة ايتاخ وَذكر غَيره إِلَّا أَنهم استعملوا أَيْمَانهم فِي دنياهم وَدينهمْ

الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة المتضمنة لهَذَا الْوَصْف إِذا أَنْت قُمْت بعهود الله تشرعا وإيمانا ورعيت عهود النَّاس مبرة وإحسانا فقد أحرزت من النَّاس حمدا وَمن الله سبحانه وتعالى غفرانا عَلامَة الْإِيمَان حسن الْخَلَائق وإنتاج الْحَقَائِق وبذل الْمرَافِق وَحفظ العهود والمواثق وَالتَّسْلِيم للقدر السَّابِق وعلامة النِّفَاق نقض العهود وَخلف الوعود وَمنع الرفد وَالْكذب فِي الْهزْل وَالْجد

ص: 484

من لَقِي الله بِلِسَان صَادِق وعامل النَّاس بِحسن الْخَلَائق وألزم نَفسه رعي العهود والمواثق فقد أرْضى الْمَخْلُوق والخالق وَأدْركَ بِهِ الْفضل كل سَابق

الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من غَرِيب الْمَنْقُول فِي حفظ الْعَهْد حكايتان

الْحِكَايَة الأولى يرْوى عَن بعض الْمُلُوك أَنه كَانَ لَهُ يَوْم بؤس إِذا خرج فِيهِ وَلَقي أحدا على صفة يكرهها حَبسه أَيَّامًا ثمَّ يَأْمر بِضَرْب عُنُقه فَخرج يَوْمًا فلقي رجلا لم يكن لَهُ علم بِشَأْنِهِ على الصّفة الَّتِي كَانَ ينكرها فَأمر بحبسه وَأعلم الرجل بِالْأَمر فَحَمدَ الله وَسلم لَهُ قدره فَلَمَّا قرب الْأَمر كتب الْملك يرغب فِي تخلية سَبيله ليودع أَهله ويوصي فِي مَاله فَأحْضرهُ وَقَالَ لَهُ هَذَا أَمر لَا يكون إِلَّا بضامن من آخذه بِمَا أطلبك بِهِ فَنظر الرجل بالحاضرين يَمِينا وَشمَالًا يَده إِلَى رجل فِي الْمجْلس وَقَالَ هَذَا يضمنني فَقَالَ لَهُ الْملك أتضمنه وَقد عرفت مَا يُرَاد بِهِ فَقَالَ نعم فَقَامَ بحبسه مَكَانَهُ ونهض الْمَضْمُون إِلَى بَلَده فأوصى فِي مَاله وودع أَهله وَانْصَرف وَقد وَافق يَوْم تَمام الْمدَّة فَلَمَّا اسْتَأْذن على الْملك أَمر بإحضارهما مَعًا وَقَالَ للضامن مَا حملك على ضَمَانه والمخاطرة على نَفسك فِي شَأْنه وَلَو تَأَخّر سَاعَة لقتلتك مَكَانَهُ

قَالَ لَهُ أَيهَا الْملك مَا رَأَيْت وَقد وثق بِي أَن أخلف ظَنّه فِي فراجع الْمَضْمُون وَقَالَ لَهُ مَا حملك على الرُّجُوع وَأَنت قَادر على تخلصك وَقد علمت مَا يُرَاد بك قَالَ لم يكن يجمل فِي أَن أرَاهُ مَكَان الثِّقَة فيراني مَكَان الْغدر فَعجب الْملك من وفائهما جَمِيعًا وَعَفا عَنْهُمَا وَرفع ذَلِك الْيَوْم وَلم يَقْصِدهُ بعد

الْحِكَايَة الثَّانِيَة ذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي سلوة الأحزان أَنه لما أفضت الْخلَافَة إِلَى أبي الْعَبَّاس السفاح اختفى من بني أُميَّة إِبْرَاهِيم ابْن سُلَيْمَان ابْن عبد الْملك حَتَّى أَخذ لَهُ على بن دَاوُود أَمَانًا من أبي الْعَبَّاس السفاح

فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس يَوْمًا أَخْبرنِي عَمَّا مر بك فِي اختفائك فَقَالَ كنت

ص: 485

يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مختفيا فِي الْحيرَة فِي منزل شَارِع فِي الصَّحرَاء فَبَيْنَمَا أَنا ذَات يَوْم على ظهر بَيْتِي إِذْ نظرت إِلَى أَعْلَام سود خرجت من الْكُوفَة يردن الْحيرَة فَوَقع فِي قلبِي أَنَّهَا تريدني فَخرجت من الدَّار متنكرا حَتَّى دخلت الْكُوفَة وَلَا أعرف بهَا أحدا أختفي عِنْده فَدخلت مرتادا فَإِذا أَنا بِبَاب كَبِير ورحبة وَاسِعَة فَدخلت الرحبة فَجَلَست فِيهَا فَإِذا أَنا بِرَجُل وسيم حسن الْهَيْئَة على فرس فَدخل الرحبة وَمَعَهُ جمَاعَة من أَصْحَابه وَأَتْبَاعه فَقَالَ لي من أَنْت وَمَا حَاجَتك فَقلت رجل خَائِف على دَمه مستجير بمنزلك قَالَ فَأَدْخلنِي منزله ثمَّ صيرني فِي حجرَة تلِي حرمه فَمَكثت عِنْده حولا فِي كل مَا أُرِيد وَأحب من مطعم ومشرب وملبس لَا يسألني شَيْئا من حَالي ويركب كل يَوْم وَلَيْلَة فَقلت لَهُ يَوْمًا أَرَاك تدمن الرّكُوب فَفِيمَ ذَلِك فَقَالَ إِن إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان قتل أبي صبرا وَقد بَلغنِي أَنه مختف فَأَنا أطلبه لأدرك ثَأْرِي فَكثر تعجبي إِذْ ساقني الْقدر إِلَى الاختفاء فِي منزل من يطْلب دمي فَكرِهت الْحَيَاة فَسَأَلت الرجل عَن اسْمه وَاسم أَبِيه فَأَخْبرنِي بهما فَعلمت أَنِّي قتلت أَبَاهُ فَقلت يَا هَذَا قد وَجب حَقك عَليّ وَمن حَقك أَن أقرب عَلَيْك الخطوة وَقَالَ مَا ذَلِك قلت أَنا إِبْرَاهِيم بن سُلَيْمَان قَاتل أَبِيك فَخذ بثأرك فَقَالَ لَعَلَّك رجل مضاه الاختفاء فَأحب الْمَوْت قلت بل الْحق مَا قلت لَك أَنا قتلت أَبَاك فِي يَوْم كَذَا بِسَبَب كَذَا فَلَمَّا عرف أَنِّي صَادِق إلابد وَجهه واحمرت عَيناهُ وأطرق مَلِيًّا ثمَّ قَالَ أما أَنْت فستلقى أبي فَيَأْخُذ بِحقِّهِ مِنْك وَأما أَنا فَغير مخفر ذِمَّتِي فَاخْرُج عني فلست آمن نَفسِي عَلَيْك وَأَعْطَانِي ألف دِينَار فَلم أقبلها وَخرجت من عِنْده فَهُوَ أكْرم رجل رَأَيْت

ص: 486