الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّابِع أَن يرى لنَفسِهِ فضلا على من تقدمه بل يرى الْفضل عَلَيْهِ ويتخوف على ذمَّته
قَالَ لقَوْله صلى الله عليه وسلم الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن
الْخَامِس أَن يكون أكبر اهتمامه التحفظ من الْبدع المحدثة لنه علم للعامة فِي الإقتداء بِهِ خُصُوصا مَا يَقع من ذَلِك فِي الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ من رَعيته
الخطة الثَّانِيَة
الْفتيا
وفيهَا بِحَسب الْوَضع مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى شرف هَذِه الْمنزلَة فِي الْمَرَاتِب الدِّينِيَّة لَا يحفى على متأمل وَيَكْفِي من ذَلِك أَن صَاحبهَا قَائِم فِي الْأمة مقَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لمرين
أَحدهمَا صَرِيح النَّص بذلك فَفِي الحَدِيث الْعلمَاء وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وَأَن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا دِينَار وَلَا درهما وَإِنَّمَا ورثوا الْعلم وَمن ثمَّ قيل الْمُفْتِي موقع عَن الله
الثَّانِي نيابته عَنهُ صلى الله عليه وسلم فِي تَبْلِيغ الْأَحْكَام لقَوْله أَلا ليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب وَقَالَ بلغُوا عني وَلَو آيَة وَهُوَ معنى كَونه يقوم مقَامه صلى الله عليه وسلم فِي التَّبْلِيغ والتعليم
اعْتِرَاف بِفضل
روى سهل بن عبد الله أَنه قَالَ من أَرَادَ أَن ينظر إِلَى مجَالِس
الْأَنْبِيَاء عيهم السَّلَام فَلْينْظر إِلَى مجَالِس الْعلمَاء يَجِيء الرجل فَيَقُول مَا تَقول فِي رجل حلف على امْرَأَته بِكَذَا فَيَقُول طلقت امْرَأَته وَهَذَا مقَام الْأَنْبِيَاء فاعرفوا لَهُم ذَلِك
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة ابْن خلدون للخليفة تصفح أهل الْعلم والتدريس ورد الْفتيا إِلَى من هُوَ أهل لَهَا وإعانته على ذَلِك وَمنع من لَيْسَ بِأَهْل لَهَا وزجرها لِأَنَّهَا من مصَالح الْمُسلمين فِي أديانهم فَيجب عيه مراعاتها لِئَلَّا يتَعَرَّض لذَلِك من لَيْسَ بِأَهْل فيضل النَّاس انْتهى
قلت لقَوْله صلى الله عليه وسلم إِن الله لَا يقبض الْعلم الحَدِيث
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا كَانَ الإِمَام لَا يسْتَقلّ بِهَذَا التصفح لفَوَات الْعلم بِهِ فَيَكْفِي استطلاع مَا عِنْد عُلَمَاء الْوَقْت فِي أَهْلِيَّة الْمصدر للْفَتْوَى مَعَ علمه هُوَ ذَلِك من نَفسه وَهُوَ معنى قَوْلهم لَا يُفْتى حَتَّى يرَاهُ النَّاس أَهلا لذَلِك وَيرى هُوَ نَفسه أَهلا لذَلِك فَإِن فقدوا أَو كَانَت معرفتهم لَا توفى بذلك وَرَأى هَذَا الْمُقدم أَنه أهل فولايته صَحِيحَة لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن تعْيين الْأُمَرَاء من يقوم بِوَاجِب التَّنْفِيذ حَتَّى يثبت أَنه لَيْسَ بِأَهْل وَإِلَّا انخرم نظام الدُّنْيَا
الثَّانِي أَن اعْتِقَاد هَذَا المبدأ أَهْلِيَّته لذَلِك كَافِيَة فِي انتصابه حَيْثُ لَا يكون هُنَاكَ غَيره وَلَو لم يقدم أحد فَكيف بِهَذَا قَالَه الشَّيْخ الإِمَام أَبُو اسحق الشاطبي فِي بعض تقييداته
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ ابْن الصّلاح يشْتَرط فِيهِ أَن يكون مُكَلّفا
مُسلما ثِقَة مَأْمُونا منزها عَن أَسبَاب الفسوق ومسقطات الْمُرُوءَة لِأَن من لم يكن كَذَلِك فَقَوله غير صَالح للاعتماد وَإِن كَانَ من أهل الِاجْتِهَاد وَيكون فَقير النَّفس سليم الذِّهْن رصين الْفِكر صَحِيح التَّصَرُّف والاستنباط متيقظا
قلت ودرجاته بعد ذَلِك مقررة فِي موَاضعهَا من كتب الْأُصُول وَغَيرهَا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة قَالَ الشَّيْخ أَبُو اسحاق الشاطبي الْمُفْتِي البالع ذرْوَة الدرجَة هُوَ الَّذِي يحمل النَّاس على الْمَعْهُود الْوسط فِيمَا يَلِيق بالجمهور فَلَا يذهب يهم الشدَّة وَلَا يمِيل بهم إِلَى طرف الإنحلال
قلت مِمَّا اسْتدلَّ بِهِ على صِحَة ذَلِك أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن من قصد الشَّارِع حمل الْمُكَلف على التَّوَسُّط من إفراط وَلَا تَفْرِيط وَهُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقيم الَّذِي جَاءَ بِهِ وَحِينَئِذٍ فالخروج عَن ذَلِك فِي المستفتي انحراف عَن ذَلِك الْمَقْصد
قَالَ لذَلِك كَانَ مَا خرج عَن الْمَذْهَب الْوسط مذموما عِنْد الْعلمَاء الراسخين
الثَّانِي أَن الْخُرُوج إِلَى الْأَطْرَاف حائد عَن الْعدْل وناكب عَن صراطه وَحِينَئِذٍ فَلَا مصلحَة فِيهِ الْبَتَّةَ أما فِي طرف التَّشْدِيد فَلَمَّا فِيهِ من الْحَرج الْمُؤَدِّي لِبُغْض الدّين والانقطاع عَن التزود بِهِ إِلَى الْمعَاد وَأما فِي طرف الانحلال فَلَمَّا فِيهِ من اتِّبَاع الْهوى والشهوة
قلت وَعند ذَلِك فَمن عرف بالتساهل فِي فتياه من هَذِه الْجِهَة منع استفتاؤه وَهِي
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة كَمَا صرح بِهِ ابْن الصّلاح قَائِلا أَن من فعل ذَلِك بِأَن تحمله الْأَغْرَاض الْفَاسِدَة على تتبع الْحِيَل الممنوعة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص على من يُرِيد نَفعه أَو التَّغْلِيظ على من يقْصد ضره فقد هان عَلَيْهِ دينه ونسأل الله الْعَفو والعافية
الْتِفَات قَالَ وَإِذا صَحَّ قَصده فِي تطلب حِيلَة لَا شُبْهَة فِيهَا وَلَا تجر إِلَى مفْسدَة ليتخلص بهَا المستفتي من ورطة يَمِين أَو نَحْوهَا فَذَلِك حسن جميل فقد قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِنَّمَا الْعلم عندنَا الرُّخْصَة من ثِقَة فَأَما التَّشْدِيد فيحسنه كل أحد
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا كَانَ التساهل فِي الْفتيا مَانِعا من استفتاء من عرف بِهِ فَمن الْوَاجِب على السُّلْطَان أَن يكون أول مُمْتَنع من ذَلِك فِي نَفسه وَأولى أَن لَا يكلفه التمَاس رخصَة على غير شَرطهَا يطبق بهَا غَرَضه بِتَقْدِير أَنه مَا كَانَ يساعده لَوْلَا هَذَا التَّكْلِيف أما أَولا فَلَمَّا يخْشَى من وزر ذَلِك فِي الْجُمْلَة
وَفِي حكم الْهِنْد وَهُوَ ظَاهر من التمس من الإخوان الرُّخْصَة عِنْد المشورة وَمن الْأَطِبَّاء عِنْد الْمَرَض وَمن الْفُقَهَاء عِنْد الشُّبْهَة أَخطَأ الرَّأْي وأزداد مَرضا أَو تحمل الْوزر
أما ثَانِيًا فَلَمَّا ينشأ عَنهُ من إِدْخَال الْفساد بِهِ على الدّين من وُجُوه لَا تخفى مَعَ التَّأَمُّل وَهُوَ لَا محَالة مُوجب لتضعيف وزره أضعافا مضاعفة وَفِي مثل ذَلِك قَالَ ابْن الْمُبَارك
(وَهل افسد الدّين إِلَّا الْمُلُوك
…
وأخبار سوء ورهبانها)
(وَبَاعُوا النُّفُوس وَلم يربحوا
…
وَلم تغل فِي البيع أثمانه) ا
(لقد رتع الْقَوْم فِي جيفة
…
يبين لذِي الْعقل أنتانها)
تَعْرِيف من مَشْهُور مَا وَقع من تساهل طلب الرُّخْصَة فِي الْفتيا على غير شَرطهَا إرضاء للسُّلْطَان بِمَا يُتَابع هَوَاهُ مَا حَكَاهُ عِيَاض وَغَيره عَن مُحَمَّد بن يحي بن لبَابَة أخي الشَّيْخ ابْن لبَابَة الشهير وَذَلِكَ أَنه عزل عَن قَضَاء البيرة لرفع أَهلهَا عَلَيْهِ ثمَّ عَن الشورى لأمور نقمت عَلَيْهِ وسجل بسخطه القَاضِي حبيب ابْن زِيَاد وَأمر بِإِسْقَاط عَدَالَته وإلزامه بَيته وَأَن لَا يُفْتِي أحدا فَأَقَامَ على ذَلِك وقتا
ثمَّ إِن النَّاصِر احْتَاجَ إِلَى شِرَاء مجشر من أحباس المرضى بقرطبة بعدوة
النَّهر فتشكي إِلَى القَاضِي ابْن بَقِي ضَرُورَته إِلَيْهِ لقابلته منزهة وتأذيه برؤيتهم أَو أَن تطلعه من علالية فَقَالَ لَهُ ابْن بقى لَا حِيلَة عِنْدِي فِيهِ وَهُوَ أولى أَن يحاط لحُرْمَة الْحَبْس فَقَالَ لَهُ تكلم مَعَ الْفُقَهَاء فِيهِ وعرفهم رغبتي وَمَا أجزله لَهُ من أَضْعَاف الْقيمَة فِيهِ فلعلهم أَن يَجدوا فِي ذَلِك رخصَة
فَتكلم ابْن بَقِي مَعَهم فَلم يَجدوا إِلَيْهِ سَبِيلا فَغَضب النَّاصِر عَلَيْهِم وَأمر الوزراء بالتوجيه فيهم إِلَى الْقصر وتوبيخهم فجرت فجرت بَينهم وَبَين الوزراء مكالمة وَلم يصل النَّاصِر مَعَهم إِلَى مَقْصُوده وَبلغ ابْن لبَابَة هَذَا الْخَبَر فَرفع إِلَى النَّاصِر من أَصْحَابه الْفُقَهَاء وَيَقُول إِنَّهُم حجروا عَلَيْهِ وَاسِعًا وَلَو كَانَ حَاضرا لأفتاه بِجَوَاز الْمُعَاوضَة وتقلدها وناظر أَصْحَابه فِيهَا فَوَقع الْأَمر بِنَفس النَّاصِر وَأمر بِإِعَادَة مُحَمَّد بن لبَابَة إِلَى الشورى إِلَى حَالَته الأولى
ثمَّ أَمر القَاضِي بِإِعَادَة الشورى فِي الْمَسْأَلَة فَاجْتمع القَاضِي وَالْفُقَهَاء وَجَاء ابْن لبَابَة آخِرهم وعرفهم القَاضِي ابْن بَقِي بِالْمَسْأَلَة الَّتِي جمعهم من أجلهَا وغبطة الْمُعَاوضَة فِيهَا فَقَالَ جَمِيعهم بقَوْلهمْ الأول من الْمَنْع بتغيير الْحَبْس عَن وَجهه وَابْن لبَابَة سَاكِت فَقَالَ لَهُ القَاضِي مَا تَقول أَنْت يَا أَبَا عبد الله قَالَ أما قَول إمامنا مَالك بن أنس فَالَّذِي قَالَه أَصْحَابنَا الْفُقَهَاء وَأما أهل الْعرَاق فَإِنَّهُم لَا يجيزون الْحَبْس أصلا وهم عُلَمَاء أَعْلَام يَهْتَدِي بهم أَكثر الْأمة وَإِذ بأمير الْمُؤمنِينَ من الْحَاجة إِلَى هَذَا المجشر مَا بِهِ فَمَا يَنْبَغِي أَن يرد عَنهُ وَله فِي السّنة فسحة وَأَنا أَقُول بقول أهل الْعرَاق وأتقلد ذَلِك رَأيا فَقَالَ لَهُ الْفُقَهَاء سُبْحَانَ الله تتْرك قَول مَالك الَّذِي أفتى بِهِ أسلافنا ومضوا عَلَيْهِ واعتقدناه بعدهمْ وأفتينا بِهِ لَا نحيد عَنهُ بِوَجْه وَهُوَ رأى أَمِير
الْمُؤمنِينَ ورأي الْأَئِمَّة آبَائِهِ فَقَالَ لَهُم مُحَمَّد بن يحي ناشدتكم الله الْعَظِيم ألم تزل بِأحد مِنْكُم ملمة بلغت بكم أَن أَخَذْتُم فِيهَا بقول بِغَيْر قَول مَالك فِي خَاصَّة أَنفسكُم وأرخصتم لأنفسكم فِي ذَلِك قَالُوا بلَى قَالَ فَأمر أَمِير الْمُؤمنِينَ أولى بذلك فَخُذُوا بِهِ مأخذكم وتعلقوا بقول من يُوَافقهُ من الْعلمَاء فكلهم قدوة فَسَكَتُوا فَقَالَ للْقَاضِي أَنه إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ فتياي فَكتب القَاضِي إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ بِصُورَة الْمجْلس وَبَقِي مَعَ أَصْحَابه بمكانهم إِلَى أَن أَتَى الْجَواب بِأَن يُؤْخَذ لَهُ بِفُتْيَا مُحَمَّد بن يحيى بن لبَابَة وَينفذ ذَلِك ويعوض للمرضى من هَذَا المجشر بأملاك ثمينة عَجِيبَة وَكَانَت عَظِيمَة الْقدر جدا تزيد أضعافا على المجشر ثمَّ جِيءَ من عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ بِكِتَاب مِنْهُ إِلَى أَيْن لبَابَة بولايته خطة الوثائق ليَكُون هُوَ الْمُتَوَلِي لعقد هَذِه الْمُعَاوضَة فهنيء بِالْولَايَةِ وأمضى القَاضِي الحكم بفتواه وَأشْهد عَلَيْهِ وَانْصَرفُوا فَلم يزل ابْن لبَابَة يتقلد خطة الوثائق الشورى إِلَى أَن مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة
قَالَ عِيَاض ذاكرت بعض مَشَايِخنَا بِهَذَا الْخَبَر فَقَالَ يَنْبَغِي أَن يُضَاف هَذَا إِلَى الْخَبَر الَّذِي حل مَحل السخطة إِلَى سجل السخطة فَهُوَ أولى ولأشد فِي السخطة مِمَّا تضمنه أَو كَمَا قَالَ
توضيح قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشاطبي وشأن مثل هَذَا لَا يحل لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَنه لم يحِق الْمَذْهَب الَّذِي حكم بِهِ لن الْعِرَاقِيّين لَا يبطلون الإحباس مُطلقًا بل مَذْهَبهم قريب من مَذْهَب مَالك كَمَا فِي كتب الحنيفة
الثَّانِي على تَسْلِيم صِحَّته بترجيح أحد الْقَوْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ بالوجوه الْمُعْتَبرَة شرعا اتِّفَاقًا لَا بالصحبة أَو الْإِمَارَة أَو قَضَاء الْحَاجة قَالَ فَكل من اعْتمد على تَقْلِيد قَول غير مُحَقّق أَو رجح بِغَيْر معنى مُعْتَبر فقد خلع الربقة واستبد إِلَى غير شرع عَافَانَا الله من ذَلِك بفضله