الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَاعِدَة الثَّالِثَة عشرَة
الصدْق وضده وَهُوَ الْكَذِب
وَذَلِكَ فِيهِ مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ النَّوَوِيّ هُوَ من قبائح الذُّنُوب وفواحش الْعُيُوب وَإِجْمَاع الْأمة مُنْعَقد على تَحْرِيمه مَعَ النُّصُوص الْوَارِدَة فِيهِ كتابا وَسنة
قلت والوارد من ذَلِك وعيدان
الْوَعيد الأول شقّ شدقيه من لدن مماته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
فَفِي الصَّحِيح عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَأَيْت اللَّيْلَة رجلَيْنِ أتياني قَالَا لي الَّذِي رَأَيْته يشق شدقيه فكذاب يكذب الكذبة فَتحمل عَنهُ حَتَّى تبلغ الْآفَاق فيصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
الْوَعيد الثَّانِي ترديد الويل عَلَيْهِ دلَالَة على قبح جِنَايَته فَعَن أبن عبد الْحَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ويل للَّذي يحدث الحَدِيث ليضحك بِهِ الْقَوْم فيكذب ويل لَهُ ويل لَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَفِيه يحْسب السُّلْطَان وعيدان
الْوَعيد الأول إِعْرَاض الله تَعَالَى عَنهُ مَعَ مَاله من أَلِيم الْعَذَاب فَفِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ينظر طالبهم وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم شيخ زَان وَملك كَذَّاب وعائل مستكبر
الْوَعيد الثَّانِي مَنعه من دُخُوله الْجنَّة فَعَن سلمَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة الشَّيْخ الزَّانِي وَإِمَام الْكَاذِب والعائل المزهو رَوَاهُ الْبَزَّاز والعائل الْفَقِير هُوَ الْفَقِير المزهو المتكبر بِنَفسِهِ
تَوْجِيه قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ الإِمَام الْكذَّاب شَرّ الْخلق عِنْد الله تَعَالَى لِأَن الْكذَّاب إِنَّمَا يكذب حِيلَة لما يعجز عَنهُ وَلَيْسَ فَوق الإِمَام يَد وَلَا دونه شَيْء مِمَّا يعْتَاد دركه فَإِذا صادره بِالْكَذِبِ نزل عَن الْكَرَامَة إِلَى الخسة وَعَن الطَّاقَة إِلَى الْمعْصِيَة
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة كَمَا غلظ وَعِيد كذب السُّلْطَان فَكَذَا تَصْدِيقه فَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لكعب بن عجْرَة أَعَاذَك الله من إِمَارَة السُّفَهَاء فَقَالُوا مَا إِمَارَة السُّفَهَاء قَالَ أُمَرَاء يكونُونَ من بعدِي لَا يَهْتَدُونَ بهديي وَلَا يستنون بِسنتي فَمن صدقهم فِي كذبهمْ وَأَعَانَهُمْ على ظلمهم فألئك لَيْسُوا مني وَلست مِنْهُم وَلَا يردون على حَوْضِي وَمن لم يُصدقهُمْ وَلم يُعِنْهُمْ على ظلمهم فألئك مني وَأَنا مِنْهُم وَسَيَرِدُ عَليّ حَوْضِي الحَدِيث
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد اللَّفْظ لَهُ ولغير وَاحِد قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ صَحِيح
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة من شؤمه على الْجُمْلَة آفتان
الآفة الأولى هدايته إِلَى الْفُجُور الْمُؤَدِّي إِلَى النَّار فَفِي الصَّحِيح عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَالْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَلَا يزَال الرجل يصدق ويتحرى الصدْق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَأَن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَمَا يزَال العَبْد يكذب ويتحرى الْكَذِب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
الآفة الثَّانِيَة اسوداد الْقلب فَفِي الْمُوَطَّأ أَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يزَال العَبْد يكذب ويتحرى الْكَذِب فينكت فِي قلبه نُكْتَة سَوْدَاء حَتَّى يسود قلبه فَيكْتب عِنْد الله من الْكَاذِبين
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من مفاسده بِاعْتِبَار السُّلْطَان محذورا أَن
الْمَحْذُور الأول إفضاؤه بِعَدَمِ الوثوق بوعد السُّلْطَان ووعيده وَقد قَالَ الْحُكَمَاء خراب الْبِلَاد وَفَسَاد الْعباد مقرون بأبطال الْوَعْد والوعيد من الْمُلُوك
الْمَحْذُور الثَّانِي إنذاره بِمَا يعود بخراب الدولة فَفِي الأفلاطونيات كذب الْملك وغدره من أكبر الْأَدِلَّة على حَادث فِي مَمْلَكَته يحدث وشباب فِي نظمها لِأَنَّهَا مثل تَخْلِيط العليل فِي الْعلَّة الَّتِي لَا يكون إِلَّا عَن قُوَّة من الْمَرَض وَشدَّة قهر للبدن
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة ثَبت فِي الصَّحِيح جَوَاز الْكَذِب للْمصْلحَة فِي ثَلَاث
الْحَرْب والإصلاح بَين النَّاس وَحَدِيث الرجل امْرَأَته وَالْمَرْأَة زَوجهَا
قَالَ الْغَزالِيّ وَفِي مَعْنَاهَا مَا ارْتبط بِهِ غَرَض صَحِيح لَهُ أَو لغيره
قَالَ النَّوَوِيّ ضابطا لذَلِك الْكَلَام وَسِيلَة إِلَى الْمَقَاصِد والمحمود مِنْهَا أَن أمكن التَّوَصُّل إِلَيْهِ بِالصّدقِ وَالْكذب مَعًا حرم فِيهِ الْكَذِب وَإِن لم يكن إِلَّا بِالْكَذِبِ فَهُوَ فِي حكم الْمَقْصُود جَوَازًا ووجوبا نعم يَنْبَغِي الِاحْتِرَاز مِنْهُ مَا أمكن خشيَة التجاوز بِهِ عَن حد الضَّرُورَة انْتهى مُلَخصا
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة مِمَّا هُوَ فِي معنى الْمَوَاضِع الْجَائِز فِي حق السُّلْطَان فِيهَا الْكَذِب لما يعرض مِنْهُ للسُّلْطَان فِي استمالة العصاة إِلَى أَن قَالَ مَا نَصه أَن احْتَاجَ الْملك إِلَى الذب فِي مداهنة بعض
المفسدين لم يلْحقهُ الْوَعيد لِأَنَّهُ أحد الْمَوَاضِع الَّتِي اسْتثْنى فِيهَا جَوَاز الْكَذِب
قلت فِي الأفلاطونيات لَا يَنْبَغِي أَن يُطلق الْملك الْكَذِب فِي المملكة إِلَّا للخيار المعروفين بالإصلاح بَين النَّاس المستعملين لَهُ عِنْد تقريب مَا بَين المتباعدين فَإِن الْكَذِب يشبه العقاقير القاتلة الَّتِي تحْتَاج فِي الْأَدْوِيَة إِلَى اسْتِعْمَال الْيَسِير مِنْهَا فَلَيْسَ يجب أَن يُطلق ذَلِك العقاقير إِلَّا للصالحين من الصيادلة الَّذين لَا يبيعونها لمن يقتل بهَا أحدا من النَّاس
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة قَالَ النَّوَوِيّ التورية والتعريض مَعْنَاهَا إِطْلَاق لفظ ظَاهر فِي معنى المُرَاد بِهِ معنى آخر يتَنَاوَلهُ ذَلِك اللَّفْظ على خلاف الظَّاهِر وَهُوَ وخداع فَإِن اقتضته مصلحَة شَرْعِيَّة راجحة على خداع الْمُخَاطب أَو حَاجَة لَا مندوحة عَنْهَا إِلَّا بِالْكَذِبِ فَلَا بَأْس بالتعريض وَإِلَّا فَهُوَ مَكْرُوه إِلَّا أَن يتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخذ بَاطِل أَو دفع حق فَيحرم
قَالَ مِثَال التَّعْرِيض الْمُبَاح قَول النَّخعِيّ إِذا بلغ الرجل عَنْك شَيْئا قلته فَقيل الله يعلم مَا قلت من ذَلِك شَيْئا فيتوهم السَّامع النَّفْي ومقصودك الله يعلم الَّذِي قلته قَالَ مَا حَاصله فعلى مثله ينزل قَول السّلف فِي المعاريض مندوحة عَن الْكَذِب وَقَوْلهمْ الْكَلَام أوسع من أَن يكذب ظريف
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة يحب التثبت فِيمَا يحْكى لما ورد من النَّهْي عَن التحديث