الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُؤمنِينَ أَسأَلك بِالَّذِي أَنْت بَين يَدَيْهِ غَدا أذلّ مني بَين يَديك الْيَوْم وَبِالَّذِي هُوَ أقدر على عقابك مِنْك عَليّ إِلَّا مَا عَفَوْت عني فَعَفَا وأمنه من عِقَاب
الطّرف الثَّانِي
فِي الْغَضَب
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى مِمَّا يدل على ذمه وَجْهَان
أَحدهمَا تَكْرِير الْوَصِيَّة باجتنابه فَفِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ أَن رجلا قَالَ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم أوصني فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا تغْضب فردد عَلَيْهِ مرَارًا لَا تغْضب
الثَّانِي دلَالَة التباعد بِتَرْكِهِ عَن غضب الله تَعَالَى على الْقرب من ذَلِك الْغَضَب بارتكابه فَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا يَمْنعنِي من غضب الله تَعَالَى قَالَ لَا تغْضب
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة حَقِيقَة غليان دم الْقلب موجدة على من دونه فيحمر ظَاهره بانتشار دَمه وعَلى من فَوْقه فيصفر وَينْقص دَمه جَريا وعَلى مثله فيحمر ويصفر لتردده فِيهِ
قَالَ الْغَزالِيّ وَمَتى اشتدت ناره أعمت صَاحبهَا وأصمته فَإِذا وعظ لم يسمع وَإِن استضاء بِنور عقله لم يقدر أَن يُطْفِئ بِهِ نَار غَضَبه
مَسْأَلَة الثَّالِثَة دَرَجَات النَّاس فِيهِ
أول الْفطْرَة ثَلَاث
أَحدهمَا طرف التَّفْرِيط بفقده أَو ضعفه وَهِي نقص عَن الْكَمَال وَلذَلِك قَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أستغضب وَلم يغْضب فَهُوَ حمَار
الثَّانِيَة طرف الإفراط وَسبب غلبته أُمُور غريزية أَو اعتيادية فَرب إِنْسَان هُوَ بالفطرة مستعد لسرعة الْغَضَب أَو اعتيادي لمخالطة من يمتدح بالتشفي والانتقام وَهُوَ أَيْضا نقص مَذْمُوم
الثَّالِثَة وسط مَا بَين الطَّرفَيْنِ وَهُوَ الإعتدال الْمَحْمُود لعمله بِإِشَارَة الْعقل وَالتَّدْبِير انبعاثا وألطافا
قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ فَمن مَال غَضَبه إِلَى الفتور عالجه بِمَا يقويه وَمن مَال غَضَبه إِلَى الإفراط عالجه بِمَا يكسر من سورته ليقفه على الْوسط بَين الطَّرفَيْنِ فَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم
قلت شبهه أفلاطون بالملح فِي الطَّعَام إِن كَانَ بِقدر مُوَافق أصلحه وَإِن كَانَ بزائد أفْسدهُ
قَالَ وَكَذَا سَائِر القوى
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة الْأَسْبَاب المهيجة للغضب الْكبر والزهو وَالْعجب والمزاح والهزل والتعيير والمارات والمضادات والغدو وَشدَّة الْحِرْص على فضول المَال والجاه وَتَسْمِيَة الْغَضَب بِالْأَلْقَابِ المحمودة كالشجاعة والرجلة وَعزة النَّفس وَكبر الهمة جهلا
قَالَ الْغَزالِيّ وَهِي بأجمعها أَخْلَاق مذمومة شرعا لَا بُد إِزَالَتهَا بأضدادها إِذْ لَا خلاص من الْغَضَب مَعَ بَقَائِهَا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من أعظم مضراته الْبَاطِنَة آفتان
الآفة الأولى مَا يكْسب الْقلب من صِفَات الذَّم وَالظُّلم والإستخفاف وتحقير الْخلق وَإِرَادَة الشَّرّ وَمَا فِي معنى ذَلِك
والآفة الثَّانِيَة اسْتِيلَاء الشَّيْطَان بِهِ وتلاعبه بِصَاحِبِهِ كَمَا يلْعَب الصَّبِي بالكرة فقد روى أَن إِبْلِيس ظهر لراهب فَقَالَ لَهُ أَي الْأَخْلَاق بني آدم أعز عنْدك قَالَ الحدة لِأَن العَبْد إِذا كَانَ حديدا قلبناه كَمَا يقلب الصّبيان الكرة
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة قَالَ ابْن رضوَان قَرَأت فِي الطِّبّ الروحاني أَن الْغَضَب إِنَّمَا جعل فِي الْحَيَوَان ليَكُون لَهُ بِهِ انتقام من المؤذي لَهُ وَهَذَا الْعَارِض إِذْ أفرط وَجَاوَزَ حَده حَتَّى يفقد مَعَه الْعقل فَرُبمَا كَانَت مضرته فِي الغاضب أَكثر مِنْهَا فِي المغضوب عَلَيْهِ وَلذَلِك يَنْبَغِي للعاقل أَن يكثر من ذكر من أداته أَحْوَال غَضَبه إِلَى عواقب مَكْرُوهَة ليتصورها فِي حَال غَضَبه فَإِن كثيرا مِمَّن يغْضب رُبمَا لكز وَلَطم ونطح فجلب
بذلك من الْأَلَم على نَفسه أَكثر مِمَّا نَالَ بِهِ المغضوب عَلَيْهِ فقد رَأَيْت من لكز رجلا على فكه فَكسر أَصَابِعه حَتَّى عالجها أشهرا وَلم ينل الملكوز كثير أَذَى وَرَأَيْت من استشاط وَصَاح فنفث الدَّم مَكَانَهُ وَأدّى بِهِ ذَلِك إِلَى السل وَكَانَ سَبَب مَوته وبلغنا أَخْبَار أنَاس أَنهم قتلوا أَهَالِيهمْ وأولاهم وَمن يعز عَلَيْهِم فِي وَقت غيظهم وَبعد ذَلِك طَالَتْ ندامتهم عَلَيْهِ وَرُبمَا لم يستدركوه طول أعمارهم وَقد ذكر جالينوس أَن والدته كَانَت تضيع فمها على القفل لتعضه إِذا عسر عَلَيْهَا فتتحه ولعمري أَنه لَيْسَ بَين من فقد الْفِكر والروية فِي حَال غَضَبه وَبَين الْمَجْنُون كَبِير فرق
قَالَ فَإِن الْإِنْسَان إِذا أَكثر من هَذِه الْأَمْثَال فِي حَال سَلَامَته كَانَ أَحْرَى أَن يتصورها فِي حَال غَضَبه وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن الَّذِي كَانَ مِنْهُم مثل هَذِه الْأَفْعَال القبيحة فِي وَقت غضبهم إِنَّمَا أُوتُوا من فقد عُقُولهمْ إِذْ ذَاك فَيَأْخُذ نَفسه بِأَن لَا يكون مِنْهُ فعل إِلَّا بعد الْفِكر والروية
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة كَمَا أَن لإفراط الْغَضَب مثل هَذِه الْآثَار القبيحة فلتفريطه آثَار تشارك تِلْكَ فِي الْقبْح وَسُوء الْعَاقِبَة كسقوط وَاحْتِمَال الذل وخور الْقلب وَالسُّكُوت عِنْد مُشَاهدَة الْمُنكر والإنقباض عَن تنَاول الْحق الْوَاجِب وَالْعجز عَن رياضة النَّفس
قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ إِذْ لَا تتمّ إِلَّا بتسليط الْغَضَب على الشَّهْوَة حَتَّى يغْضب على نَفسه عِنْد الْميل إِلَى الشَّهَوَات الخسيسة
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة مِمَّا يُؤَكد على السُّلْطَان اجْتِنَاب الْغَضَب زَائِدا على مَا تقدم مِمَّا ينفر عَنهُ علمه بِأَنَّهُ غير مُضْطَر إِلَيْهِ بِمَا خصّه الطَّاعَة لَهُ طَوْعًا أَو كرها فَفِي الهروى عَن عِيسَى عليه السلام لَا يَنْبَغِي للسُّلْطَان أَن يغْضب إِنَّمَا يَأْمر فيطاع وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يعجل فَلَا يفوتهُ شَيْء وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يظلم فَإِنَّمَا يدْفع الظُّلم بِهِ
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْخلق الْغَضَب يصدي الْقلب حَتَّى لَا يرى صَاحبه حسنا فيفعله وَلَا قبيحا فيجتنبه
أسْرع النَّاس جَوَابا من لَا يغْضب
الْغَضَب عَدو وَالْعقل صديق
إِذا جَاءَ الْغَضَب تسلط العطب
من أطَاع الْغَضَب حرم السَّلامَة
أول الْغَضَب جُنُون وَآخره نَدم
إياك وَالْغَضَب فَإِن الْغَضَب على من لَا يملك عجز وعَلى من يملك نَدم
الْغَضَب يفْسد الْإِيمَان كَمَا يفْسد الصَّبْر الْعَسَل
الْغَضَب مِفْتَاح كل شَرّ
رَأس الْحمق وقائده الْغَضَب
من رَضِي بِالْجَهْلِ اسْتغنى عَن الْحلم
من أطَاع غَضَبه فِي شَهْوَة قَادَهُ إِلَى النَّار
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة من المتعظ بِهِ فِي هَذَا الْمقَام حكايتان
الْحِكَايَة الأولى يرْوى أَن جَعْفَر بن مُحَمَّد دخل على الرشيد وَقد استخفه الْغَضَب فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك إِنَّمَا تغْضب لله تَعَالَى فَلَا تغْضب لَهُ بِأَكْثَرَ من غَضَبه لنَفسِهِ
قَالَ الطرطوشي هَذِه الْكَلِمَة لَا قيمَة لَهَا وَالله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته فَمَا أجمل قدرهَا وَأعظم خطرها لِأَنَّك أَيهَا السُّلْطَان إِنَّمَا رسَالَته فَمَا أجل قدرهَا وَأعظم خطرها لِأَنَّك أَيهَا السُّلْطَان إِنَّمَا تتصرف فِي ملك الله تَعَالَى بأَمْره وَقد حد حدودا وَشرع شرائع ثمَّ لِأَن الله قدر فِي كل خصْلَة عِنْد محالفته حدا محدودا فَلَا تقتل من اسْتحق الْحَبْس وَالْأَدب وَالْحَد وَلَا تحبس غير من اسْتوْجبَ الْحَبْس انْتهى المُرَاد مِنْهُ مُلَخصا
الْحِكَايَة الثَّانِيَة قيل كَانَ سَبَب موت مَرْوَان بن عبد الْملك أَنه وَقع بَينه وَبَين أَخِيه سُلَيْمَان كَلَام فَحمل عَلَيْهِ سُلَيْمَان فَفتح مَرْوَان فَاه ليجيبه وَإِذا بجانبه عمر بن عبد الْعَزِيز فَأمْسك عَليّ فِيهِ ورد كَلمته وَقَالَ يَا أَبَا عبد الله أَخُوك وإمامك فَقَالَ يَا أَبَا حَفْص قتلتني قَالَ وَمَا صنعت بك قَالَ رَددته فِي جوفي أحر من الْجَمْر ثمَّ مَال لجنبه فَمَاتَ
قلت إِنَّمَا كَانَ سَببا للْمَوْت لِأَن قوى ناره تَنْفِي الرُّطُوبَة الَّتِي بهَا حَيَاة الْقلب فَيَجِيء الْمَوْت قَالَ الْغَزالِيّ كَمَا يقوى النَّار فِي الْكَهْف فَتَنْشَق وتنهد أعاليه على أسافله لَا بطال النَّار مَا فِي جوانبه من الْقُوَّة الجامعة لأجزائه