الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِكُل مَا يسمع قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولا} وَفِي الصَّحِيح عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ كفى بِالْمَرْءِ كذبا أَن يحدث بِكُل مَا سمع وَعَن ابْن مَسْعُود أَو حُذَيْفَة رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول بئس مَطِيَّة الرجل زَعَمُوا
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْخلق
الْكَذِب عَدو الصدْق والجور مُفسد للْملك فَإِذا استصحب الْكَذِب استخف بِهِ وَإِذا أظهر الْجور فسد سُلْطَانه آفَة الشدَّة التهيب وَآفَة الْمنطق الْحيَاء وَآفَة كل شَيْء الْكَذِب لَا يطمعن فِي الكذوب والمطبوع على الشَّرّ أَن يعظمها الْإِحْسَان فَإِنَّهُمَا كالقرد كلما سمن بإطعام الْحَلَاوَة وَالدَّسم ازْدَادَ وَجهه قبحا
من صَبر على مَوَدَّة الْكَذِب فَهُوَ مثله
لَا شَيْء أضرّ من ضَرَر الْكَذِب أَن ينسى صَاحبه الضَّرُورَة المحسوسة الْحَقِيقِيَّة ويتشبث عِنْد الضَّرُورَة الكاذبة فيبنى عَلَيْهَا أمره فَيكون غشه قد بدا بِنَفسِهِ
الْقَاعِدَة الرَّابِعَة عشرَة
كتم السِّرّ
وفيهَا مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ الطرطوشي هُوَ من الْخِصَال المحمودة فِي جَمِيع الْخلق وَمن اللوازم فِي حق بِهِ الْمُلُوك والفرائض الْوَاجِبَة على الوزراء والجلساء والإتباع قلت وَمن كَلَام أزدشير فِي الْعِنَايَة بِالْوَصِيَّةِ
وَلَا تكن على أَحْكَام شَيْء أحرص مِنْك على أَحْكَام الْأَخْبَار حَتَّى تصح فَإِنَّمَا تجرى أُمُور المملكة كلهَا عَلَيْهَا وأقلل الشُّرَكَاء فِي أسرارك ينكتم أَمرك
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة كَمَا أَنه وَاجِب فِي حق الْمُلُوك وَمن يليهم فَكَذَا هُوَ فِي حق كل وَاحِد وَاحِد من سَائِر الطَّبَقَات إِذا ائتمنوا عَلَيْهِ وَكَانَ فِي إفشائه إِضْرَار بِصَاحِبِهِ وَقد تمّ فِي الْوَفَاء بالعهد مَا يُشِير لتقرير دَلِيله من حَيْثُ هُوَ أَمَانَة وَبِه اسْتدلَّ الطرطوشي قَائِلا وَإِذا كَانَ أَمَانَة حرمت فِيهِ الْخِيَانَة كالأمانات فِي الْأَمْوَال ثمَّ أردفه بقول أبي بكر بن حزم إِنَّمَا يتجالس المتجالسون بالأمانة فَلَا يحل لأحد أَن يفشي على صَاحبه مَا يكره
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ الْغَزالِيّ لمستودع السِّرّ أَن يُنكره وَإِن كَانَ كَاذِبًا وَلَيْسَ الصدْق وَاجِبا فِي كل مقَام وكما يجب للرجل أَن يخفي عُيُوب نَفسه وأسراره فَكَذَلِك يجب أَن يخفي عُيُوب أَخِيه الْمُسلم وأسراره قَالَ وَإِن احْتَاجَ إِلَى الْكَذِب فَلهُ أَن يفعل ذَلِك فِي حق أَخِيه فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وهما كشخص وَاحِد لَا يَخْتَلِفَانِ إِلَّا بِالْبدنِ
قلت كَمَا روى أَنه قيل لبَعْضهِم كَيفَ تخفي السِّرّ قَالَ أجحد الْمخبر وأحلف للمستخبر فَزَاد الْحلف للضَّرُورَة
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة لكَتم السِّرّ فَوَائِد شاهدة بفضله
الْفَائِدَة الأولى دلَالَته على فضل صَاحبه وكرم أخلاقه
قَالَ الطرطوشي وَاعْلَم أَن كتمان الْأَسْرَار يدل على جَوْهَر الرِّجَال وكما أَنه لَا خير فِي آنِية لَا تمسك مَا فِيهَا كَذَلِك لَا خير فِي الْإِنْسَان إِذا لم يملك سره قلت هُوَ من معنى قَوْلهم صُدُور الْأَحْرَار قُبُور الْأَسْرَار حَتَّى لَو كَانَت لعدو كَمَا قيل
(سر الْعَدو وسر الْخلّ مَا كتما
…
عِنْد اطلَاع إِلَى خلق من الْبشر)
(كِلَاهُمَا ظن بِي خيرا فأودعني
…
سرا فلست بمفشيه مدى عمري)
الْفَائِدَة الثَّانِيَة الإستعانة بِهِ على حُصُول الْمَقَاصِد فَفِي الحَدِيث اسْتَعِينُوا على حَوَائِجكُمْ بِالْكِتْمَانِ فَإِن كل ذِي نعْمَة مَحْسُود قَالَ أنو شرْوَان من حصن سره فَلهُ بتحصينه خصلتان الظفر بحاجته والسلامة من السطوات
الْفَائِدَة الثَّالِثَة حفظ السِّرّ بِهِ من مَحْذُور انقلابه مَالِكًا لصَاحبه فَعَن عَليّ ين أبي طَالب رضي الله عنه سرك أسيرك فَإِذا تَكَلَّمت بِهِ صرت أسيره
قلت وَمن عَجِيب النَّوَادِر فِي الْإِبَانَة عَن هَذَا الْمَعْنى أَن أَرْبَعَة من أعظم الْمُلُوك صدرت عَنْهُم أَربع كَلِمَات كَأَنَّمَا أرْسلت عَن قَوس وَاحِد
قَالَ كسْرَى لم أندم على مَا لم أقل وَقد نَدِمت على مَا قلت مرَارًا
وَقَالَ قَيْصر أَنا على رد مَا لم أقل أقدر مني على رد مَا قلت
وَقَالَ ملك الصين إِذا تَكَلَّمت بِالْكَلِمَةِ ملكتني وَإِذا لم أَتكَلّم بهَا ملكتها
وَقَالَ ملك الصين إِذا تَكَلَّمت بِالْكَلِمَةِ ملكتني وَإِذا لم أَتكَلّم بهَا ترفع لم تَنْفَعهُ
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من مسَائِل إفشاء السِّرّ الَّتِي قد تُؤدِّي إِلَى العطب آفَات
الآفة الأولى تَعْرِيض السِّرّ بِهِ للإذاعة والشياع فَمن كَلَام الْحُكَمَاء حفظك لسرك أولى من حفظ غَيْرك لَهُ
قَالَ الطرطوشي وَبِالْجُمْلَةِ إِذا زَالَ من عذبة لسَانك فالإذاعة مستولية وَإِن أودعته قلب من حفظ غَيْرك لَهُ
قَالَ
(ألم تَرَ أَن وشَاة الرِّجَال
…
لَا يتركون أديما صَحِيحا)
(فَلَا تفش سرك إِلَّا إِلَيْك
…
فَإِن لكل نصيح نصيحا)
الآفة الثَّانِيَة عودة بمضرة المكيدة على من زل بِهِ لِسَانه قَالَ الله تَعَالَى حِكَايَة عَن يَعْقُوب عليه السلام يَا بني لَا تقصص رُؤْيَاك على إخْوَتك فيكيدوا لَك كيدا
قَالَ الطرطوشي لما أفشى يُوسُف عليه السلام سره فِي رُؤْيَاهُ بمشهد إمرأة أَبِيه أخْبرت أخوته فَحل بِهِ مَا حل
الآفة الثَّالِثَة وَهِي أدهى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ فَوَات الْحَيَاة بتعجيل الْحمام
قَالَ الطرطوشي كم من إِظْهَار سر أراق دم صَاحبه وَصَرفه عَن بُلُوغ أمله وَلَو كتمته أَمن سطوته
قَالَ بعض الْحُكَمَاء سرك من دمك فَلَا تجريه فِي غير أوداجه وَإِذا تَكَلَّمت بِهِ أرقته
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة من عجائب أَمر السِّرّ أَمْرَانِ
أَحدهمَا شدَّة الْمُؤْنَة حفظه حَتَّى على صَاحبه قيل لبَعض الْحُكَمَاء أَي شَيْء أصعب على الْإِنْسَان قَالَ أَن يعرف نَفسه ويكتم سره وَكَانَ يُقَال أَصْبِر النَّاس من صَبر على كتم سره فَلم يُبْدِهِ لصديقه فَأوشك أَن يصير عدوا قَالَ الطرطوشي أَن الرجل يتَحَمَّل الْحمل الثقيل فَيَمْشِي بِهِ وَيحمل السِّرّ الْيَسِير فيلحقه من القلق وَالْكرب مَالا يلْحقهُ بِحمْل الأثقال فَإِذا أذاعه استراح قلبه وكأنما ألْقى عَن نَفسه حملا
الثَّانِي ضيَاع أَمَانَته بِكَثْرَة الْأُمَنَاء عَلَيْهِ
قَالَ الطرطوشي وَمن عَجِيب الْأَمر أَن إغلاق الدُّنْيَا كلما كثر خزانها كَانَ أوثق لَهَا إِلَّا السِّرّ فَإِنَّهُ كلما كثر خزانه كَانَ أضيع لَهُ
قلت بقدم فِي وَصِيَّة أردشير أقلل الشُّرَكَاء فِي أسرارك تنكتم
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة تقدم أَن من فَوَائِد كتم السِّرّ دلَالَته على الْفَضِيلَة وَفَوق ذَلِك كتمان سر نَفسه فقد قيل أدنى أَخْلَاق الشريف كتمان السِّرّ وأعلاها كتمان مَا أسر بِهِ إِلَيْهِ
قلت كَمَا يُقَال أَن رجلا أودع سره عِنْد أحد إخوانه فَقَالَ لَهُ أفهمت فَقَالَ بل جهلت قَالَ حفظت قَالَ بل نسيت وَفِي مَعْنَاهُ قيل
(يَا ذَا الَّذِي أوعدتني سره
…
لَا ترج أَن تسمعه مني)
(لم أجره قطّ على خاطري
…
كَأَن لم يجر فِي أُذُنِي)
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة إِذا دعت الضَّرُورَة المفشو إِلَيْهِ لإفشاء السِّرّ فعلى شَرط صداقة المفشو لَهُ أَو نصيحته إِذا اتّصف بِمَا تتحفظ بِهِ الْأَمَانَة فَمن كَلَام الْحُكَمَاء مَا كتمته عَن عَدوك فَلَا تطلعن عَلَيْهِ صديقك فَإِن لم يكن لَك بُد من إذاعته لقرينه تَقْتَضِيه من صديق مساهم أَو استشارة نَاصح مسالم فَمن صِفَات أَمِين السِّرّ أَن يكون ذَا عقل وَدين ونصح ومودة فَإِن هَذِه الْأُمُور تمنع من الإذاعة وتوجب حفظ الْأَمَانَة
تَنْبِيه على صَاحب السِّرّ أَن يحْتَرز من مستدعيه مِنْهُ لدلَالَة استدعائه على الْخِيَانَة فقد قيل لَا تودع سرك عِنْد من يستدعيه فَإِن طَالب الْوَدِيعَة خائن
قلت وخصوصا إِذا ألح على ذَلِك فَمن الْأَمْثَال السائرة الْحِرْص على الْأَمَانَة دَلِيل على الْخِيَانَة
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة تقدم أَن أكتم السِّرّ من الْوَاجِبَات على حَاشِيَة السُّلْطَان وَذَلِكَ حَتَّى عَن أقرب الْأَقَارِب
قَالَ الجاحظ من أَخْلَاق الْملك أَن يكتم أسراره عَن الْأَب وَالْأَخ وَالزَّوْجَة وَالصديق فَإِن الْملك يتَجَاوَز عَن كل مَنْقُوص ومأنوف وَلَا يتَجَاوَز عَن ثَلَاثَة طاعنا فِي ملكه ومذيعا لأسراره وخائنا فِي حرمه
قَالَ وَقد كَانَ أبرويز يَقُول يجب على السُّلْطَان السعيد أَن يَجْعَل همه كُله فِي إمتحان أهل هَذِه الصِّفَات إِذْ هِيَ أَرْكَان ملكه ودعائمه
قلت من الإمتحان بِحَسب السُّلْطَان فَمن دونه قَول بَعضهم أردْت أَن تواخي رجلا فأغضبه ثمَّ دس عَلَيْهِ من يسْأَله عَنْك وَعَن أسرارك فَإِن خيرا تكلم وكتم أسرارك فأصحبه
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة من الْمَنْقُول فِي الْوَصِيَّة بِحِفْظ سر السُّلْطَان وعقوبة من إفشاء حكايتان
الْحِكَايَة الأولى قَالَ الْعُتْبِي أسر مُعَاوِيَة إِلَى عُثْمَان بن عَتبه حَدِيثا قَالَ عُثْمَان فَقلت لأبي أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أسر إِلَيّ حَدِيثا افأحدثك بِهِ قَالَ لَا قلت وَلم قَالَ لِأَنَّهُ من كتم حَدِيثا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَمن أظهره كَانَ الْخِيَار عَلَيْهِ فَلَا تجْعَل نَفسك مَمْلُوكا بعد أَن كنت مَالِكًا قلت أَيَدْخُلُ هَذَا بَين الرجل وَبَين أَبِيه قَالَ نعم وَلَكِن أكره أَن تذلل لسَانك بإفشاء السِّرّ قَالَ فَحدثت بِهِ مُعَاوِيَة فَقَالَ أعتقك أخي من رق الْخَطَأ
الْحِكَايَة الثَّانِيَة كَانَ لعُثْمَان رضي الله عنه كَاتب يُقَال لَهُ حمدَان فاشتكى عُثْمَان فَقَالَ أكتب الْعَهْد من بعدِي لعبد الرَّحْمَن