الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرُّكْن الرَّابِع عشر
إتخاذ البطانة وَأهل الْبسَاط
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى من طبيعة الْملك اتِّخَاذ البطانة المنقسمة إِلَى آمرة بِخَير ومعينة عَلَيْهِ وَإِلَى مشيرة بشر وداعية إِلَيْهِ ومصداقه من الْوَحْي مَا فِي الصَّحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا بعث الله من نَبِي وَلَا اسْتخْلف من خَليفَة إِلَّا كَانَت لَهُ بطانة تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وتحضه عَلَيْهِ وبطانة تَأمره بِالشَّرِّ وتحضه عَلَيْهِ والمعصوم من عصم الله وَفِيه عَن أبي أَيُّوب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا بعث الله من نَبِي وَلَا اسْتخْلف بعده من خَليفَة إِلَّا لَهُ بطانتان بطانة تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وتنهاه عَن الْمُنكر وبطانة لَا تألوه خبالا فَمن وقِي شَرها فقد وقِي
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَمَا لابد لَهُ من أَوْصَاف بطانة الْخَيْر الملازمين للبساط أَمْرَانِ
أَحدهمَا الْعقل الْكَامِل التجربة قَالَ الطرطوشي يَنْبَغِي للْملك أَن يُجَالس أهل الْعقل وَذَوي الرَّأْي والحسب والتجربة وَالْعير فمجاله الْعُقَلَاء لقاح الْعقل ومادته
قَالَ وَقَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مجالسة الْعُقَلَاء تزيد فِي الشّرف
الثَّانِي الدّين وَهُوَ مُوجب أَمرهم بِالْخَيرِ ومعونتهم عَلَيْهِ كالفسق الْحَامِل على الْإِشَارَة بِالشَّرِّ وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَاتبع سَبِيل من أناب إِلَيّ} وَقَالَ فَأَعْرض عَمَّن تولى عَن ذكرنَا وَلم يرد إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من فَوَائِد بطانة الْخَيْر وَجْهَان
أَحدهمَا دلَالَة صحبتهم على من صحبهم فَفِي الْأَمْثَال يظنّ بِالْمَرْءِ مَا يظنّ بخليله
وَقَالَ الطرطوشي وَأعلم أَنه لَيْسَ الدُّخان على النَّار بأدل من الصاحب للصاحب انْتهى
وَفِيه قيل
(إِذا كنت فِي قوم فَصَاحب خيارهم
…
وَلَا تصْحَب الأردى فتردى مَعَ الردى)
(عَن المرأ لَا تسْأَل وسل عَن قرينه
…
فَكل قرين بالمقارن يَقْتَدِي)
الثَّانِي صَلَاح سَائِر البطانات بهم إِلَى أَن يعم الصّلاح جَمِيع الرّعية قَالَ أزدشير لكل ملك بطانة وَلكُل وَاحِد وَاحِد بطانته من البطانة بطانة حَتَّى يجمع ذَلِك جَمِيع المملكة فَإِذا أَقَامَ الْملك بطانة على حَال الصَّوَاب أَقَامَ كل مِنْهُم بطانته على مثل ذَلِك حَتَّى يجْتَمع على الصّلاح عَامَّة الرّعية
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة من مفاسد الشَّرّ أَيْضا وَجْهَان
أَحدهمَا مسارقة طباعهم على تدريج خَفِي وانتقال غير مشعور بِهِ فقد كَانَ يُقَال إحذروا ذَوي الطبائع المرذولة كي لَا تسرق طباعكم مِنْهَا وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ وَعَن سعيد بن الْمسيب لَا تصْحَب الْفَاجِر فَتَتَعَلَّمُ من فجوره وَلَا تطلعه على سرك وَاسْتَشِرْ فِي أَمرك الَّذين يَخْشونَ الله
قلت وَإِلَيْهِ يرجع قَوْله
(لَا تصْحَب الكسلان فِي حاجاته
…
كم صَالح بِفساد آخر يفْسد)
(عدوى البليد إِلَى الْجَلِيل سريعة
…
والجمر يوضع فِي الرماد فيخمد)
وَقَوله
(إِن الجهول تضرني أخلاقه
…
ضَرَر السعال لمن بِهِ استسقاء)
الثَّانِي استحكام فَسَاد طبعه بتحوله جملَة إِلَى طباعهم الْغَالِبَة عَلَيْهِ قَالَ أزدشير مَا شَيْء أضرّ على نفس الْملك من معاشرة سخيف ومخاطبة وضيع كَمَا أَن النَّفس تصلح على مُخَاطبَة الشريف الأديب كَذَلِك تفْسد بمعاشرة السخيف الخسيس حَتَّى يقدم ذَلِك فِيهَا ويزيلها عَن فضيلتها
قلت ومصداقة مَا تقدم فِي حَدِيث النَّسَائِيّ وَهُوَ إِلَى مَا يغلبه عَلَيْهِ من أَي البطانتين
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة اتِّخَاذ بطانة الْخَيْر لما يُرَاد بهم وَاجِب فِي حفظ الْملك أصلا وفرعا
قَالَ ابْن حزم ويتخذ من وُجُوه الْكتاب وَالْعُلَمَاء والقضاة والأمراء قوما ذَوي آراء سديدة وكتمان للسر فيجعلهم وزراءه الَّذين يحْضرُون مَجْلِسه يلازمونه فِي التَّدْبِير لجَمِيع مَا قَلّدهُ الله تَعَالَى من أُمُور عباده
قلت ولظهور حِكْمَة وُجُوبه عظم موقعه من كملاء الْمُلُوك الجلة حَتَّى عدوا بعض فَوَائده وَهِي محادثة الرِّجَال آثر اللَّذَّات لديهم وَهِي
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فَقَالَ عبد الْملك بن مَرْوَان قد قضيت الوطر من كل شَيْء إِلَّا من محادثة الإخوان فِي اللَّيَالِي الزهر على التلال العفر وَقَالَ أَيْضا هِشَام قد قضيت الوطر من كل شَيْء فَأكلت الحلو والحامض حَتَّى لَا أجد لوَاحِد مِنْهُمَا طعما وشممت الطّيب حَتَّى لَا أجد لَهُ رَائِحَة وأتيت النِّسَاء حَتَّى مَا أُبَالِي امْرَأَة أتيت أم جِدَار حَائِط فَمَا وجدت شَيْئا ألذ من جليس تسْقط بيني وَبَينه مؤونة التحفظ
وَقَالَ الْمَأْمُون لِلْحسنِ بن سهل نظرت فِي اللَّذَّات فَوَجَدتهَا كلهَا ملولة خلا سبعا قَالَ وَمَا هِيَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ لحم الضَّأْن وخبز الْحِنْطَة وَالْمَاء الْبَارِد وَالثَّوْب الناعم والرائحة الطّيبَة والفراش الوطيء وَالنَّظَر إِلَى الْحسن من كل شَيْء قَالَ فَأَيْنَ أَنْت يَا أَمِير من محادثة الرِّجَال فَقَالَ صدقت وَهِي أولى مِنْهُنَّ
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة فِي العهود اليونانية وَفِيه بَيَان لما يكفل بِهِ أَوْصَاف المستخلصين للبساط السلطاني عُلَمَائهمْ وسواهم واستخلاص طَائِفَة من أَبنَاء النعم والستر لحضور مجالسك وَليكن مِنْهُم للمجالس الْعَامَّة من عظم قدره وَبعد صيته وَظهر يسَاره وَكَانَ منتصبا للفتيا وموضعا للمشورة وللمجالس الْخَاصَّة من رق طبعه وقويت مَعْرفَته لما تحتمله تِلْكَ الْمجَالِس من سير الْمُلُوك ومآثر الكرماء وذخائر الْحُكَمَاء ومحاسن البلغاء من الْأَشْعَار النادرة وَالْأَخْبَار المؤنسة والأمثال السائرة وَكَانَ مَعَه من كل مَا يسْتَتر الْمُلُوك بِهِ من الْعَوام نصيب وافر وحظ مؤنس وأغنهم عَن غَيْرك تصف لَك ألبابهم وتعزز لديك فوا ئدهم انْتهى
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة فِي سياسة أر سطو أَن مَا يجب على الْملك أَن يلْزم من بِحَضْرَتِهِ الْوَقار وَإِظْهَار الحشمة وَمَتى ظهر من أحد استخفاف عُوقِبَ عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مِمَّا يلطف مَحَله كَانَت عُقُوبَته إقصاء عَن الْمجْلس زَمَانا حَتَّى يَنْتَهِي عَن استخفافه وَإِن صَحَّ عَن أحد أَنه فعل ذَلِك قصدا أَنه فعل ذَلِك قصدا للاستخفاف والمحطة أبعد إبعادا طَويلا بعد الْعقُوبَة
فَوَائِد مكملة
أَحدهمَا تتأكد على السُّلْطَان إِذا كَانَ حَدثا أَن يتباعد عَن ذَوي الرِّيبَة من بطانته وَإِن كَانَ أحظاهم منزلَة لَدَيْهِ كَمَا يحْكى أَن زيادا فِي مُدَّة ولَايَته
العراقين كَانَ كثير الرِّعَايَة لحارثة بن بدر وللأحنف بن قيس وَكَانَ حَارِثَة مكبا على الشَّرَاب فَوَقع أهل الْبَصْرَة فِيهِ عِنْد زِيَاد ولاموه فِي تقريبه ومباشرته فَقَالَ لَهُم زِيَاد يَا قوم كَيفَ لي بإطراح رجل هُوَ يسايرني مُنْذُ دخلت الْعرَاق وَلم يصكك ركابي ركابه قطّ وَلَا تقدمني فَنَظَرت إِلَى قَفاهُ وَلَا تَأَخّر عني فلويت إِلَيْهِ عنقِي وَلَا أَخذ على الرّوح فِي صيف وَلَا الشَّمْس فِي شتاء قطّ وَلَا سَأَلته عَن شَيْء من الْعلم إِلَّا وظننته لَا يحسن سواهُ وَأما الْأَحْنَف فَلم يكن فِيهِ مَا يُقَال
فَلَمَّا مَاتَ زِيَاد وَتَوَلَّى وَلَده عبيد الله قَالَ لحارثة إِمَّا أَن تتْرك الشَّرَاب وَإِمَّا أَن تبتعد عني فَقَالَ لَهُ قد علمت حَالي عِنْد والدك فَقَالَ عبيد الله إِن وَالِدي قد نزع نزوعا لَا يلْحقهُ مَعَه عيب وَأَنا حدث وَإِنَّمَا أنسب إِلَيّ من يغلب عَليّ وَأَنت رجل نديم الشَّرَاب فَمَتَى قربتك وَظَهَرت مِنْك رَائِحَة الشَّرَاب لم آمن أَن يظنّ بِي فدع النَّبِيذ وَكن أول دَاخل عَليّ وَآخر خَارج عني فَقَالَ لَهُ أَنا لَا أَدَعهُ لمن يملك ضري ونفعي أفأدعه للْحَال عنْدك قَالَ فاختر من عَمَلي مَا شِئْت قَالَ فولني سرق فقد وصف لي شرابها وتضم إِلَيّ رام هُرْمُز فولاه إيَّاهُمَا
الْفَائِدَة الثَّانِيَة من استولت عَلَيْهِ رذيلة الْخلق صَعب علاجه ليحصل