الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُؤمنِينَ عليل فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثمَّ قَالَ يَا ربيع مالنا وللعامة إِنَّمَا تحْتَاج الْعَامَّة إِلَى ثَلَاث خلال فَإِذا جعلت لَهُم فَمَا حَاجتهم إِذا أقيم لَهُم من ينظر فِي أحكامهم وينصف بَعضهم من بعض وَإِذا أقيم لَهُم من ينظر فِي أحكامهم وينصف بَعضهم من بعض وَإِذا أمنت سبيلهم حَتَّى لَا يلحقهم خوف فِي ليل وَلَا فِي نَهَار وَإِذا سدت ثغورهم من أَطْرَافهم حَتَّى لَا يلحقهم خوف فِي ليل وَلَا نَهَار وَإِذا سدت ثغورهم من أَطْرَافهم حَتَّى لَا يصل إِلَيْهِم عدوهم وَنحن قد فعلنَا ذَلِك كُله لَهُم فَمَا حَاجتهم إِلَيْنَا
النَّوْع الثَّانِي
الْمَمْنُوع مِنْهُ
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى من التَّرْهِيب الْوَارِد فِيهِ لزيادته على الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ وعيدان
الْوَعيد الأول أَن الله تَعَالَى يحتجب عَن صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة ليَكُون لَهُ جَزَاء وفَاقا فَعَن أبي مَرْيَم الْجُهَنِيّ رضي الله عنه أَنه قَالَ لمعاوية رضي الله عنه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من ولاه الله شَيْئا من أُمُور الْمُسلمين فأحتجب دون حَاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله دون حَاجتهم وحلتهم وفقرهم يَوْم الْقِيَامَة فَجعل مُعَاوِيَة رجلا على حوائج الْمُسلمين رَوَاهُ أَبُو دَاوُود
الْوَعيد الثَّانِي أَن الله تَعَالَى يغلق أَبْوَاب الرَّحْمَة مُقَابلَة لَهُ بذلك الْجَزَاء فَعَن أبي الشماخ الْأَزْدِيّ عَن ابْن عَم لَهُ من أَصْحَاب الرَّسُول
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انه أَتَى مُعَاوِيَة رضي الله عنه فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من ولي أَمر النَّاس ثمَّ أغلق بَابه دون الْمِسْكِين والمظلوم وَذَوي الْحَاجة أغلق الله تبارك وتعالى أَبْوَاب الرَّحْمَة دون حَاجته وَفَقره وأفقر مَا يكون إِلَيْهَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من مَحْذُور هَذَا النَّوْع من الإحتجاب زَائِدا على وعيده وَلأَجل قَضَائِهِ بتعجيل الْمضرَّة بِهِ سَرِيعا فقد قَالَ الطرطوشي هُوَ أَرْجَى الْخلال فِي هدم السُّلْطَان وَسُرْعَة خراب الدول
قلت وَحَاصِل مَا بَين بِهِ ذَلِك كُله أُمُور
أَحدهَا أَنه موت حكمى فَيكون السُّلْطَان بِهِ فِي عداد الْمَوْتَى وَحِينَئِذٍ فَلَا يخفى مَا ينشأ عَن ذَلِك من المفساد وَمن أعظمها أَمن الظَّالِم من وُصُول الْمَظْلُوم إِلَيْهِ
الثَّانِي أَن مُبَاشرَة الْأُمُور كَمَا يجب فِي رِعَايَة قَوَاعِد السلطنة تفوت مَعَه لَا محَالة وَفِي ذَلِك فَسَاد كَبِير
قَالَ الطرطوشي ومعظم مَا رَأَيْنَاهُ فِي أعمارنا وَسَمعنَا مِمَّن سبق فِي دُخُول الْفساد على الْمُلُوك فَمن عدم مُبَاشرَة الْأُمُور
الثَّالِث أَن ظُهُور السُّلْطَان للنَّظَر فِي شؤونه هُوَ حِكْمَة انْفِرَاد برعاية الْخلق وَلَا كَذَلِك عِنْد احتجابه دَائِما
قَالَ الطرطوشي لَا تزَال الرّعية ذَات سُلْطَان وَاحِد مَا وصلوا إِلَى السُّلْطَان فَإِذا احتجب فهناك سلاطين كَثِيرَة
قلت ينْدَفع هَذَا الْمَحْذُور إِذا كَانَ هُنَاكَ مفوض من قبله يحمل عَنهُ من غير خلاف عَلَيْهِ مَا كَانَ هُوَ يقوم بِهِ لَو بَاشر أَكثر الْأُمُور بِنَفسِهِ تَكْمِلَة فِي تَنْبِيه
من المضرات بِهِ العائدة على المحتجب عَنهُ مَا نبه عَلَيْهِ كَلَام يحيى بن خَالِد حَيْثُ يَقُول وَقد كَانَ لَا يجلس النَّاس فِي دَاره إِلَّا بَين يَدَيْهِ فَإِن جلس أَدخل النَّاس وَإِلَّا صرفُوا من الْبَاب وعَلى النَّاس أَدَاء فروض وَقَضَاء حُقُوق والانتظار ويمحق زمانهم وَيكثر تعبهم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من الْمَنْقُول فِي التَّذْكِير لما يحمل على ترك هَذَا النَّوْع من الاحتجاب موعظتان
الموعظة الأولى قَول الطرطوشي أثر مَا لخصناه عَنهُ يَا أَيهَا الْمَغْرُور احْتَجَبت عَن الرّعية بالأبواب وَجعلت دونهم جبالا مشيدة وحظائر بِالْحِجَارَةِ وَالْمَاء والطين مُبَالغَة وَبَاب الله تَعَالَى مَفْتُوح للسائلين لَيْسَ هُنَاكَ حَاجِب وَلَا بواب قَالَ تَعَالَى لمن شَاءَ أَن يتَّخذ إِلَى ربه سَبِيلا قلت وَله فِي الْكتاب الَّذِي كتب بِهِ مَعَ أبن الْعَرَبِيّ للسُّلْطَان أبي يَعْقُوب
بن تاشفين وَلَقَد بَلغنِي يَا أَبَا يَعْقُوب أَنَّك احْتَجَبت عَن الْمُسلمين بِالْحِجَارَةِ والطين واتخذت دونهم حِجَابا وَأَن ذَا الْحَاجة ليظل يَوْمه ببابك فَمَا يلقاك كَأَنَّك لم تسمع قَول الله تَعَالَى {وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} قَالَ الْحسن لَا وَالله مَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يغلق دونه الْحجب وَلَا يغدى عَلَيْهِ بالجفان وَلَا يراح عَلَيْهِ بهَا وَلكنه كَانَ بارزا من أَرَادَ أَن يلقاه لقِيه وَكَانَ يجلس بِالْأَرْضِ وَيُوضَع طَعَامه بِالْأَرْضِ ويلبس الغليظ ويركب الْحمار ويردف عَبده ويلعق أَصَابِعه وَكَانَ يَقُول من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني فَمَا أَكثر الراغبين عَن سنته التاركين لَهَا
قَالَ عمر رضي الله عنه يَأْخُذ درته وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق يتفقد أُمُور رَعيته وَكَانَ يمشي لَيْلًا فِي سِكَك الْمَدِينَة مَعَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَغَيره من الصَّحَابَة ويحفظون عورات الْمُسلمين وروى عَنهُ أَنه اسْتعْمل سعد بن أبي وَقاص على الْكُوفَة فَبَلغهُ أَنه اتخذ قصرا وَجعل عَلَيْهِ بَابا وَقَالَ انْقَطع عني الصويت فَأرْسل إِلَيْهِ مُحَمَّد بن مسلمة وَقَالَ لَهُ أيت سَعْدا فَأحرق عَلَيْهِ بَابه فَأتى الْكُوفَة فَأخْرج زنده واستوقد نَارا ثمَّ أحرق الْبَاب فَجعل سعد يتَعَذَّر وَيحلف بِاللَّه مَا قَالَ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد بن مسلمة نَفْعل مَا أمرنَا بِهِ ويروى عَنْك القَوْل انْتهى
الموعظة الثَّانِيَة مَا فِي حِكَايَة الرجل الَّذِي سَمعه الْمَنْصُور وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ آخر اللَّيْل يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْك ظُهُور الْبَغي وَالْفساد فِي الأَرْض وَمَا يُحَال بَين الْحق وَأَهله من الظُّلم والطمع فَسَأَلَهُ عَن مُرَاده بذلك فَقَالَ لَهُ ذَلِك الرجل الَّذِي دخله الطمع حَتَّى حَال بَينه وَبَين الْحق وَإِصْلَاح مَا ظهر من الْبَغي وَالْفساد أَنْت قَالَ لَهُ وَيحك وَكَيف يدخلني الطمع والصفراء والبيضاء على يَدي والحلو والحامض فِي قبضتي قَالَ وَهل دخل أحدا من الطمع مَا دَخلك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله استرعاك أُمُور الْمُسلمين وأولهم فأغفلت أُمُورهم واهتممت بحمع أَمْوَالهم وَجعلت بَيْنك وَبينهمْ حِجَابا من الجير وَالْأَجْر وأبوابا من الْحَدِيد وحجبه مَعَهم السِّلَاح ثمَّ سجنت نَفسك فِيهَا عَنْهُم وَبعثت عمالك فِي جمع الْأَمْوَال وجبايتها واتخذت وزراء وأعوانا ظلمَة إِن نسيت لم يذكروك وَإِن ذكرت لم يعينوك وقويتهم على ظلم النَّاس بالأموال وَالسِّلَاح وَأمرت أَن لَا يدْخل عَلَيْك من النَّاس إِلَّا فلَان وَفُلَان نفر سميتهم وَلم تَأمر بإيصال الْمَظْلُوم وَلَا الملهوف وَلَا الجائع وَلَا العاري وَلَا الضَّعِيف الْفَقِير وَلَا أحد إِلَّا وَله فِي هَذَا المَال حق فَلَمَّا رآك هَؤُلَاءِ النَّفر الَّذين استخلصتهم لنَفسك وآثرتهم على رعيتك وأمرتهم أَلا يحجبوا عَنْك تَجِيء الْأَمْوَال وَلَا تقسمها قَالُوا هَذَا قد خَان الله فَمَا لنا لَا نخونه وَقد سخر لنا فأتمروا على أَن لَا يصل إِلَيْك من علم أَخْبَار النَّاس إِلَّا مَا أَرَادوا وَلَا يخرج لَك عَامل فيحالف لَهُم أمرا إِلَّا أقصوه حَتَّى تسْقط مَنْزِلَته ويصغر قدره فَلَمَّا انْتَشَر ذَلِك عَنْك وعنهم عظمهم النَّاس وهابوهم وَكَانَ أول من صانعهم عمالك بالهدايا وَالْأَمْوَال ليتقربوا بهَا على ظلم رعيتك ثمَّ فعل ذَلِك أهل الثروة وَالْقُدْرَة من رعيتك لينالوا ظلم من دونهم من الرّعية فامتلت بِلَاد الله تَعَالَى بالظلم بغيا وَفَسَاد اوصار هَؤُلَاءِ الْقَوْم شركاءك فِي سلطانك وَأَنت غافل فَإِن جَاءَ متظلم حيل بَينه وَبَين الدُّخُول وَإِن أَرَادَ رفع قصَّة إِلَيْك عِنْد ظهورك وَجدك قد نهيت عَن ذَلِك وَوضعت للنَّاس رجلا ينظر فِي مظالمهم فَإِن جَاءَ ذَلِك
الرجل وَبلغ بطانتك سَأَلُوا صَاحب الْمَظَالِم أَن لَا يرفع مظلمته وَإِن كَانَت للمتظلم بِهِ حُرْمَة وَإجَابَة لم يُمكنهُ مَا يُرِيد خوفًا مِنْهُم فَلَا يزَال الْمَظْلُوم يخْتَلف إِلَيْهِ ويلوذ بِهِ ويشكو ويستغيث وَهُوَ يَدْفَعهُ ويحتل عَلَيْهِ فَإِذا جهدوا وَظَهَرت صرخَ بَين يَديك فَيضْرب ضربا مبرحا ليَكُون نكالا لغيره وَأَنت تنظر فَلَا تنكر وَلَا تغير فَمَا بَقَاء الْإِسْلَام وَأَهله على هَذَا
وَقد كَانَت بَنو أُميَّة وَالْعرب لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِم مظلوم إِلَّا رفعت ظلامته إِلَيْهِ فينتصف وَلَقَد كَانَ الرجل يَأْتِي من أقْصَى الْبِلَاد حَتَّى يبلغ بَاب سلطانهم فينصف
أَلا وَقد كنت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أسافر إِلَى أَرض الصين وَبهَا ملك فقدمتها مرّة وَقد ذهب سمع ملكهم فَجعل يبكي فَقَالَ لَهُ وزراؤه مَا لَك تبْكي لَا بَكت عَيْنَاك فَقَالَ أما أَنِّي لست أبْكِي على الْمُصِيبَة الَّتِي نزلت بِي وَلَكِن أبْكِي والمظلوم يصْرخ بِالْبَابِ فَمن نسْمع صَوته ثمَّ قَالَ أما إِن كَانَ ذهب سَمْعِي فَإِن بَصرِي لم يذهب نادوا فِي النَّاس لَا يلبس ثوبا أَحْمَر إِلَّا الْمَظْلُوم فَكَانَ يركب الْفِيل فِي طرفِي النَّهَار هَل يرى مَظْلُوما مَا فينصفه هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مُشْرك بِاللَّه قد غلبت رأفته بالمشركين ورقته على شح نَفسه فِي ملكه وَأَنت مُؤمن بِاللَّه وَابْن عَم رَسُول الله لَا تغلب رأفتك بِالْمُسْلِمين على شح نَفسك
ثمَّ مضى فِي موعظته حَتَّى بَكَى الْمَنْصُور بكاء شَدِيدا وارتفع صَوته ثمَّ قَالَ يَا لَيْتَني لم أخلق وَلم أكن شَيْئا ثمَّ قَالَ كَيفَ احتيالي فِيمَا خولت فِيهِ وَلم أرى من النَّاس إِلَّا خائنا قَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْك بالأئمة الْأَعْلَام المرشدين قَالَ وَمن هم قَالَ الْعلمَاء قَالَ قد فروا مني قَالَ هربوا مِنْك مَخَافَة أَن تحملهم على مَا ظهر من طريقك من قبل عمالك قَالَ وَلَكِن أفتح الْأَبْوَاب وَسَهل الْحجاب واقتص للمظلوم من الظَّالِم وامنع الْمَظَالِم وَخذ الشَّيْء مِمَّا حل وطاب واقسمه بِالْحَقِّ وَالْعدْل وَأَنا ضَامِن لَك أَن