الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثوم فَكرِهت أَن تشمه قَالَ صدقت ارْجع إِلَى مَكَانك فقد كَفاك الْمُسِيء مساويه
الْقَاعِدَة التَّاسِعَة عشرَة
الصَّبْر
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى قَالَ الطرطوشي الصَّبْر زِمَام سَائِر الْخِصَال وزعيم الْغنم الظفر وملاك كل فَضِيلَة وَبِه ينَال كل خير ومكرمة
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ هُوَ وصف كريم وحظ لمن وهب لَهُ عَظِيم وَقد كثر ذكره فِي الشَّرِيعَة قُرْآنًا وَسنة
قلت قَالَ البلالي ذكره تَعَالَى فِي خمس وَتِسْعين موضعا من الْقُرْآن وَلكُل مَوضِع بهجة
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة مَا يدل على فَضله وُجُوه هِيَ فَوَائده أَحدهمَا الثَّنَاء من الله تَعَالَى قَالَ عز وجل {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أواب} قيل كَانَ حبيب ابْن أبي حبيب إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة بَكَى ثمَّ يَقُول واعجباه أعْطى وَأثْنى
الثَّانِي الْبشَارَة وَالصَّلَاة وَالرَّحْمَة قَالَ الله تَعَالَى {وَبشر الصابرين} إِلَى قَوْله (وَأُولَئِكَ هم المهتدون)
الثَّالِث الدَّرَجَات العلى فِي الْجنَّة قَالَ الله تَعَالَى {أُولَئِكَ يجزون الغرفة بِمَا صَبَرُوا}
الرَّابِع الْكَرَامَة الْعَظِيمَة قَالَ الله تَعَالَى سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عَقبي الدَّار
الْخَامِس تَوْفِيَة الثَّوَاب عَلَيْهِ بِغَيْر حِسَاب قَالَ الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب}
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فَجعل أجره موازيا لأجر جَمِيع الْأَعْمَال لقَوْله تَعَالَى من عمل عملا صَالحا من ذكر وَأُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك يدْخلُونَ الْجنَّة يرْزقُونَ فِيهَا بِغَيْر حِسَاب
السَّادِس استقصاء البصيرة بِهِ فَفِي الصَّحِيح عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان وسبحانه الله تمل كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَالصَّلَاة نور وَالصَّدَََقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك كل النَّاس يَغْدُو فبائع مَعَ نَفسه فمعتقها أَو موبقها
السَّابِع أَنه خير الْعَطاء من الله تَعَالَى وأوسعه فَفِي الصَّحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيث وَمن يتصبر يصبره الله وَمَا أعْطى أحد عَطاء خيرا وأوسع من الصَّبْر
الثَّامِن اشتماله على نصف الْإِيمَان فَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه الصَّبْر نصف الْإِيمَان وَالْيَقِين الْإِيمَان كُله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَوْقُوفا
قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَقد رَفعه بَعضهم
التَّاسِع اخْتِصَاص الْمُؤمن بخيره فَفِي الصَّحِيح عَن صُهَيْب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر الْمُؤمن إِن أمره
كُله لَهُ خير وَلَيْسَ ذَلِك لأحد إِلَّا الْمُؤمن إِن أَصَابَته سراء شكر فَكَانَ خيرا لَهُ وَإِن أَصَابَته ضراء صَبر فَكَانَ خيرا لَهُ
الْعَاشِر التقوية عَلَيْهِ لهَذِهِ الْأمة بواردات الْإِمْدَاد من الله تَعَالَى فَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الله أنزل فِي زبر عِيسَى إِنِّي باعث من بعْدك أمة إِن أَصَابَهُم مَا يحبونَ حمدوا الله وَإِن أَصَابَهُم مَا يكْرهُونَ احتسبوا وصبروا وَلَا علم وَلَا حلم فَقَالَ يَا رب يكون هَذَا فَقَالَ أعطيهم من حلمي وَعلمِي رَوَاهُ الْحَاكِم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة من كَمَال فَضله مَاله من فَوَائِد مُعجلَة
الْفَائِدَة الأولى الْفَوْز بالنجاة
قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب}
قَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ مَعْنَاهُ من يتق الله بِالصبرِ يَجْعَل لَهُ مخرجا من الشدائد
الْفَائِدَة الثَّانِيَة التأييد على الْأَعْدَاء
قَالَ تَعَالَى {فاصبر إِن الْعَاقِبَة لِلْمُتقين}
قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ يَعْنِي الَّذين اشتغلوا بِاللَّه وصبروا على بلَاء الله وَرَضوا بِقَضَاء الله وَلم يُؤثر فيهم الْخُرُوج عَن الوطن وَلَا تعذر الزَّمن
الْفَائِدَة الثَّالِثَة الظفر بالمراد
قَالَ الله تَعَالَى {وتمت كلمة رَبك الْحسنى على بني إِسْرَائِيل بِمَا صَبَرُوا}
قيل كتب يُوسُف فِي جَوَاب يَعْقُوب عليهما السلام أَن آباءك صَبَرُوا فظفروا فاصبر كَمَا صَبَرُوا تظفر كَمَا ظفروا
وَقيل فِي معنى ذَلِك
(لَا تيأسن وَإِن طَالَتْ مطالبه
…
إِذا استعنت بصبر أَن ترى فرجا)
(أخلق بِذِي الصَّبْر أَن يحظى بحاجته
…
وَمد من القرع للأبواب أَن يلجا)
الْفَائِدَة الرَّابِعَة إِمَامَة النَّاس والتقديم عَلَيْهِم
قَالَ الله تَعَالَى {وَجَعَلنَا مِنْهُم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا}
قَالَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما لما أخذُوا بِرَأْس الْأَمر جعلهم الله رُؤَسَاء
الْفَائِدَة الْخَامِسَة ضَمَان النُّصْرَة بِهِ
فَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ كنت خلف النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا غُلَام إِنِّي أعلمك كَلِمَات احفظ الله يحفظك احفظ الله تَجدهُ أمامك إِذا سَأَلت فاسأل الله وَإِذا استعنت فَاسْتَعِنْ بِاللَّه واعم أَن الْأمة لَو اجْتمعت على أَن ينفعوك بِشَيْء لم ينفعوك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله لَك وَإِن اجْتَمعُوا على أَن يضروك بِشَيْء لم يضروك إِلَّا بِشَيْء قد كتبه الله عَلَيْك رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
قَالَ النَّوَوِيّ وَفِي رِوَايَة غَيره احفظ الله تَجدهُ أمامك تعرف إِلَيْهِ فِي الرخَاء يعرفك فِي الشدَّة وَاعْلَم أَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَمَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَفِي آخِره وَاعْلَم أَن النَّصْر مَعَ الصَّبْر وَأَن الْفرج مَعَ الكرب وَأَن مَعَ الْعسر يسرا
قَالَ وَهَذَا حَدِيث عَظِيم الْموقع
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة يتَأَكَّد على السُّلْطَان التخلق بِهَذَا الْوَصْف الْعَظِيم لمصَالح
الْمصلحَة الأولى حُصُول ثَمَرَات القوى الْمعبر عَنْهَا بِهِ
قَالَ ابْن المظفر هُوَ عبارَة عَن ثَلَاث قوى قُوَّة الْحلم وثمرتها الْعَفو وقوى الكلاءة وَالْحِفْظ وثمرتها عمَارَة المملكة وقوى الشجَاعَة وثمرتها فِي الْمُلُوك الثَّبَات وَفِي حماتهم الْإِقْدَام فِي المعارك
الْمصلحَة الثَّانِيَة إبقاؤه بِهِ على نَفسه عِنْد فَوَات مقصدها فيرغم أعداءه
قَالَ أرسطو يَا اسكندر لَا تجزع على مَا فاتك فَإِن ذَلِك من خَواص النِّسَاء والضعفاء وَأظْهر الْأَدَب والمروءة فَإِنَّهُ ينمي مَالك ويذل أعداءك
الْمصلحَة الثَّالِثَة احْتِمَال تَعب التَّدْبِير بِهِ
قَالُوا لَيْسَ فِي الأَرْض عمل آكِد من سياسة عَامَّة
وَعنهُ قَالُوا سيد الْقَوْم أشقاهم وَطلب الْمُلُوك الرَّاحَة فحصلوا على التَّعَب
وَفِي محَاسِن البلاغة ثَلَاثَة لَا غناء للْملك عَنْهَا رحب الذِّرَاع وَحسن التثبت وَالصَّبْر على معاناة الْأُمُور
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة الصَّبْر نَوْعَانِ بدني وَهُوَ تحمل المشاق
قَالَ البلالي وَرُبمَا ذمّ لتتحمل قَادِح فِي الدّين من وجع تعلق زَوَاله بالإختيار
ونفساني وَهُوَ الصَّبْر عَن مشتهى الطَّبْع واقتضاء الْهوى فَإِن كَانَ عَن شَهْوَة الْبَطن والفرج فعفة أَو الْقِتَال فشجاعة أَو كظم غيظ فحلم أَو فِي إحتمال نَائِبه فسعة صدر أَو فِي إخفاء أخر فكتمان سر أَو فضول عَيْش فزهد أَو قدر يسير فقناعة أَو عَن مَعْصِيّة فَصَبر
قَالَ البلالي لَا مدْخل فِيهِ للمحاسن
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار آخر إِلَى أَرْبَعَة أَقسَام صَبر على إمتثال مَا أَمر بِهِ وَاجْتنَاب مَا نهى عَنهُ وصبر على مَا فَاتَ إِدْرَاكه من مَسَرَّة أَو انْقَضتْ أوقاته وَاجْتنَاب مَا نهى عَنهُ مُصِيبَة فِيمَا ينْتَظر من مرجو مَرْغُوب فِيهِ أَو يتَوَقَّع من مَحْذُور مهروب عَنهُ وصبر على مَا هُوَ وَاقع فِي الْحَال لما وَهُوَ مَكْرُوه
قَالَ الطرطوشي وَجَمِيع ذَلِك مَحْمُود فِي مِلَّة وَعند كل أمة مُؤمنَة أَو فاجرة
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة وَهُوَ من جِهَة أُخْرَى أَيْضا أَرْبَعَة صَبر على الطَّاعَة ليحصل ثَوَابهَا الْمُرَتّب على سلامتها من القوادح وَعَن الْمعْصِيَة ليسلم من شؤمها عَاجلا وآجلا وصبر عَن فضول الدُّنْيَا ليتخلص من الشّغل بهَا فِي الْحَال والسمعة فِي المَال وصبر على المحن والمصائب ليبقى ثَوَابهَا موفورا
قَالَ الْغَزالِيّ فَيحصل بِالصبرِ الطَّاعَة وَالتَّقوى والزهد وَالثَّوَاب وتفصيل ذَلِك أَمر لَا يُعلمهُ أحد إِلَّا الله تَعَالَى
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة قَالَ ابْن قيم الجوزية الْفرق بَين الصَّبْر وَالْقَسْوَة أَن الصَّبْر خلق كسبي وَهُوَ حبس النَّفس عَن التسخط وَاللِّسَان عَن التشكي والجوارح عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَالْقَسْوَة غلظة فِي الْقلب تَمنعهُ من التَّأْثِير بالنوازل الغلطة وقساوته لَا لِصَبْرِهِ واحتماله
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة من الْكَلِمَات الْحكمِيَّة فِي هَذَا الْوَصْف
الصَّبْر مَطِيَّة لَا تكبو والقناعة سيف لَا ينبو
الصَّبْر كَفِيل بالنجاح الصَّبْر حصن منيع الْمَكَان مشيد الْبُنيان الصَّبْر جنَّة واقية وَعزة بَاقِيَة
الصَّبْر بَاب الْعِزّ والجزع بَاب الذل
السعيد من قمع بِالصبرِ شَهْوَته ودبر بالحزم أمره
بمفتاح عَزِيمَة الصَّبْر يعالج مغاليق الْأُمُور
أفضل الْعدة الصَّبْر عِنْد الشدَّة
من صَبر نَالَ المنى وَمن شكر حصن النعماء
وَقد قيل
(الصَّبْر مِفْتَاح كل خير
…
وكل صَعب بِهِ يهون)
(فاصبر وَإِن طَالَتْ اللَّيَالِي
…
فَرُبمَا ساعد الحزون)
(وَرُبمَا نيل باصطبار
…
مَا قيل هَيْهَات لَا يكون)