الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هرب مِنْك أَن يَأْتِيك فيعاونك على صَلَاح أَمرك ورعيتك فَقَالَ الْمَنْصُور اللَّهُمَّ وفقني أَن أعمل بِمَا قَالَ هَذَا الرجل انْتهى المُرَاد مِنْهَا وَهِي بِتَمَامِهَا مَذْكُورَة فِي الْأَحْيَاء فَرَاجعهَا من هُنَاكَ فَفِيهَا فَوَائِد {وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم}
الرُّكْن السَّابِع عشر
رِعَايَة الْخَاصَّة والبطانة
وَفِيه مسَائِل
الْمَسْأَلَة الأولى الْعِنَايَة برعاية هَذَا الرُّكْن أكيدة لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَنه قوام الدولة وحافظ وجودهَا
قَالَ الجاحظ من أَخْلَاق الْملك السعيد أَن يحرص على إحْيَاء بطانته حرصه على إحْيَاء نَفسه إِذْ كَانَ بهم نظام ملكه وَبَقَاء عزه
الثَّانِي أَنه لمَكَان مَنْزِلَته من الْملك يحْتَاج إِلَى سياسات تخصه فتهم الْعِنَايَة بِهِ لَا محَالة
فَفِي الأفلاطونيات يحْتَاج الْملك إِلَى ثَلَاث سياسات وَذكر سياسة نَفسه وسياسة خاصته وسياسة رَعيته
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من مُؤَكد النّظر فيهم تفقدهم بِمَا يُوفى بكفاية حملهمْ دون احْتِيَاج مِنْهُم إِلَى التَّذْكِير بِهِ تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا
قَالَ الجاحظ يَنْبَغِي للْملك تفقد بطانته وخاصته بجوائزهم
وصلاتهم إِن كَانَت مشاهرة فمشاهرة أَو مسانهة فمسانهة وَأَن يُوكل بتذكير صلَاتهم وَلَا يحوجهم إِلَى رفع رقْعَة بأذكار أَو تعرض فَإِن هَذَا لَيْسَ من أَخْلَاق المتيقظين من الْمُلُوك
منقبة قيل إِ أَو شرْوَان رفع إِلَيْهِ رجال من بطانته بشكوى سوء حَالهم فَقَالَ مَا أنصفكم إِلَى الشكية من أحوجكم ثمَّ فرق فيهم مَا وسعهم أغناهم
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة قَالَ الجاحظ إِذا كَانُوا من الْكِفَايَة فِي أقْصَى حُدُودهَا وَمن ذَوَات الْيَد وإدرار العطايا على أتم صفاتها ثمَّ فتتح أحد فَاه يطْلب مَا فَوق هَذِه الدرجَة فَالَّذِي جرأه على ذَلِك الشره والمنافسة وَمن ظَهرت مِنْهُ هَاتَانِ الخلتان كَانَ جَدِيرًا أَن تنْزع كِفَايَته من يَدَيْهِ وَتصير بيد غَيره
قلت قد يتَّفق فِي تلطف الطّلب لما وَرَاء هَذِه الدرجَة مَا يقْضِي ببلوغ المُرَاد من ذَلِك مَعَ مزِيد الحظوة وتجديد الْعِنَايَة كَمَا يحْكى أَنه تقدم للمنصور بن أبي عَامر وانذمار بن أبي بكر البرزالي أحد جند المغاربة وَقد جلس للعرض والتمييز والميدان غاص بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ بِكَلَام يضْحك الثكلان يَا مولَايَ مَالِي وَلَك أسكني فَإِنِّي فِي الفحص فَقَالَ وَمَا ذَاك يَا ونذمار وَأَيْنَ دَارك الواسعة الأقطار فَقَالَ أخرجتني وَالله عَنْهَا نِعْمَتك أَعْطَيْتنِي من الضّيَاع مَا انصب عَليّ مِنْهَا من الْأَطْعِمَة مَا مَلأ بيوتي وأخرجني عَنْهَا وَأَنا بربري مجوع حَدِيث الْعَهْد بالبؤس أَتَرَى لي أَن أبعد الْقَمْح عني لَيْسَ ذَلِك من رَأْيِي فَتطلق الْمَنْصُور وَقَالَ لله دَرك من عيي لعيك فِي شكر النِّعْمَة أبلغ عندنَا وآخذ بقلوبنا من كَلَام أشدق
متزين وبليغ مفتر وَأَقْبل على من حوله من أهل الأندلس فَقَالَ يَا أَصْحَابنَا كَذَا تشكروا الأيادي واستديموا النعم لَا مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من الْجحْد اللَّازِم
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة قَالَ الْمرَادِي مُلَخصا لوُجُوده من مستحسن السِّيرَة مَعَهم اجْعَل جلوسك للخاصة أبسط مِنْهُ للعامة وألقهم بالتحية وَأظْهر لَهُم الْمَوَدَّة وعاشرهم بلين الْكَلِمَة وترفيع الْمنزلَة وَتحفظ مَعَهم من السقط واقسم بشرك بَينهم على أقدار مَنَازِلهمْ وَلَا سِيمَا فِي محافلهم ومجامعهم وَلَا تنقص الْكَرِيم من قدره فَإِن ذَلِك مُوجب لحقده ومشعر لَهُ أَنَّك جَاهِل لحقه وَلَا ترفع اللَّئِيم فَوق مَنْزِلَته فَإِن ذَلِك مُوجب لتمرده
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة من مستحسن الموفي بِوَاجِب الرِّعَايَة لحق السُّلْطَان وَحسن الْأَدَب مَعَه أَن يفرغ عَلَيْهِ من سوابغ الْإِحْسَان مَا يكون كفاء لما ظهر مِنْهُ وجزاءه فقد قيل من حق الْملك الإبلاغ فِي مُكَافَأَة من ظهر مِنْهُ تَعْظِيم لحقه وَتحقّق خلوصه ونصحه ووفى لَهُ بِوَاجِب أدبه من خواصه
قلت ذكرُوا فِي ذَلِك حكايات يَكْفِي مِنْهَا اثْنَان
الْحِكَايَة الأولى عَن يزِيد بن شَجَرَة الرهاوي أَنه ساير مُعَاوِيَة رضي الله عنه يحدثه عَن يَوْم خُزَاعَة وَبني خزامة وَكَانَ يَوْمًا أشرف فِيهِ الْفَرِيقَانِ على الهلكة
الْهِجْرَة وَكَانَ يَوْمًا أشرف فِيهِ الْفَرِيقَانِ على الهلكة حَتَّى جَاءَهُم أَبُو سُفْيَان فارتفع ببعيره على ربوة ثمَّ أَوْمَأ بكميه إِلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا فانصرفوا قَالَ فَبَيْنَمَا مُعَاوِيَة يحدث يزِيد بِهَذَا الحَدِيث إِذْ صك وَجه يزِيد حجر عَابِر فأدماه وَجعلت الدِّمَاء تسيل من وَجهه على ثَوْبه فَمَا مسح ثَوْبه وَلَا وَجهه فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة لله أَنْت أما ترى مَا نزل بك فَقَالَ وَمَا ذَاك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ هَذَا دم وَجهك يسيل على ثَوْبك قَالَ عَلَيْهِ عتق مَا يملك إِن لم يكن حَدِيث أَمِير الْمُؤمنِينَ ألهاني حَتَّى غمر فكري وغطى على قلبِي فَمَا شَعرت بِشَيْء مِنْهُ حَتَّى نبهني أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة لقد ظلمك من جعلك فِي ألف من الغطاء وأخرجك من عَطاء أَبنَاء الْمُهَاجِرين وحماة أهل صفّين فَأمر لَهُ بِخَمْسِمِائَة ألف دِرْهَم وَزَاد فِي عطائه ألف دِرْهَم وَجعله بَين جلده ولحمه
الْحِكَايَة الثَّانِيَة حكى التجاني أَن ابْن الجلا البجاني كَاتب السُّلْطَان أبي زَكَرِيَّا من مُلُوك الحفصين استدعاه يوميا ليكتب بَين يَدَيْهِ شَيْئا وَكَانَت على ابْن الجلا حلَّة بَيْضَاء رفيعة فتبدد الحبر عَلَيْهَا فحاول إخفاء ذَلِك وَلم يتَعَرَّض لإظهاره وَلم يخف على السُّلْطَان أبي زَكَرِيَّا
قَصده فَوجه إِلَيْهِ بصلَة سنيه وَقَالَ إِنَّمَا أمرنَا لَهُ بهَا لإيثاره الْأَدَب وَعدم تطايره لما جرى لَهُ
تَنْبِيه الْمُبَالغَة فِي هَذَا النَّوْع من المكافآت لَا تَنْتَهِي إِلَى الْغَايَة لَا مزِيد عَلَيْهَا بل يَنْبَغِي أَن يتْرك من إحسانها مَا مجازي بِهِ تجدّد اسْتِحْقَاقه فَفِي الأفلاطونيات إِذا أحسن أحد من أَصْحَابك فَلَا تخرج إِلَيْهِ بغاية برك وَلَكِن أترك مِنْهُ شَيْئا تزيده إِيَّاه عِنْد تبنيك مِنْهُ الزِّيَادَة فِي نصيحتك
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي العهود اليونانية مَا حَاصله وَفِيه تَقْيِيد الْمفضل على الْخَاصَّة يَنْبَغِي للرئيس أَن يتَأَمَّل أَصْحَابه فَإِن وثق بهم اعْتمد عَلَيْهِم أَكثر من اعْتِمَاده على مَاله وأوسع لَهُم مِنْهُ مِمَّا وَرَاء الْعدْل فيهم وَإِن لم يَثِق بهم لما يُوجب ذَلِك عِنْده اعْتمد على مَاله فَوق اعْتِمَاده عَلَيْهِم وَأطلق للهم مِنْهُ مَا يمسك رمقهم وعللهم بلطيف الْحِيلَة ومصنوع الِاعْتِذَار بِنَاء مِنْهُ على أَن مثلهم لَا يسْتَحق إِيثَار الْفضل
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة من تخلص تحقق خلوص الثِّقَة بِهِ من الْخَاصَّة ثمَّ ندرت مِنْهُ زلَّة حَقه أَن لَا يُؤَاخذ فِيهَا بعقاب ذَوي التُّهْمَة
قَالَ ابْن المقفع لَا يَلُومن من السُّلْطَان على الزلة من لَيْسَ بمهمتهم فِي الْحِرْص على رِضَاهُ إِلَّا لوم أدب وتقويم رَأْي وَلَا يعدلن بالمجتهد فِي رِضَاهُ والبصير بِمَا يَأْتِي أحدا فَإِنَّهُمَا إِذا اجْتمعَا فِي الْوَزير والصاحب نَام الْملك واستراح وحليت لَهُ حَاجته وَإِن حدث عَنْهَا وَعمل لَهُ فِيمَا يهمه وَإِن غفل عَنهُ لم يغْفل لَهُ
مزِيد غبطه
قَالَ الصابي بِمن غلط من أَصْحَابه فاتعظ أَشد انتفاعا بِمن لم يغلط وَلم يتعظ لِأَن الأول كالقارح الَّذِي أدبته الْقُوَّة وأصلحته الندامة وَالثَّانِي كالجذع الَّذِي هُوَ رَاكب الْقُوَّة راكن إِلَى السَّلامَة وَالْعرب تزْعم أَن الْكسر إِذا جبر كَانَ صَاحبه أَشد بطشا وَأقوى يدا
قلت ويؤكد لَدَيْهِ الْأَخْذ فالسمح مَعَ رَجَاء هَذِه الْغِبْطَة علمه بِمَا تقرر من هَذَا الْأَمر يحسن الظَّن مَعَ التمَاس الْعذر فِي هَذَا الْبَاب وَهِي
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة قَالَ بعض الْعلمَاء من كَمَال الْفَضِيلَة حسن الظَّن بالصاحب وَتَأَول الْخَيْر فِيمَا يظْهر من التَّقْصِير والتماس الْعذر لذِي الهفوة فقد يغلب الْمَرْء طباعه ويخرجه الِاضْطِرَار عَن حد اعتداله لَا سِيمَا لمن حمدت سيرته فَمثله لَا تعْتَبر هفوته إِلَّا توحش نبوته وَالله سبحانه وتعالى يَقُول فاغف عَنْهُم وَاصْفَحْ إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ وَالْعَفو والصفح إِنَّمَا يكونَانِ مَعَ الذَّنب وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نهى الْمُؤمن أَن يظْهر بِالْمُؤمنِ شرا
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة مِمَّا يستجلب بِهِ التأنيس بَسطه مَعَهم بِاسْتِعْمَال رخصتين اعْتِبَارا بعزيمة الهيبة وَالْوَقار عَلَيْهِ
الرُّخْصَة الأولى المزاح الْمَأْذُون فِيهِ فقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يمزح وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا وَقد ترجموا على مزاح الْأَشْرَاف ونقلوا من ذَلِك مَا هُوَ مسطر فِي كتب الْأَخْبَار وَمِنْه عَن الْمُهَاجِرين مِمَّا حَكَاهُ ابْن رضوَان عَن التجاني قَالَ كَانَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْحسن قد
كلفه الْأَمِير أَبُو عبد الله الْمُسْتَنْصر فِي إِحْدَى السفرات بِالْمَشْيِ صُحْبَة الْحَرِيم فَتقدم مَعَهُنَّ على الْعَادة وأسرع الْخَلِيفَة فِي سيره فلحق بِهِ فَلَمَّا حاذاه انْفَرد عَن الْعَسْكَر وَتقدم إِلَيْهِ وهز الرمْح عَلَيْهِ وَأنْشد لَهُ
(لمن المطايا السائرات مَعَ الضُّحَى
…
محمية بالمشرفية والظبا)
فَأَجَابَهُ ابْن أبي الْحسن من حِينه
(لفتى لَهُ فِي كل منبت شَعْرَة
…
أَسد يمد إِلَى الفريسة مخلبا)
قَالَ التجاني وَفِي الْبَيْت تغير عَن أصل نظمه حرفه لما احْتَاجَ إِلَيْهِ من التَّمْثِيل يه وَصِحَّة إنشاده
(فِي كل منبت شَعْرَة من جِسْمه
…
أَسد يمد إِلَى الفريسة مخلبا)
قَالَ وَيرد عَلَيْهِ فِيمَا غَيره مَا ورد على ليلى الأخيلية عِنْد إنشادها مدح الْحجَّاج فِي قَوْله لَهَا
لَا تقولي غُلَام وَلَكِن قولي همام
الرُّخْصَة الثَّانِيَة اللّعب بِمَا لَا حرج فِيهِ أَو هُوَ مَحْمُود كالرمي وَمَا فِي مَعْنَاهُ
قَالَ الجاحظ وَلَا يمْنَع الملاعبة من النصفة بل لَهُ المشاحة والمساواة والممانعة وَترك الاغتصاب وَالْأَخْذ بِالْحَقِّ بأقصى حُدُوده غير أَن ذَلِك لَا يكون مَعَه بذاء وَلَا رفث وَلَا مُعَارضَة تزيل حق الْملك وصياح يَعْلُو كَلَامه وَلَا سبّ وَلَا نزاع مِمَّا هُوَ خَارج عَن ميزَان الْعدْل
قلت وَلَا عَن أدب الشَّرِيعَة ومواقف حُدُودهَا
تحذير من الْمَنْقُول فِي شُرُوط مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الْبسط فِي هَذَا الْمقَام حكايتان يتقى بالعظمة بهما ويحدر
الْحِكَايَة الأولى روى أَن سَابُور لاعب تربا لَهُ بالشطرنج على إمرة مطاعة فغلبة تربه فَقَالَ لَهُ سَابُور مَا إمرتك قَالَ لَهُ أركبك حَتَّى أخرج بك إِلَى الْبَاب الْعَامَّة فَقَالَ لَهُ سَابُور بئس مَوضِع الدَّالَّة وضعتك فاطلب غير هَذَا قَالَ فَبِهَذَا جرى لَفْظِي فأسف لذَلِك سَابُور وَقَامَ فَدَعَا ببرقع فتبرقع بِهِ ثمَّ جثا ليركبه فَامْتنعَ أَن يَعْلُو ظَهره إجلالا وإعظاما فَنَادَى سَابُور بعد ذَلِك فِي الرّعية لَا يلعبن أحد على حكم غَائِب
الْحِكَايَة الثَّانِيَة قيل أَن الْملك الْأَشْرَف طرب لَيْلَة فِي مجْلِس أنسه على بعض الملاهي فَقَالَ لصَاحبه تمن عَليّ فَقَالَ تمنيت مَدِينَة خلاط فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا وَكَانَ النَّائِب بهَا الْأَمِير حسام الدّين الْمَعْرُوف بالحاجب فَتوجه ذَلِك الشَّخْص إِلَيْهِ ليتسلمها مِنْهُ فَعوضهُ الْحَاجِب عَنْهُمَا جملَة كَثِيرَة من المَال وَصَالَحَهُ عَنْهَا
الْمَسْأَلَة الْعَاشِرَة من أعظم مَا يلحظ بِهِ علية الْخَاصَّة إدامة تشريفهم بزيارته لَهُم فِي مَنَازِلهمْ تفضلا مِنْهُ وإنعاما وَقد قسمهَا الجاحظ إِلَى أَربع للمواكلة تأنسا بالمزور وللعيادة من الْمَرَض وللتعزية فِي الْمُصِيبَة وللتعظيم فَقَط وَهِي أرفعها قَالَ لِأَن مَا عدا أَكثر مَا يتَّفق بسؤال المزور وتلطفه فِي
التنويه من قدره بذلك وَلَو بِأَن يتمارض وَلَا يُمكن أَن يسْأَل وزيرا وَغَيره مَا هُوَ صَرِيح فِي التَّعْظِيم لَهُ انْتهى مُلَخصا
اسْتِدْرَاك قَالَ ابْن رضوَان وَبَقِي قسم خَامِس وَهُوَ أفضلهَا وَأَكْرمهَا أثر فِي الدَّاريْنِ وَهِي الزِّيَارَة لاحتساب الْأجر وجبر قلب المزور
قَالَ ويشترك فِي ذَلِك الْخَواص وَغَيرهم
قَالَ وَقد كَانَ مُلُوك الْإِسْلَام الَّذين فعلوا ذَلِك وشفعوه بِحُضُور الْجَنَائِز حَسبه لله تَعَالَى هِشَام بن عبد الرَّحْمَن من مُلُوك بني أُميَّة بالأندلس حِين أخبرهُ الضَّبِّيّ المنجم بِأَن مدَّته فِي الْملك ثَمَانِيَة أَعْوَام وَنَحْوهَا فَأَطْرَقَ سَاعَة ثمَّ رفع رَأسه إِلَيْهِ وَقَالَ يَا ضبي مَا أخوفني أَن سَجْدَة الله لقلب طَاعَة لَهُ وَوقر قَوْله فِي نَفسه فزهد فِي الدُّنْيَا وهانت عِنْده وَمَال إِلَى الْآخِرَة وَتَوَلَّى النّظر فِي الرّعية بِخَير مَا نظر نَاظر من الدّين وَالْعدْل والتواضع وَلبس الصُّوف وَاقْتصر فِي مأكله ومركبه وَالْتزم عِيَادَة المرضى وَشهد الْجَنَائِز إِلَى أَن مضى لسبيله وَصدقه الضَّبِّيّ فِي أخباره حَكَاهُ ابْن الْقُوطِيَّة
انعطاف ذكرُوا فِيمَا يحض زِيَارَة الْخَاصَّة لبَعض الْمَقَاصِد الْمُتَقَدّمَة حكايات يَكْفِي مِنْهَا اثْنَتَانِ
الْحِكَايَة الأولى قيل مرض شرف الدّين بن عنين فَكتب إِلَى مخدومه الْملك الْمُعظم شرف الدّين ابْن الْملك الْعَادِل سيف الدّين بن أَيُّوب صَاحب دمشق
(أنظر إِلَيّ بِعَين مولى لم يزل
…
يولي الندا وتلاف قبل تلاف)
(أَنا كَالَّذي أحتاج مَا يَحْتَاجهُ
…
فأغنم ثنائي وَالدُّعَاء الوافي)
فجَاء إِلَيْهِ يعودهُ بِنَفسِهِ وَمَعَهُ صرة فِيهَا ثَلَاثمِائَة دِينَار فَقَالَ هَذِه الصِّلَة وَأَنا الْعَائِد
حِكَايَة الثَّانِيَة قيل اشْتَكَى الْأَمِير بخت الملقب بشرف الدّين الخرساني بِحَضْرَة ملك الْهِنْد فَأَتَاهُ الْملك عَائِدًا وَلما دخل عَلَيْهِ أَرَادَ الْقيام فَحلف عَلَيْهِ الْملك أَن لَا ينزل عَن سَرِيره وَوضع للسُّلْطَان متكأة