الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأخبرتُ شيخي بذلك فقال: مُرْ، فإنّك أهلٌ لذلك.
تُوُفّي في شوّال عن ثمانٍ وسبعين سنة، وقبره يُزار ويُبجَّل غاية التَّبجيل.
-
حرف الحاء
-
260-
الحسن بن شهاب بن الحسن بن عليّ [1] .
أبو عليّ العُكْبَريّ الحنبليّ [2] .
شيخٌ معمَّر جليل القدر. ولد سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة، وطلب الحديث وهو كبير.
فسمع من: أبي عليّ بْنُ الصّوّاف، وأبي بكر بن خلّاد، وأحمد بن جعفر القَطِيعيّ، وحبيب القزّاز، فمن بعدهم.
وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل، وكان عارفًا بالمذهب وبالعربية والشِّعر.
وثّقه أبو بكر البَرْقانيّ [3] .
وقد نسخ الخطَّ المليح الكثير، وكان بارعَ الكتابة بمرَّة.
روى عنه الخطيب وغيره.
ثمّ قال الخطيب [4] : ثنا عيسى بن أحمد الهَمَذانيّ قال: وقال لي أبو عليّ ابن شهاب يومًا: أرِني خطَّك، فقد ذُكر لي أنّك سريع الكتابة.
فنظر فيه فلم يرضه ثمّ قال: كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضيَّة. وكنتُ أشتري كاغَدًا بخمسة دراهم، فأكتب فيه «ديوان المتنبيّ» في ثلاث ليالٍ، وأبيعه بمائتي درهم، وأقلّه بمائة وخمسين درهما، وكذلك كتب الأدب المطلوبة.
[1] انظر عن (الحسن بن شهاب) في:
تاريخ بغداد 7/ 329، 330 رقم 3844، وطبقات الحنابلة 2/ 186- 188 رقم 653، والمنتظم 8/ 92 رقم 107 (15/ 257، 258 رقم 3201) ، وسير أعلام النبلاء 17/ 542، 543 رقم 362، ومختصر طبقات الحنابلة 370، والبداية والنهاية 12/ 40، 41، وشذرات الذهب 3/ 241، 242.
[2]
في الأصل: «الحنفي» وهو سهو، والتصويب من المصادر.
[3]
فقال: ثقة أمين.
[4]
في تاريخه 7/ 329، 330.
تُوُفّي ابن شهاب في رجب.
وقال الأزهريُّ: أوصى بثُلث ماله لفُقهاء الحنابلة، فلم يُعْطَوا شيئًا أخذ السّلطان من ترِكَتِه ألف دينار سوى العقار [1] .
261-
الحسين بن الحسن بن سِبَاع [2] .
أبو عبد الله الرّمليّ المؤدِّب الشّاهد.
إمام جامع دمشق، وخطيبها.
سمع بالرَّملة من: سَلْم بن الفضل البغداديّ أبي قُتَيبة.
وحدَّث عنه بأربعة أحاديث كان يحفظها.
روى عنه: أبو سعْد إسماعيل السّمّان، وعبد العزيز الكتّانيّ، وجماعة.
قال الكتّانيّ: أمَّ بالجامع عشرين سنة أو نحوها لا تؤخذ عليه غلطة في التّلاوة ولا سهْو.
ووثّقه الحدّاد محمد بن عليّ.
وهو آخر من حدَّث بدمشق عن ابن قُتَيْبَة.
262-
الحُسَيْن بن عبد الله بن الحسن بن سينا [3] .
[1] تاريخ بغداد 7/ 330.
[2]
انظر عن (الحسين بن الحسن) في:
مختصر تاريخ دمشق 7/ 97 رقم 97، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 294.
[3]
انظر عن (الحسين بن عبد الله بن سينا) في:
الإكمال لابن ماكولا 1/ 483، وتاريخ حكماء الإسلام للبيهقي 52- 72، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري 187، وتاريخ الزمان، له 88، 89، وفيه وفاته سنة 427 هـ. والكامل في التاريخ 9/ 456، وعيون الأنباء في طبقات الأطبّاء 2/ 7 وما بعدها، والأنساب 2/ 162، وتاريخ الحكماء لابن القفطي 413- 426، ووفيات الأعيان 2/ 157- 162 و 4/ 251 و 5/ 153، و 363 و 6/ 75، 270 و 7/ 315، وإغاثة اللهفان لابن قيّم الجوزيّة 2/ 266، والمختصر في أخبار البشر 2/ 161، 162، ودول الإسلام 1/ 255، وسير أعلام النبلاء 17/ 531- 537 رقم 356، والإعلام بوفيات الأعلام 178، والعبر 3/ 165، وميزان الاعتدال 1/ 539، وتاريخ ابن الوردي 1/ 344، 345، وتاريخ الحكماء للشهرستاني 413- 426، وعيون التواريخ 12/ 159 أ، 166 ب، والوافي بالوفيات 12/ 391- 412، ومرآة الجنان 3/ 47- 51، والبداية والنهاية 12/ 42، 43، والجواهر المضيّة 2/ 63، 64، وطبقات الفقهاء لطاش كبرى زاده 70، والوفيات لابن قنفذ 235، 236 رقم 428، وتاريخ الخميس 2/ 399، والردّ على المنطقيّين 141- 144، والشقائق النعمانية
الرّئيس أبو عليّ، صاحب الفلسفة والتّصانيف.
حكى عن نفسه، قال: كان أبي رجلًا من أهل بَلْخ، فسكن بُخَارى في دولة نوح بن منصور. وتوّلى العمل والتَّصرُّف بقرية كبيرة. وتزوَّج بأمي فأولدها أنا وأخي، ثمّ انتقلنا إلى بُخَارى. وأُحْضِرتُ معلِّم القرآن ومعلِّم الأدب، وأكملت عشْرًا من العُمر، وقد أتيتُ على القرآن وعلى كثير من الأدب، حتّى كان يُقضى منّي العجب [1] .
وكان أبي ممّن أجابَ دعوة المصريّين، ويُعدُّ من الإسماعيليّة، وقد سمع منهم ذِكْرَ النّفس والعقل، وكذلك أخي. فربّما تذاكروا وأنا أسمعهم وأدرك ما
[ () ] 1/ 475- 478، والمجدّدون في الإسلام للصعيدي 185- 189، ولسان الميزان 2/ 291، 293، والنجوم الزاهرة 5/ 25، 26، وتاج التراجم لابن قطلوبغا 19، والطبقات السنية، رقم 761، وشذرات الذهب 3/ 234- 237، وخزانة الأدب للبغدادي 4/ 466، وتاريخ الخلفاء 422، وروضات الجنات 3/ 170- 185، وإيضاح المكنون 2/ 555، 672، وهدية العارفين 1/ 308، 309، والفهرس التمهيدي 453- 464 و 516- 566، وأعيان الشيعة 26/ 287- 337، وهدية العارفين 1/ 308، 309، والذريعة إلى تصانيف الشيعة 2/ 48- 96 و 7/ 184، وتاريخ فلاسفة الإسلام للطفي جمعة 53- 66، وتاريخ الفلسفة في الإسلام 164- 188، والخالدون 101- 116، وكشف الظنون 12/ 36، 51، 63، 94، 183، 201، 238، 377، 380، 449، 451، 463، 624، 685، 736، 757، 766، 841، 843، 846، 852، 861، 862، 870، 876- 880، 889، 891، 894، 896، 897، 900، 953، 1055، 1186، 1311، 1327، 1341، 1389، 1408، 1430، 1440، 1454، 1466، 1520، 1533، 1550، 1621، 1783، 1793، 1900، 2031، وتراث العرب العلمي لطوقان 286- 297، وعقود الجوهر لجميل العظم 133- 141، وفهرس مخطوطات الموصل 166، 237، وفهرس المخطوطات المصوّرة 1/ 128، 199، 202- 222، 226، 228، 229، 233، 235، وفهرس دار الكتب المصرية 2/ 2، وفهرست الخديوية 6/ 2، 3، 15، 27، 46، 89، وسيرة الشيخ الرئيس لعبد الواحد الجوزجاني، والعلماء المسلمون لفهمي إسحاق 53- 64، والشيخ الرئيس ابن سينا للعقّاد، وتاريخ الأدب في إيران من الفردوسي إلى السعدي لبراون، ترجمة الشواربي 121، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 103- 210، ومؤلّفات ابن سينا للأب قنواتي 26، والكتاب الذهبي للمهرجان الألفي لابن سينا، طبعة بغداد 1952، ومؤلفات ابن سينا لأمين مرسي قنديل 1950، ومعجم المؤلفين 4/ 20- 23 وفيه أسماء مصادر ومراجع أخرى، وديوان الإسلام 3/ 123، 124 رقم 1211، والأعلام 2/ 241، وطبقات أعلام الشيعة (النابس في القرن الخامس) 63، ومعجم المطبوعات لسركيس 127- 132.
[1]
تاريخ مختصر الدول 187.
يقولانه ولا تقبله نفسي. وأخذوا يدعونني إليه ويُجرون على ألسنتهم ذِكْر الفلسفة والهندسة والحساب، وأَخَذ يوجّهني إلى مَن يُعلّمني الحساب.
ثمّ قدِم بُخَارى أبو عبد الله النّاتِلّيّ [1] الفيلسوف، فأنزله أبي دارَنا. وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتّردّد فيه إلى الشّيخ إسماعيل الزّاهد [2] .
وكنتُ من أجود السّالكين. وقد ألِفْتُ المناظرةَ والبحثَ. ثمّ ابتدأت على النّاتِلّيّ، بكتاب «إيساغوجي» [3] . ولمّا ذكرَ لي أنّ حدَّ الجنس هو القول على كثيرين مختلفين بالنّوع، وأخذته في تحقيق هذا الحدّ ما لم يسمع بمثله، تعجَّب منّي كلَّ التَّعجُّب، وحذَّر والدي من شغْلي بغير العلم [4] .
وكان أيّ مسألة قالها لي أتصورها خيرًا منه، حتّى قرأت ظواهر المنطق عليه، وأمّا دقائقه فلم يكن عنده منها خبر [5] .
ثمّ أخذتُ أقرأ الكُتُب على نفسي، وأطالع الشُّروح حتّى أحكمتُ عِلمَ المنطق. وكذلك كتب إقليدس، فقرأتُ من أوّله إلى خمسة أشكال أو ستة عليه، ثمّ تولّيت بنفسي حلَّ باقيه [6] .
وانتقلت إلى «المجَسْطيّ» ، ولمّا فَرَغْتُ من مقدِّماته وانتهيت إلى الأشكال الهندسيّة قال لي النّاتِلّيّ: حُلَّها وحدَك، ثمّ أعْرِضها لأبيَّن لك. فكم من شكلٍ ما عَرَفَه الرّجلُ إلّا وقتَ عَرَضْتُهُ عليه وفهّمته إيّاه. ثمّ سافر.
وأخذت في الطّبيعي والإلهيّ. فصارت الأبواب تنفتح عليّ، ورغبتُ في
[1] النّاتلي: بفتح النون وكسر التاء المنقوطة من فوقها باثنتين وفي آخرها اللام. هذه النسبة إلى ناتيل، وهي بليدة بنواحي آمل طبرستان، كثيرة الخضرة والمياه. (الأنساب 12/ 9) .
[2]
وفيات الأعيان 2/ 158.
[3]
وفيات الأعيان 2/ 158.
[4]
قال ابن العبري: ولما وصل إلى تحديد الجنس الّذي يطلق على أنواع كثيرة قال لمعلّمه: هل يطلق الجنس على كلّ من الأنواع فردا فردا؟ قال المعلّم: نعم. اعترض الفتى فقال: إذا سألني سائل: من هو الإنسان؟ وقلت له: حيوان فقط، فهل يكون جوابي صائبا؟ قال المعلّم:
نعم. ناقضه التلميذ وقال: لست أواقفك، إذ لست بلا رويّة حتى إذا سألني سائل عن الحيوان الناطق من هو؟ أكتفي بالقول: إنه حيوان، وأسكت. ومنذئذ ترك المعلّم وجعل يطالع على حدة ويتفهّم ما يقرأ. (تاريخ الزمان 88) .
[5]
في تاريخ مختصر الدول 187 «خبرة» .
[6]
تاريخ مختصر الدول 187.
الطّبّ وبرَّزْتُ فيه في مُدَيْدَة حتّى بدأ الأطباء يقرءون عليّ، وتعهَّدت المَرْضَى، فانفتح عليَّ من أبواب المعالجات النّفسيّة من التّجربة ما لا يوصف [1] .
وأنا مع ذلك أختلف إلى الفقه وأُناظر فيه، وعمري ستّ عشرة سنة. ثمّ أَعَدْتُ قراءة المنطق وجميع أجزاء الفلسفة.
ولازَمْتُ العلم سنةً ونصفًا. وفي هذه المدّة ما نمتُ ليلةً واحدةً بطولها.
ولا اشتغلت في النّهار بغيره. وجمعتُ بين يديّ ظُهُورًا، فكلّ حُجَّة أنظر فيها أُثْبتُ مقدّمات قياسيّة، ورتبتُها في تلك الظُّهُور، ثمّ نظرتُ فيما عساها تُنْتج.
وراعيت شروط مقدّماته، حتّى تحقّق لي حقيقة الحقّ في تلك المسألة.
وكلّما كنت أتحيَّر في مسألة، أو لم أظفَرْ بالحدّ الأوْسَط في قياسٍ، تردَّدت إلى الجامع، وصلَّيتُ وابتهلت إلى مبدِع الكلِّ، حتّى فتح لي المُنْغَلِق منه، وتيسَّر المتعسِّر [2] .
وكنتُ أرجع باللّيل إلى دارِي وأشتغل بالكتابة والقراءة، فمهما غلبني النّوم أو شعرت بضعف عدلْت إلى شرْب قَدَحٍ من الشَّراب رَيث ما تعود إليّ قُوَّتي.
ثمّ أرجع إلى القراءة. ومهما غلبني أدنى نومٌ أحلُمُ بتلك المسائل بأعيانها. حتّى إنّ كثيرًا من المسائل اتّضح لي وجوهُها في المنام [3] . وكذلك حتّى استحكم معي جميع العلوم، ووقفت عليها بحسب الإمكان الإنسانيّ. وكلّما علِمْتُه في ذلك الوقت فهو كما علمته ولم أزْدَد فيه إلى اليوم. حتّى أحْكمتُ علم المنطق والطّبيعيّ والرّياضيّ، ثمّ عدلت إلى الإلهيّ. وقرأت كتاب «ما بعد الطّبيعة» فما كنتُ أفهم ما فيه، والتبس عليَّ غرضُ واضعه، حتّى أعدت قراءته أربعين مرّة، وصار لي محفوظًا، وأنا مع ذلك لا أفهم ولا المقصود به. وأيست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فَهْمه. وإذا أنا في يوم من الأيّام حضرتُ وقت العصر في الورّاقين وبيد دلّالٍ مجلَّد ينادي عليه، فَعَرَضه عليَّ فردَدْتُه ردَّ مُتَبرِّمٍ [4]، فقال: إنّه رخيص، بثلاثة دراهم.
[1] زاد ابن العبري: «وأنا في هذا الوقت من أبناء ستّ عشرة سنة» . (تاريخ مختصر الدول 187) .
[2]
تاريخ مختصر الدول 187، وفيات الأعيان 2/ 158.
[3]
تاريخ مختصر الدول 187.
[4]
زاد ابن العبري: «معتقد أن لا فائدة في هذا العلم» . (تاريخ مختصر الدول 187) .
فاشتريته فإذا هو كتابٌ لأبي نصر الفارابيّ في أغراض كتاب ما بعد الحكمة الطّبيعيّة [1] . ورجعتُ إلى بيتي وأسرعتُ قراءته، فانفتح عليَّ في الوقت أغراض ذلك الكتاب [2] . ففرحتُ وتصدَّقتُ بشيءٍ كثير شكرًا للَّه تَعَالَى [3] .
واتْفق لسّلطان بُخَارى نوح بن منصور مرضٌ صعبٌ، فأجرى الأطبّاء ذِكْري بين يديه، فأُحْضِرتُ وشاركتهم في مداواته، وسألته الإذْنَ في دخول خزانة كُتُبهم ومطالعتها وقراءة ما فيها من الكُتُب وكَتْبها. فأذن لي فدخلتُ، فإذا كُتُبٌ لا تُحصى في كلّ فنٍّ. ورأيتُ كُتُبًا لم تقع أسماؤُها إلى كثير من النّاس، فقرأت تلك الكُتُب وظفرت بفوائدها، وعرفتُ مرتبة كلّ رجلٍ في علمه [4] . فلمّا بلغتُ ثمانيةَ عشرَ عامًا من العُمر فرغت من هذه العلوم كلّها. وكنتُ إذ ذاك للعلم أحفظ، ولكنّه معي اليوم أنضج، وإلّا فالعلم واحد لم يتجدّد لي بعدَه شيء [5] .
وسألني جارنا أبو الحسين [6] العروضيّ أن أصنّف له كتابا جامعا في هذا العلم، فصنّفتُ له «المجموع» وسمّيتُه به، وأتيتُ فيه على سائر العلوم سوى الرّياضيّ، ولي إذ ذاك إحدى وعشرون سنة.
وسألني جارنا الفقيه أبو بكر البَرَقيّ [7] الخوارزميّ [8] ، وكان مائلًا إلى الفقه والتّفسير والزّهد، فسألني شرح الكُتُب له، فصنّفت له كتاب «الحاصل والمحصول» في عشرين مجلّدة أو نحوها. وصنّفت له كتاب «البِرّ والإثّم» ، وهذان الكتابان لا يوجدان إلّا عنده، ولم يعرهما أحدا.
[1] في: تاريخ مختصر الدول، وعيون الأنباء، والوافي بالوفيات:«ما بعد الطبيعة» .
[2]
زاد ابن العبري: «بسبب أنه قد صار لي على ظهر القلب» . (تاريخ مختصر الدول 188) .
[3]
تاريخ مختصر الدولة 187، 188.
[4]
وفيات الأعيان 2/ 158.
[5]
تاريخ مختصر الدول 188.
[6]
هكذا في الأصل (وعيون الأنباء) . وفي: الوافي بالوفيات 12/ 394: «أبو الحسن» .
[7]
البرقيّ: بفتح الباء والراء، والقاف بعدهما، هذه النسبة إلى برق وهو بيت كبير من خوارزم انتقلوا إلى بخارى وسكنوها. وهذه النسبة إلى برق يعني بالفارسية: بره ولد الشاة، لأنه كان في آبائه من يبيع الحملان، فعرّب بالفارسيّ. (الإكمال لابن ماكولا 1/ 483، الأنساب 2/ 161) .
[8]
ترجم له ابن ماكولا في (الإكمال 1/ 483) ، وابن السمعاني في (الأنساب 2/ 161، 162)، وقال ابن ماكولا: ورأيت ديوان شعره وأكثره. بخط تلميذه ابن سينا الفيلسوف.
ثمّ مات والدي، وتصرَّفت بي الأحوال، وتقلَّدْت شيئًا من أعمال السّلطان، ودعتني الضّرورة إلى الإحلال ببُخَارى [1] والانتقال إلى كُرْكانْج [2] ، وكان أبو الحسن السَّهْليّ المحبّ لهذه العلوم بها وزيرًا. وقدِمت إلى الأمير بها عليّ بن المأمون، وكنتُ على زِيّ الفُقهاء إذ ذاك بطَيْلَسان تحت الحَنَك، وأثبتوا لي مشاهَرةً دارّة تكفيني [3] .
ثمّ انتقلت إلى نَسَا [4] ، ومنها إلى باوَرْد [5] ، وإلى طُوس، ثمّ إلى جاجَرْم [6] راس حدّ خراسان، ومنها جُرْجَان، وكان قصدي الأمير قابوس. فاتّفق في أثناء هذا أخد قابوسَ وحبْسه، فمضيت إلى دِهِستان [7] ، فمرضت بها ورجعت إلى جُرْجَان [8] ، فاتّصل بي أبو عُبَيْد الجوزجانيّ [9] .
[1] في: (تاريخ الحكماء) : «إلى الارتحال عن بخارى» ، وفي (الوافي بالوفيات) :«إلى الإخلال ببخارى» .
[2]
كركانج: بالضم ثم السكون، وكاف أخرى، وبعد الألف نون ساكنة يلتقي بها ساكنان ثم جيم. اسم القصبة بلاد خوارزم ومدينتها العظمى، وقد عرّبت فقيل: الجرجانيّة، فأما أهل خوارزم فيسمّونها كركانج، وليس خوارزم اسما لمدينة بعينها إنما هو اسم للناحية بأسرها، وهما كركانجان: فهذه الكبرى، وبينها وبين كركانج الصغرى ثلاثة فراسخ. (معجم البلدان 4/ 452) .
وفي: (تاريخ مختصر الدول 188) : «جرجان» ، والمثبت يتفق مع:(وفيات الأعيان 2/ 159) .
[3]
وفيات الأعيان 2/ 159.
[4]
نسا: بفتح أوله، مقصور بلفظ عرق النّسا. وهي مدينة بخراسان، بينها وبين سرخس يومان وبينها وبين مرو خمسة أيام، وبين أبيورد يوم، وبين نيسابور ستة أو سبعة، وهي مدينة وبئة جدّا. (معجم البلدان 5/ 282) .
[5]
باورد: بفتح الواو، وسكون الراء، وهي أبيورد. بلد بخراسان بين سرخس ونسا. (معجم البلدان 1/ 333) .
[6]
جاجرم: بعد الألف جيم أخرى مفتوحة، وراء ساكنة، وميم، بلدة لها كورة واقعة بين نيسابور وجوين وجرجان، تشتمل على قرى كثيرة، وبلد حسن. (معجم البلدان 2/ 92) .
[7]
دهستان: بكسر أوله وثانيه. بلد مشهور في طرف مازندران قرب خوارزم وجرجان. (معجم البلدان 2/ 492) .
[8]
تاريخ مختصر الدول 188، وفيه زاد ابن العبري:«وأنشأت في حالي قصيدة فيها البيت القائل» :
لما عظمت فليس مصر واسعي لما غلا ثمني عدمت المشتري وقال ابن خلّكان إنه صنّف في جرجان «الكتاب الأوسط» ، ولهذا يقال له «الأوسط الجرجاني» .
(وفيات الأعيان 2/ 159) .
[9]
الجوزجاني: بضم أوله وسكون الواو والزاي: نسبة لاسم كورة واسعة من كور بلخ بخراسان،
ثمّ قال أبو عُبَيْد [1] الْجُوزْجَانيّ: فهذا ما حكاه لي الشّيخ من لفظه [2] .
وصنّف ابن سِيَنا [3] بأرض الجبل كُتُبًا كثيرة. وهذا فهرس كُتُبه:
كتاب «المجموع» ، مجلّد، «الحاصل والمحصول» ، عشرون مجلّدة، «الإنصاف» ، عشرون مجلدة، «البِرّ والإثم» ، مجلّدان، «الشّفاء» ، ثمانية عشر مجلّدًا، «القانون» ، أربعة عشر مجلّدًا [4] ، «الأرصاد الكليّة» ، مجلّد، كتاب «النَّجَاة» ، ثلاث مجلّدات، «الهداية» ، مجلّد، «الإشارات» ، مجلّد، «المختَصَر» ، مجلّد، «العلائيّ» ، مجلّد، «القُولَنْج» ، مجلّد، «لسان العرب» [5] ، عشر مجلّدات، «الأدوية القلبية» [6] ، مجلّد، «الموجَز» ، مجلّد، «بعض الحكمة الشّرقيّة» ، مجلّد:«بيان ذوات الجهة» ، مجلّد، كتاب «المَعَاد» ، مجلّد، كتاب «المبتدأ والمَعَاد» ، مجلّد.
ومن رسائله: «القضاء والقدر» ، «الآلة الرصدّية» ، «غرض قاطيغورياس» ، «المنطق بالشِّعر» ، «قصيدة في العِظة والحكمة» ، «تعقُّب المواضع الجدليّة» ، «مختصرا أوقليدس» ، «مختصر في النّبض» بالعجميّة، «في النّهاية وأنْ لا نهاية» ، «عهدٌ» كتبه لنفسه، «حيّ بن يَقْظان» ، «في أنّ أبعاد الجسم غير ذاتيّة له» ، «خطب الكلام في الهِنْدباء» ، «في أنّ الشيء الواحد لا يكون جوهريًّا عَرَضيًّا» ، «في أنّ عِلم زيد غير علم عَمْرو» ، «رسائل له إخوانيّة وسلطانيّة» ، «مسائل جرت بينه وبين بعض الفضلاء» [7] .
[ () ] وهي بين مروالروذ وبلخ، ويقال لقصبتها اليهودية، ومن مدنها: الأنبار، وفارياب، وكلّار.
(معجم البلدان 2/ 182) .
[1]
قال ابن خلكان: «واسمه عبد الواحد» . (وفيات الأعيان 2/ 159) .
[2]
تاريخ مختصر الدول 188.
[3]
في الأصل: «ابن كينا» ! وهو سهو.
[4]
في: سير أعلام النبلاء 17/ 533: «القانون، مجلّدات» ، وقال ابن العبري: ولما بلغ الثامنة عشرة صنّف كتابه الكبير المشهور بالقانون وأردفه بكتاب «الشفاء» الضخم في علوم الفلسفة الأربعين، وأتى عليه في عشرين يوما، وضمّنه علوم الطبيعيات والإلهيّات» (تاريخ الزمان 89) .
[5]
في: سير أعلام النبلاء 17/ 533: «اللغة» .
[6]
في: سير أعلام النبلاء 17/ 533: «أدوية القلب» .
[7]
راجع أسماء مؤلّفاته ورسائله في: عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة 457- 459، والوافي بالوفيات 12/ 604- 606، وكشف الظنون (راجع قائمة المصادر التي وضعناها لترجمته) ، وهدية العرافين 1/ 308، 309، وتراث العرب العلمي لطوقان 286- 297، وعقود الجوهر
ثمّ انتقل إلى الرِّيّ، وخدم السّيّدة وابنها مجد الدّولة [1] ، وداواه من السَّوداء، وأقام إلى أن قصد شمس الدّولة بعد قتل هلال بن بدر وهزيمة جيش بغداد.
ثمّ خرج إلى قَزْوين، وإلى هَمَذان.
ثمّ عالج شمس الدّولة من القُولَنْج، وصار من نُدَمائه، وخرج في خدمته.
ثمّ ردّ إلى هَمَذان [2] .
ثمّ سألوه يُقلَّد الوزارة فتقلَّدها. ثمّ اتّفق تشويش العسكر عليه واتّفاقهم عليه خوفًا منه، فكبسوا داره ونهبوها، وسألوا الأمير قتله، فامتنع وأرضا هم بنفْيه، فتوارى في دار الشّيخ أبي سعد أربعين يومًا. فعاود شمس الدّولة القُولَنْج، فطلب الشّيخ فحضر، فاعتذر إليه الأمير بكلّ وجهٍ، فعالجه، وأعاد إليه الوزارة ثانيا [3] .
قال أبو عبيد الجوزجانيّ: ثمّ سألته شرح كتاب أرسطوطاليس [4] فقال: لا فراغ لي، ولكنْ إنْ رضِيت منّي بتصنيف كتاب أُورد في ما صحّ عندي من هذه العلوم بلا مناظرة ولا ردًّ فعلت.
فرضيت منه، فبدأ بالطّبيعيّات من كتاب «الشّفاء» . وكان يجتمع كلّ ليلةٍ في داره طَلَبَةُ العِلمِ [5] ، وكنتُ أقرأ من «الشّفاء» نوبة، وكان يقرأ غبري من
[ () ] لجميل العظم 133- 141، ومؤلّفات ابن سينا للأب جورج قنواتي، والكتاب الذهبي للمهرجان الألفي لابن سينا، صدر ببغداد 1952، ومؤلفات ابن سينا لأمين مرسي قنديل، طبعة 1950، ومعجم المطبوعات لسركيس 127- 132، وغيره.
وقال ابن العبري: «وبلغت تآليفه المشهورة المتداولة اثنين وتسعين كتابا وضع أغلبها وهو في السجن، ونقلت أنا الحقير عن العربية إلى السريانية كتابه البديع «الإشارة والتنبيه» . (تاريخ الزمان 89) .
[1]
تاريخ مختصر الدول 188.
[2]
زاد ابن العبري: «فاتّصل بخدمه كدبانويه وتولّى النظر في أسبابها» . (تاريخ مختصر الدول 188) .
[3]
وفيات الأعيان 2/ 159، تاريخ مختصر الدول 188.
[4]
في: (عيون الأنباء) و (تاريخ الحكماء) و (الوافي بالوفيات) : «كتب أرسطو» .
[5]
في: (عيون الأنباء) و (تاريخ الحكماء) و (الوافي بالوفيات) : «في دار طلبة العلم» .
«القانون» نوبة، فإذا فرغنا حصر المغنّون، وهيّئ مجلس الشّراب بآلاته، فكنّا نشتغل به. فقضينا على ذلك زمنًا. وكان يشتغل بالنّهار في خدمة الأمير.
ثمّ مات الأمير، وبايعوا ولده، وطلبوا الشّيخ لوزارته فأبى، وكَاتَبَ علاءَ الدّولة [1] سرًّا يطلب المصير إليه، واختفى في دار أبي غالب العطّار [2] فكان يكتب كلّ يومٍ خمسين ورقة تصنيفا في كتاب «الشّفاء» حتّى أتى منه على جميع كُتب الطّبيعيّ والإلهيّ، ما خلا كتابيّ «الحيوان» و «النّبات» [3] .
ثمّ اتّهمه تاج المُلْك بمكاتبة علاء الدّولة، وأنكر عليه ذلك، وحثّ على طلبه، وظفروا به وسجنوه بقلعة فَرْدَجَان [4] . وفي ذلك يقول قصيدة منها:
دخولي باليقين كما تراه وكلُّ الشّكّ في أمر الخروج [5] فبقي فيها أربعةَ أشْهُرٍ. ثمّ قصد علاء الدّولة هَمَذان فأخذها، وهرب تاج المُلْك وأتى تلك القلعة.
ثمّ رجع تاج المُلْك وابن شمس الدّولة إلى هَمَذان لمّا انصرف عنها علاء الدّولة، وحملوا معهما الشّيخ إلى هَمَذان [6] ، ونزل في دار العلويّ، وأخذ يصنّف المنطق من كتاب «الشّفاء» .
وكان قد صنّف بالقلعة: رسالة «حيّ بن يَقْظان» ، وكتاب «الهدايات» [7] ، وكتاب «القُولَنْج» .
ثمّ إنّه خرج نحو أصبهان متنكرًا، وأنا وأخوه وغلامان له في زِيّ الصُّوفيّة، إلى أن وصلنا طَبَرَان [8] ، وهي على باب إصبهان، وقاسينا شديدًا، فاستقبلنا
[1] هو: أبو جعفر بن كاكويه.
[2]
تاريخ مختصر الدول 188.
[3]
تاريخ مختصر الدول 188.
[4]
فردجان: قلعة مشهورة من نواحي همذان من ناحية جرّ، ويقال لها: براهان. (معجم البلدان 4/ 247) وفي: (تاريخ مختصر الدول 188) : «بردجان» .
[5]
تاريخ مختصر الدول 188، عيون الأنباء 3/ 9، تاريخ الحكماء 421، الوافي بالوفيات 12/ 397.
[6]
تاريخ مختصر الدول 188.
[7]
في: تاريخ الحكماء: «كتاب الهداية» .
[8]
طبران: بالتحريك، وآخره نون، بلفظ تثنية طبر، وهي فارسيّة. والطّبر: هو الّذي يشقّق به
أصدقاءُ الشّيخ ونُدَماءُ الأمير علاء الدّولة وخَوَاصّه، وحملوا إليه الثّياب والمراكب، وأُنْزِل في محلّة كون كبير. وبالغ علاء الدّولة في إكرامه وصار من خاصّته [1] . وقد خدمتُ الشّيخ وصَحِبْتُه خمسًا وعشرين سنة.
وجرت مناظرة فقال له بعضُ اللُّغَويّين: إنَّكَ لا تعرف اللّغة. فأنِف الشّيخ وتوفرَّ على درس اللُّغة ثلاث سِنين، فبلغ طبقة «عظيمة» من اللُّغة، وصنّف بعد ذلك كتاب «لسان العرب» ولم يُبيّضْه [2] .
قال: وكان الشّيخ قويُّ القُوَى كلّها، وكان قوّة المجامَعَة من قواه الشّّهْوانيّة أقوى وأغلب. وكان كثيرًا ما يشتغل به، فأثَّر في مزاجه. وكان يعتمد على قوّة مزاجه حتّى صار أمره إلى أن أخذه القُولَنْج. وحرص على بُرئِه حتّى حقن نفسه في يومٍ ثمان مرّات، فتقرَّح بعض أمعائه وظهر به سَحْج [3] . وسار مع علاء الدّولة، فأسرعوا نحو ابينع [4] ، فظهر به هناك الصَّرَع الّذي قد يتبع علّة القُولَنْج.
ومع ذلك كان يدبِّر نفسه ويحقن نفسه لأجل السَّحْج [5] . فأمر يومًا باتّخاذ دانِقَيْن مِن بِزْرِ الكَرَفْس في جُملة ما يحتقن به طلبًا لكسر الرّياح، فقصد بعض الأطبّاء الّذي كان هو يتقدّم إليه بمعالجته فطرح من بِزر الكَرَفْس خمسةَ دراهم. لستُ أدري عَمْدًا فعله أم خطأً، لأنّني لم أكن معه. فازداد السَّحْج به من حدَّة البِزْر [6] .
وكان يتناول المثروديطوس [7] لأجل الصَّرَع، فقام بعض غلمانه وطرح شيئا
[ () ] الأحطاب وما شاكله بلغة الفرس. وهي مدينة في تخوم قومس. (معجم البلدان 4/ 13) .
[1]
تاريخ مختصر الدولة 189.
وقال ابن الأثير إن ابن سينا: «كان يخدم علاء الدولة أبا جعفر بن كاكويه ولا شك أن أبا جعفر كان فاسد الاعتقاد، فلهذا أقدم ابن سينا على تصانيفه في الإلحاد والردّ على الشرائع في بلده» . (الكامل في التاريخ 9/ 456) .
[2]
عيون الأنباء 3/ 10، تاريخ الحكماء 422.
[3]
السّحج: التّقشّر.
[4]
لم أتبيّن المقصود منها.
[5]
تاريخ مختصر الدول 189.
[6]
وفيات الأعيان 2/ 159، عيون الأنباء 440.
[7]
هكذا في الأصل والوافي بالوفيات. وفي: سير أعلام النبلاء 17/ 534 «مثرود يطوس» ومثله في: تاريخ الحكماء وفي: عيون الأنباء: «المثرود بطوس» .
كثيرًا من الأفيون فيه وناوله، فأكله. وكان سبب لك خيانتهم في مالٍ كثير من خزائنه، فتمنَّوا هلاكه ليأمنوا. فنُقِل الشّيخ إلى أصبهان وبقي يدبّر نفسه. واشتدّ ضَعْفُه. ثمّ عالج نفسه حتّى قدر على المشْي، لكنّه مع ذلك يُكثر المجامعة، فكان ينتكس.
ثمّ قصد علاء الدّولة هَمَذان، فسار الشّيخ معه فعاودته تلك العلّة في الطّريق إلى أن وصل إلى همذان، وعلم أنّه قد سقطت قوّته، وأنّها لا تفي بدفع المرض، فأهمل مداوة نفسه، وأخذ يقول: المدبّر الّذي كان يدبّر بدني قد عجز عن التّدبير، والآن فلا تنفع المعالجة. وبقي على هذا أيّامًا، ومات عن ثلاثٍ وخمسين سنة [1] .
انتهى قول أبي عُبَيْد [2] .
وقبره تحت سُور هَمَذان، وقيل: إنّه نُقِل إلى إصبهان بعد ذلك.
قال ابن خِلِّكان [3] في ترجمة ابن سِينَا: ثمّ اغتسل وتاب وتصدّق بما معه على الفقراء، وردّ المظالم على مَن عَرَفه، وأعتق مماليكه. وجعل يختم كلّ ثلاثة أيّام ختمة، ثمّ مات بهَمَذان يوم الجمعة في رمضان [4] .
وولد في صفر سنة سبعين وثلاثمائة.
قال: وكان الشّيخ كمال الدّين بن يونس يقول إنّ مخدومه سخط عليه ومات في سجنه.
وكان ينشد:
رأيتُ ابن سِينَا يعادي الرّجالَ
…
وفي السّجنِ [5] مات أخسَّ المماتِ
فلم يَشْفِ ما نابَهُ «بالشّفا»
…
ولم يَنْجُ من موته «بالنّجاة» [6]
[1] في: تاريخ مختصر الدول 189: وكان عمره ثمانيا وخمسين سنة ومثله في: تاريخ الزمان 89.
[2]
وفيات الأعيان 2/ 159، 160، عيون الأنباء 440، 441، وفي: الكامل في التاريخ 9/ 456 أنه توفي بأصبهان.
[3]
في: وفيات الأعيان 2/ 160.
[4]
وفيه قال بعضهم:
ما نفع الرئيس من حكمه الطبّ
…
ولا حكمه على النّيّرات
ما شفاه «الشفاء» من ألم الموت
…
ولا نجّاه كتاب «النّجاة»
(تاريخ مختصر الدول 189) .
[5]
في: الوافي بالوفيات: «وبالحبس» .
[6]
هكذا في الأصل. والبيتان في: وفيات الأعيان 2/ 162، والوافي بالوفيات 12/ 407.
وصيَّه ابن سينا لأبي سعيد بن أبي الخير الصُّوفيّ الميهَنيّ [1]، قال: لِيكنِ اللهِ تعالى أوّل فَكْرٍ له وآخِرَه، وباطِن كلِّ اعتبار وظاهِرَه، ولْتَكُنْ عَينُ نفسِك مكْحولةً [2] بالنَّظَر إليه، وقَدَمُها [3] موقوفةً على المُثُول بين يديه، مسافِرًا بعقله في المَلَكُوت الأعلى وما فيه من آيات ربّه الكُبْرى، وإذا انْحَطّ إلى قراره، فلْيُنَزِّهِ الله في آثاره، فإنّه باطِنٌ ظاهِرٌ، تجلّى لكلّ شيءٍ بكلّ شيءٍ، ففي كلّ شيءٍ له آيةٌ تَدُلُّ على أنّه واحد. فإذا صارت هذه الحال له مَلَكة انْطَبَعَ فيها نقْشُ المَلَكُوت، وتجلّى له قُدْسُ اللّاهُوت، فأَلِف الأُنْسَ الأعلى، وذاق اللَّذَّة القُصْوَى، وأخذه عن نفسه مَن هو بها أوْلَى، وفاضت عليه السّكينة، وحقّت له الطُّمَأْنِينة. وتطلّع على العالَم الأدنى اطّلاع راحمٍ لأهله، مُستوهِن لِحبْلِه، مُستخفٍّ لثقله، مستخْشٍ به لعُلْقه، مُستضل لطرقه، وتذكَّر نفسه وهي بها بهِجة، وببهجتها بهجة، فيعجب منها ومنهم تعجُّبَهُم منه، وقد وَدَعها، وكان معها كأنْ ليس معها، ولْيَعْلم أنّ أفضلّ الحركاتِ الصّلاةُ، وأمثَلَ السّكَنَاتِ الصِّيامِ، وأنْفَعَ البِرّ الصَّدَقَة، وأزْكى السّرّ الاحتمالُ، وأبْطَلَ السَّعْي [4] المراءاة [5] ، وأن تخلُص النَّفْسُ عن الدَّرَن [6] ، ما التفتت إلى قيلٍ وقال، ومنافسة وجدالٍ، وانفعلت بحالٍ من الأحوال، وخيرُ العمل ما صَدَر عن خالص نيّة، وخيرُ النّيّة ما ينفرج عن جَنَابِ علْم [7] ، والحكمة أمُّ الفضائل، ومعرفة الله أوّل الأوائل إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ 35: 10 [8] .
إلى أن قال: وأمّا المشروب فيُهْجَرُ شربُه تلهّيا لا تشفّيا وتداويا، ويعاشر
[1] الميهنيّ: بكسر الميم، وسكون الياء المنقوطة من تحتها بنقطتين، وفتح الهاء وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى ميهنة وهي إحدى قرى خابران ناحية بين سرخس وأبيورد. (الأنساب 11/ 580) .
[2]
في: سير أعلام النبلاء 17/ 535 «ولتكن عينه مكحولة» .
[3]
في: السير: «وقدمه» .
[4]
في (عيون الأنباء 45) : «السهي» ، وهي تحريف.
[5]
في (عيون الأنباء، وسير أعلام النبلاء) : «الرياء» .
[6]
في: العيون والسير: «الدون» .
[7]
في: العيون والسير: «ما انفرج عن علم» .
[8]
سورة فاطر، الآية 10.
كل فِرْقَةٍ بعادته ورسمه، ويسمح بالمقدور والتّقدير من المال، ويركب لمساعدة النّاس كثيرًا ممّا هو خلاف طبْعه. ثمّ لا يقصّر في الأوضاع الشّرعيّة، ويعظِّم السُّنَنَ الإلهيّة، والمُواظَبَة على التَّعَبُّدات البدنيّة.
إلى أن قال: عاهد الله أنه يسير بهذه السِّيرة ويدِين بهذه الدِّيانة، والله ولي الّذين آمنوا [1] .
وله شِعْرٌ يَرُوق، فمنه قصيدته في النّفْس:
هبَطَتْ إليكَ من المحلّ [2] الأرْفِعِ
…
وَرْقاءُ ذات تَعَزُّزٍ وَتَمَنُّعِ
محجوبةٌ عن كلّ مُقْلَة عارِفٍ
…
وهي الّتي سَفَرَتْ فلم تَتَبَرْقِعِ
وصلَتْ على كُرهٍ إليكَ وربّما
…
كرهتْ فراقَك وهي ذات تَفَجُّعِ
أنِفَتْ وما أنِسْتُ [3] فلمّا واصلتْ
…
ألِفْتُ مجاورةَ الخراب البَلْقَعِ
وأَظُنُّها نسيِتْ عُهُودًا بالحِمَى
…
ومنازلًا بِفراقها لم تَقنعِ
حتّى إذا اتّصَلَتْ بهاءِ هُبُوطها
…
من ميم مَركزِها بذات الأجْرعِ
عَلِقَتْ بها ثاء الثَّقيل فأصبحت [4]
…
بين المعالم والظُّلُول الخُضَّع
تبكي إذا ذَكَرتْ ديارًا بالحِمَى [5]
…
بمدامع تَهْمى ولمّا تُقطعِ [6]
وتظلُّ ساجعةً على الدِّمَنِ الّتي
…
دُرِسَتْ بتكرار الرّياح الأرْبعِ
إذ عاقَها الشَّرَكُ الكثيف وصدَّها
…
قَفَصٌ عن الأوْجِ الفسيح الأرفع
حتّى إذا قُربَ المسيرُ من الحِمَى
…
ودنا الرّحِيلُ إلى الفضاء الأوسعِ
هجَعت وقد كشِفَ الغطاء فأبصرت
…
ما ليس يُدرك بالعيون الهُجَّع
وغَدَتْ مفارقةً لكلّ مخالفٍ
…
عنها حليف التّرْب غير مشيّع
[1] قارن النصّ في: (عيون الأنباء 445، 446) .
[2]
في البداية والنهاية: «من المقام» .
[3]
في: وفيات الأعيان: «وما ألفت» . والمثبت عن الأصل، وهو يتفق مع: عيون الأنباء، وأعيان الشيعة.
[4]
في الهامش: ث. بخطه: هاء هبوطها رمز عن الهيولي، وميم مركزها اختراعها ومبدؤها الأول، وثاء الثقيل أي الهيكل الإنسانيّ.
[5]
في: وفيات الأعيان: «تبكي وقد نسيت عهودا بالحمى» ، وفي: شذرات الذهب، وأعيان الشيعة:«تبكي وقد ذكرت عهودا» .
[6]
في: وفيات الأعيان: «تقلع» ، ومثله في: «الوافي بالوفيات 12/ 408، والمثبت يتفق مع:
عيون الأنباء، وشذرات الذهب.
وبدت [1] تُغرِّدْ فوقَ ذِرْوَةِ شاهقٍ
…
والعِلْمُ يرفع كلَّ من لم يُرْفَعِ
فلأيِّ شيءٍ أهبطتُ من شاهق
…
سام إلى قعر الحضيض الأوْضَعِ
إنْ كان أرسلها [2] الإلهُ لِحِكْمَةٍ
…
طُوِيَتْ عن الفطِنِ اللّبيبِ الأروَعِ
فهُبُوُطها إنْ [3] كان، ضَرْبَةُ لازِبٍ [4]
…
لتكون سامعةً بما لم تسْمَعِ
وتعودَ عالمةً بكلّ خَفِيّةٍ
…
في العالمين فَخَرْقُها لم يُرْقَعِ
وهي الّتي قطع الزّمان طريقَها
…
حتّى لقد غَرُبَتْ بغير المَطْلَعِ
فكأنّها بَرْقٌ تألّق بالحِمَى
…
ثمّ انْطَوى فكأنّه لم يَلْمَعِ [5]
وهي عشرون بيتًا.
وله:
قُمْ فاسْقِنيهَا قَهْوَةً كَدَمِ الطُّلا
…
يا صاحِ بالقدحِ الملا بين الملا [6]
خَمْرًا تَظَلّ لها النَّصَارى سُجَّدًا
…
ولها بنو عِمران أخلصتِ الولا
لَو أنَّها يومًا وقد لَعِبَتْ [7] بهم
…
قالت: ألَسْتُ [8] بربِّكُم؟ قالوا: بلا [9]
وله وهو يجود بنفسه، فيما أنشدني المُسْنِد بهاء الدّين القاسم بن محمود الطّبيب:
أقام رِجالًا في معارجه مَلكًا
…
وأقْعدَ قومًا في غوايتهم هلكا
[1] في: وفيات الأعيان: «وغدت» ، ومثله في: الوافي بالوفيات. والمثبت يتفق مع: عيون الأنباء، وأعيان الشيعة.
[2]
في: وفيات الأعيان: «أهبطها» ، ومثله في: الوافي بالوفيات 12/ 408، والمثبت يتفق مع:
عيون الأنباء، وأعيان الشيعة.
[3]
هكذا في الأصل وعيون الأنباء. وفي: الوافي بالوفيات 12/ 408: «فهبوطها لا شك» .
[4]
في: وفيات الأعيان، وأعيان الشيعة:«ضربة لازم» .
[5]
الأبيات بتقديم وتأخير في: وفيات الأعيان 2/ 160، 161، وعيون الأنباء 3/ 15، 16، والوافي بالوفيات 12/ 407، 408، وشذرات الذهب 3/ 236، 237، وأعيان الشيعة 26/ 329، 330، ومنها الأبيات الثلاثة الأولى فقط في: البداية والنهاية 12/ 43.
[6]
في: الوافي بالوفيات 12/ 409:
هات اسقني كأس الطّلا كدم الطّلى
…
يا صاحب الكأس الملا بين الملا
[7]
في المصادر: «ولعت» .
[8]
في: الوافي بالوفيات:
«لو أنّها قالت وقد مالت بهم
…
سكرا: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى
[9]
الأبيات في: عيون الأنباء 3/ 22، والوافي بالوفيات 12/ 409، 410، وأعيان الشيعة 26/ 334.
نعوذُ بك اللَّهمّ من شرِّ فتْنَةٍ
…
تطوّقُ من حلّت به عيشة ضَنْكًا
رجعنا إليك الآن فاقْبَلْ رُجُوعَنا
…
وقلِّبْ قُلُوبًا طال إعراضها عنْكا
فإنْ أنت لم تُبْدِ سِقَام نفوسِنا
…
وتشْفي عَمَاياها، إذا، فلمن يُشْكا
فقد آثَرَتْ نفسي لِقَاكَ وقَطَعَتْ
…
عليك جُفُوني من مدامعها سِلْكا
وقد طالت هذه التّرجمة، وقد كان ابن سينا آيةً في الذّكاء وهو رأس الفلاسفة الإسلاميّين الّذين مَشَوا خلْف العُقُول، وخالفوا الرّسولْ.
263-
الحسين بن عليّ بن بطْحا [1] القاضي أَبُو عَبْد اللَّه.
تُوُفِّي فِي جُمَادى الْأولى ببغداد.
سمع: أبا سليمان الحَرَّانيّ، وأبا بكر الشّافعيّ.
وعنه: شيوخ شُهْدَة، والسِّلَفيّ.
264-
الحسين بن محمد [2] بن الحسين [3] بن عامر.
أبو طاهر الأنصاريّ الخَزْرَجيّ الْجَزَريّ المعروف بابن خُرَاشة.
إمام جامع دمشق.
قرأ على: أبي الفتح بن برهان الأصبهاني.
وحدَّث عن: الحسين بن أبي الرَّمْرام [4] الفرائضيّ، ويوسف المَيَانِجِيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو سعد السّمّان، وأبو عبد الله بن أبي الحديد، وابن أبي الصَّقْر الأنباريّ، والكتّانيّ، وقال: كان ثقة، نبيلًا، يذهب مذهب الأشعريّ.
توفّي في ربيع الآخر.
[1] انظر عن (الحسين بن علي بن بطحا) في:
المنتظم 8/ 92 رقم 108 (15/ 258 رقم 3202) .
[2]
انظر عن (الحسين بن محمد) في:
تبيين كذب المفتري 252، ومختصر تاريخ دمشق 7/ 170 رقم 154، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 359.
[3]
هكذا في الأصل. وفي: المختصر، والتهذيب:«الحسن» .
[4]
هكذا في الأصل. وفي تبيين كذب المفتري: «الزمزام» .