الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل التكتيل أولى أم التعليم
؟
مداخلة: لإخواننا السلفيين، ويحبون هم يعني يطرح عليك بعض الأسئلة في هذا الموضوع يعني لعلك تفيد بما عهد عليك من الدقة إن شاء الله في البحث العلمي والخبرة الطويلة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومصارعة كثير من التيارات منذ أكثر من نصف قرن، فلعل هذه تكون لهم عبرة يعتبرون بها ويتعظون إن شاء الله سبحانه وتعالى.
هناك بين الإخوة من يقول: علم ثم كتل، كتل الناس. ومن يقول: كتل ثم علم، ومن يقول: كتل من تعلم ومن يقول: علم ولا تكتل. فنرجو إفادتنا في هذا الباب، جزاك الله خير.
الشيخ: نحن نقول دائماً وأبداً في كل أمر صغير أو كبير: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
ولا شك أن هذه الأقوال التي حكيتها لا يلتقي شيء منها مع هديه عليه الصلاة والسلام والذي هو أسوتنا، إلا القول الذي يقول: فقه ثم كتل، ذلك هي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام التي بدأت منذ يوم أنزل الله عز وجل عليه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] ثم بدأ عليه الصلاة والسلام يدعو الناس سراً.
وكما نعلم جميعاً من تاريخ الدعوة الأولى أن الله عز وجل اصطفى لها أفراداً من العرب الذين كانوا قد أوتوا فطرة وعقلاً ورغبة في معرفة الحق واتباعه، وكان أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستجاب لدعوته أبو بكر الصديق رضي الله عنه من
الرجال، وعلي رضي الله عنه من الشباب أو الصبيان، وهكذا استمرت الدعوة تنتشر بين العرب فكان الإيمان يزداد رويداً رويداً، وهكذا حتى أذن الله عز وجل لهؤلاء الأفراد أن يتكتلوا بعد ذلك في مراحل معروفة من بعد الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة المنورة.
فلذلك فلا يجوز لمن كان أولاً: صادقاً في ادعائه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أسوته في كل شؤون حياته أن يحذو أو أن يسلك طريقة أخرى في تكتيل الناس إلا على الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ونحن نعلم علماً وتجربة أن الطريق التي سلكها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في تثقيف الناس وتعليمهم تأخذ وقتاً طويلاً وجهوداً كثيرة جداً الأمر الذي لا يصبر عليه إلا أفراد قليلون من الناس، ولذلك فالغالب على كل هذه الجماعات التي حكيت عنها ما حكيت من أقوال هو التسرع في الوصول إلى تجميع المسلمين وإقامة الدولة المسلمة المنشودة، ولكن في الواقع أن أي جماعة لا تسلك سبيل الرسول عليه السلام في التكتيل على أساس من الثقافة والمعرفة بالإسلام فسيكون عاقبة أمرها خسراً، فهذا الذي ندين الله به وندعو إليه منذ أكثر من نصف قرن من الزمان أنه لا بد من التثقيف ثم التكتيل.
فنحن نرى ونشاهد في كل عصر وكلما تحركت الجماعات بسبب تغير بعض الظروف السياسية أن الناس يستعجلون ويدعون تكتلاً على أساس لا علم.
وقريباً اطلعت على نشرة وأظنها لبعض من تحمَّس في الوقت الحاضر بتكتل إسلامي سلفي مزعوم. لقد تكلم كثيراً في أول هذه النشرة كلاماً مقبولاً، ولكنه في آخرها انحرف عن الخط حينما بدأ يزعم إلى متى نظل نشتغل بأن هذه أحاديث صحيحة وهذه أحاديث ضعيفة وهذه سنة وهذه بدعة، يجب أن نشتغل
في الاقتصاد والسياسة وونحو ذلك، فعجبت؛ لأننا نشعر والأسف ملء قلوبنا أن هذا الذي يدندن في إنكاره حيث أن هناك بعض الأفراد في العالم الإسلامي يعملون في علم الحديث ولا يوجد أفراد يعملون في ما هو يدندن فيه الآن من المعرفة بالسياسة والاقتصاد ونحو ذلك، فكيف يريدون أن يقيموا تكتلاً لا يوجد في هذا التكتل أفراد بالعشرات إن لم نقل بالمئات هم ينهضون ببعض الفروض الكفائية التي يستحيل أن تقوم قومة جماعة تريد أن تتكتل على حساب الدعوة الإسلامية إلا إذا وجد فيها - هذه الجماعة - إلا إذا وجد فيها عشرات - إن لم نقل المئات - من المتخصصين في كل العلوم التي لا يمكن أن تقوم عليها قائمة الجماعة فضلاً عن الدولة المسلمة إلا على أساس المعرفة بهذه العلوم كلها.
فهذا الكلام يشعرنا بأن هؤلاء الناس يتجاوبون مع العواطف ولا يتجاوبون مع العقل والعلم، لأن هذه الجماعة إذا كانت تشكو من عمل أفراد في جانب من العلم الشرعي الذي هو من الفروض الكفائية، ويريدون أن يعمل هؤلاء أو غيرهم في الجوانب الأخرى من العلوم التي هي من الفروض الكفائية وليس هناك من يعمل فكيف يكون عاقبة هذا التكتل الذي يقوم على الجهل وليس على العلم بالمعرفة بالإسلام من كل جوانبه.
هذا في الواقع يشعرنا بأن الناس يستعجلون أمراً لا يستطيعون الوصول إليه إلا بعد أن يتخذوا المقدمات والوسائل التي تؤدي بهم إلى الغاية المنشودة، هذا بلا شك عاقبة من ينسى أو يتناسى أن يمشي في دعوته إلى الإسلام على خطى الرسول عليه الصلاة والسلام التي قامت على أساس التثقيف ثم التكتيل. هذا جوابي عن هذا السؤال.
(الهدى والنور / 320/ 15: 01: 00)