الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول التكتلات داخل الدعوة السلفية
هناك يا شيخ! سؤال مهم يتعلق بالدعوة السلفية وهو: غموض الدعوة السلفية في المملكة السعودية بحيث تكونت إلى أحزاب وجماعات توالي وتعادي بعضها البعض، بحيث تكون الموالاة والمعاداة في ذاك الشخص، فما رأيكم يا شيخ؟ يعني: بمجرد أنه يعادي فلان تلك الجماعة تعادي هذا الشخص، وبمجرد أنه يواليه فإن الجماعة كذلك تواليه، فما رأيكم يا شيخ؟
الشيخ: أقول بعد: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
نحن نعتقد أن هذه المشكلة التي جَدَّت في الأيام الأخيرة سببها يعود إلى ما ندندن نحن دائماً حوله، حينما نقول بأن العالم الإسلامي لا يمكن أن يعود إليه عزه ومجده وقوته ومنعته بمجرد التكتلات والتحزبات على ما هي عليه من البعد عن أمرين اثنين:
الأمر الأول: البعد عن العلم الصحيح المستقى من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومما كان عليه سلفنا الصالح، هذه الركائز الثلاثة هي التي ينبغي أن يكون عليها العلم الإسلامي مستقى من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف
الصالح، ثم وهنا بيت القصيد من هذا الجواب أن يربى المسلمون على هذا الإسلام المصفى.
الآن دائماً نحن نؤكد وندندن الآن أفاء المسلمون وانتبهوا لضرورة العودة إلى هذا المنهج الصحيح الذي لا منهج سواه: الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح، أفاؤوا إلى هذا وانتبهوا لكنهم بعد لم تكن الفيئة والصحوة التي ينادون بها الآن إلا كصحوة النائم أول استيقاظه ولا يزال مضطرباً.
ثانياً: ما آن لهؤلاء الذين صحوا على هذا المنهج الصحيح في أول الصحوة ما آن لهم أن يربوا أنفسهم ولا أقول غيرهم .. ما آن لهم أن يربوا أنفسهم على هذا الإسلام المصفى فضلاً عن أن يربوا غيرهم، أعني: فضلاً عن أن يتمكنوا من أن يوجدوا أمة ربيت على هذا الإسلام المصفى هذه هي المشكلة، فنحن صحيح قد وجدنا والحمد لله في العالم الإسلامي كله طوائف ولو كانوا متفرقين في مختلف البلاد الإسلامية .. طوائف تمسكوا بما ندعو الناس إليه من الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح لكن لم يربوا أنفسهم على هذا فضلاً عن أن يربوا غيرهم، ولذلك الأخلاق الآن ليست إسلامية
…
ليست أخلاق سلفية، فالحقد والحسد والتباغض والتدابر هذه أخلاق ليست من الإسلام في شيء، فنحن إذا وجدنا طوائف كثيرة على المنهج المذكور آنفاً لكن مع الأسف لم يربوا تربية إسلامية صحيحة فهذه العلة.
ولذلك فأنا لا أستغرب أن يوجد مثل هذا التناحر والتعصب كما قال تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] لكن علينا أن نذكر أنفسنا قبل كل شيء بأنه لا يكفي أن نصحح علمنا فقط بل لا بد أن نصحح مع علمنا سلوكنا وأن نقوم بسلوكنا أخلاقنا، ويومئذٍ إذا تحقق في الطائفة المنشودة مثل هذا
الإصلاح العلمي والخلقي أو السلوكي فيومئذٍ: {يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم 4 - 5] تبارك وتعالى، فعلى هذا أنا أنصح كل طائفة وكل جماعة تلتقي على كلمة سواء معنا:{أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64] ما دام اجتمعنا على كلمة التوحيد والإخلاص لله عز وجل في عبادته، فيجب أيضاً أن نجتمع على الأخلاق التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل كما قال:«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» فهذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدعوته ليست علمية فقط بل علمية وعملية، ولذلك قال تعالى وبهذه الآية أختم الجواب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3].
فحينما ننتمي إلى السلف ونقول: نحن سلفيون ليس معنى ذلك: سلفيون فكراً وخلفيون خلقاً وسلوكاً لا، فيجب أن نجمع بين الأمرين، وألا نكون تحت هذا الوعيد المذكور في الآية الكريمة، ونسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعاً إلى العلم النافع والعمل الصالح.
مداخلة: هناك أيضاً سؤال يتعلق بهذا الموضوع، وهو: أن هناك كثيراً من الناس ينكرون على السلفيين التسمي: بالسلفية، فيعني نريدك يا شيخ! أن تفصل لنا في ذلك، واحد يحير كيف يرد عليهم، يقول لك: أنتم تفعلون أفعال ليس عليها سلف الأمة، فما أدري ما هو جوابك يا شيخ! يعني: عن ذلك فيمن ينكر.
الشيخ: أظن أن هؤلاء المنكرين لا ينتبهون إن لم أقل: لا يعلمون معنى السلفية، وإلا فيكون إنكارهم غريباً جداً، وبخاصة إذا كانوا التقوا معنا على المنهج الذي عبرت عنه آنفاً ودائماً وأبداً وهي: أن دعوتنا إنما هي قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.
نحن تكلمنا كثيراً وكثيراً جداً، وربما يكون هناك بعض الأشرطة، اطلع عليها من لم يتمكن من أن يحضر مجالسنا مباشرةً، نحن نعتقد أن الفرق الإسلامية التي شملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالوعيد بالنار إلا الواحدة منها، كلها إلا من خرجت عن دائرة الإسلامية بالكلية، وليس كلامنا في هؤلاء كل تلك الفرق الضالة: كالمعتزلة والخوارج والمرجئة ونحو ذلك: كالرافضة لا يوجد فيهم فرقة تنكر انتسابها إلى الكتاب والسنة، إذاً: ما الفرق بين هذه الفرق الكثيرة وكلها تدعي هذا الانتساب إلى الكتاب والسنة؟ الفرق ما ذكره الرسول عليه السلام في صفة الفرقة الناجية حيث قال جواباً لذاك السائل: «من هي يا رسول الله؟ قال: هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» إذاً: ما قال الرسول عليه السلام: هي التي على ما أنا عليه فقط، هذه الدعوة يدعيها كل تلك الفرق، لا يوجد فيها فرقة تقول إلا من ضل وخرجت عن الإسلام، كتلك الطائفة التي عرفت اليوم: بالقرآنيين الذين يزعمون أنهم يأخذون أحكام الإسلام فقط من القرآن، هؤلاء كفروا بالقرآن، ولستم بحاجة إلى التذكير بما يدل على كفرهم هذا، إنما كلامنا مع تلك الطوائف الأخرى ممن سمينا بعضها وممن لم نسم حيث يتفقون معنا أنه لا بد من الرجوع إلى الكتاب والسنة، وإن كان هناك اختلاف طبعاً في مفهوم السنة عندنا وعندهم إلى آخره، لكن ما قالوا القرآن فقط كما قال القرآنيون المزعومون.
إذاً: نحن في دعوتنا نتميز بشيء ثالث عن كل تلك الطوائف، فنقول: هو ما كان عليه سلفنا الصالح، هذا ليس بدعاً من الأمر وإحداثاً في الدين، بل هذا هو الدين، ليس فقط بناءً على هذا الحديث الذي قد شكك فيه .. في صحته بعض أهل الأهواء كالشيخ الكوثري المعروف بعصبيته الحنفية وعلى أهل السنة والجماعة ليس مستندنا فيما ذكرت آنفا على هذا الحديث فقط بل هناك عندكم
أيضاً حديث العرباض بن سارية الذي فيه قال عليه السلام: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ» فهذا الحديث كذاك الحديث، كما أن الرسول عليه السلام لم يقل في الحديث الأول كعلامة مميزة للفرقة الناجية:«ما أنا عليه» فقط بل أضاف إلى ذلك: «وأصحابي» كذلك هنا نجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضيف إلى سنته سنة الخلفاء الراشدين.
فإذاً: نحن نعتمد في هذه الإضافة على حديثين اثنين، وليس هذا فقط فهناك أشياء وأشياء أخرى وأهمها تلك الآية الصريحة في القرآن الكريم، قال عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] فقوله عز وجل في هذه الآية: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] هذه تلتقي تماماً بل لعل الصواب أن نقول العكس: الحديثان المذكوران آنفاً يلتقيان مع قوله عز وجل: {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فسبيل المؤمنين هنا مما لا شك ولا ريب فيه أنه ليس المقصود بالمؤمنين في هذه الآية هم: الخلف وإنما المقصود بهم: السلف الصالح.
حينئذٍ إذا قلنا مذهب السلف الصالح فما هو الانتساب إلى هذا المذهب لغةً؟ ليس هو إلا سلفي، هذه النسبة إذاً أنا في اعتقادي لا يستطيع أن يتبرأ منها من كان معنا على المنهج المذكور آنفاً الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.
أنا ذكرت مرةً المحاورة التي جرت بيني وبين شخص قد يمثل تلك الفكرة التي أنت حكيتها آنفاً، ولذلك أحببت أن ألفت نظره إلى خطأ استنكاره وإن كنت لم أسمع منه استنكاراً صريحاً لكني شعرت بذلك فقلت له: لو قال لك قائل وسألك سائل: ما مذهبك؟ قال أقول: مسلم، قلت له: هذا لا يكفي؛ لأنه سيقول
لك: أنت مسلم سني أو شيعي أو رافضي أو ماذا؟ فقال أقول: أنا مسلم أتمسك بالكتاب والسنة، قلت: وكل الناس كل الفرق كما شرحت لكم آنفاً كل الفرق تقول أيضاً على الكتاب والسنة، أيضاً لا يكفي هذا الجواب؛ لأنه سيقال لك: هل الشيعة .. هل المعتزلة .. هل الإباضية .. هل الخوارج يقولون غير قولك؟ أنت تقول: الكتاب والسنة وهم يقولون: الكتاب والسنة، فإذاً يجب أن تفصح عن منهجك وعن مذهبك، أخيراً لم يسعه إلا أن يضيف هذه الإضافة التي قلناها آنفاً.
ولا مناص لكل مسلم يريد أن يكون على هدىً من ربه لا مناص له أبداً من أن يضيف الضميمة الثالثة وهي: على منهج السلف الصالح، قلت: أنت على هذا؟ قال: نعم، قلت: نعيد الآن السؤال: لو سألك سائل: ما مذهبك؟ هل تعمل محاضرة وتقول: أنا على الكتاب والسنة وعلى مذهب السلف الصالح، أريد تلخيصاً يا أستاذ وهو قوي في اللغة العربية يعني: ألا يجوز أن نلخص هذه العبارة، فتقول: أنا سلفي؟ فسكت لا أقول: معتقداً لكن على الأقل سكت مفحماً، هذه حقيقة وهاهو الجواب لكل من يشك في هذه التسمية الجديدة.
أنا أظن بل هذا واقع حينما كنت في أول افتتاح الجامعة الإسلامية في المدينة، كان هناك طوائف وجماعات من الإخوان المسلمين، فأورد علي هذا الإنكار، فعملت له هذه المحاضرة الطويلة، وبينت له فرق كبير يا أخ بين أن أقول: أنا سلفي أو أن أقول: أنا إخواني، الإخوان ينتمون إلى شخص نحن ننتمي إلى جماعة لا يستطيع مسلم أن يتبرأ منها لو تبرأ متبرئ منها لكفر، لكن لو تبرأ من جماعة الإخوان المسلمين لا يصيبه ضير؛ لأنه يوجد جماعات أخرى وجماعات أخرى وإلى آخره.
مع ذلك وهنا الشاهد! قلت له: يوم ترفع هذه الانتسابات كلها وهي كلها
انتسابات غير شرعية، يرفع: حنفي شافعي مالكي حنفي، وبعد ذلك الطرق الصوفية: القادري النقشبندي الشاذلي التيجاني إلى آخره، الأحزاب السياسية: إخوان مسلمين .. حزب التحرير إلى آخره، يوم يتفق معنا هؤلاء المتفرقون ليس فقط في الأسماء بل وفي المسميات أيضاً، يومئذٍ نحن نكتفي أن نقول: ما مذهبك؟ مسلم، لكن الآن أنا أقول: مسلم وأنت تقول: مسلم وأنا وأنت مختلفون أشد الاختلاف، إذاً: أنا لي الشرف أن أقول بحق: أنا سلفي؛ لأني بهذه الكلمة أعبر عن منهجي الصحيح، أما أنت حينما تقول: أنا مسلم فأنت تميع شخصك وتضيع شخصيتك المسلمة في هذه الشخصيات التي أنت لا ترضى عن أكثرها، هذا جواب السؤال، فإن كان عند أحد الحاضرين ملاحظة على ما ذكرت فنريد أن نسمعها؟ أحد الحاضرين ممن لا يحضرون معنا، من كان له ملاحظة على ما سبق من ضيوفنا؟ تفضل.
مداخلة: الاحتجاج بالآية يا شيخ: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج: 78] يحتجون بهذه الآية.
الشيخ: سبق الجواب عن هذا بارك الله فيك، أنا أقول: أنا مسلم، ألم تسمع المناقشة التي جرت؟ أنت الآن تمسك بالآية، ما مذهبك؟ مسلم طيب! مسلم سني أو شيعي؟
مداخلة: لا سني يا شيخ!
الشيخ: طيب! السنة موجودة في الآية؟
مداخلة: لا.
الشيخ: طيب! من أين جئت بها؟ هذا كلام يا أخي! وأنا أجبت أخيراً قلت: ارفعوا هذه الانتسابات كلها لنقول: مسلم فقط.
مداخلة: يا شيخ! هناك أحد طلبة العلم في بلاد نجد يقول: من قال: بأني سلفي أو من قال: بأني إخواني أو إلى آخر الجماعات وسردها، فإنه يستتاب وإن لم يتب فإنه يقتل حداً.
الشيخ: لا أظن يقول هذا.
مداخلة: لا والله قاله يا شيخ! وهناك إثبات على ذلك شريط.
الشيخ: لا، لا أظن يقول هذا عالم، أما غير عالم فيمكن يقول هذا وما هو أكثر من هذا.
مداخلة: نصيحتك له يا شيخ.
الشيخ: نصيحتي له: أن يفهم ما معنى سلفي، وأنا أقول له الآن: هل أنت تتبرأ من السلف؟ هو سيقول: لا هذا إن كان عالماً، أما إن كان من هؤلاء الهوج الذين لا يعلمون شيئاً
…
قرآن وسنة، لكن كيف تفهم القرآن وكيف تفهم السنة؟ هل تفسر القرآن بالقرآن أولاً ثم بالسنة ثانياً، وهذا ماذا نسميه هذا التسلسل خطأ، لا يجوز أن نقول: نفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة لا يجوز هذا، إنما نفسر القرآن بالقرآن والسنة معاً؛ لأننا لا نستطيع أن نستغني عن السنة في فهم القرآن مطلقاً.
ولذلك كنت ذكرت في بعض كتبي أن من الأدلة على نكارة حديث معاذ بن جبل الذي يقول: بأن الرسول عليه السلام كما زعم الحديث: حينما أرسل معاذً إلى اليمن: «قال له: بما تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال عليه السلام: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسول الله لما يحب رسول الله» هذا حديث منكر، لماذا؟ يستحيل بالنسبة لمن تخرج كما يقولون اليوم من مدرسة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرق بين القرآن والسنة، وأن يجعل السنة بالنسبة للقرآن كالرأي بالنسبة للسنة، متى يلجأ
العالم إلى الرأي؟ إذا لم يجد في السنة جواباً، متى يلجأ إلى السنة؟ إذا لم يجد في القرآن جواباً، هذا غير صحيح، يجب الجمع بين الكتاب والسنة معاً؛ لأنهما يصدران من مشكاة واحدة، بينما هذا الحديث ينزل السنة بالنسبة للقرآن منزلة الرأي بالنسبة للسنة، متى يجتهد رأيه ولا يقصر؟ إذا لم يجد في السنة جواباً، متى يلجأ إلى السنة؟ إذا لم يجد في القرآن جواباً، هذا خطأ الأول صواب، متى يلجأ إلى الرأي؟ إذا لم يجد في السنة، متى يلجأ إلى السنة؟ إذا لم يجد في القرآن هذا خطأ لماذا؟ الآن نسأل: ميتة البحر ميتة الجراد حلال أم حرام؟ قال تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» [المائدة: 3] هنا وجدنا الجواب في القرآن! لا، يجب أن ننظر هل في السنة ما يوضح هذه الآية ويقيدها أو يخصصها؟ نعم وجدنا، إذاً لا غنى للعالم المجتهد فعلاً من أن يجمع بين الكتاب والسنة، فهما كما قال عليه السلام:«لا يقعدن أحدكم متكئاً على أريكته يقول: هذا كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً حللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا إنما حرم رسول الله مثل ما حرم الله» .
لذلك فالتفريق بين القرآن والسنة لا سبيل إليه أبداً، فمن يقول: نحن نفسر القرآن بالقرآن ثم بالسنة، فهذا انطلق من الحديث المنكر، وإنما نفسر القرآن بالقرآن والسنة معاً، ثم إذا لم نجد تفسيراً لآية في القرآن ولا في السنة رجعنا إلى سلفنا الصالح وبخاصة الصحابة الذين خوطبوا مباشرةً بكلام الله عز وجل من النبي عليه الصلاة والسلام، وأيضاً فسره لهم وبينه لهم تمام البيان.
لذلك أنا أقول بالنسبة للأخ الذي أشرت إليه، أنا في ظني أنه أقل ما يقال وأنا لا أدري مقدار علمه، لكن أقل ما يقال: إنه غافل عن هذه الحقيقة، وهذه غفلة مرة في الواقع لا سيما إذا صدر منه ذلك الحكم الشديد بأنه إن لم يتب يقتل،
فبشره بأني أنا أصر بأنني أنا سلفي على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ومن لم يتبن هذا المذهب فلا فرق بينه وبين الرافضة، ولا شك أنه ما دام في بلاد نجد وبينه وبين الرافضة ما صنع الحداد.
مداخلة: ونحن معك يا شيخنا.
الشيخ: جزاكم الله خير.
مداخلة: سؤال مهم يا شيخنا.
الشيخ: دع الأسئلة لضيوفنا يا أخي!
مداخلة: عوداً إلى الحديث عن السلفية، فيقول الأخ: ورد في كلامكم عن السلفية أنها تسمية جديدة، فما هو المقصود بذلك؟ علماً أن لفظ السلفية معروف في كلام السمعاني وابن تيمية والذهبي وغيرهم من ثمانية قرون.
الشيخ: في أي قرن هؤلاء، كانوا في القرون الأولى؟ طبعاً لم يكونوا في القرون الأولى، لا فرق بين ما حدث بعدهم بمائة سنة أو مائتين أو خمسمائة، نحن نعترف بالواقع، السلف الصالح نحن ننتمي إليهم هم لا ينتمون إلى أنفسهم فهم ما كانوا يستعملون هذا الاصطلاح الذي نحن نستعمله اليوم، كما أننا نستعمل كثيراً من الأمور التي ما كان السلف يستعملونها؛ لأن مصلحة التوضيح ومصلحة البيان أوجبت على العلماء أن يستعملوا بعض الاصطلاحات، ولذلك قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح، ونحن نقول معهم هذا بشرط أن لا يكون في الاصطلاح ما يخالف الشرع.
وقد كنت تكلمت في جلسة سابقة حول تسمية بعض النوافل بالسنة، واقترحت أن يسمى بالتطوع؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لذلك السائل حينما بين له ما
فرض الله عليه من خمس صلوات في كل يوم وليلة، فقال له: هل علي غير ذلك؟ قال عليه السلام: «لا، إلا أن تطوع» فقلت لو كان بيدي من الأمر شيء لوضعت كلمة التطوع بديل السنة؛ لأن السنة .. وهناك محاضرة طويلة السنة في لغة الشريعة أوسع من السنة في لغة الفقهاء، السنة في لغة الفقهاء ما دون الفرض، أما السنة في لغة الرسول عليه السلام تشمل الشريعة كلها.
ولذلك يخطئ بعض الحنفيين المتأخرين حينما يروون حديثاً لا أصل له والحمد لله في السنة الصحيحة: «من ترك سنتي لم تنله شفاعتي» هذا الحديث لا أصل له، وهم مع أنه لا أصل له يريدونه في الحض على التمسك بالسنن الرواتب التي هي زيادة على الفرائض، لو كان هذا الحديث صحيحاً لكان هو كالحديث الصحيح:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» والحديث قاله بمناسبة جواب الرسول عن أولئك الرهط معروف قصتهم في صحيح البخاري ومسلم، فالشاهد:«فمن رغب عن سنتي» أي: عن منهجي وطريقتي العامة التي تشمل الشريعة كلها، لكن لا مشاحة في الاصطلاح ما دام اصطلحوا على تسمية السنة ما كان ليس بفريضة ولا يريدون بذلك معارضة السنة في لغة الرسول عليه السلام فلا بأس من ذلك.
(الهدى والنور / 635/ 41: 00: 00)