الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هو المأخذ على التكتلات الإسلامية
؟
مداخلة: السؤال الرابع: هل المأخذ على الأحزاب الإسلامية المعاصرة هو في تأسيسها ابتداءً؟ أم في منهاجها؟ أم في تحزبها والولاء والبراء على ذلك؟ أم يجتمع كل ما ذكرنا؟
الشيخ: في اعتقادي إن ما كان كل ما ذكرت يجتمع فأكثره، وأصل ذلك أن هذه التكتلات وهذا الذي نحن يعني نلفت النظر عليه دائماً حتى لو قام تكتل سلفي محض فيجب أن يكون على العلم، هذه التكتلات لم تقم على العلم وعلى المعرفة بما جاء في الكتاب والسنة على الأقل فيما يتعلق بمنهجهم وتكتلهم الخاص، ولذلك كان تكتلهم حزبياً مفرقاً للأمة، أو زاد في الأمة تفرقاً على تفرق.
ولذلك فقديماً قيل: من رأى العبرة بغيرة فليعتبر. فلا يجوز نحن بدورنا إن حصل تنظيم سلفي في الحدود القيود التي سبق ذكرها إلا أن يكون قائماً على الكتاب والسنة، وهذا يتطلب علماء. أنا أعتقد مشكلة أي تكتل يقوم في العالم الإسلامي هو فقدهم للعلماء الكثيرين، لا يكفي واحد أو اثنين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة، وإنما يجب أن يكون هناك العشرات من العلماء ومن ذوي الاختصاصات المختلفة.
فهذه الجماعات أو هذه الأحزاب عيبها أنها لم تكن قائمة على أساس من المعرفة بالكتاب والسنة وفي ما هم يعملون ويتكتلون حوله، ومن آثار ذلك أنهم
يعادون من لم يكن في تكتلهم وفي منهجهم ولو كان أخاً مسلماً صالحاً، يعادونه لأنه لم ينضم إلى هذا التكتل الخاص أو التحزب الخاص، بل وصل الأمر بحزب من الأحزاب المعروفة إلى أن من مبادئهم أن يفرضوا على كل فرد من أفراد حزبهم أن يتبنوا أي رأي يتبناه الحزب مهما كان هذا الرأي لا قيمة له من الناحية الإسلامية، لكن قيمة هذا الرأي من الناحية التكتلية الحزبية، فإذا ذلك الفرد من ذاك الحزب لم يقتنع برأي من رأي ذلك الحزب فُصِل ولم يعتبر من هذا الحزب الذي يقولون: إنه حزب إسلامي.
وهذا معناه: أن يعود هؤلاء الناس إلى ما يشبه النصارى في اتباعهم لأحبارهم في تحريمهم وتحليلهم أولئك الذين نزل في حقهم قوله تبارك وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة: 31].
ينبغي على أي تكتل إسلامي صحيح أن يعطى للأفراد حريتهم العلمية، فلا مانع أن يكون في ذلك التكتل الإسلامي شخصان أحدهما يخالف الآخر، لأننا نعتقد كما قيل قديماً:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
فكما نعرف أنه كان في السلف الأول نوع من الاختلاف في بعض المسائل الشرعية فما كان ذلك بالذي يلزم الحاكم المسلم بأن يفرض رأيه على كل مسلم يتبناه ولو كان مخالفاً لرأي هذا الفرد.
ومما يحسن ذكره بهذه المناسبة رأي عمر رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد والذي شهد له الرسول عليه السلام بقوله: «ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك» كان قد رأى بعض الآراء ومع ذلك فقد خولف فيها وإن كان اتبعه في ذلك بعض من جاء من بعده، كمثل نهيه الناس عن التمتع بالعمرة إلى
الحج علماً بأن ذلك وارد في الكتاب وفي السنة الصحيحة. {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] لكنه رأى لمصلحة بدت له أن يمنع الناس أن يجمعوا بين العمرة والحج، وتلقى ذلك منه الخليفة الثالث والراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فمنع الناس أيضاً في خلافته أن يجمعوا بين الحج والعمرة.
ولما حج وأعلن ذلك على الناس - وهنا الشاهد - وقف في وجهه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: مالك تنهى عن شيء فعلناه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورفع صوته قائلاً: لبيك الله بعمرة وحج.
الشاهد: إذا كان هؤلاء السلف الصالح لم يتخذوا ذلك الموقف الذي اتخذه الأحزاب في العصر الحاضر إذا لم يتبن رأياً أحسن ما يقال فيه: إنه اجتهاد لا نص فيه، مع ذلك يفرض على الأفراد أن يتبنوه وإلا فصلوا وأخرجوا من ذلك التكتل، هذا بلا شك إنما يأتي من الجهل أولاً: بالكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح.
أنا أشير إلى حزب التحرير حيث يتبنى مثلاً من الناحية السياسية أنه يجوز للمرأة المسلمة أن تَنتَخِب وأن تُنْتَخَب، هذا رأي مع أنه بالنسبة لوجهة نظرنا مخالف لما كان عليه سلفنا، لكن هب أنها وجهة نظر يعني لها قيمتها هل يصل الأمر أن يقال لكل من كان من هذا الحزب: إن لم تتبن هذا الرأي أنت لست منا. هذا هو عاقبة الجهل بالكتاب والسنة وما كان عليه سلفنا الصالح. هذا جواب أيضاً ما سألت.
(الهدى والنور / 320/ 33: 21: 00)