الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بأن الدعوة لا يمكن أن تقوم
لها قائمة بغير العمل السياسي
مداخلة: هناك من يدعي أن الدعوة السلفية دعوة التوحيد لا يقوم له قائمة كما ينبغي على الواقع إلا مع الدعم السياسي، وهو يؤكد هذا كما هو الآن في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فما قولكم؟
الشيخ: نحن نقول آسفين: إن هؤلاء الناس الذين يظنون أنهم يحسنون صنعًا بالعمل السياسي وهم بعد ما صححوا عقيدتهم ولا فهموا توحيد ربهم، نقول لهم: الدعوة السلفية بأسمائها المختلفة التي ذكرتها آنفًا هي معناها: فهم الإسلام فهمًا عامًا شاملًا في جميع أحكامه لا يتعلق فقط بالتوحيد ولا بما هو أعم من ذلك مما يتعلق في دائرة العقائد في اصطلاح العلماء ولا يتعلق فقط في العبادات ولا في الأخلاق ولا في المعاملات وإنما هو يتعلق بفهم الإسلام من مصدره الصافيين كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزيادة هامة جدًا، ألا وهي: على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، نحن عملنا كل في حدود استطاعته زيد وبكر وعمر إلى آخره كل يعمل في حدود استطاعته لتوضيح هذا الإسلام من جميع نواحيه، وقد لا يستطيع الفرد الواحد أن يتولى بيان الإسلام من جميع نواحيه لكن يجب على الأمة .. على مجموع الأمة أو بعبارة أخرى على مجموع خاصة الأمة أو على مجموع العلماء حقًا هؤلاء أن يتولوا بيان الإسلام على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، هذه هي الدعوة.
أما إذا إنسان منا قام مثلًا فقط بتصحيح الأحاديث الصحيحة وتضعيف الأحاديث الضعيفة فهذا لا يعني أنه لا يعمل عملًا آخر، لكن قد يكون عمله الآخر دون ذلك أو قريبًا من ذلك كما أنه إذا قام رجل آخر يستنبط الأحكام من كتاب الله وحده .. آخر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحدها .. ثالث من مجموع المصدرين الكتاب والسنة .. لكن هو لا يستطيع مثلًا أن يصحح وأن يضعف،
…
نفعل في هذا لأنه لا يعمل عمل ذاك، ولا نتكلم في هذا لأنه لا يعمل عمل الأول ولا الثالث وهكذا، وإنما يجب على المجموعة هذه من العلماء أن يعملوا في سبيل تفهيم الأمة الإسلامية كلها الإسلام بالمفهوم الصحيح بالشرط السابق.
يوم توجد الجماعة التي تنهض بهذا الواجب
…
على المنهاج السابق الذكر يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، أما نريد أن نعمل العمل السياسي ولو أخذنا رئيس جماعة يعملون بالعمل السياسي ويزعم أنه يعمل للإسلام ولإقامة دولة الإسلام، لو سألناه ما هو توحيد الربوبية وما هو توحيد الألوهية وما هو توحيد الصفات، لربما كان كما يقال في المثل العربي القديم: أعيى من باقل .. يعني: في منتهى العجز عن الإجابة عن هذا السؤال الذي يتعلق بالشهادة الأولى التي لا ينجو الكافر إلا بالاعتراف بها من سيف الإسلام أولًا، ثم لا ينجو من الخلود في النار إلا إذا فهم معناها أولًا فهمًا صحيحًا على التفصيل السابق المشار إليه آنفًا والذي يتضمن أن لا إله إلا الله إي: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، فإذا فهم هذا المعنى وآمن به من قرارة قلبه نجا من الخلود في النار يوم القيامة، وإلا لم يفده شيئًا أنه قال: لا إله إلا الله إلا أنه نجا من السيف في الدنيا.
لو سألنا بعض المشتغلين بالسياسة مثل هذا السؤال لعجزوا عن الجواب، وكما تروى عندنا نكتة في بعض البلاد السورية يقولون: أحد الأكراد لقي يهوديًا
في الطريق يوم عزة الإسلام، فأخذ بتلابيبه وأخرج الخنجر من جانبه، قال له: لك أسلم وإلا قتلتك، قال: دخلك، ماذا أقول؟ قال له: والله لا أدري، هو يهدده بالقتل من أجل أن يسلم، لكن يسأله عن طريق الإسلام يقول: لا أعلم، بمثل هؤلاء الناس يريد الساسة أن ينتصروا على العدو المحيط بنا من كل جانب، لا نصر أبدًا إلا قبل كل شيء بفهم التوحيد من الشهادة الأولى: لا إله إلا الله، ثم بفهم الشهادة الثانية: وأن محمدًا رسول الله، وكما قلنا ويقول الدعاة جميعًا في هذه البلاد وغيرها: أن الشهادة الأولى تستلزم ألا نعبد مع الله أحدًا، والشهادة الأخرى تستلزم ألا نعبد الله إلا بما شرعه الله، هذين المعنيين اليوم أكثر المسلمين اليوم وبخاصة الذين يشتغلون بالسياسة هم لا يعرفون هذا وفاقد الشيء لا يعطيه، فإذًا: نحن لا ندعو للعمل بالسياسة ليس لأن العمل بالسياسة ليس مشروعًا، الإسلام أوسع مما يتوهمون ولكن كما قال بعضهم:
العلم إن طلبته كثير، والعمر عن تحصيله قصير فقدم الأهم منه فالأهم.
فنحن يجب أن ننظر اليوم ما هو الأحوج للعالم الإسلامي؟ العالم الإسلامي ما هو الأحوج أن يتعرف عليه، أهو العمل السياسي أم أن يفهم عقيدًة شهادًة شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويحسن إيمانه بالغيب الذي هو الوصف الأول الذي ذكره الله عز وجل في أول سورة البقرة:{الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1 - 2] من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] ثم ذكر: {وَيُقِيمُونَ الصَّلاة} [البقرة: 3] فما بالكم اليوم العالم الإسلامي يعيش في متاهات تتعلق بالإيمان بالغيب.
وبصورة خاصة إذا صح تعبيري: الناس تائهون اليوم بالإيمان بغيب الغيوب وهو رب العالمين تبارك وتعالى بدليل: أن خاصة العالم الإسلامي اليوم في كثير
من البلاد لا يعرفون الله كما وصف الله نفسه في كتابه، وكما وصفه نبيه في سنته، بل لا .. المصيبة أكبر: أنا أقول، أو قلت آنفًا: لا يعرفون الله كما وصف به نفسه وكما وصفه به نبيه، بل هم يعرفونه على خلاف ذلك، هم يعرفون الله على خلاف ما وصف الله به نفسه، هذه مشكلة المشاكل،
…
المثل المشهور اليوم والخلاف قائم على ساق وقدم: ربنا يقول في غير ما آية في القرآن: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ما رأيكم؟ كبار العلماء أو كبار هيئة العلماء في كثير من البلاد المشهور بطلب العلم وتدريس العلم يقولون: ربنا ما استوى، هكذا لماذا؟ لأنهم يعطلون الآية ويفسرونها بغير تفسيرها.
«ينزل الله - صدق رسول الله .. الحديث متواتر - في كل ليلة إلى السماء الدنيا» هم يقولون: لا، ربنا لا ينزل ولا يجيء ولا يتحرك ولا شيء، أرادوا أن ينزهوا الله عن صفات المخلوقين المميزين أعني: الملائكة والبشر فربنا عز وجل فضلهم كما قال بالنسبة للبشر: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء: 70] كرمنا بني آدم، أرادوا أن ينزهوا الله أن لا يشبهوه ببني آدم؛ لأن بني آدم ينزل ويصعد ويجيء ويقف وإلى آخره، فوقعوا فيما هو شر مما منه هربوا، هربوا من تشبيه الخالق بالمخلوق وهذا حق، حاشا لمسلم أن يشبه الله بخلق من خلقه، لكنهم وقعوا فيما هو أشر مما منه فروا، فشبهوه ليس بمن كرمهم الله وهم بنو آدم كما سمعتم، بل شبهوه بالصخر والجمد الذي لا يأتي ولا يتحرك، فسبحان الله! صدق فيهم المثل الذي يقول: كان تحت المطر أصبح تحت المزراب! فر من نقاط من المطر وإذا هو يقف تحت الميزاب الذي يجمع المطر فيصبه عليه، فهم يعيشون في العقيدة بعيدًا عن الكتاب والسنة وعن منهج السلف الصالح، مع ذلك يريدون تشغيل الأمة بالسياسة.
نحن نعتقد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول ما بدأ بدأ بدعوة الناس إلى عبادة الله عز وجل وحده: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] تلك دعوة الأنبياء والرسل جميعًا، سبحان الله! حينما نقرأ قصة نوح عليه السلام وأقول: نوح لأنه ضرب مثلًا قياسيًا في طول العمر وصبره على قومه في دعوته إياهم، ترى! إلى ماذا كان يدعوهم؟ ليس إلا فقط لعبادة الله وحده لا شريك له، ألف سنة إلا خمسين عامًا، مسلمون في آخر الزمان يقولون: إلى متى أنتم تشغلون المسلمين بدعوة التوحيد، هكذا يقولون! ولا يفكرون بأن نوحًا عليه السلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ليس هناك تشريع كالتشريع الذي جاء به الإسلام، وليس هناك توسع في السلوك والأخلاق وعبادات وإنما {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ثم هم مع ذلك يستكثرون علينا أن نذكر مثل هذه الذكرى؛ لأنه يجب على المسلمين جميعًا، هذا فرض عين على كل مسلم.
العلم قسمان: فرض عين، وفرض كفاية، فرض عين على كل مسلم أن يعرف الله كما وصف الله به نفسه، ونبيه أيضًا وصفه به في سنته كما ذكرنا، لا يعرجون على هذا إطلاقًا حتى لقد صرح لي أحد دعاتهم منذ أكثر من عشرين عامًا: أن هذا الزمان ليس هو زمان البحث في التفاصيل وفي الخلافيات، قلنا يعني: حتى في التوحيد، قال: نعم، حتى في التوحيد، قلت: حتى في فهم لا إله إلا الله، وأنت تعرف أن بعضهم ألف رسالة فسر لا إله إلا الله بمعنى: لا معبود إلا الله، أي: فسر جملة التوحيد الكلمة الطيبة بالعقيدة التي هي أضل عقيدة على وجه الأرض وهي: وحدة الوجود! لأنه انتبهوا للفرق: المعنى الصحيح للكلمة الطيبة: لا معبود بحق في الوجود إلا الله، هذا يعني أن هناك معبودات كثيرة، لكنها كلها باطلة إلا المعبود الحق فهو الله تبارك وتعالى، فإذا لم يقرن هذا التفسير بكلمة: بحق، انقلب التوحيد إلى الشرك الأكبر والضلال الأكبر وهو القول بوحدة
الوجود.
أُلْفِت رسالة عندنا في دمشق وفي الباكستان أو الهند من بعض الجماعات المشهورة اليوم، فسر لا إله إلا الله، أي: لا معبود إلا الله، وهذه المعبودات الأخرى، التي عبدت وتعبد إلى الآن من دون الله تبارك وتعالى؟ الجواب في كتب الصوفية: لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، هذا تأويل التفسير الخاطئ للكلمة الطيبة، لا إله إلا الله أي: لا معبود إلا الله، فكل ما تراه بعينك فهو الله، هذا تفسير قول آخر لابن عربي المعروف عندنا في الشام، كل ما تراه بعينك فهو الله، النار التي يعبدها المجوس قديمًا وربما حديثًا فهذه لا تخرج عن كونها الإله، البوذيون الذين يعبدون البقر ما يعبدون غير الله؛ لأن هذا
…
يقول في كتابه الذي سماه على غير اسمه، ما هو؟ الإنسان الكامل وهو الإنسان الناطق، في كتاب: الإنسان الكامل يقول تلك العبارة: لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، هذا كناية عن جملة توحيد ماذا؟ وحدة الوجود، يعني: ليس .. هناك شيئان: ليس هناك خالق ومخلوق حتى إنهم ليصرحون هذا شرك، أنتم مشركون حينما تقولون بوجودان: وجود أزلي وهو الله ووجود حادث وهو خلق الله هذا شرك، لكن نحن الموحدون حيث نقول في أذكارنا: يا هو إلا هو.
العالم الإسلامي يعيش في ضلال كبير ويريد بعض الناس الذين يجهلون هذه الحقائق المرة أن يشغلوا الناس بالسياسة.
(لقاءات المدينة لعام 1408 هـ (7) /00: 42: 36)