المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حول حكم التنظيم للسلفيين - جامع تراث العلامة الألباني في المنهج والأحداث الكبرى - جـ ٣

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌العلامة الألبانيوالعمل السياسي

- ‌رأي العلامة الألبانيفي العمل السياسي

- ‌حول العمل السياسي

- ‌العمل السياسي في الجزائر

- ‌هل يوصف من اشتغل بالعملالسياسي بأنه مبتدع

- ‌بين العمل بالسياسة والاشتغال بها

- ‌حول العمل السياسي

- ‌نقاش بين الإخوة في حضرة الشيخحول كتاب ينتمي إلى مدرسة الإخوان

- ‌حول الإخوان المسلمين

- ‌ما هو ضابط اهتمام المسلم بالسياسة

- ‌الاهتمام بالعمل السياسي

- ‌الردود على الإخوان المسلمين والتبليغ

- ‌القول بأن الدعوة لا يمكن أن تقوملها قائمة بغير العمل السياسي

- ‌الاستدلال بقصة عثمان بن أبي العاصحول العمل السياسي

- ‌صور من العمل السياسي

- ‌مفهوم عبارة: نتعاونفيما اتفقنا عليه

- ‌المشاركة السياسيةوالتغاضي عن المنكرات

- ‌العمل السياسي، استعجالالشيء قبل أوانه

- ‌قاعدة: الغاية تبرر الوسيلة

- ‌السلفية في السودان .. السلفيون والسياسة

- ‌الكلام حول كتاب فيه رد على الإخوانالمسلمين، وعلى كتاب البوطي: السلفية

- ‌كلمة حول العمل السياسيمع ذكر الجزائر مثالا

- ‌سؤال عن زعيم جماعة العدلوالإحسان بالمغرب

- ‌تعليق حول الجمع بين سلفيةالعقيدة والحركية في المنهج

- ‌حول الإخوان والتبليغهل هم من أهل السنة

- ‌انسجام القوانين مع الشرع

- ‌العمل السياسي في اليمن

- ‌الانضمام للحزب الاشتراكي

- ‌حكم الانتخابات

- ‌حكم الانتخابات

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌حكم طباعة منشوراتالدعاية الانتخابية

- ‌ترشيح النساء في الانتخابات

- ‌حكم الانتخابات الطلابيةفي الجامعات

- ‌الانتخابات البرلمانية

- ‌الانتخابات البلدية

- ‌حكم مشاركة الأمريكيين المسلمين في الانتخاباتللمصلحة وحكم تكوُّن حزب إسلاميفي أمريكا للمشاركة في البرلمان

- ‌حكم انتخاب النصرانيمن باب أخف الضررين

- ‌حكم دخول البرلماناتومجالس الأمة

- ‌حكم دخول مجالس الأمة

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌حكم دخول البرلمان

- ‌باب منه

- ‌‌‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌برلمان إسلامي علماني

- ‌الكويت ودخول البرلمانات

- ‌الدخول في المجالس النيابية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌رأي العلامة الألبانيفي الحزبية

- ‌حكم الانخراط فيالأحزاب الإسلامية

- ‌الانضمام للأحزاب السياسيةلتفريغ الطاقات

- ‌الانتماء للأحزاب

- ‌مشكلة الأحزاب-التجمع اليمني للإصلاح

- ‌رجل كان ينتمي إلى حزب ثم عرف الحقفهل يبقى في الحزب لإصلاحه

- ‌الانتماء للأحزاب

- ‌هل إقامة الأحزاب السياسيةيدخل في الوسائل المشروعة

- ‌لا فائدة من التكتلات والحزبياتإلا بالرجوع للكتاب والسنة

- ‌حكم تأسيس الأحزاب والجبهات الإسلامية

- ‌حكم من ينحرف عن المنهج بعد أن كانهو نفسه يُحَذِّر من هذه الانحرافات

- ‌الحزبية

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌باب منه

- ‌التكتل الحزبي هل تدلهذه الآية على جوازه

- ‌هل هناك مانع من التعاونمع الأحزاب السياسية

- ‌حكم الديمقراطية

- ‌هل الفكر الديمقراطي يحشر فيفكر الفرق الضالة

- ‌الميثاق الوطني

- ‌حكم من يتبنى الديمقراطية ويدافع عنها

- ‌هل الديمقراطية هي الحل

- ‌حول الديمقراطية

- ‌حكم المظاهرات

- ‌مشاركة الأحزاب الإسلامية في محاربةالقوانين الوضعية عن طريق المظاهرات

- ‌حكم المظاهرات

- ‌حكم المظاهرات والمسيرات

- ‌حكم الإضرابات

- ‌حكم الإضرابات

- ‌رأي العلامة الألبانيفي الأستاذين حسن البناوسيد قطب رحمهما الله

- ‌أتباع سيد قطب-رحمه الله

- ‌رأي الشيخ في حسن البنا وسيد قطب-رحمهما الله- والتطرق لرأيهفي الإخوان المسلمين

- ‌رأي الشيخ في سيد قطب رحمه الله

- ‌رأي الألباني في حسن البنا رحمه الله

- ‌مصطلح (جاهلية القرن العشرين)في نظر الألباني

- ‌العمل الجماعي

- ‌رأي العلامة الألباني في العملالجماعي والتنظيمات والتكتلات

- ‌هل التكتيل أولى أم التعليم

- ‌التكتيل والتنظيم

- ‌التكتيل

- ‌ما هو المأخذ على التكتلات الإسلامية

- ‌التحزب والتكتل

- ‌باب منه

- ‌التكتل والتحزب

- ‌تكتل أهل العلم

- ‌التنظيم والعمل الجماعي

- ‌باب منه

- ‌التنظيم: حكم التسلسل الهرمي

- ‌باب منه

- ‌الفرق بين الجماعة في زمنالضعف وزمن التمكين

- ‌العمل الجماعي

- ‌الحد الفاصل بين التعاونالشرعي والتنظيم البدعي

- ‌الحزبية والعمل الجماعي

- ‌التنظيم من أجل الدعوة

- ‌هل هناك من هو سلفي العقيدة حركي المنهج

- ‌حكم التحزب والعمل التنظيمي

- ‌التكتل في الكويت

- ‌حكم العمل الجماعي

- ‌يُقال: لا قيام للدولة الإسلاميةإلا بالتكتل الحزبي

- ‌حول التكتلات داخل الدعوة السلفية

- ‌نصيحة حول عدم التنازع والتكتل

- ‌هل هناك تلازم بين التحزبالمذموم والعمل الجماعي

- ‌حول الجمعيات:

- ‌حول حكم التنظيم للسلفيين

الفصل: ‌حول حكم التنظيم للسلفيين

‌حول حكم التنظيم للسلفيين

مداخلة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

ارتأى بعض الدعاة السلفيين ضرورة التنظيم من أجل النهوض لمصلحة الأمة، ولكن هذا التنظيم اضطرهم إلى الوقوع في منافسة مع الجماعة الأخرى التقليدية، مما دفعهم في النهاية إلى الدفع بأناس غير مؤهلين تربوياً ولا علمياً إلى مصاف الدعاة، وتغليب الاهتمام بالكم على الكيف، وهم يعتذرون عن كل ذلك بأن دائرة الدعوة اتسعت عليهم، واضطروا إلى ذلك اضطراراً، فهل تنصحون هؤلاء بأن يجمدوا نشاطهم لحين اكتمال مؤهلاتهم، وبخاصة المؤهلات التربوية، أم تنصحونهم بتحجيم هذا النشاط، على قدر وسعهم وطاقتهم؟

الشيخ: أقول: الله المستعان.

طالما تكلمنا حول هذا السؤال مراراً وتكراراً، والآن السؤال واضح ولا يقتضينا نحن أن نطيل الجواب عليه لوضوحه.

فنقول: ننصح إخواننا السلفيين في كل بلاد الإسلام، بأن عليهم أن يعملوا في حدود طاقاتهم وقدراتهم، وأن لا يكلفوا أنفسهم ولا غيرهم فوق طاقتهم؛ لأن عاقبة مثل هذا التكليف أن يعود بالعاقبة السيئة التي لا يظنون أنهم سيقعون فيها

ص: 515

أو في مثلها.

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في الحديث الصحيح، في مناسبة وصيته لبعض أصحابه بالاعتدال في العبادة التي كان هو متوجهاً إليها من قيام وصلاة وصيام، قال عليه الصلاة والسلام في هذه المناسبة:«إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كان فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل» .

ولذلك فنحن ننصح إخواننا هؤلاء السلفيين والذين يقولون عن أنفسهم أو يقول عنهم غيرهم إنهم دعاة، نقول لهؤلاء: تمهلوا ولا تستعجلوا الأمر؛ لأن من الحكم المنقول عن بعضهم: من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه.

والعبرة قائمة في كثير من الجماعات الإسلامية، ومن أقدمها في الساحة الإسلامية أنهم لما شغلوا أنفسهم بالدعوة التي يتبنونها، دعوا إليها عامة المسلمين ويكاد أن يمضي عليهم قرن كامل من الزمان، وهم لا يزالون حيث كانوا من حيث العلم ومن حيث التربية.

وعلى التعبير العسكري في بعض البلاد: مكانك راوح. هناك حركة وهناك نشاط، ولكن ليس هناك تقدم، فهذه الحركة وهذا النشاط قد عاد عليهم بالخسران؛ لأن الإنسان حينما يتعاطى أمراً ولو كان هذا الأمر أمراً دنيوياً محضاً، ولكن هو أقل ما يقال فيه إنه أمر مباح أن عليه أن يعيد حسابه ونظره في كسبه أو في خسارته، فإذا قضى دهراً من الزمان، عدم حصوله على مرامه وعلى غرضه كل هذه المدة، دليل أن الخطوة أو السبيل الذي كان يسلكها للوصول إلى هدفه المنشود، مما لا يؤدي إلى مراده ومرامه، وكما قيل قديماً في مثل هذه المناسبة:

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

ولذلك نحن منذ عشرات السنين نؤكد على إخواننا المسلمين: أن الدعوة

ص: 516

ينبغي أن تقوم على أساسين اثنين وعلى دعامتين عظيمتين، لا مجال للنهوض بالمسلمين إلا على أساسهما، ألا وهما: التصفية والتربية.

نحن نكرر هذا مراراً وتكراراً، وجوابنا على السؤال هو: أننا ننصح هؤلاء الإخوان السلفيين الذين انطلقوا إلى ما لم يخلقوا له، انطلقوا إلى دعوة الناس بغير علم إلا أفراداً قليلين منهم، وليس الكلام فيهم، وإنما الكلام في أن تكون الدعوة توكل وتنسب إلى ناس ناشئين في هذه الدعوة، ليس عندهم علم ومع ذلك فهم يكلفون أن يدعوا إلى دعوة، ما هي هذه الدعوة؟

يجب أن يلاحظ إخواننا أن دعوتنا تختلف كل الاختلاف عن دعوات الجماعات الأخرى، دعوتنا دعوة علمية إصلاحية، دعوة الآخرين دعوة قد تكون تارة تربوية ولو كلاماً، والذي ينصب جهودهم عليه هو أن تكون دعوتهم تكتيل الناس وتجميعهم على أمر سهل، طائفة منهم يجمعون الناس على دين الإسلام، لكن ما هو هذا الإسلام، فأكثر المدعوين وأكثر الأفراد المتكتلين على أساس تلك الدعوة، إذا سألتهم: ما هي دعوتكم؟ قد يقولون: دعوتنا الكتاب والسنة، وهذه الدعوة أصبحت اليوم في الحقيقة أو هذان الاثنان الكتاب والسنة من فضائل الدعوة السلفية؛ لأنني أنا وقد بلغت من الكبر عتياً كما ترون، قبل ثلاثين سنة أو قبلاً من ذلك، ما كنا نسمع دعوة الكتاب والسنة، ما كنا نسمع خطيباً من الخطباء يذكر الكتاب والسنة، كل ما كانوا يدعون إليه هو الإسلام، والإسلام كما تعلمون أي: أتباع الإسلام هم فرق شتى من قرون عديدة ومديدة، فإذا أطلق الإسلام شمل كل هؤلاء الناس على عجرهم وبجرهم، على كثرة اختلافهم وتفرقهم، لكننا حينما نقول: الإسلام كتاباً وسنة على منهج السلف الصالح، حينئذ تضيق هذه الدائرة الواسعة التي تشمل كل الفرق الضالة، والتي

ص: 517

نص عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحديث المعروف: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة .. » إلى آخره، تضيق هذه الدائرة وتنحصر في الفرقة الناجية كما قال عليه السلام، التي هي:«ما أنا عليه وأصحابي» .

فحينما يدعو الدعاة الآخرون المسلمين بعامة، فإنما يدعونهم إلى إسلام عام، ما حقيقة هذا الإسلام؟ كل فرد منهم يجيبك جواباً تقليدياً، يعني: العمل بالدين، بالكتاب والسنة. لكن ما هو الكتاب وما هي السنة، وكيف سبيل فهمه؟ فهذا أمر لا يدندن حوله كل الدعاة الإسلاميين حاشا السلفيين، فهم الذين يدعون الناس إلى الكتاب وإلى السنة، وعلى منهج السلف الصالح.

أذكر نكتة بهذه المناسبة تتعلق بالعلماء وهي: فاقد الشيء لا يعطيه.

فحينما تريد أن تدعو إلى الإسلام، فبدهياً جداً جداً أن تكون عارفاً وعالماً وعاملاً بما تدعو إليه، وإلا كان مثلك مثل ذلك الكردي الذي زعموا أنه لقي رجل من اليهود في طريقه، فأشهر عليه خنجره، وقال له بلهجته العربية الأعجمية: فلان أسلِم وإلا قتلتك. قال: دخلك، ماذا أقول؟ قال: والله لا أدري.

فإذاً: ينبغي أن ندعو إلى الإسلام ندري ما هو، فإذا كانت الدعوة من الدعاة الإسلاميين إلى إسلام غير مفهوم، فما فائدة هذه الدعوة، ولذلك ضربت لكم مثلاً آنفاً ببعض الأحزاب الإسلامية الذين يصيحون بأعلى أصواتهم، وقد كانت لهم جولة وصولة في بعض أيامهم الماضية، لكنهم ما استفادوا شيئاً؛ لأنك إذا سألت كبيرهم فضلاً عن صغيرهم، عن عقيدة ما من عقائد السلف القائمة على الكتاب والسنة، إما أن يجيبك بجواب جهمي اعتزالي أو أن يجيبك بلا أدري.

إذاً: هو لا يدري، ولا يدري العقيدة التي ينبغي على المسلم قبل كل شيء أن يعرفها أولاً، ثم أن يؤمن بها ثانياً، فماذا يكون حال الدعاة من مثل هذا الداعي،

ص: 518

ولذلك النكتة التي رويتها لكم آنفاً بالنسبة لذاك الكردي واليهودي، هي خير مثال لكثير من هؤلاء الدعاة الذين يدعون الجماهير المسلمة إلى الإسلام، ولكنه إسلام غير مفهوم.

لذلك قيل قديماً من الحكم: من رأى العبرة بغيره فليعتبر.

الإخوان السلفيون الذين مضى على انضمامهم أو قيامهم بهذه الدعوة الطيبة المباركة كجماعة، لم يمض عليهم إلا أقل من ربع قرن من الزمان، وقد لمسوا آثار دعوتهم في العالم الإسلامي، فما يجوز لهم إطلاقاً أن ينتكسوا، وأن يرجعوا القهقرى، وأن يقعوا في ما وقع فيه غيرهم من الأحزاب الأخرى مع فارق كثير، الأحزاب الأخرى ما عرفوا ولا ذاقوا طعم ولذة الدعوة السلفية، بل أهمية الدعوة السلفية، ولذلك فهم يعيشون حيارى، لا يدرون العقيدة التي أنزلها الله .. على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، وبينها للناس كافة، لا يدرون حتى في هذه الأيام الأخيرة، أما السلفيون فقد ذاقوا حلاوة هذه الدعوة، وعرفوا قدرها وقيمتها، فما ينبغي لهم أبداً أن يتناسوها وأن يشغلوا الناس الآخرين الذين كانوا يدعونهم إلى أن يفهموها وأن يؤمنوا بها، أن يشغلوها بأمور أخرى تدخل في باب السياسة سواء أطلقت أو قيدت؛ لأن السياسة على إطلاقها لا أعتقد أن مسلماً يقول بشرعيتها، فلا بد إذاً من تقييدها بالسياسة الشرعية.

السياسة الشرعية أمر مرغوب فيه بلا شك في الشرع؛ لأنه لا يمكن إدارة الدولة المسلمة إلا على الأساس من السياسة الشرعية، لكن هذه السياسة ليست من شأن الأفراد، وليست من شأن الدعاة الذين يجب عليهم أن يفقهوا المسلمون بعامة وأنا حينما أقول: بعامة كدعوة، لكن التكتل والتجمع على هذه الدعوة لا يخفى على أي مسلم عاقل؛ لأنه من المستحيل أن يمكن للدعاة أو لبعض الدعاة

ص: 519

أن يجمعوا كل المسلمين على اختلاف نزعاتهم، ومذاهبهم، بل ونزغاتهم، وأحزابهم في كتلة واحدة قائمة على الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح

(حصل هنا انقطاع صوتي)[مصداقاً] لقول رب العالمين: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 - 119].

وللحديث حديث الفرق الذي أشرت إليه آنفاً، ولكن على الأقل الذين يريدون أن يسلكوا سبيل الله وسبيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حكى ربنا عز وجل عنه في القرآن أنه أمره أن يقول:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].

هؤلاء يجب أن يتكتلوا على هذا الأساس، وتكون هي الفرقة الناجية، فيوم تتكتل هذه الجماعة على هذا الفهم الصحيح للإسلام الصحيح ويربون تربية صحيحة ككتلة وكجماعة، فيومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله تبارك وتعالى.

أما الخروج عن هذه الدعوة وإشغال عامة المسلمين بشيء آخر، فهو انحراف خطير سيكون عاقبة هذا الانحراف أن يصاب جماعة السلفيين لا سمح الله بمثل ما أصيبت جماعات الأحزاب الأخرى، أن يظلوا سنين طويلة وطويلة جداً، وهم يدعون .. ويعملون، ولكن القاعدة التي أشرت إليها آنفاً:(مكانك راوح).

ولئن يستفيد الدعاة السلفيون هداية فرد فضلاً عن أفراد يدعونهم إلى الكتاب والسنة ويربونهم تربية صحيحة على هذه الدعوة خير لهم من أن يجمعوا ويكتلوا آلافاً بل ملايين من البشر، وهم لم يفهموا الإسلام ولم يؤمنوا بالإسلام الذي أنزله الله عز وجل على قلب محمد عليه السلام، وبالتالي لم يربوا التربية على هذا الأساس من الفهم الإسلامي الصحيح.

لذلك نحن ننصح أن يتراجعوا .. عن توسعهم في دعوتهم، وعن اعتذارهم

ص: 520

المحكي في السؤال؛ لأن هذا العذر في الحقيقة هو كما يقال: عذر أقبح من ذنب؛ فلا يكلف نفساً إلا وسعها.

والغلو في الدعوة دون القيد المذكور آنفاً كما ذكرت أيضاً في

كلامي السابق أن عاقبة هذا الغلو هو الانهيار كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل» .

فإذاً: علينا أن نظل ندعوا الناس كل الناس إلى فهم الكتاب فهماً صحيحاً، مبتدئين بالعقيدة التي هي أساس النجاة يوم القيامة، ثم بما يجب بعد ذلك من معرفة الفرائض العينية، ثم الفرائض الكفائية التي إذا قام بها البعض سقط عن الباقين، وهذا يجرني إلى التنبيه إلى شيء من الغلو الذي وقع المسلمون اليوم؛ حتى بعض الدعاة، وهو:

أصبحت كلمة الدعوة والدعاة في اعتقادي هي من بدعة العصر الحاضر، وأنا في ظني أنكم سوف لا تسمعون هذا الكلام من غيري، لكنه الحق، و {لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23].

الدعوة اليوم والدعاة أصبح كأنه أمر فرض عيني على كل مسلم، ولو كان لا يعرف من الإسلام شيئاً، والمثال تعرفونه اليوم في كتلة إسلامية ضخمة جداً يخرجون إلى الدعوة بزعمهم، ويسمون هذا الخروج بالخروج في سبيل الله، وأكثر الذين يخرجون كما يقولون في سبيل الله كما يقولون في بعض البلاد العربية: لا يفرق بين الخمسة والطمسة، وبين الألف والمسطيجي.

هؤلاء ماذا يفعلون؟ هؤلاء دعاة. دعاة إلى ماذا؟ إلى الإسلام!

يا جماعة اتقوا الله، فاقد الشيء لا يعطيه، اجلسوا في بلادكم وتحلقوا

ص: 521

واجتمعوا في مساجدكم، واتلوا كتاب الله تبارك وتعالى وتدارسوه بينكم، وتفقهوا في الكتاب والسنة؛ حتى تكونوا على بينة، وتكونون كما قال عليه السلام:«من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» .

نعلم أن كثيراً من هؤلاء وهم رؤوس، هؤلاء يأتون بأعمال مستنكرة، إما جهلاً وإما تجاهلاً، إما جهلاً بالإسلام، وإما من باب القاعدة الكافرة التي لا أصل لها في الإسلام، ومع ذلك فبعض الدعاة الإسلاميين ينتسبون إليها ويعملون بها، ألا وهي: الغاية تبرر الوسيلة.

فقد بلغنا أن جماعة من هؤلاء الدعاة وصلوا إلى قرية، فوجدوا أهلها يطوفون بقبر ولي زعموه ولياً، فرئيس الجماعة هؤلاء طاف حول القبر مع القوم، لماذا؟ قال: ليتألف قلوبهم!

أهكذا يأمر الإسلام؟ ! الإسلام يقول لنا منذ خمسة عشر قرناً: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94]. ولا يقول: اعمل عمل الجاهلين، وكلنا يعلم مبلغ اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام في مخالفة مظاهر الشرك حتى ولو كانت لفظية وليست عملية كالطواف حول قبور الأولياء والصالحين، حتى باللفظ الذي قد يصدر من بعضهم خطأً بغير قصد ونية سيئة، فكلكم يعلم الحديث الذي رواه الترمذي وغيره عن أبي واقد الليثي:«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في سفر لما مر أصحابه وهو معهم بشجرة ضخمة من شجر السدر، فقال بعض أصحابه عليه السلام: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» .

هذه الشجرة كانوا يعلقون عليها أسلحتهم، فقال بعضهم:(اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط) يعني: تعليقات تعلق عليها الأسلحة.

فقال عليه السلام: «الله أكبر! هذه السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى:

ص: 522

{اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]».

انظروا اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قطع دائرة الشرك حتى بلفظ خرج من اللافظ به دون أن يقصد معنىً شركياً، ولما كان هذا اللفظ شابه لفظ المشركين القدامى من اليهود:{اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، لمجرد هذه المشابهة اللفظية قال:«الله أكبر! هذه السنن، لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى .. » إلى آخر الحديث.

فكيف يستجيز مسلم عالم بالإسلام القائم على الكتاب والسنة أن يعمل عمل المشركين، وأن يطوف مع القوم الضالين، لماذا؟ قال: ليتألفهم وليكسب قلوبهم، قال تعالى لنبيه مؤدباً لنا في مخاطبته إياه:{لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74].

فما يجوز للمسلم وبخاصة إذا كان داعية يريد أن يعلم من حوله أن يشارك الناس في ضلالهم، بحسبه أن يخالطهم ليعلمهم ويوجههم، أما أن يشاركهم في الضلال، فهذا هو عين الضلال.

لذلك ما يقع في مثل هذه المخالفة الشرعية إلا من كان لم يؤدب على ما ندعو الناس إليه من الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح.

هذا ما عندي جواباً عن ذلك السؤال، ولعله لم يفتني شيء.

(الهدى والنور / 280/ 00: 30: 00).

ص: 523