الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: لكن نشترط شرطاً: ألا يكون عاقبة هذه الأمور أن نخالف الشريعة.
مداخلة: نعم.
الشيخ: وهذا يكفي.
مداخلة: صحيح، جزاك الله خير.
الشيخ: نعم.
(الهدى والنور/321/ 20: 43: 00)
باب منه
مداخلة: ما رأيكم بالعمل الجماعي الحركي إن كان يقوم على منهج السلف الصالح المنظم القائم على التخطيط؟
الشيخ: نحن لا نؤمن بالتنظيم المعروف اليوم؛ لأن هذا التنظيم يعني شيئاً لا يمكن المسلمين من القيام بواجبهم الديني.
لا يشك أي مسلم أن التنظيم كلمة عامة يمكن أن نوسعها بحيث أنه تشمل عمل سري مثلاً، وأن نضيقها بحيث أنه تشمل تنظيم دروس من كل أنواع الدروس التي ينتفع منها المسلمون يوم مثلاً درس في التفسير، ويوم في الحديث، يوم في الفقه .. يوم في المواعظ، ويوم في اللغة في النحو وفي الصرف إلى آخره، مما يساعد المسلمين على أن يتفقهوا في دينهم هذا بلا شك تنظيم، ولا أظن أن هذا النوع من التنظيم حينما يذكر التنظيم في مثل السؤال السابق هو المقصود به وإنما يقصد به ما هو أوسع من ذلك بكثير وكثير جداً، ومن ذلك:
التحزب والتكتل جماعة ضد جماعة أخرى، ولكل من الجماعتين منهج ونظام، ولكل من الجماعتين رئيس يجب أن يطاع ويجب أن تنفذ أوامره، نعم! هذا ليس من الإسلام في شيء أبداً؛ لأنه من غير شيء نحن نعيش في فرقة فحينما نريد أن نوجد حزباً جديداً فمعنى ذلك أننا زدنا سبباً جديداً في توسيع دائرة الفرقة والاختلاف بين المسلمين؛ ولذلك نحن لا نؤيد مثل هذا التنظيم إطلاقاً.
وأُلفت النظر إلى شيء قد لا يتنبه له بعض الناس خاصة إذا كانوا طيبي القلوب والنوايا: الآن بلا شك في العالم الإسلامي صحوة لم تكن قبل عشرين ثلاثين سنة يقيناً، ومثلي شيخ وعجوز كبير يعرف هذا لم تكن هذه الصحوة من قبل، واقترن مع هذه الصحوة كلمة الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى منهج السلف الصالح، ووجدت هذه الدعوة قبولاً عند مئات الألوف بل الملايين من المسلمين، وشعر كل الطوائف الأخرى والأحزاب الأخرى بأن الدولة الآن من الناحية الفكرية إنما هي للدعوة السلفية؛ ولذلك صارت الدعوة السلفية الآن تستغل لإقامة أحزاب باسم السلفية، والسلفية تبرأ من الحزبية؛ لأنه ما معنى العمل بما كان عليه السلف الصالح؟ يعني: العمل بالكتاب والسنة وعلى مفهوم السلف الصالح، هل كانت الحزبية يحياها علماء السلف؟ لم يكن في علماء السلف المذهبية هذه التي ألمحنا إليها آنفاً ويعيشها اليوم الملايين من المسلمين فضلاً عن أن يكون بينهم تدين بالتحزب السياسي، هذا خلاف الإسلام قال تعالى:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32].
هذا واقع التحزب والتكتل، أما إطلاق لفظ السلفية على حزب ما فأنا أراه كإطلاق لفظة الإسلامية على بدعة ما فهناك مثلاً البنوك الإسلامية، وهناك
الأغاني الإسلامية، وهناك اشتراكية إسلامية، نسيتموها؟ ! كتب ألفت في الاشتراكية الإسلامية.
المهم: تستغل الآن هذه الكلمة لاصطياد الناس الذين يؤمنون بالدعوة السلفية، الدعوة السلفية لا تتعرف إطلاقاً على أي تحزب ولو قام به أكبر رجل عالم في الدعوة السلفية فمجرد ما يدعوا إلى التحزب والتكتل معناه: هذا بدأ انحراف عن الخط المستقيم، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيح حينما كان جالساً بين أصحابه فخط لهم على الأرض خطاً مستقيماً وقرأ قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] وخط خطوطاً قصيرة حول الخط المستقيم ثم قال عليه الصلاة والسلام: «هذا صراط الله، وهذه طرق - على جانبي الخط المستقيم طرق - وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعوا الناس إليه» هذه الطرق ليست هي الطرق الصوفية القديمة فقط وإنما هي أيضاً هذه الأحزاب الجديدة التي كلٌ منها
…
هذه الطرق قديماً كانت تتبنى أفكار وعقائد ليس لها علاقة بالسياسة كالاعتزال والإرجاء ونحو ذلك، بعضها كانت تتبنى منهجاً سياسياً كالخوارج مثلاً الذين من دينهم الخروج على أئمة المسلمين وحكامهم، فأقول: هذه الطرق القصيرة التي أشار إليها الرسول عليه السلام هي تجمع كل الطرق وكل المذاهب وكل المناهج التي لا تمشي على الخط المستقيم، وتتبنى رأياً من باب الغاية تبرر الوسيلة كل مسلم.
(
…
انقطاع في الصوت
…
)
مثل بعض الآيات التي ذكرناها من النهي عن التفرق وعن التحزب لكن
الجواب يقولون: المصلحة الآن تقتضي ذلك، نقول: المصلحة لا تكون بمخالفة الشريعة وبخاصة إذا كانت تؤدي إلى تفريق المسلمين شيعاً وأحزابا: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] وأنا أعرف بتجربتي بأن الذين يقومون بمثل هذه التكتلات وهذه التحزبات يقولون معترفين: بأن الخط العلمي الذي ينهجه السلفيون بلا شك هذا خط لا يمكن أحد يخالفهم لكن مدى طويل وطويل جداً متى يمكن أن تقوم الدولة المسلمة، ومتى يمكننا أن نقضي على الكفار الذين احتلوا أراضينا، ومتى يمكننا أن نقيم الدولة المسلمة في بلادنا حيث يحكم فينا القانون الأجنبي وهكذا ..
نحن نقول: لسنا مسئولين، أولاً: متى يكون ذلك؟ وثانياً: الأمور هذه لا يمكن أن تعامل معاملة الأمور الاقتصادية، أو مثلاً يضعوا سنين معينة حتى يرفعوا مستوى المعيشة أو نوع من العمل عندهم نظامي إلى مستوى محدود، هذه أمور غيبية لا يمكن تحديدها إطلاقاً، وإنما يجب نحن أن نمشي على الصراط المستقيم، فإن وصلنا فبفضل لله عز وجل وإن لم نصل فقد أعذرنا وبينا عذرنا والله عز وجل نرجو أن لا يؤاخذنا لأننا سرنا على الطريق المستقيم.
أما هذه الخطوط فأرجوا أن تلاحظوا معي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يشير إلى معنى دقيق جداً حينما مد خطاً طويلاً وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] ثم على جانبي هذا الخط الطويل خطوط قصيرة، لقد عنى ما سمعت بأذني هذه في دمشق منذ أكثر من عشر سنوات قال لي أحد الحزبيين: لا شك أن هذا الطريق الذي أنتم سالكوه هو طريق سليم لكن هذا روحه طويلة متى يمكنكم أن تصلوا .. متى يمكنكم أن تقيموا الدولة المسلمة إلى آخره؟ ! أما نحن سنقيمها، كيف تكون إقامتها؟ بالهتافات والتكتلات الحزبية ونحو ذلك ثم مضى على
كثير من هؤلاء سنين طويلة وعلى النظام العسكري السابق: مكانك راوح، هل استفادوا علماً صححوا به عقيدةً .. صححوا به سلوكاً .. صححوا به عبادةً؟ أبداً خمسين سنة ثلاثين سنة مكانك راوح، أما الذين سلكوا على الصراط المستقيم فهم ماشون ومشية السلحفاة التي يضرب بها المثل حينما تسابقت مع الأرنب - أين مذكورة هذه كليلة ودمنة وإلا أين يمكن هذه - وصلت السلحفاة قبل الأرنب لماذا؟ لأنها كانت دؤوبة تمشي الهوينة ولكنها وصلت بينما ذاك كان يلتهي بأمور أخرى، وبهذه المناسبة أنا أذكر بيتين للجاهلي الشاعر الذي يضرب به المثل امرئ القيس عندما يقول:
نحن أولى والله نأخذ الحكمة من هذا الجاهلي، مع أن نحن مسلمين وذاك كافر، قال:
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
…
وأيقن أنا لاحقين بقيصر
فقلت له لا تبك عينك إنما
…
نحاول ملكاً أو نموت فنعذر
هذا رجل جاهلي كان يريد أن يصل إلى أن يصير ملك العرب، فقال له: لا تحزن نحن ماشين في الطريق فإما أن نصل إلى الملك وإما أن نموت ونعذر، والله نحن الذي نقول سبيلنا، نمشي في طريق لله عز وجل فإن استطعنا أن نقيم الدولة المسلمة أو قبل ذلك المجتمع الإسلامي، لا تتصوروا أنه يمكن إقامة حكم إسلامي في مجتمع غير إسلامي يجب قبل كل شيء إيجاد المجتمع الإسلامي؛ لأن هذا الذي يتقبل الحاكم المسلم أما المجتمع الإسلامي لا يتقبل الحاكم المسلم؛ لأنه ستقوم عليه ثورات ومعاداة كثيرة وكثيرة جداً،
وهكذا العالم العربي اليوم يعني مع الأسف مشهور ومعروف مع أنه ليس هناك من قام بالنظام الإسلامي أما لو قام بنظام إسلامي ليس دولة واحدة ستقوم
ضده ستقوم الدول كلها فلذلك فنحن علينا أن نمشي على الخط المستقيم فإن شاء الله ربنا سيوصلنا إلى الهدف أو نموت فنعذر.
مداخلة: يعني: بالنسبة للعمل للإسلام في المرحلة الحالية لو كان على سبيل المثال هنالك مكان يعلم به دين الله عز وجل عقيدةً وشريعةً فهذا المكان لا بد له من أن يكون هنالك شيخ، وهنالك من يرتبون، وقد يكون مكان في مكان آخر وفي مكان ثالث ورابع ليعلموا الإسلام إلى الناس.
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: لو كان هنالك مجموعة من الناس أرادوا أن يتعاونوا على البر والتقوى واعتبروا تجمعهم هذا ليس هو الأصل الذي هو الإسلام.
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: فارتباطهم دائماً بعملهم الأصل هو الإسلام والأخوة بلا إله إلا الله ولكن يتعاونون مع بعضهم البعض .. يتعاهدون على خدمة الإسلام كما يريد الله عز وجل، إرجاع المسلمين إلى الكتاب والسنة تمسكهم بشرع لله عز وجل .. الارتفاع بالمسلمين إلى مستوى الإسلام .. إلى مستوى المهمة التي يريدها منهم الإسلام، وإلى مستوى العالم والعصر فهماً ودرايةً وفقاً لشرع لله عز وجل، وساروا على هذا الطريق لخدمة الإسلام، ويدعون إلى يقظة إيمانية شاملة وليست يقظة حزبية ضيقة، ويعتبرون تجمعهم هذا وسيلة لخدمة الإسلام ولإعلاء كلمة لا إله إلا الله فهل هذا من ناحية إسلامية يعتبر مشروع؟
الشيخ: إذا أردت كلاماً مجملاً مثل كلامك مشروع.
مداخلة: نعم.
الشيخ: إذا أردت كلاماً مجملاً مثل كلامك أقول لك: هذا عمل مشروع.
مداخلة: نعم.
الشيخ: هذا واقع أم غير واقع؟
مداخلة: يعني أنا أقول.
الشيخ: لا ما تقول أنت أجب عن السؤال، مثل ما سألتني وأعطيتك الجواب فأنت أجبني عن سؤالي.
مداخلة: هناك جهات ليس هذا عندهم واقع، وهناك جهات عندهم واقع.
الشيخ: كيف يعني؟
مداخلة: ناس يتعاونون على طاعة الله عز جل وعلى البر والتقوى ويريدون إعلاء كلمة لا إله إلا الله ويعتبرون تجمعهم وسيلة وليس أصلاً والأصل هو الإسلام.
الشيخ: نعم.
مداخلة: فهذا موجود الآن.
الشيخ: أنت بارك الله فيك.
مداخلة: نعم.
الشيخ: سمعتني آنفاً أدندن حول العلم النافع والعمل الصالح، وأظنك يعني معنا في هذا البيان.
مداخلة: الحمد لله نعم هذا فهمناه.
الشيخ: إذا سمحت.
مداخلة: نعم.
الشيخ: فالآن الكلام كله الذي تحكيه قائم على هذا العلم النافع؟
مداخلة: إن شاء الله تعالى.
الشيخ: إن شاء الله.
مداخلة: نعم.
الشيخ: وأنا أقول معك إن شاء الله.
مداخلة: بإذن الله تعالى.
الشيخ: لكن هذا يذكرني بقصة ذلك الصحابي الجليل الذي كان يقوم على باب الرسول عليه السلام ليلاً.
مداخلة: صلى الله عليه وآله وسلم.
الشيخ: لعل الرسول عليه السلام يستيقظ ويريد حاجة فلا يجد حوله من أصحابه من يقضيها له، هذا رجل كان يقوم الليل عند بيت الرسول عليه السلام، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما هو معلوم من وصف رب العالمين له بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] قدر له هذا الموقف فقال له يا فلان: تمنى مني .. اطلب مني ما تريد! رجل عاقل قال له: أمهلني ثلاثة أيام، بعد ثلاثة أيام قال له: يا رسول الله! فكرت في الدنيا فوجدتها زائلة، وفكرت في الآخرة فرأيت الناس فيها فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، ورأيت أن طريق الجنة درجات وأنا أطلب منك أن يجعلني ربي معك في الجنة، فقال: لك ذلك، ولكن أعني على ذلك بكثرة السجود.
الشاهد من هذا: ما تركه يعتمد على وعد الرسول لكن قال: أعني على نفسك بكثرة السجود، فأنت أعنا على نفسك إن شاء الله بتحقيق هذا المنهج.
(الهدى والنور /340/ 18: 06: 01)
(الهدى والنور /340/ 38: 20: 01)