الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم العمل الجماعي
السائل: شيخنا! العمل الجماعي كلمة تدور في الأفق، فما هو مفهوم السلفيين للعمل الجماعي، وهل هو التحزب؟
الشيخ: الجواب العمل الجماعي كما نحن الآن، فقد اجتمعنا على فهم كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نجتمع لصلاة الجماعة في الفرائض، ونفترق في صلاة السنن في بلادنا حينما لا نكون مسافرين؛ لأننا نعلم من سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يعلم أولئك أن المسافر ليس عليه السنن الرواتب، ونعلم أيضاً بأن للمسافر أن يتنفل بمثل صلاة الضحى ونحو ذلك، هذه عندهم من توافه الأمور ولكني سأقول لهم: إذا دخل جماعة المسجد في وقت الصلاة، وأرادوا أن يصلوا السنة فهل يصلونها جماعة، أم يصلونها فرادى؟ إن كان قولهم أو جوابهم يصلونها فرادى، قلنا لهم: ما حجتكم في ذلك أولاً، وثانياً: هل هذه من توافه الأمور أم هذه من الأمور التي يجب أن يعرفها الإنسان وأن لا يخالفها؟
أنا أريد أن أقول الآن: دخلنا المسجد لصلاة الظهر أو صلاة العصر، وكلاً منا انتحى ناحية من المسجد ليصلي السنة القبلية لوحده، فإذا هم آمنوا معنا بأن السنة أن نفرق جماعة الذين يريدون يصلوا السنة، أي لا جماعة في صلاة السنة القبلية، فإذاً: نحن نجتمع حيث يجمعنا الشرع، ونفترق حيث يأمرنا الشرع بالتفريق، فحينما نصلي السنن فرادى لا يجوز لنا أن نصليها جماعة؛ لأن الشرع الذي نحن نقضي حياتنا كلها في معرفته من الكتاب والسنة دلنا على هذا الفارق
الذي قد لا يهتم به أولئك الدعاة المزعومين، وهوا أن السنن تصلى فرادى، والفرائض تصلى جماعة، فكما يأثم من يصلي الفريضة لوحده، ولا يصليها مع جماعة المسلمين، كذلك يأثم من يصلي السنن جماعة، ولا يصليها انفراداً، لأن كلاً من التجميع والتفريق قد جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذاً: تجميع الناس على شيء لا ينبغي أن يكون بالرأي وإنما باتباع الشرع، مما يشبه تجميع الناس غير المشروع، تجميعهم على صلاة السنن جماعة، هو الحزبية العمياء التي تسلطت اليوم على بعض الجماعات، أعني باليوم ليس زمناً طويلاً ،ولنقل اليوم وقبل اليوم من التكتل الحزبي الذي زاد في المسلمين تفريقاً على تفريق، ونحن نعلم وهم يعلمون أيضاً، ودائماً يذكرون الناس بقوله تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، ولكن الحزبية العمياء هذه من أقوى الأسباب التي تفرق المسلمين ولا تجمعهم والواقع يؤكد ذلك فقد عرفنا جماعة منا نحن السلفيين في كثير من البلاد الإسلامية وليس في بعضها كانوا على كلمة سواء وكانوا جماعة واحدةً، فحينما قلدوا بعض الأحزاب الإسلامية الأخرى التي لم يكونوا على هدى من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما قلدوهم ودعوا إلى التحزب والتكتل الحزبي، وقعت الفرقة بين الجماعة الواحدة التي كانت تجمعهم بحق الجماعة الأولى التي جاء ذكرها في الحديث، الذي ذكرت في محاضرة سابقة ألا وهو وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، للفرقة الناجية اأنها التي تكون:«على ما أنا عليه وأصحابي» وفي رواية أخرى: «هي الجماعة» ، كانت هذه الجماعة جماعة تعنى على الكتاب والسنة فما كادت تدعوا للتحزب والتكتل حتى انقسمت الجماعة إلى قسمين، ورأينا ناساً في الأردن فضلاً على غيرها من البلاد انشطروا شطرين، ناس استمروا في العلم بالتعرف على الكتاب والسنة، وناس أخذوا يعملون في الجمعيات الخيرية، ويدعون الناس إلى
التصدق وتأليف اللجان في الإحسان للفقراء والمساكين وهذا بلا شك من الخير الذي لا ينكر، ولكنهم تركوا السبيل الذي كانوا عليه؛ لأن الناس طاقتهم محدودة، الناس كما قلت طاقتهم محدودة، فمن انصرف إلى طلب العلم، وخاصة أن طريق طلب العلم في هذا الزمان الذي بعدنا فيه عن
العصور الأولى المشهود لها بالخيرية بقوله عليه الصلاة والسلام: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» ، وبهذه المناسبة لا بد لي من وقفه أو جمله معترضة قصيرة، وهي أن الشائع اليوم على السنة المحاضرين والمرشدين والواعظين، رواية الحديث بالفظ:«خير القرون قرني» ، هذا اللفظ لا نعرف له أصلاً في كتب السنة، مع أن هذا الحديث دخل في زمرة الأحاديث المتواترة لكثرتها، وإنما اللفظ الصحيح الذي جاء في الصحيحين إنما هو بلفظ:«خير الناس قرني» ، ليس خير القرون قرني إنما هو:«خير الناس قرني، ثم الذي يلونهم .. » إلى آخر الحديث.
الشاهد أن جماعة من السلفيين، كانوا هكذا يطلبون العلم وطلب العلم اليوم ليس سبيله سهلاً، كما كان في القرون الأولى؛ لأنهم كانوا يتلقون العلم مباشرة، أما نحن اليوم فإذا أردنا أن نستنبط حكماً من كتاب الله، فلا بد لنا أن نعرف هل لهذه الآية علاقة ببعض الأحاديث التي تفصل ما يتعلق بالآية من أن تكون آية عامة، فيمكن أن يكون لها مخصص أو مطلق فيكون لها مقيد ونحو ذلك، لابد لها من دراسة الأحاديث المتعلقة بالآية، فإذا وجدنا شيئاً من ذلك، لا بد أن نمشي خطوة أخرى وهي أن نتثبت من صحة هذه الأحاديث، ثم أخيراً: إذا تثبتنا من صحتها أن نرى موقف العلماء منها هل اتفقوا على دلالتها أم اختلفوا، وهكذا فنحتاج إلى ساعات بل ربما إلى أيام كثيرة لكي نعرف الصواب مما اختلف فيه الناس، فطلب العلم اليوم ليس سهل كما يظن بعضهم، لذلك فطلاب
العلم الذين كانوا معنا على الخط، شغلوا بالجمعيات الخيرية، وهذا سببه سياسياً محضاً؛ لأنه يراد أولاً اكتساب القلوب لأن الأمر كما قيل قديماً:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
…
فطالما استعبد الإنسان إحسان
هذه الجمعيات الخيرية تكسب قلوب الجماهير وما وراء ذلك ثواب الله في الآخرة، ليت الأمر كان كذلك، لا المقصود الاستكثار من الأصوات حينما يأتي وقت الانتخابات، هذا هو طريق الذين يعملون في التحزب والتكتل الحزبي، ليتوصلوا إلى الحكم بطريق البرلمانات التي ليست من الإسلام إطلاقاً؛ لأن طريق الانتخابات كما تعلمون جميعاً يرشح المسلم نفسه كما يرشح الكافر، ثم لا فرق في نظام الانتخابات بين المسلم الصالح والطالح، بل لا فرق بين المسلم الصالح والكافر، فالذي يأخذ أصواتاً أكثر هو الذي ينجح ويصبح نائباً في البرلمانات، شغل أفراد من طلاب العلم بمثل هذه الأمور التي تكسب قلوب الناس بتوزيع الأموال
…
[شغلهم عن] العلم الذي كانوا ماضين فيه، وهذا مع الأسف له وجود في كثير من البلاد، حينما دخل التكتل الحزبي وفرق ليس المسلمين كلهم، فهم متفرقون من قبل، كما تعلمون من حديث الفرق، وإنما التحزب فرق الجماعة الواحدة؛ بسبب أنهم تركوا الاعتصام بالكتاب والسنة، وانشغلوا بتنظيمات فرقة جماعة المسلمين، وصاروا شيعاً كقوله تعالى:{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، فأنا اسأل الله تبارك وتعالى أن يظل إخواننا الذين عرفوا طريق السير على الكتاب والسنة حتى آخر رمق من حياتهم، حتى نلقى الله عز وجل وهو راض عنا، إن شاء الله تعالى.
(الهدى والنور / 396/ 39: 38: 00)