الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التكتل والتحزب
فنحن نقول لقد جرى المسلمون في العهد الأول على البيعة الشرعية، ثم مع الأسف تفرق المسلمون فيما بعد إلى دويلات تشبه دويلاتنا القائمة الآن ولو أنه ربما تكون أقل عدداً وأوسع دائرة، وما أحد من هذه الدول سلك سبيل هذه الجماعات والأحزاب ليسوغوا هذا التفرق الذي كان قائماً بين الدول الإسلامية يومئذٍ، ذلك لأنهم كانوا لا يزالون على شيء من العلم بالنسبة لعلمائهم.
أما النشء الجديد اليوم والذين يدعون إلى تكتل ما وتحزب ما فليس فيهم ما كان في أولئك من العلماء، العلماء حقيقة على الأقل علماء بالمذهب هؤلاء ليس عندهم علماء حقيقة، ولا علماء وقد أحسن حيث أخطأ كثيراً الدكتور البوطي حينما سمى نفسه وأمثاله من العلماء، أنهم علماء مجازاً، كانت هذه في الواقع هي فلتة لكن رمية من غير رام، أصاب الحق دون أن يقصده فقد كان فيهم يومئذٍ على الأقل علماء مجازيين، يعني علماء بالمذهب، ولا يوجد في المذاهب مثل هذه الأحكام التي أنت ذكرتها آنفاً، فضلاً عن أن يوجد مثلها في الفقه المستقى من الكتاب والسنة.
فهذه أحكام تصدر من بعض رؤوس التي لا تفهم الإسلام على وجه الصحيح، لتسليك واقعهم ولاصطياد الناس وضمهم إليهم.
ولذلك نحن نقول أن قائمة المسلمين لا تقوم إلا على أساسين اثنين: منذ نحو أربعين سنة وأنا أقول بكلمتين وأقيم عليها محاضرات كثيرة لا بد من
التصفية والتربية، تصفية الإسلام مما دخل فيه في كل نواحي الإسلام، ولستم بحاجة لشيء من التفصيل ثم اقتران التربية مع هذا العلم الصحيح، فأين العلماء الذين ينبغي أن يكون عددهم بالألوف المؤلفة في هذا المجتمع الإسلامي العظيم؟ ينبغي أن يكون فيهم علماء من ألوف مؤلفة، ومضى عليهم سنين كثيرة وهم يربون الجيل الذي يعيشون بينهم على هذا العلم الصحيح لا وجود لهذا ولا لهذا، فمن الذي سيقيم الدولة المسلمة؟ لذلك فأول أساس لإقامة الدولة المسلمة هو ما يؤخذ من قوله تعالى:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7].
لا شك نصر الله هو العمل بأحكامه لكن نصر الله اليوم المترتب على العمل بأحكامه ليس كنصر الله في أول يوم حين بُعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعلمه الإسلام مباشرة.
أما نحن فنحن بحاجة إلى دراسات طويلة وسنين عديدة وعديدة جداً حتى يتسنى لنا أن نوجد الألوف المؤلفة من العلماء الفقهاء حقيقة بكتاب الله وبسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى منهج السلف الصالح.
انظروا الآن صعوبة الحصول على العلم الصحيح وسهولة الحصول على العلم يومئذٍ نحن الآن بحاجة عديد من الوسائط والوسائل، نحن الآن نقول بحاجة أن نعرف شيئاً غير الكتاب والسنة، وهو الذي ندندن دائماً حوله، وهو معرفة ما كان عليه سلفنا الصالح، كيف نستطيع أن نعرف ما كان عليه سلفنا الصالح؟ لا يمكننا إلا أولاً بالكتاب ثانياً بالسنة ثالثاً بالآثار السلفية.
فنحن الآن لا نجد علماء بالعشرات يتقنون علم السنة، فأين هؤلاء العلماء بالمئات والألوف يحسنون معرفة ما كان عليه سلفنا الصالح من الآثار التي خلفوها لنا قولاً أو فعلاً وتطبيقاً منهم في الكتاب والسنة.
الآن فيه صعوبات كثيرة في طريق الدعاة اليوم حقاً لم تكن هذه الصعوبات موجودة في القرون الأولى في قرب العهد من نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذاً نحن اليوم بحاجة إلى مساعي ضخمة وواسعة جداً، هذه المعاني لا يفكر فيها الدعاة الإسلاميون إسلاماً عاماً، لا يعرفون أن هذا الإسلام اليوم يتطلب من المسلمين الخاصة دارسة علوم كثيرة وكثيرة جداً، منها تتبع الآثار السلفية حتى يصونوا بها أنفسهم عن أن يكونوا فرقة من الفرق الضالة، كالمعتزلة والخوارج والمرجئة ونحو ذلك؛ لأن هؤلاء ركبوا رؤوسهم وفسروا الآيات والأحاديث بعقولهم، ولم يحاولوا أن يستعينوا بما كان عليه السلف الصالح، مع ذلك هذه فرق كانت قريبة العهد بالنسبة إلينا، بينهم وبين الرسول عليه السلام مائتان سنة ثلاثمائة سنة الآن بيننا وبينه عليه السلام أربعة عشر قرنا.
فإذاً تصفية العلم يحتاج إلى زمن طويل وعريض، ثم التربية على هذا العلم أيضاً يحتاج إلى جهود جبارة وجبارة جداً، فأين هؤلاء العلماء بهذه الكثرة التي لا تتحقق الفكرة الصحيحة إلا بالعلم الصحيح، ولا يكون هذا إلا كما شرحنا الكتاب والسنة والآثار السلفية.
ثم أن يقترن مع هذا التعليم الصحيح التربية الصحيحة، بدون هذا وهذا لا يمكن أن تقوم قائمة الدولة المسلمة التي يشترك فيها كل الدعاة الإسلاميين لفظاً ويختلفون فيها منهجاً وتطبيقاً، وأسهل شيء أن يقول القائل منهم نريد أن نقيم دولة إسلامية ولو كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئاً.
هناك نكتة سورية تقول: لقي رجل من الأعاجم يهودياً في طريقه فقال له وهو متسلح بالخنجر: قال أنت؟ أسلم وإلا قتلتك قال: دخلك ماذا أقول؟ قال له: والله لا أدري.
فهو متحمس بإسلامه ويريد أن يقتل الكافر لكن الكافر لما يستسلم يقول له: علمني ماذا أقول يقول لا أدري.
فهؤلاء الذين يريدون أن يقيموا دولة الإسلام دولة الإسلام يحتاج إلى دستور يحتاج إلى شارح لهذا الدستور يسمى اليوم بالقانون أين هؤلاء؟ الآن مسألة أفغانستان في اعتقادي ستكون عبرة عظيمة جداً للمسلمين، لأنهم إن انتصروا ونرجو أن يكون ذلك قريباً وأخرجوا أذناب السوفيات والشوعيين من كابل ونحوها من العواصم هناك واحتلها المجاهدون في سبيل الله، ما صبغة هذه الدولة التي يدندنون أنهم سيقيمون الدولة الإسلامية، أحسن أحوالهم أن يقيموها دولة حنفية، لا أريد من هذا أن أقول دعوهم والروس ولا تساعدوهم على إخراج الروس لا حنانيك بعض الشر أهون من بعض، لكننا يجب أن ننظر إلى العواقب، «ومن لم ينظر في العواقب ما الدهر له بصاحب» سيقيمونها دولة حنفية، ماذا يوجد في هذه الدولة الحنفية؟ من قتل ذمياً قتل به، هذا حكم حنفي، وتبناه رجل من كبار الدعاة الإسلاميين والذين كانوا متفوقين على بعض الدعاة الآخرين بشمول علمه سياسة واقتصاداً وعسكرياً ونحو ذلك، وليس بالخافي عليكم وهو أبو الأعلى المودودي رحمه الله.
لقد كتب بحثاً طويلاً ينتصر للمذهب الذي عاش فيه أن المسلم إذا قتل ذمياً قتل به، وأكد وجاء ببعض الأحاديث التي لا سنام لها ولا خطام، وإذا قتل مسلم غير مسلم من أهل ذمة خطأً فدية هذا الكافر كدية المسلم، ومن معرفتنا بهم أنه يحتجون بالعمومات القرآنية حتى لو دخلها تخصيص بالسنة المحمدية؛ لأنهم يزعمون أن السنة لا تخصص القرآن، ولا تقيد مطلقه إلا إذا كانت متواترة.
عهدنا بهم هكذا يردون السنة الصحيحة لماذا؟ لأنه لم يتحقق فيها شرطهم،
وهو أن تكون متواترة، فلماذا هنا تمسكوا بالسنة الضعيفة؟ أولاً: ثم أعرضوا عن السنة الصحية التي تنص: لا يقتل مسلم بكافر، وأعرضوا عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل دية الذمي على النصف من دية المسلم» .
بعد هذا كله نقول لهم كما قال ربنا عز وجل في القرآن الكريم: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36]. كيف جعلتم دية الذمي كدية مسلم ويقتل مسلم لقتله لهذا الكافر: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35 - 36].
فلو قامت الدولة الإسلامية في أفغانستان ستقوم على هذا المذهب الضيق وليس على أساس التصفية التي ندندن حولها طيلة هذا الزمان الطويل، لذلك فالدولة المسلمة لن تقوم قائمتها حتى لو وجدت جماعة إسلامية وفعلاً حاولوا أن يحققوا الإسلام حاكماً في الأرض إنما هو إسلامهم وليس الإسلام المأخوذ من الكتاب ومن السنة:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 37].
(الهدى والنور /372/ 40: 00: 00)
(الهدى والنور /372/ 42: 10: 00)