الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمل السياسي في اليمن
مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم
يمر الشعب اليمني في هذه الظروف على ما يمكن تسميته بالتحولات الجذرية لنظام الحكم، وهي بلد الشريعة الإسلامية نتيجة للوحدة التي تمت بين سلطتي شطري اليمن، ومن ثم سماح الحكومة بما يسمى بالتعددية الحزبية أو السياسية وما يسمى بالرأي والرأي الآخر وهو اعتراف لكافة الأحزاب الشرعية وجودها والاعتراف بها، الأمر الذي يستلزم وجود دستور يتواكب مع المتغيرات فعمدت الحكومة إلى إلغاء الدستور الإسلامي السابق وأوجدت دستوراً قال عنه العلماء إنه علماني وأنه أزاح الشريعة عن هيمنتها في التشريع وجعل ذلك إلى مجلس الأمة أو النواب الذي يتربع على معظم مساحته رجال الدولة ورؤساء الأحزاب الشيوعية والعلمانية.
والسؤال: ما رأي الشرع من وجهة نظركم فيمن يدعو إلى الجهاد لفرض التشريع الإسلامي على كل مناحي الحياة بواسطة إيجاد دستور إسلامي، وما هو رأيكم في مشروعية وضع الدساتير التي تفرض على الناس كأعلى تشريع في البلاد؟
الشيخ: أولاً: يجب علي قبل أن أدخل في الإجابة عن السؤال أن ألفت النظر إلى عادة في توجه الأسئلة يقول السائل: ما رأي الشرع في كذا وكذا؟ فأرى أن هذا التعبير لا يليق شرعاً؛ لأن الشرع الذي مصدره هو الله تبارك وتعالى لا يقال
ما رأيه فيه كذا؟ يقال: ما رأي الشيخ في كذا؟ وإنما إذا كان السؤال عما في الشرع فهو ما حكم الشرع؟
بعد هذا التصريح في هذا السؤال أقول: السؤال تضمن عن أسئلة أكثر من سؤال واحد، فأول ذلك: الجهاد فأنا أذكر ما جاء في مسند الإمام أحمد وسنن الإمام الدارمي وغيرهما بالسند الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» فالجهاد إذاً له ثلاثة وجوه أو ثلاثة أنواع، الجهاد بالنفس وهو الذي يحض القرآن الكريم عليه في عديد من آياته الكريم في القرآن الكريم، هذا النوع من الجهاد يبدو أن العالم الإسلام كله ليس مهيئاً للقيام به، وهذا له أسباب كثيرة وكثيرة جداً منها:
عدم وجود الاستعداد النفسي أولاً ثم الاستعداد بالسلاح ثانياً، ربنا عز وجل كما نعلم جميعاً يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] أعدوا لهم الخطاب هنا لا شك للمسلمين الذين تهيؤوا إيمانياً ونفسياً لتنفيذ هذا الأمر الإلهي، والمسلمون اليوم كما نعلم جميعاً مع الأسف الشديد انصرفوا عن هذا الاستعداد النفسي فضلاً عن الاستعداد في السلاح المادي وهذا له أسباب كثيرة وكثيرة جداً، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بعض الأسباب الشرعية التي يقعون في مخالفتها فلا يستطيعون بعد ذلك أن يقوموا بإعزاز دين الله عز وجل مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» المسلمون بسبب هذه المخالفات التي جاء ذكرها في هذا الحديث وفي مثل قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: «تتداعى عليكم
الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله! قال: حب الدنيا وكراهية الموت» لهذا المسلمون اليوم لا يستطيعون أن يقوموا بجهاد إسلامي سلاحي، وبخاصة أنهم محاصرون من كل الجهات بأعداء الله عز وجل داخلاً وخارجاً، ولا شك أنك تذكر معي أن هناك قامت حركات إسلامية في بعض البلاد الإسلامية ثم لم تصحبها الفوز والنجاح والسبب هو ما ذكرته آنفاً من أسباب البعد عن الشرع أولاً وإحاطة الكفار بهم داخلاً وخارجاً ثانياً.
ولذلك فأنا لا أؤيد أن يقوم جهاد الآن ولو كان القائمون مخلصين لا أؤيد هذا لأن عاقبته إلى ما لا يرضاه المسلمون قاطبة، وإنما لا بد لهم من الجهادين الآخرين المذكورين في الحديث السابق الجهاد بالمال والجهاد باللسان، ولا يزال الجهاد في أفغانستان قائماً، وقد كاد أن يتم فرح المسلمين بنصر الأفغانيين على الشيوعيين ولكن ما شاء الله ذلك فقد بدأت الفرقة والخلافات الحزبية والفكرية تعمل عملها في بعض القادة في تلك البلاد فتأخر النصر المنشود والمظنون والمرتقب الذي كان مرتقباً تأخر، والسبب هو ما ذكرته آنفاً من البعد عن الجهاد النفسي ثم عن التربية الإسلامية التي تُكَتِّل المسلمين على فكر واحد ومنهج واحد ومذهب واحد، وأنا مع جهلي بالواقع في اليمن الشمالي والجنوبي لكن حسبي أن الفرقة ذرت قرنها من يوم انقسم اليمن إلى قسمين، فلا بد أن السياسة الأجنبية الكافرة التي جعلت الشعب اليماني إقليمين بعد أن كان إقليماً واحداً إذا ما أثير الجهاد الإسلامي فسيقع القتل بين اليمانيين أنفسهم ثم لا ينتج من وراء ذلك إلا تَحَكُّم الكفار من الداخل والخارج.
ولذلك فأنا أرى أن ينحصر الجهاد بالمال وباللسان، وأدندن منذ نحو عشرين سنة أو أكثر بأن العزة والمجد للمسلمين لا يقوم إلا على ركيزتين اثنتين إحداهما تصفية الإسلام مما دخل فيه مما هو بريئ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما يقال سواء ما كان الدخيل في العقيدة في التوحيد بخاصة أو العقيدة بعامة أو كان الدخيل في العبادات أو الأخلاق والسلوك كل هذا وهذا ينبغي تصفيته علمياً، وهذا مع الأسف قل من ينهض به في مختلف البلاد الإسلامية، ونحن نعلم أن هناك صيحات كثيرة وأحزاب عديدة كلها تنشد إقامة الدولة المسلمة ولكنها لا تتخذ السبب الأساسي الذي إذا ما اعتمد عليه حقق الله لهم بغيتهم ألا وهو هذا الذي نسميه بالتصفية؛ لأن الإسلام الذي أنقذ العرب من جاهليتهم وضلالهم وذلهم إلى الهدى وإلى النور والعز ينبغي أن يكون هو نفسه يعيد المسلمين إلى عزهم المنشود والذي ضاع عنهم منذ قرون طويلة، فهذا الإسلام ينبغي أن يصفى من كل ما دخل فيه مما ليس منه وأن يربى المسلمون على هذا الإسلام ويومئذ تظهر تباشير عودة العز للمسلمين وأن يتحقق لهم التمكين في الأرض الذي بشر به المسلمون في كتاب ربهم وفي سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث الصحيح:«بشر هذه الأمة بالرفعة والسناء والمجد والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملاً للدنيا فليس له في الآخرة من نصيب» .
فإذاً قبل كل شيء يجب الإخلاص لدين الله عز وجل.
وثاني شيء إعادة الإسلام في أذهان المسلمين إلى ذاك الإسلام الأول الصافي وأن يربى المسلمون على هذا الإسلام الصافي وهذا مع الأسف اليوم غير موجود ولا في إقليم من الأقاليم الإسلامية الكثيرة.
ولهذا لا أقول كما قلت آنفاً لا أرى الجهاد بل أحذر أحذر من الجهاد لأن
الوسائل النفسية والمادية لا تساعد المسلمين على القيام بأي جهاد في أي مكان كان؛ ولهذا نأخذ نحن عبرة من التاريخ الإسلامي الأول، لقد ظل المسلمون في مكة ثلاثة عشر سنة وهم مضطهدون، وهم مظلومون يحاربون، والتاريخ الإسلامي واضح في هذه السبيل حتى أذن الله لهم بالهجرة، الهجرة الأولى إلى الحبشة والهجرة الأخيرة إلى المدينة المنورة، هذا شطر أو جواب عن شطر مما جاء في السؤال.
أما اتخاذ القوانين تفرض على الشعب وفي هذه القوانين الموافقة على الحزبيات حتى لو كانت حزبيات كافرة مضللة فهذا بلا شك يعلم أنهم أعلنوا بأنهم يريدون أن لا يتحاكموا إلى الله وإنما أن يتحاكموا إلى الطاغوت، نحن ننكر تحزب المسلمين في دائرة الإسلام، فأن يكون حزب إسلامي يسمى كذا وحزب إسلامي يسمى كذا، فهذا التحزب مع أنهم جميعاً يعملون في دائرة الإسلام وفي صالح الإسلام فالله أعلم بما في نفوسهم، مع ذلك نحن لا نرى أنه يجوز لدولة مسلمة أن تسمح لمثل هذا التكتل وهذا التحزب ولو في دائرة الإسلام؛ لأن هذا ليس من صنيع المسلمين بل هو من عادة الكافرين؛ ولذلك قال رب العالمين في القرآن الكريم:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32].
ومعلوم أن في الصحيحة إخباره عليه الصلاة والسلام بأن اليهود تفرقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة.
وفي الحديث الآخر: يفصل لفظة الجماعة بقوله: «ما أنا عليه وأصحابي» ،
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه الكرام ما كانوا يشكلون أو يؤلفون إلا حزباً واحداً هو حزب الله {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22]، فإذا كنا نحن ننكر تحزبات إسلامية في البلد الإسلامي الواحد فبالأولى والأحرى أن ننكر السماح لأحزاب ملحدة لا تؤمن بشريعة الله ومعنى هذا أن مثل هذا النظام يعلن عدم الرضا بحكم الإسلام، ولكن هل نعالج ذلك بالجهاد وبالقتال ونحن لسنا مستعدين لذلك؟ لا نؤيد هذه الثورات إطلاقاً؛ لأنها سابقة لأوانها وإن كنا نقول كما قال رب العالمين:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، هذا جوابي عما سألت، ولعله ما فاتني شيء؟
مداخلة: إن شاء الله.
(الهدى والنور / 353/ 42: 00: 00).