الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل إقامة الأحزاب السياسية
يدخل في الوسائل المشروعة
مداخلة: هل ترون أن وسائل الدعوة توقيفية كالصلاة والصوم وسائر العبادات، أم أن الدعوة عبادة في أصلها اجتهادية تقوم على فقه النصوص والمصالح الشرعية المعتبرة والمرسلة في وسائلها مثل الجهاد والعلم والأمر بالمعروف؟
الشيخ: نعم أنا أعتقد أن الوسائل تختلف من زمان ومكان، وهذا أمر لا ينكره فقيه وعالم بالكتاب والسنة، ولكن التوسع في استعمال هذه الوسائل يحتاج إلى علم أولاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الهدي والسنة، وضابط ذلك: أنه لا يجوز الإعراض عن الوسائل التي تعاطاها الرسول عليه السلام بحجة: أن الزمان اختلف، فإذا كانت هناك وسيلة من الوسائل تؤيد ما كان عليه الرسول عليه السلام، مثل هذه الوسائل التي نحن نستعملها الآن من التسجيل والطباعة ووسائل النشر الميسرة لتقريب العلم إلى الأماكن البعيدة، فهذه ما أحد ينكرها، ولكن قد يتخذ بعض الناس اليوم ممن ينتمون إلى أنهم دعاة إلى الإسلام أنهم يتخذون من الوسائل ما يعارضون بها الوسائل التي نص الشارع الحكيم على استعمالها، بحكم: أن العلم ارتقى والوسائل اختلفت وتغيرت.
نحن نعلم بتجربتنا أن كثيراً من الدعاة إلى الإسلام يتخذون من الوسائل ما لم يأت بها الشرع، بل قد تكون مما قرر الشرع خلافها؛ وفي ظني أن السبب في هذا
الاتخاذ لمثل هذه الوسائل هو الجهل بالإسلام، ولسنا بحاجة والوقت قد ضاق أن نتوسع الآن لنذكر بكثير من الأحزاب والجماعات الإسلامية القائمة اليوم وهي لا يوجد فيها علماء متمكنون في معرفة الكتاب والسنة، وأكثر القائمين على هذه الجماعات هم من الشباب المتحمس أولاً للإسلام، ثم من الذين لم يفرغوا أنفسهم لدراسة الإسلام كتاباً وسنة وعلى منهج السلف الصالح.
والكلام في هذا المجال في الحقيقة يطول ويطول، ولنضرب الآن مثلاً كان عهده بنا وبكم قريباً: والخلاف الذي نشب في الخروج من رمضان ما بين دولة وأخرى، حيث أن بعض الدول صامت في رمضان تسعاً وعشرين يوماً وبلاد أخرى أكملته ثلاثين يوماً، فهناك في بعض البلاد الغربية كأمريكا مثلاً بعض الدعاة الإسلاميين يعلنون الاعتماد بإثبات الهلال في الدخول في الشهر والخروج منه على علم الفلك، وهم إما أنهم يجهلون أو أنهم يتجاهلون، وكما يقال هنا: أحلاهما مره، قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» وأشار عليه السلام ثلاث مرات، «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» أي: ثلاثين، ثم قال:«والشهر هكذا وهكذا وهكذا» أي: تسع وعشرون، في بعض الروايات الصحيحة:«فإن غم عليكم فأتموا الشهر ثلاثين يوماً» .
فالآن في كثير من البلاد التي يتحكم فيها بعض الفلكيين يثبتون هلال رمضان بالحسابات الفلكية، والرسول عليه السلام قد ألغى هذه الوسيلة، ولو أنها هي وسيلة علمية فإن العلم قد يطلع عليه أفراد قليلون وفي بعض البلاد، بينما الوسيلة الشرعية التي جعلها الرسول عليه السلام دليلاً على دخول شهر جديد أو انتهاء هذا الشهر هي وسيلة فطرية طبيعية مرئية بالرؤيا البصرية، وليست
البصيرية العلمية التي لا يمكن أن نتصور اشتراك كل الناس في العلم بها.
فلا يجوز إذاً إلغاء مثل هذه الوسيلة التي جاء بها الإسلام بدعوى: أن الزمن ارتقى أو تغير.
والبحث كما قلت انتهى الآن الوقت، لكن أذكر أيضاً بما تحدثت آنفاً فيما يتعلق بمصلى النساء هذه وسيلة أيضاً، فقد علمت من بياني السابق أنه لا ينبغي الآن اتخاذ وسيلة كان بإمكان الرسول عليه السلام أن يتخذها، والبحث في هذا يطول ويطول جداً.
ولابن تيمية بحث رائع جداً لعلكم ترجعون إليه فيه في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم.
وأنا على الرغم من ضيق الوقت سألخص ما استطعت كلام ابن تيمية: الوسائل التي تحدث في كل زمان ومكان تنقسم إلى قسمين:
وسيلة وجد المقتضي للأخذ بها في عهده عليه السلام ولم يؤخذ بها فإحداثها بدعة.
ووسيلة لم يكن المقتضي للأخذ بها قائماً في عهد الرسول عليه السلام. قال: فينظر إن كانت هذه الوسيلة المقتضي لإحداثها والأخذ بها هو تقصير المسلمين في تطبيق أحكام الدين فلا يجوز الأخذ بها، وإن كان ذلك لم ينشأ بسبب تقصيرهم وإنما بسبب اختلاف الزمان والمكان ونحو ذلك، فهنا ينظر أي وسيلة حققت غاية مشروعة جاز الأخذ بها.
وهذا يحتاج إلى محاضرات، هذا الكلام المكثف يحتاج إلى محاضرات، وحسبك الآن المثالين:
المثال المتعلق بالمصلى، هذا المقتضي به كان قائماً في عهد الرسول لم يأخذ به، فلا يجوز لنا الأخذ به.
الأخذ من علم الفلك كان أيضاً قائماً في عهد الرسول، بل صرح بعدم الاعتداد به؛ لقوله:«نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» .
وبهذا القدر كفاية.
(الهدى والنور / 698/ 41: 26: 00)