الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
العرب في إسبانية
(1) إسبانية قبل العرب
فكر العرب في فتح إسبانية بعد أن طردوا الروم من شمال إفريقية، وردوا جماح البربر، وتم لهم، بصعوبة، فتح الأقطار الإفريقية التي كانت مسرحاً لحروب رومة وقرطاجة ولمغازي ماسينيسه وجوغورته
…
وغيرهما من القادة المشهورين.
ولم يكن حب التوسع وحده هو الذي حفز العرب، الذين ترامت أطراف دولتهم، إلى فتح إسبانية، وإنما دفعهم إلى ذلك رغبتهم في إلهاء البربر الذين كانوا أشد من حاربهم العرب من الأعداء، والذين ظلوا مرهوبين؛ لشجاعتهم، وميلهم إلى الاستقلال، وحبهم للقتال على الرغم من قهر العرب لهم، فكان من السياسة الرشيدة إرواء غرائزهم الحربية في الغارة على البلدان الأجنبية.
وروى ابن خلدون أن الجيش الأول الذي عبر مضيق جبل طارق، ودخل بلاد إسبانية كان مؤلفاً من اثني عشر ألف مقاتل، وأن هذا الجيش كان من البربر تقريباً.
ونرى قبل أن نقص خبر ذلك الفتح الإسلامي، أن نوجز تاريخ إسبانية قبله؛ ففي ماضي الأمم سر حوادثها الحاضرة، وبماضي إسبانية يفسر سبب السرعة في فتح أتباع الرسول لها.
كان للفنيقيين والأغارقة والقرطاجيين مستعمرات في إسبانية التي يسكنها السلت الغوليون، ومن لم يعلم أصلهم جيداً من الإيبريين والليغوريين، وأنشأ القرطاجيون مدينة قرطاجنة في إسبانية بعد أن فتحوها؛ لتكون تابعة لقرطاجة، ثم فتح الرومان بلاد إسبانية على أثر الحروب اليونانية، وذلك قبل الميلاد بقرنين.
وملك الرومان بلاد إسبانية حتى القرن الخامس من الميلاد، وازدهرت مدن فيها أيام حكمهم، ووهبت لرومة رجالاً مشهورين مثل سينيك ولوكن ومرسيال، ووهبت لها قياصرة مثل تراجان وأدريان ومرك أوريل وثيودوز
…
إلخ.
وكان لإسبانية نصيب من إدبار رومة بعد أن كان لها حظ من إقبالها، فقد انقض الوندال والألين والسويف الذين هم من برابرة الشمال على إسبانية بعد أن خربوا بلاد الغول، ولم يلبث القوط، الذين هم من البرابرة أيضاً، أن قهروهم، واستولوا على إسبانية في القرن السادس من الميلاد، وظلوا سادة لها تماماً إلى أن جاء العرب.
شكل 6 - 1: ذراعا صليب ذهبي قوطي طليطلي مرصع بالحجارة الثمينة (القرن السابع، من صورة فوتوغرافية).
ولسرعان ما اختلط القوط البرابرة باللاتين في إسبانية، فاتخذوا اللاتينية لغة لهم، وانتحلوا النصرانية التي كانت دين الدولة الرسمي بدلاً من عبادة الأصنام، وخضعوا بذلك لسلطان الحضارة اللاتينية، وحاولوا كغيرهم من قاهري الدولة الرومانية أن يهضموها على قدر عقولهم.
وبقيت شريعة القوط دستور إسبانية النصرانية إلى منتصف القرن الثالث عشر، ودلت الحوادث على أنهم امتزجوا بالعنصر اللاتيني الذي كان مالكاً لقسم من البلاد، وتم اختلاطهم بنصاري الشمال بعد أن دحرهم المسلمون إلى جبال أشتورش، وظل لقب «ابن القوطي» من ألقاب الشرف حتى بعد أن استردوا إسبانية بزمن طويل، وعندي أن من مظاهر الدم القوطي ما نجد الآن في إسبانية من أصحاب الشعور الشقر الكثيرين.
وكان اختلاط القوط باللاتين، قبل الفتح العربي، مقتصراً على علية القوم، وكان سكان البلاد الأصليون من الأرقاء الذين ليس لديهم شيء يدافعون عنه، والذين كانوا مستعدين لقبول أي سلطان عليهم، فلم يكن الجيش المؤلف من أمثال هؤلاء مما يعتمد عليه.