الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
جزيرة العرب
(1) جغرافية جزيرة العرب:
جزيرة العرب هي مهد الإسلام، وهي منبت الدولة الواسعة التي أنشأها خلفاء مُحمد، ويتألف القسم الأكبر من جزيرة العرب من صحارٍ، ويحيط بها البحر الأحمر من الغرب، وبحرُ عُمان والخليج الفارسيُّ من الشرق، والمحيطُ الهنديُّ من الجنوب، وتتصل من أقصى غربها وشرقها بإفريقية وآسية.
ويحيط بجزيرة العرب من ثلاث جهات، أي من الغرب والشرق والجنوب، ثلاثة أبحر كما ذكرنا، وأما حدُّها الشماليُّ فغير واضح، وهو يمتد تقريباً باتجاه الخط الذي يبدأ من مدينة غزة الفلسطينية الواقعة على ساحل البحر المتوسط ماراً بجنوب البحر الميت فدمشق فالفرات، وينتهي بخليج فارس، ويبلغ طول جزيرة العرب من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها نحو 23 درجة أو 2500 كيلو متر، ويبلغ عرضها من البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي نحو ألف كيلو متر.
وتزيد مساحة جزيرة العرب على 3000000 كيلو متر مربع، أي على مساحة تعدل فرنسة ستَّ مرات.
وليس لدينا إحصاء قاطع لنفوس جزيرة العرب في الوقت الحاضر، وقد قُدَّرت منذ بضع سنين بعشرة ملايين، ولم تَزِد على خمسة ملايين في أحدث المؤلفات، وخُمس هؤلاء السكان أهل بدوٍ على الأقلَّ.
ونحن إذا نظرنا إلى سطح جزيرة العرب رأينا مؤلفاً من هضبة تُشبه الصحراء الإفريقية في اتساعها وسهولها القاحلة الرملية، أو الصخرية، التي تتخللها بقاعٌ منبتةٌ، وتنحدر هذه الهضبة إلى الخليج الفارسيَّ.
ويقطعُ مجاهل جزيرة العرب الواسعة أوديةٌ وبقاعٌ ذاتُ مُدن وقرى يسكنها فريق من الزراع، ولا تعرف الصحراء غير أهل البدو الذين يجوبونها.
وتقع في وسط تلك الهَضْبة العربية بلادُ نجد التي تُهدُّ جزيرة خصبة تحيط بها الفَلَوات والجبال بدلاً من الماء.
ويُظنُّ أن نحو نصف جزيرة العرب مؤلفٌ من بِقاع خصبة، وأن النصف الآخر من صحارٍ، وإن دلت الخرائط على اتساع رُقعة الصحاري، وانقباض رُقعة البقاع الخصبة، وما في الخرائط من التفاوت ناشئٌ عن قلة ارتياد علماء الجغرافية لجزيرة العرب واضطرارهم إلى ترك البقاع المجهولة منها بيضاً.
ولم يُعرف من سلاسل جبال جزيرة العرب الكثيرة سوى القليل، وأحسن ما عُرف منها السلسلة الممتدة على طول الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر حيث يرتفع بعض ذراها 2500 متر.
وفُقدان الأنهر الدائمة في جزيرة العرب مما يستوقف النظر، وتبقى أخاديدها خاليةً من الماء في أكثر أيام السنة، وتشُقُّ هذه الأخاديدُ جزيرة العرب طولاً وعرضاً، وقد يبلغ طول بعضها، كوادي الرُّمَّة: 1300 كيلو متر، وهي تصبح كالأنهر العظيمة المعروفة حين يملأها ماء المطر.
والجدبُ والحرُّ من أظهر ما عُرِفت به جزيرة العرب منذ القديم، والجدبُ على الخصوص، هو أشدُّ ما تعانيه، ولم ينشأ عن قطع أشجار غابها بالتدريج سوى زيادة القحط، شأنُ بلاد الجزائر الخصيبة في العهد الرومانيَّ، الجديبة في الوقت الحاضر.
ويدوم المطر في جزيرة العرب بضعة أشهر على العموم، ومتى احتبس عمَّ الخراب، وأصبحت تلك البلادُ غير صالحة للسَّكن تقريباً، ويقترن القحط في جزيرة العرب بريح السَّموم في الغالب.
وريحُ السَّموم وعدم الماء أشدُّ ما تقاسيه القوافل في جزيرة العرب من أخطار، قال مسيو ديفِرْجِيه: «تعرف القافلة، وهي تتوغل في الصحراء، علامات ريح السَّموم الأولى، وهي: أن السماء تظهر في الأفق مَغرَاءَ ثم قَهْبَاء ودَكْنَاء والشمس تضعف أشعتها فتصبح حمراء، والرمال الناعمة تملأ الجو والهواء، والرياح تثيرها فتغدو كالبحر المزبد الذي تحركه العاصفة الهوجاء.
وهنالك تنقبض صدور السُّياح، وتحمر عيونهم، وتجف شفاههم، ويأخذون في الهرب هم وجمالهم التي تعدو تارةً وتقفُ أخرى؛ لتَطْمِرَ نحورَها في الرمل وتُمرَّغ
شكل 1 - 1: خريطة جزيرة العرب ومصر (وفق أحدث الوثائق).
مناخيرها بالأرض، وإذا ما استطاعت القافلة أن تحتميَ وراء صخرة حتى تهدأ الزوبعة فإنها تنجو، ولكنها إذا تاهت في البادية وكانت بعيدة من الملاجئ أو اشتدت العاصفة فإن نشاطها يفتر، وتفقد غريزة حب البقاء، ويستولى عليها الثَّوَل والدُّوار، وتصير غير قادرة على الفرار، وتُدفَن تحت أكثبة الرمل، وتبقى مدفونة إلى أن تَهُب عاصفةٌ أخرى، وتكشف عن عظامها المبيضة».
وتكون درجة الحرارة داخل الحرارة في جزيرة العرب مرتفعةً عادة، ولا تهْبِط في الصحراء إلى أقلَّ من 43 نهاراً و 38 ليلاً، وتكون معتدلة في الأماكن الجبلية أو القريبة من البحر، فقد شاهد نيبُوهر أن الحرارة في اليمن لا تزيد في أواخر شهر يوليه على 29 درجة بمقياس سنتيغراد، ويكون البرد في صنعاء قارساً في الشتاء.
والجفافُ والجوُّ المِحرق ليسا سائدين لجزيرة العرب كلَّها، ومع ذلك، ففي جزيرة العرب بقاعٌ متسعة اتساع الدول الأوروبية المهمة كثيرةُ الخصب كبلاد اليمن، وبلاد نجد التي لم ير بلغريقُ ما هو أنفع من جوَّها للصحة في العالم.