المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) علم الفلك عند العرب - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(2) علم الفلك عند العرب

(2) علم الفلك عند العرب

علم الفلك هو من أوَّل ما اعتُنِيَ به في بغداد، ولم يدرُس العربُ وحدهم مسائله، بل سار على طريقهم وارثوهم أيضًا، ولا سيما حفيدُ تيمورلنك، أولوغ بك، الشهير بزِيَجه، والذي يمكن عَدُّه المثلَ الأخير لمدرسة بغداد التي دام زمن ازدهارها سبعة قرون (750 م-1450 م).

وكانت بغداد مركزاً مهماً لمباحث علم الفلك، ولكنها لم تكن مركزَ هذه المباحثِ الوحيدَ، فالمراصدُ التي كانت قائمة في البلاد الممتدة من آسية الوسطى إلى المحيط الأطلنطي كثيرة، ومنها ما كان في دمشق وسمرقند والقاهرة وفاس وطليطلة وقرطبة

إلخ.

وأهم مدارس الفلك ما كان في بغداد والقاهرة والأندلس، ولنَقُل كلمةً عن كل واحدة منها: أخذ خلفاء بني العباس، منذ اتخاذهم مدينةَ بغداد، التي أقُيمت سنة 762 م، عاصمةً لدولتهم، يحثُّون على دراسة علم الفلك والرياضيات، وعلى ترجمة ما ألَّفه إقليدس وأرشميدس وبطليموس، وترجَمةِ جميع كتب اليونان في تلك العلوم، ويستدعون العلماء الذين كانوا على شيء من الشهرة إلى بلاطهم.

وأدَّت مدرسة بغداد الفلكية في زمن هارون الرشيد، وفي زمن ابنه المأمون (814 م-833 م) على الخصوص، إلى أعمال مهمة، وأدُمَجِت مجموعة الأرصاد التي تم أمرها في المراصد ببغدادَ ودمشق في كتاب «الزيج المصحَّح» الذي نأسف على ضَيَاعه، ومع ذلك يمكننا أن نعلم صحة الأرصاد التي اشتمل عليها هذا الكتاب من الدقة العظيمة التي عُيِّن بها انحرافُ سمت الشمس في ذلك الزمن، فقد كان رَقْمُ الانحراف، كما حُقِّق فيه، 23 درجةً و 33 دقيقةً و 52 ثانيةً، أي ما يَعْدِل الرَّقم الحاضر.

ونشأ عن رصد العرب للاعتدال الشمسي تعيينُهم مدة السنة بالضبط، وأقدم العرب على قياس خط نصف النهار الذي لم يُوَفق له إلا بعد مرور ألف سنة، وأنجزوا هذا القياسَ بحسابهم المسافة الواقعة بين نقطة البُداءة التي سار منها الراصدون ونقطة النهاية التي ظهر فيها اختلافٌ في ارتفاع القطب درجةً واحدةً، ولم نعلم النتيجة؛ لجهلنا المقدار الصحيح لوَحْدةِ الطول التي اصطلحوا عليها، ونستبعد، مع ذلك، أن يكون الرَّقْمُ الذي توصلوا إليه صحيحاً تماماً بعد النظر إلى قِصَر ذلك الخط ونذكر من أعمال فلكِيِّي مدرسة بغدادَ الأخرى ما وضعوه من التقاويم لأمكنة الكواكب السيارة، وتعيينِهم بالضبط مبادرة الاعتدالَيْن.

ص: 472

وقد انتهت إلينا أسماءُ بعض علماء الفلك في ذلك الزمن، ومن أشهرهم البَتَّانِيُّ الذي عاش في القرن التاسع وتوفيَّ سنة 929 م، والذي كان له من الشأن بين العرب ما لبطليموس بين الأغارقة، وقد احتوى كتابه «زِيجُ الصابي» على معارف زمنه الفلكية كما احتوى كتاب بطليموس، ولم يصل إلينا النصُّ الأصلي لأزياجه التي لم تعرفها أوربة إلا من ترجمتها اللاتينية المحرَّفة مع الأسف، ووضع لالاند الشهير البتاني في صَفِّ الفلكيين العشرين الذين عُدُّوا أشهر علماء الفلك في العالم.

وألف أماجور وابنه، اللذان قاما برصد بين سنة 883 م وسنة 933 م، أزياجاً، وذهب هذا الأخير إلى تحول حدود أكبر دائرةٍ من دوائر عرض القمر، خلافاً لمن تقدَّمه من علماء الفلك، ولا سيما بطليموس، فأدى درسُ هذا الشذوذ في دوائر عرض القمر إلى اكتشاف اختلافٍ قمريٍّ ثالث.

واشتهر أبناء موسى بن شاكر الثلاثة، الذين عاشوا في القرن التاسع من الميلاد، بأنهم من علماء الفلك أيضاً، فقد عيَّنوا بضبطٍ لم يكن معروفاً قبلهم مبادرةَ الاعتدالَين، ووضعوا تقاويمَ لأمكنةِ النجوم السَّيَّارة، وقاسوا عرض بغداد في سنة 959 م، وقيَّدوه 33 درجة و 20 دقيقة، أي برَقْم يصحُّ بعشرِ ثوانٍ تقريباً.

وأشهرُ علماء الفلك الكثيرين الذين ظهروا بعد أولئك هو أبو الوفاء المتوفى ببغداد في سنة 998 م، ومما عَرَفه هذا العالمُ الفلكيُّ هو الاختلافُ القمريُّ الثالث الذي أشرنا إليه آنفاً، وذلك كما ظهر من كتابه العربي الخطي المهم الذي عَثَر عليه سيديُّو منذ بضع سنين، وذلك أنه استوقف نظره ما في نظرية بطليموس من النقص في أمر القمر فبحث في أسبابه فرأى اختلافاً ثالثاً، غيرَ المعادَلة المركزية والاختلاف الدَّوري، يُعرف اليوم بالاختلاف.

والحقُّ أن هذا الاكتشاف، الذي عُزِي بعد أبي الوفاء بستمائة سنة إلى تيخو براهه، عظيمٌ إلى الغاية، فقد استدلَّ مسيو سيديو به على وصول مدرسة بغداد، في أواخر القرن العاشر، إلى أقصى ما يُمكن علمَ الفلك أن يَصِل إليه بغير نظَّارة ومِرْقَب.

وكان أبو الوفاء مُجَهَّزاً بآلات مُتقنة، فقد شاهد انحراف سَمْت الشمس بربْع دائرة يبلُغُ نصفُ قطرها إحدى وعشرين قدماً، أي يبلغ من الاتساع ما يُعَدُّ كبيراً في المراصد الحديثة.

والحوادث التي أدت منذ أواخر القرن العاشر إلى انحطاط سلطان الخلفاء السياسي ببغداد أوجبت فتوراً في الدراسات، ونشأ عن انقسام الدولة ومغازي

ص: 473

السلجوقيين، والحروب الصليبية، وغارات المغول ــ اضطرابُ البلاد، وقيامُ القاهرة وجامعات الأندلس العربية العظيمة مقامَ بغداد في زعامة الإسلام العلمية.

ومع ذلك لم تكُفَّ بغداد عن مزاولة العلوم، وكان حبُّ العرب للعلوم من القوة بحيث لم تمنعهم الحروب والفتن الأهلية وغارات الأجنبي من الاهتمام لها، وبَلَغ العرب من سعة المعارف ما أثَّروا معه تأثيراً كبيرًا في قاهريهم، وما صار معه هؤلاء الغالبون حُماةً لهم من فورهم.

ولا شيء، يُورِث العجب أكثر من انتصار حضارة العرب على همجية جميع الغُزاة، ومِن تَخَرُّجِ هؤلاء الغزاة، من فورهم، على مدرسة العرب المغلوبين، فقد دام عمل العرب في حقل الحضارة إلى ما بعد زوال سلطانهم السياسي بزمن طويل، وقد دام بفضل ذلك تقدم بغداد العلمي بعد أن صارت قبضة الأجانب، وقد داومت مدرسة بغداد الفلكية على ازدهارها إلى أواسط القرن الخامس عشر من الميلاد، ولم تنقطع عن نشر رسائل مهمة في الفلك، ومن ذلك أن نشر البيرونيُّ، والذي كان مشيراً للسلطان محمودٍ الغزنوي (سنة 1030 م)، مقالته في «تصحيح الطول والعرض لمساكن المعمور من الأرض» ، والبيروني هذا زار بلاد الهند وعلَّم الهندوس ما انتهت إليه مدرسة بغداد، ومن ذلك أن أمر السلطان ملكشاه السلجوقي، في سنة 1079 م بالقيام بأرصادٍ أسفرت عن إصلاح التقويم السنوي بما هو أفضل من التقويم الغريغوريِّ الذي تم بعد ستمائة سنة، وذلك لأن التقويم الغريغوريَّ يؤدي إلى خطأ ثلاثة أيام في كل عشرة آلاف سنة، مع أن التقويم العربي لا يؤدي إلا إلى خطأ يومين في مثل ذلك الزمن.

ولم يكن المغول أقلَّ اعتناء بالعلماء من السلجوقيين، فقد استدعى هلاكوخان في سنة 1259 م أفضلَ علماء العرب إلى بلاطه، وأقام في مراغة مرصداً كبيراً نموذجياً، ولم يلبث كوبلاي خان، الذي هو أخٌ لهلاكو، أن نقل إلى بلاد الصين التي افتتحها كتبَ علماء بغداد والقاهرة في علم الفلك، واليومَ نعلم أن فلكيي الصين، ولا سيما كوشو كنغ (1280)، استنبطوا معارفَهم الفلكية الأساسية من تلك الكتب، ولذا نقول: إن العرب هم الذين نشروا علم الفلك في العالم كله بالحقيقة.

ولما استقر تيمورلنك بسمرقند، التي اتخذها عاصمة دولته العظمى المشتملة على التركستان وبلاد فارس والهند، جمع حوله فريقاً من علماء العرب، ولما آل سلطان سمرقند إلى حفيده أولوغ بك الذي عاش في القرن الخامس عشر من الميلاد أقبل على علم الفلك بنشاط عظيم، وأحاط نفسه بعدد غير قليل من علماء المسلمين، واستطاع،

ص: 474

شكل 3 - 1: إسطرلاب عربي قديم (متحف العاديات الإسباني).

بما لديه من الغِنَى، أن يصنع آلاتٍ رصديَّةً كانت غير معروفة قبل ذلك التاريخ، فزُعم أنه أنشأ ربعَ دائرة يبلغ نصف قطرها ارتفاع كنيسة أياصوفية في القسطنطينية، ويمكن عَدُّ أولوغ بك، الذي لا يفصله عن كيبلر سوى قرن ونصف قرن، آخرَ ممثل لمدرسة بغداد الفلكية، أي أداة وصلٍ بين القدماء والمتأخرين؛ لما قام به من الأعمال المهمة.

ويُعد الكتاب الذي نشره أولوغ بك، سنة 1437 م، صورةً صادقةً عن المعارف الفلكية التي انتهت إليها المدرسة العربية في أواسط القرن الخامس عشر من الميلاد، وقد بحث المؤلف في القسم الأول من هذا الكتاب في مسائل علم الفلك، ودرس فيه أقسامَ الوقت، وموضوعَ التقويم، ومبادئَ علم الفلك العامة، ثم موضوعاتِ هذا العلم العملية كحساب الكسوف والخسوف وتأليف الأزياج واستعمالها

إلخ، وتشتمل هذه الأزياج على فهارس الكواكب، وحركات القمر والشمس والكواكب السيارة، وطولِ أهم مدن العالم وعرضها، ومن هذه المدن مدينة سمرقند التي ذكر أن عرضها 29 درجة و 27 دقيقة و 28 ثانية، فلم أجده في كتب المعاصرين.

ص: 475

شكل 3 - 2: الوجه الثاني للإسطرلاب السابق.

وخُتم هذا الكتاب بمباحث فن التنجيم الخيالي الذي كان معتبراً كثيراً في زمن أولوغ بك.

وأدى اشتغال أولوغ بك بفن التنجيم إلى قتله، وذلك أنه تخيل، من اقترانات بعض الكواكب السيارة، أن ابنه البكر سيقتله، وأنه جَرَّد ابنه هذا من مناصبه، وأن هذا الابن ثار على أبيه من فَوْرِه وغَلَبَه، وأن أباه أولوغ بك، هرب إلى التركستان، ثم رجع إلى سمرقند على الرغم من نبوءة النجوم فقتله ابنُه.

ومع ذلك فإن جميع علماء الفلك اعتقدوا صحة فن التنجيم، ومنهم فَلَكِيُّو أوربة إلى زمن قريب، حتى إن كِيبلِرَ العظيم نفسه كان على هذا الاعتقاد فألف تقاويم نَبَوِية.

ونذكر، بجانب مدرسة بغداد الفلكية: مدرسةَ القاهرة التي أخذت ــ بعد أن فُصِلت عن بغداد في أواخر القرن العاشر من الميلاد ــ تُنافسها في ميدان العلم، فقد اعتنى ولاة أمورها بعلم الفلك اعتناء ولاة أمور بغداد به، وقد أصبح المرصد الذي أنشأوه على جبل المقطم، القائمة عليه القلعة في الوقت الحاضر، من الطراز الأول،

ص: 476

وفي مرصد القاهرة وضع ابنُ يونس، المتوفى سنة 1007 م، وذلك في عهد الحاكم (990 - 1021 م)، الزيج الكبير الذي سمَّاه «الزيج الحاكمي» والذي حل محل الأزياج التي وُضعت قبله، واستُنْسِخ الزيج الحاكمي في جميع كتب علم الفلك ومنها الكتاب الذي ألفه كُوشو كنغ في الصين سنة 1280 م.

وروى ابنُ السنبدي، الذي كان يقيم بالقاهرة سنة 1040 م، أن مكتبة هذه المدينة كانت تشتمل ــ في القرن الحادي عشر من الميلاد ــ على كُرتين فلكيتين، وستة آلاف كتاب في الرياضيات وعلم الفلك.

ولم تكن آثار العرب الفلكية في الأندلس أقلَّ أهميةً من آثار المسلمين الفلكية في المشرق، ولكنه لم يبقَ منها سوى القليل؛ لإبادة جميع مخطوطاتها تقريباً إبادة منظَّمَةً، ولم تُتَرجَم هذه الآثار القليلة التي نَجَت من التحريق، ونُرَجِّح أنها لن تترجم؛ لما تقتضيه من معرفة تامَّة للغة العرب، وللاصطلاحات الفنية التي لا يَعْلَمها غير المتخصصين.

ولا نعرف عن أكثر فلكيي العرب في الأندلس شيئاً غير أسمائهم، ولا نعلم عن كتبهم غير إشارات موجزة تكفي لبيان أهميتهم، ومن ذلك أن ولد الزرقيال، الذي كان حياً حوالي سنة 1080 م، قام بـ 402 رصدٍ؛ ليُعيِّن البعد الأقصى للشمس، وأنه عَيَّن مقدار حركة المبادرة السنوية لنقطتي الاعتدالين بخمسين ثانية، أي ما يَعْدِل ما جاء في أزياجنا الحديثة بالضبط، وأنه كان يرقب الأفلاك بآلاتٍ اخترعها بنفسه، وأنه صنع ساعاتٍ دقاقةً أعُجِبَ بها الناس في طليطلة أيما إعجاب.

وإذ لم تكن كتب عرب الأندلس في علم الفلك موجودةً، أمكن الاستدلال على ما احتوته بما جاء في كتب نصارى ذلك الزمن، ومن ذلك ما تَوَصَّل إليه سيديُّو (الذي درس رسائل الملك الأذفونش العاشر القشتالي الفلكية وما ماثلها) من النتائج القائلة: إن العرب سبقوا كِيبلر وكوبرنيك في اكتشاف حركات الكواكب السيارة على شكل بَيضِيّ، وفي نظرية دوران الأرض، وإن أزياجَ الأذفونش العاشر المسماة «الأزياج الأذفونشية» مأخوذةٌ عن العرب.

وكان علماء الفلك في إفريقية، ولا سيما طنجة وفاس ومراكش ينافسون علماء الفلك في الأندلس، ولكننا نجهل آثارهم جهلنا لآثار علماء الأندلس، ونعلم، مع ذلك، أن أبا الحسن المراكشي، الذي كان يعيش في القرن الثالث عشر من الميلاد، عَيَّن، بضبط لم يسبقه إليه أحد، العرضَ والطولَ لإحدى وأربعين مدينة إفريقية واقعة بين مراكش

ص: 477

شكل 3 - 3: وجه سابق لإسطرلاب عربي محفوظ في المكتبة الوطنية بباريس (من صورة فوتوغرافية).

والقاهرة، أي ما مسافته تسعمائة فرسخ، وأنه قَيَّد مشاهداتِه في كتابه «جامع المبادئ والغايات في علم الميقات» الذي اشتمل على معارفَ ثمينةٍ لآلات الرصد العربية، فترجم سيديُّو بعضه.

ولم يعرف العرب سوى الِمزْوَلَة لتعيين الوقت بالضبط، ولم تكن ساعاتهم صالحة للمباحث الفلكية الدقيقة؛ لعدم تطبيقهم الرَّقَّاص عليها.

وكان العرب يُعَيِّنون الزوايا بأرباع الدائرة والإسطُرلاب، وقد وصل إلينا عددٌ غير قليل من الإسطرلابات، ويوجد في مكتبة باريس الوطنية وحدها ثلاثة أسطرلابات، فنشرنا صورةً لأحدها في هذا الكتاب، فمن ينعم النظر في تركيبها يعلم أنها دالةٌ على حِذْق كبير، وأنه يَصعب صنعُ ما هو أحسن منها في الوقت الحاضر.

ويسهل بيان تركيب الإسطرلاب؛ فهو مؤلَّف من قرص معدني مقسم إلى درجات، ويدور على هذا القرص عدادٌ ذو ثَقبَين في طرفيه، ويُعلق الإسطرلاب من حَلْقَته تعليقاً

ص: 478

شكل 3 - 4: وجه لاحق لذلك الإسطرلاب (من صورة فوتوغرافية).

عموديٍّا، ثم يُوَجَّه العداد نحو الشمس، فمتى مرت أشعة الشمس من ذينك الثقبين قُرئ ارتفاع الكوكب من الحد الذي وقف العداد عليه.

وكانت أرباع الدائرة كبيرةً في المرصد أحياناً، ولا فائدة من استعمالها في الوقت الحاضر بعد اختراع آلة فرْنِيه الدقيقة التي نتمكن بها من معرفة الدقائق والثواني في أصغر الآلات، ولكن بما أن حيازة دائرةٍ مشتملة على تقسيم الدرجات إلى دقائق والدقائق إلى ثوانٍ، تتطلب نصفَ قطرٍ كبير بحكم الطبيعة كان من عادة فلكيي العرب أن يكتفوا بتقسيم الدقيقة إلى اثني عشر قسماً، فيدل كل قسم من هذه الأقسام على خمس ثوانٍ.

وكذلك كان العرب يقيسون ارتفاع الشمس بامتداد ظلِّ مِيلٍ على سطح أفقي، ويكون مثل هذا القياس دقيقاً عندما تكون الآلة المنصوبة عالية.

وتُلخَّص اكتشافات العرب الفلكية بما يأتي: إدخال المماس إلى الحساب الفلكي منذ القرن العاشر من الميلاد، ووضع أزياجٍ لحركات الكواكب، وتعيينٌ دقيق لانحراف سمت الشمس ونقصانه التدريجي، وتقدير مبادرة الاعتدالين بالضبط، وتحديدٌ صحيح

ص: 479

شكل 3 - 5: إسطرلاب عربي لفليب الثاني بإسبانية (متحف العاديات الإسباني).

لمدة السنة، وتحقيق لشذوذ أعظم عرض للقمر، وكشف للاختلاف القمري الثالث المعروف بالاختلاف في الوقت الحاضر، والذي قيل إن تيخو براهه اهتدى إليه في سنة 1601 م لأول مرة.

ص: 480