الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتخلصوا من الحضارة العربية، ولكنهم لم يصنعوا هذا إلا ليقعوا في الانحطاط العضال كما يأتي بيانه.
(3) خلفاء محمد الأولون
لم يكن عمل محمد حين وفاته في سنة 632 م في غير دور التكوين، وكانت ضروب الأخطار تنذر بزواله إلى الأبد، وكانت وحدة بلاد العرب السياسية التي تمت على يده نتيجة الوحدة الدينية التي أنشأها، وكان من الممكن أن تنقضي هذه الوحدة الدينية بانقضاء موجدها.
أجل، استطاع العرب أن يدينوا لرسول من الله، ولكن لم يدل شيء على وجوب نصب خليفة بعده، وهنالك قبائل كثيرة، ضحت بحريتها ونزعت ما فيها من حقد على أي سلطان إجابة لدعوة رسول الله، لم تر أن تخضع لحكم خلفاء لم يحدث عنهم حتى دعوا ممارسة مثل سلطانه.
شكل 3 - 9: قطعة أخرى من نقود صلاح الدين.
وكانت هنالك أخطار أخرى أعظم من تلك تهدد بخنق عمل محمد في مهده، فقد ظهر متهوسون كثيرون هزهم ما نال محمد من التوفيق، ورأوا أن يدعوا النبوة أيضاً فاستطاع أحدهم أي يجعل سكان نصف اليمن من أتباعه، ولولا قتل بعض المؤمنين إياه لخسر الإسلام أحسن ولاياته، واقتصر متهوس آخر على إضافة بعض السور إلى القرآن، وبلغ من النفوذ، لزمن معين، ما يقرب من نفوذ الخلفاء الأولين.
إذن، كانت أمام دين محمد عوائق كثيرة اقتحمت بفضل عبقرية أصحابه الذين اختاروا خلفاء لم يفكروا في غير تنفيذ شريعة القرآن واحترامها، ولم يطعهم العرب في الظاهر، بل أطاعوا شريعة ذات مصدر إلهي لم يجادلوا فيه.
شكل 3 - 10: قطعتان من نقود الملك الكامل ضربتا في أوائل القرن الثالث عشر من الميلاد، وعلى أحد وجهيها اسم الخليفة العباسي ببغداد.
وكان الخلفاء الأولون، وهم أبو بكر (632 م - 534 م) وعمر (634 م- 644 م) وعثمان (644 م- 655 م) وعلي (655 م - 660 م)، من صحابة محمد، وقد اقتدى هؤلاء الخلفاء بمحمد في زهده وبسيط عاداته، فلم يترك أبو بكر حين وفاته غير ثوبه الذي كان يلبسه، وبعيره الذي كان يركبه، ومولاه الذي كان يخدمه، ولم يأخذ من بيت المال في حياته سوى خمسة دراهم مياومة ليعيش بها، وكان عمر يلبس ثوباً مرقعاً، وينام على درج المسجد بين المساكين مع اقتسامه هو وجنوده مغانم كثيرة.
ولم ينتقل العرب من النظام الديمقراطي إلى النظام الملكي إلا بالتدريج، وكانت المساواة تامة في عهد الخلفاء الأولين، وكانت الشريعة للجميع على السواء، فمثل علي بين يدي القاضي لمقاضاة من اعتقد أنه سارق سلاحه، وأتي ملك غسان وقومه الذين اعتنقوا الإسلام مكة للاجتماع بعمر، ولطم عربياً وطئ إزاره واشتكى العربي إلى عمر، ورأى عمر العمل بما تأمر به الشريعة من إقامة الحد، فقال الملك: «كيف ذلك يا أمير المؤمنين،
شكل? -? ? : قطعة من نقود السلطان بيبرس.
وأنا ملك وهو سوقة؟ » فقال عمر: «إن الإسلام جمعكما، وسوى بين الملك والسوقة في الحد.»
شكل 3 - 11: تسع قطع من نقود عرب الأندلس (متحف العاديات الإسباني).
ولم يدم ذلك العدل زمناً طويلاً، فقد صار الخلفاء ملوكاً مستبدين، وإنما بقي العرب متساوين أمام القرآن حتى الزمن الحاضر.
وأبو بكر هو خليفة النبي الأول، وكان محمد قد أمره، ذات مرة، أن يقوم مقامه في الصلاة فكان هذا عاملاً في انتخابه خليفة، وصار الانتخاب عامل شقاق، وأخذ هذا الشقاق يحدث عند نصب الخلفاء، وروي مؤرخو العرب أن أول خطبة لأبي بكر، بعد مبايعته بالخلافة، كانت ما يأتي:
شكل 3 - 13: شعار الموحدين العربي (متحف العاديات الإسباني).
أيها الناس، قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله
…
أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم
…
وكان أبو بكر مضطراً إلى مقاومة الطامعين في الخلافة، وإلى محاربة القبائل التي امتنعت عن أداء ما فرض القرآن من الزكاة، ولم يلبث أبو بكر أن رأى أن أحسن وسيلة المعالجة انقسام العرب هو أن يوجه العرب إلى البلاد الأخرى كيما يمارسون عاداتهم في
شكل 3 - 14: مفاتيح عربية لبعض المدن والقصور (متحف العاديات الإسباني).
الحرب والقتال، وسار الخلفاء الذين أتوا بعده على هذه السياسة الرشيدة التي انتشر بها الإسلام.
وأخذ العرب يتقاتلون بعد أن خلا العالم من بلد يفتحونه، وحلت ساعة تفترق كلمتهم، ودخلوا دور الانحطاط، وقوضوا كيانهم بسلاحهم أكثر مما قوض بسلاح الأمم التي خضعت لسلطانهم.
وبدأت الفتوحات الكبيرة في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فقط، أجل، إن العرب نالوا عدة انتصارات في سورية في خلافة أبي بكر، ولكن مهارتهم الحربية كانت