المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصون…إلخ - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصون…إلخ

يمكن حمله على إظهار سَرَائِره، وقد يستعان بالحشيش في الأحوال الخطرة؛ فيعترف به بعض المجرمين بذنوبهم، ويُجتَنَب الخطأ القضائي بذلك.

(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون

إلخ

تختلف ألعاب العرب قليلاً عما نعرفه في أوربة، فلعبة الشطرنج ولعبة النرد ولعبة الدامة مما ألفه العرب، والمصارعة والرماية ولعبة الكرة، والمسايفة ولعبة الصولجان مما هو شائع بين العرب، ولعبة الرمح، وسباق الخيل من أكثر ما يولَع به الأعراب.

والتمثيل من وسائل التسلية عند الشرقيين أيضاً، ولكن الممثلين في الشرق يكونون من اللُّعَب في الغالب، أو، كما رأيتُ بنفسي، من الأشخاص الذين لم يَحذِقوا فن التمثيل أحياناً فيُلقُون فصولهم برصانة كالقارئ من غير أن تَمُتَّ أوضاعهم بصلةٍ إلى حقيقة ما يرغبون في الإعراب عنه من العواطف.

ويتذوَّق الشرقيون الموسيقا والأغاني كثيراً، وقلما تدخل قهوة شرقية من غير أن تسمع فيها ما لا يروق الأوربيين من ألحان الرباب والكمان والمزمار الحادة المحزنة.

ويُعَدُّ الرقص في الشرق من الأمور التي يقوم بها أشخاص مأجورون، ويَحْمَرُّ وجه العرب خجلاً من الرقص العلني الذي يشابه رقص الأوربيين في الرِّداه العامة، وليس مما يلائم الذوق السليم عند العرب أن يَرقُص رجل مُتزن في المسرح على أنغام آلات الطرب.

والنساء اللائي يُلَقبن بالعوالم هن اللاتي يرقصن في الشرق، والرَّقَصَات التي رأيتها في مدن آسية وإفريقية ومصر العليا أقل من شهرتها، وتتألف هذه الرَّقَصات من حركة البطن والخصر دون بقية البدن، ورقصة السيف التي شاهدتها ليلاً حول وَقْدَةٍ في أريحا من أروع تلك الرَّقَصَات، فقد اشتركت فيها فلاحات شاهرات سيوفاً رفيعةً كُنَّ يُدِرْنَهَا حول رأسي زاعقاتٍ في أذِي على حين كانت الراقصاتُ الأخر يغنين أغانٍ يمتدحن فيها ما يَفْتَرِضْنَ وجوده في الضيف من الجاه والصيت والكرم، وكُنَّ يقلنَ مثلاً: إنه قهر أعداءه، وإن ذراعه لا تَنْثَنِي، وإن فرائص أقوى الشجعان ترتعد فَرَقاً حين سماع صوته

إلخ، وتتجلى مهارة الراقصات في مَسِّهِنَّ بالسيوف رأس الضيف الكريم من غير أن يَجْرَحْنه، وقد حاولتُ عَبَثاً أن أحمِل أولئك الفَتَيات الأعرابيات على إبداء ذلك الحِذْق فوق رءوس أبناءِ قومهن، مع أن الشيخ المفوَّض إليه أمرُ حراستي أخبرني بأن من النادر إصابةَ أحدٍ من ذلك بأذى.

ص: 383

شكل 2 - 9: نارجيلة عربية مصنوعة من النحاس المكفت بالفضة (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

ولم يبقَ لعوالم مِصر العليا ما كان لهن في غابر الأزمان من رَوْنَقٍ وبهاء، واللباس الذي يَلْبَسْنَه أمام الجمهور هو جِلبابٌ طويلٌ يَفقِدْن به كلَّ رَوعةٍ، ولكنهن إذا ما كن بين الخُلَّان خلعنه بسهولةٍ، ورقصن لابساتٍ ثوباً بسيطاً كالذي تَعزُوه القصة إلى حواء.

وأعُد قصص العجائب التي يتلوها القاصُّون المحترفون من أهم وسائل التسلية عند العرب، وهؤلاء القاصون منتشرون في أنحاء الشرق، ولهم حُظوةٌ كبيرة في كل مكان، ويقص القاصون القصص ارتجالاً في بعض الأحيان، ويقتصرون في الغالب على إنشاد قصيدةٍ أو تلاوة قصَّةٍ من رواية ألف ليلة وليلة، ولا أزال أذكر أنني زُرت حياً من أحياء يافا الشعبية ذات ليلةٍ، فشاهدت فيه جَمعاً عربياً من الحمَّالين والنَّواتي والأجُراء

إلخ، يستمعون على نور مصباحٍ إلى قصة عنترة بعناية، فتراني أشكُّ في نَيْلِ قاصٍّ مثل ذلك النجاح لو أَنْشَد جماعةً من فلاحي فرنسة ما تَيَسَّر من شعر لامارتين أو شاتوبريان.

ص: 384

شكل 2 - 10: نارجيلة فارسية عربية (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

شكل 2 - 11: دكان صانع أسلحة عربي في سورية (من صورة فوتوغرافية).

ص: 385

وندرك ناحيةً من أخلاق العرب بما نراه من تأثير القاصِّين في الجمهور العربي الذي نعلَم أنه ذو حيوية مع وَقار، وقوة خيالٍ مع تمثيل، والذي يَبدو أنه يرى ما يَسمع، والذي يبلغ من فَرْطِ التأثُر ما يَظهر أنه يَسْمَعُه حقاً.

قال أحد السياح صارخاً: «ليَنظر الإنسان إلى أبناء الصحراء أولئك حينما يستمعون إلى قصصهم المفضلة، فهو يرى كيف يضطربون وكيف يهدأون، وكيف تَلْمَع عيونهم في وجوههم السُّمر، وكيف تنقلب دَعَتُهم إلى غضب وبكاؤهم إلى ضحك، وكيف تقف أنفاسهم ويستردونها، وكيف يقاسمون الأبطال سراءهم وضراءهم، حقاً إن تلك لروايات وإن الحاضرين لممثلون أيضاً، وحقاً إن الشعراء في أوربة، مع نفوذ أشعارهم وسحر بيانهم وجمال وصفهم، لا يؤثِّرون في نفوس الغربيين الفاترة عُشْرَ مِعشار ما يؤَثِّر به في نفوس سامعيه ذلك القاصُّ الذي هو من الأجلاف، فإذا ما أحُيط ببطل الرواية ارتجف السامعون وصرخوا قائلين: «لا! لا! حفظه لله! » وإذا ما كان في حَوْمَة الوَغَى محارباً كتائب أعدائه بسيفه أمسكوا سيوفهم كأنهم يريدون إنجاده، وإذا ما كاد يذهب فريسة الغدر والخيانة قَطَّبوا وصرخوا قائلين:«لعنة لله على الخائنين! » ، وإذا ما قضى عليه أعداؤه الكثيرون تأَوَّهوا وقالوا:«تَغَمده لله برحمته وفسح له في دار السلام! » وإذا ما كان العكس فرَجَع ظافراً منصوراً هتفوا قائلين: «المجد لرب الجُنْدِ! » ويكون هتافهم وقتما يذكر القاصُّ محاسن الطبيعة ولا سيما الربيع: طيب! طيب! » ولا شيء يعدل السرور الذي يبدو على ملامحهم عندما يصف القاص امرأةً جميلةً، فتراهم ينصتون له إنصات من يكاد لُبُّه يطير من الوَجْد، وإذا ما أَتمَّ وصفَه قائلًا: «الحمد لله الذي خلق المرأة! قالوا قول المعجب الشاكر: «الحمد له الذي خلق المرأة!

(6)

الرِّق في الشرق

تثير كلمة «الرِّق» في نفس الأوربي، القارئ للقصص الأمريكية منذ ثلاثين سنة، صورة أناس يائسين مُقرَّنين في الأصفاد، مَقُودين بالسياط، رديئي الغذاء، مقيمين بمظلم المحابس.

ولا أبحث هنا في صحة صورة الرق هذه عند الأنغلو أمريكيين منذ بضع سنين، ولا في صحة تفكير صاحب رقيقٍ في إيذاء مالٍ غالٍ كالزنجي والقضاء عليه، وإنما الذي أراه صدقا هو أن الرق عند المسلمين غيرُه عند النصارى فيما مضى، وأن حال الأرقاء،

ص: 386

شكل 2 - 12: بائعون جائلون في القاهرة (من صورة فوتوغرافية التقطها سباه).

في الشرق أفضل من حال الخدم في أوربة، فالأرقاء في الشرق يؤلفون جزءاً من الأسُر، ويستطيعون الزواج ببنات سادتهم أحياناً كما رأينا ذلك سابقاً، ويقدِرون أن يَتَسَنَّموا أعلى الرُّتب، وفي الشرق لا يرون في الرق عاراً، والرقيق فيه أكثر صلةً بسيده من صلة الأجير في بلادنا.

قال مسيو أبُو: «لا يكاد المسلمون ينظرون إلى الرق بعين الاحتقار، فأمهات سلاطين آل عثمان، وهم زعماء الإسلام المحترمون، من الإماء، ولا يرون في ذلك ما يَحُطُّ من قَدْرهم، وكانت أسُر المماليك الذين ملكوا مصر زمناً طويلاً تلجأ، لِتَدُوم، إلى اشتراء صغار الموالي من القفقاس وتتبنَّاهم في سن البلوغ، وليس من القليل أن يُرَبِّي أمير مصري أحد صغار الأرقاء، ويعلمه ويدربه، ويزوجه ابنته، ويفوض إليه إدارة شؤونه، وترى في القاهرة أكابر من الوزراء والقادة والقضاة اشتُري الواحد منهم في شبابه بما لا يزيد على ألف وخمسمائة فرنك.»

واعترف جميع السياح الذين درسوا الرق في الشرق درساً جِدياً بأن الضجة المُغْرِضَة التي أحدثها حوله بعض الأوربيين لا تقوم على أساسٍ صحيح، وأحسن دليل يقال تأييداً لهذا هو أن الموالي الذين يرغبون في التحرر بمصر ينالونه بإبداء رغبتهم فيه أمام أحد

ص: 387

شكل 2 - 13: كاتب عرائض في القدس (من صورة فوتوغرافية).

القضاة، وأنهم لا يلجأون إلى حقهم هذا، قال مسيو إيبِر مشيراً إلى ذلك:«يجب عَدُّ الرقيق في بلاد الإسلام مَبْخُوتاً على قدر الإمكان.»

ومن السهل أن أكُثر من اقتباس الشواهد على صحة ذلك، ولكنني أكتفي بذكر الأثر الذي أوجبه الرق في الشرق في نفوس المؤلفين الذين أتُيح لهم درسه في مصر حديثاً، قال مسيو شارم:«يَبدو الرق في مصر أمراً ليِّناً هيناً نافعاً منتجاً، ويُعد إلغاؤُه فيها مصيبة حقيقية، ففي اليوم الذي لا يستطيع وحوش إفريقية الوسطى أن يبيعوا فيه أَسْرَى الحرب، ولا يَرَون فيه إطعامهم، لا يُحجِمون عن أكلهم، فالرِّق، وإن كان لطخةَ عارٍ في جبين الإنسانية، أفضلُ من قتل الأسَرى وأكل لحومهم إذا ما نُظِر إليه من وجهة نظر هؤلاء الأسرى، وذلك على الرغم من رأي مُحبي الإنسانية من الإنكليز الذين يقولون: إنه أجدر بكرامة الزنوج أن يأكلهم أمثالهم من أن يسودهم أجنبي! »

وقال مدير مدرسة اللغات في القاهرة مسيو دو فوجانى: «ترى الأرقاء الذين يستفيدون من الحرية الممنوحة لهم قليلين إلى الغاية مع أن هذه الحرية تسمح لهم بأن يعيشوا كما يشاءون من غير إزعاج، فالأرقاء يُفَضلون حال الرق السالم من الجَور على حال القلق الذي يكون مصدرَ آلامٍ ومتاعب لهم في الغالب» .

ص: 388

«وترى الأرقاء في مصر أحسن حالاً مما كانوا عليه قبل استرقاقهم بدلاً من أن يكونوا من البائسين المناكيد، وبلغ الكثيرون منهم، ولا سيما البيض، أرقى المناصب في مصر، ويُعد ابن الأمَة في مصر مساوياً لابن الزوجة في الحقوق، وإذا كان ابن الأمَةِ هذا بِكْرَ أبيه تمتع بكل ما تمنحه البِكْرِية من الامتيازات، ولم تكن من غير الأرقاء زُمرة المماليك التي مَلَكَتْ مصر زمناً طويلاً. وفي أسواق النِّخاسة اشتُري علي بك وإبراهيم بك ومراد بك الجَبَّار الذي هُزم في معركة الأهرام، وليس من النادر أن ترى اليوم قائداً أو موظفاً كبيراً في مصر لم يكن في شبابه غير رقيق، وليس من النادر أن ترى رجلاً في مصر كان سيده المصري قد تبناه وأحسن تعليمه وزوَّجه ابنته.»

وليست مصر القطرَ الوحيد الذي يُعَامَل فيه الأرقاء برفق عظيم، أي أن ما تراه في مصر تَرَى مثلَه في كل بلد خاضع للإسلام، واسمع ما قالته السيدة الإنكليزية بِلَنْتُ في كتاب رِحلتها في بلاد نجد ذاكرةً محادثتها لعربي:

«إن مما لم يستطع أن يفهمه ذلك العربي هو وجود نفع للإنكليز في تقييد تجارة الرقيق في كل مكان، ولما قلتُ له إن مصلحة الإنسانية اقتضت ذلك» أجابني: «إن تجارة الرقيق لا تنطوي على جَور، ومن ذا الذي رأى إيذاء زِنْجِي؟ » والحق أننا لا نزعم أننا رأينا ذلك، ومن الأمور المشهورة أن الأرقاء عند العرب يكونون من الأبناء المُدلَّلين أكثر من أن يكونوا من الأجُراء.

ولا شيء يستحق الذم واللوم كالرق، ولكن المبادئ التي صنعها الإنسان ذات شأن ضعيف في سير الأمور، وإذا ما نظر المرء إلى الرق بمنظار الزنجي المخلوق المنحط وَجَده أمراً طيباً، فلا شيء أصلح لهؤلاء المخلوقات الضعيفة الفطرية القليلة الحذر والتبصر من أن يكون لها سيد يرى من مصالحه أن يقوم بشؤونها، ودليلنا على هذا ما أصاب أرقَّاء أمريكة من الانحطاط المُحزِن الذي نشأ عن تحريرهم بعد حرب الانفصال، وإلقاء حِبالهم على غَوَاربهم.

ويتطلب منعُ النِّخاسة منعَ البحث عن الأرقاء كما يزعم الإنكليز أنهم يفعلون، أي تبديلَ طبائع الشرق كله، وتغيير بقية العالم بعض التغيير، ولم ينشأ عن تدخل الأوربيين القائم على الرياء والمداجاة فيما لا يَعنيهم سوى الفشلِ ومقتِ الشرقيين لهم.

قال المؤلف الإنكليزي «ج. كُوبِر» في كتاب حديث دَرَسَ فيه أمر النخاسة في إفريقية: «لم تكن الحملات التي جُرِّدت على تجار الرقيق في السودان إلا من نوع الغَزَوات التي

ص: 389

شكل 2 - 14: سقَّاءان في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

تُضِيفُ إلى المذابح مذابحَ أخرى، أجل، لقد قَضَتْ تلك الحملات على بعض مراكز أولئك التجار، ولكن هذه المراكز لم تلبث أن أعيد تأسيسها بعد انصراف تلك الحملات، ولم يَنْجُم عن النفقات العظيمة والدماء المسفوكة فيها كبير طائل، ولم تُؤَدِّ إلى تقييد النِّخاسة.»

ولا ريب في أن الأوربيين الذين يتدخَّلون في أمور الشرق لمنع النِّخاسة قسراً من محبي الإنسانية الصالحين، ومن ذوي النِّيَّات الطيبة الخالصة، ولكن الشرقيين لا يعتقدون صدقهم، وحُجة الشرقيين في ذلك هو أن أولئك المحبين للإنسانية الصالحين والراحمين للزنوج هم الذين أَكرهوا الصينيين بقوة المدافع على أن يُدخِلوا إلى بلادهم ذلك الأفيون الذي أهلك من الناس في سنة واحدة ما لم تُهلكه تجارة العبيد في عشر سنين.

ص: 390