الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وانتحل المغول، بعد أن قهروا العرب، دين العرب وحضارتهم، واستخدموا في بلاد فارس والهند التي استولوا عليها مهندسين من الهندوس والفرس، فمزج هؤلاء المهندسون مختلف الفنون في المباني التي أقاموها كما تراه بعد قليل، وتدل بقايا الآثار في مدينة سمرقند العظيمة، التي اتخذها تيمورلنك عاصمة لدولته سنة 1404 م، فأصبحت نصف متداعية اليوم- على المؤثرات الفارسية في فن العمارة، وأعظم من ذلك ما كان للعرب من التأثير في الهند في بدء الأمر على الأقل.
ويظهر أنه صار للمغول فن عمارة خاص، مع أنهم لم يبدعوا أي عنصر في هذا الفن الخاص، وقد قام هذا الفن على مزج فنون مختلف الأمم التي خضعت لحكمهم فيما شادوا من المباني كما تدل عليه الصور التي نشرناها.
والخلاصة هي أن تأثير العرب في بلاد فارس كان كبيراً في أمور الدين والعلوم واللغة، وأنه كان ضعيفاً بعض الضعف في العادات وفن العمارة، وأن الفرس، خلافاً للمصريين، حافظوا على أقسام حضارتهم القديمة الأساسية مع صلتها بحضارة الغالبين، وذلك خلافاً للمصريين.
(2) العرب في بلاد الهند
لم يتفق للعرب في بلاد الهند شأن سياسي أعظم مما كان لهم في بلاد فارس، وللعرب، مع ذلك، تأثير ديني قوي ونفوذ مدني كبير في بلاد الهند منذ القديم، ففي الهند يخضع نحو خمسين مليون نفس للشريعة النبي في الوقت الحاضر.
وبدأ ظهور العرب في الهند منذ السنة الأولى من الهجرة (637 م)، فقد خرجت أساطيل عربية من عمان والبحرين، وتقدمت إلى مصاب السند، ثم أدى ملك كابل الجزية إلى العرب في سنة 664 م، وفتح جيش العرب في سنة 711 م مملكة السند التي كانت تمتد إلى كشمير من الشرق ونهر السند والبحر من الغرب.
ولم يكن لاستقرار العرب هنالك أهمية كبيرة، فقد انتهى في سنة 750 م، فآل الحكم فيها إلى ملوك من الهندوس، فإلى الترك والمغول الذين اعتنقوا الإسلام.
وملوك غزنة أهم أولئك وأقدمهم. والغزنويون أخذوا يفتحون بلاد الهند حوالي سنة 1000 م، وانتهى قتالهم في هذه السبيل بعد إحدى عشرة معركة قاموا بها في خمس وعشرين سنة، واستولوا نهائياً على ضفة السند الشرقية وعلى كشمير والبنجاب ولاهور وأجمير، وأعلن الغزنويون عن أنفسهم في كل مكان أنهم دعاة دين العرب وحضارتهم،
شكل 3 - 4: جوسق المرايا في أصبهان (من تصوير كوست).
ومنحهم خلفاء بغداد لقب أيامن المؤمنين، وهكذا خضعت الهند للفاتحين من الأجانب للمرة الأولى منذ زمن الإسكندر.
وكان سلطان الإسلام السياسي والديني قوياً في بلاد الهند، ورسخ فيها ثمانية قرون بفضل ملوك الإسلام الذين تداولوا حكمها، ولا يزال سلطان الإسلام الديني قائماً في بلاد الهند، وإن توارى سلطانه السياسي عنها، وهو يمضي قدماً نحو الاتساع.
ووجد المسلمون، حين أوغلوا في الهند، حضارة قديمة أرقى من حضارتهم، وعرفوا كيف يمزجونها بها، ومما يستوقف النظر ما استطاعوه في زمن قصير من نشرهم لمعتقداتهم في قسم كبير من هذا القطر الواسع.
وأعجب غزاة المسلمين بمباني الهندوس المغلوبين، واسمع ما قاله محمود الغزنوي في كتاب أرسله إلى أحد قواده عن مدينة مترا، التي كانت مشهورة أيضاً، في القرن الخامس عشر قبل الميلاد:
تحتوي مدينة مترا العجيبة على أكثر من ألف من المباني المتينة متانة أهل الإيمان، والمصنوع أكثرها من الرخام، ولا يشتمل هذا العدد على معابد الكافرين، وإذا عد المال الذي أنفق على إنشاء هذه المباني بلغ ألوف الألوف
شكل 3 - 5: باب مسجد قطب وعمود الملك دهاوا المصنوع من الحديد «بالقرب من دهلي» (من تصوير فريث الفوتوغرافي).
من الدنانير، فضلاً عن أنه لن يقام مثل هذه المدينة في أقل من قرنين، ووجد جنودي في معابد المشركين خمسة أصنام من الذهب ذوات عيون من ياقوت أحمر تساوي قيمته خمسين ألف دينار، ووجدوا فيها صنماً آخر من الذهب مزخرفاً بما زنته أربعمائة مثقال من الياقوت الأزرق، وذا نصمة بلغ وزنها عند الصهر ثمانية وتسعين مثقالاً من الذهب الخالص، ووجدوا فيها، فضلاً عن ذلك، نحو مائة صنم من الفضة يعدل وزنها حمل مائة بعير.
وقام ملوك جدد مقام أصحاب غزنة، ثم جاء المغول فحلو محلهم، وهنا نرى تنبيه القارئ إلى أن الذين تم لهم السلطان على الهند لم يكونوا عرباً بدمائهم، وإنما كانوا من دعاة دين العرب وحضارتهم.
ويصل الباحث، حين يدرس تأثير العرب في الأمم التي اختلطوا بها، إلى إحدى النتيجتين الآتيتين، وهما: إما أن تكون حضارة العرب قد حلت محل حضارة الأمة المقهورة كما حدث في مصر، وإما أن تكون قد امتزجت بحضارة الأمة المغلوبة كما حدث في بلاد فارس والهند، وفي بلاد الهند بلغ امتزاج حضارة العرب بحضارة الهند مبلغاً
بدت علائمه حتى على المذاهب الدينية، ثم حدث أن أتى بعدئذ عنصر الحضارة الفارسية، فاشترك هذا العنصر أيضاً في ذلك الامتزاج.
ويدل درس المباني في بلاد الهند على درجة تأثير العرب فيها في مختلف الأدوار، وعلى درجة تمازج تلك العناصر الثلاثة، وكان تأثير العرب سائداً لمباني الدور الأول، كباب علاء الدين الذي يكاد يكون أثر الفن الفارسي فيه غير موجود، والذي لا يبدو أثر الفن الهندي في غير تفرعاته؛ لعدم ملاءمة معابد الهند القديمة لمناحي الحضارة الجديدة، فاقتصر أتباع النبي على الانتفاع ببعض أجزاء هذه المعابد.
وظل تأثير الفن العربي في تلك المباني واضحاً بضعة قرون أخرى وإن توارى العرب عن مسرح العالم بالتدريج، ثم أخذ المجال يتسع للفن الفارسي فتم له النفوذ على حساب الفن العربي والفن الهندوسي اللذين أخذ نطاقهما يضيق.
شكل 3 - 6: منارة قطب بالقرب من دهلي (من صورة فوتوغرافية).
وكان دور تحول مباني الهند بعد الإسلام طويلاً، وتأخر زمن ظهور المباني التي كان للعبقرية العربية أثر فيها، ويرجع سبب هذا إلى أن دعاة شريعة الرسول لم يكونوا من العرب، بل من الترك والمغول المشابهين للبرابرة الذين استولوا على العالم الروماني، والذين لم يهضموا حضارة المغلوبين إلا بعد انقضاء زمن طويل.
حقاً إنهم لم يهضموها إلا بعد زمن طويل، وبهذا البطء يبدو لنا الفرق الأساسي بين الأمم التي تكون على جانب كبير من الذكاء فتتطور بسرعة، كالأمة العربية، والأمم المنحطة التي تتطور ببطء كبرابرة القرون الوسطى الذين قضوا على دولة الرومان، وكأجلاف الآسيويين الذين غمر طوفانهم دولة محمد.
ولقد أبدع العرب من فورهم تقريباً، حضارة جديدة أفضل من الحضارات التي جاءت قبلها، وذلك بعد أن استعانوا بحضارة اليونان وحضارة الرومان وحضارة الفرس، وكانت عقول البرابرة عاجزةً عن إدراك كنه الحضارة التي قهروا أهلها، وكان انتفاعهم بها ممسوخاً في بدء الأمر، وهم لم يسيروا بها نحو الرقي إلا بعد أن قلت أدمغتهم، وصارت قادرةً على إدراك معانيها بعد زمن طويل.
والواقع أن تقدم أولئك البرابرة الذين هدموا الدولة الرومانية لم يحدث إلا بتوالي الأجيال، وأنهم، لبطء تقدمهم، لم يستطيعوا إقامة حضارة جديدة على أنقاض حضارة العالم السابق إلا بعد جهود استمرت قروناً كثيرة.
ودام سلطان أصحاب غزنة حتى سنة 1186 م وحل الغوريون، الذين هم من التركمان، محلهم، ونذكر من ملوكهم المشهورين قطب الدين الذي توفي سنة 1210 م، والذي أقام في بلاد الهند مباني ذات قيمة كما سيأتي بيان ذلك.
وأصبحت مدينة دهلي، في سنة 1250 م، ملجأ لرجال العلم والفن من الغرباء، وصارت تحدب عليهم حدب بغداد فيما مضى، ثم أتى المغول، وصاروا يغزون الدولة الجديدة، ونازلهم علاء الدين تحت أسوار دهلي في سنة 1297 م فوجد أمامه خمسمائة ألف رجل، على ما يروى، فدحرهم.
وفتح تيمور لنك مدينة دهلي عنوة في سنة 1378 م، ولم يكن أمره غير عابر سبيل فقد نشأ عن الفوضى التي أسفرت عنها فتوحه قيام دولة مستقلة مؤقتة هنا وهنالك، ولما حلت سنة 1517 م استولى ملك كابل، الذي هو من ذرية تيمورلنك، على مدينة دهلي، وأسس دولة المغول الكبرى التي كتب لها البقاء مدة ثلاثة قرون، ثم قضى عليها الإنكليز.
والآن ندرس على طريقتنا أهم ما في الهند من المباني العربية أو المباني التي كان للفن العربي أثر واضح فيها، فما نقش على الحجارة أفصح مما جاء في الكتب.
شكل 3 - 7: باب علاء الدين بالقرب من دهلي (من تصوير فريث الفوتوغرافي).
شكل 3 - 8: مزار أكبر في سكندرا (من صورة فوتوغرافية).