المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) مقام العرب في التاريخ: - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

تكن دونهم كثيرًا، كنصارى إسبانية مثلاً، وهم إذا ما اختلطوا بعروقٍ متأخرة كبعض الشعوب الآسيوية والبربر لم يُصبهم غير الخسران، وكان التوالد في كلتا الحالين يؤدي حتمًا إلى تقويض الأخلاق التي يتألف من اجتماعها عرقهم، ولذا أصبحت البلاد التي كانت خاضعة لسلطانهم كإسبانية ومصر، لا تشتمل إلا على قليل من العرب بعد زوال سلطانهم السياسي عنها.

وكان عامل توالد العروق الذي أشرنا إليه يكفي وحده لتقرير انحطاط العرب، ولو لم يكونوا عُرْضَةً للمغازي ومختلف العوامل الأخرى، وذلك كما هو ثابت من أمرهم في مراكش التي نراها اليوم شبه همجية مع عدم غزو الأجنبي لها ومع مزاحمتها برخائها لبلاد الأندلس فيما مضى، والتي نجد أن تفوق البربر فيها وتوالد سكانها والزنوج أدَّيا إلى خفض مستوى حضارتها خفضاً عظيماً.

وقد زُعم أن المستقبل للمولَّدين، وقد يكون الأمر هكذا، ولكنني لا أتمناه للأمم التي ترغب في المحافظة على مستواها في العالم.

(3) مقام العرب في التاريخ:

ظهر مما قلناه عن حضارة العرب وأسباب عظمتهم وانحطاطهم أنه كان للعرب خصالٌ عظيمةٌ ومساوئ كبيرة وقابلياتٌ ذهنية عالية، وإذا كان العرب دون الرومان مرتبةً في النظم السياسية والاجتماعية فهم أعلى منهم بسِعَة معارفهم العلمية والفنية، ويمكن القول، على العموم: إن للعرب مقاماً رفيعاً في التاريخ، ولْنُعيِّن هذا المقام بالضبط: يتطلب تعيينُ قيمة الفرد أو الأمة بالضبط حيازة مقياس مُدَرَّج، ولكن مثل هذا المقياس مفقود تمامًا، وإن عدم وجوده يجعل أحكامنا مبنيةً على مشاعرنا الشخصية أكثر مما تُبنى على عقلنا، وهذا يكفي لعَدِّهَا موضع شك.

ولو ظَفِرنا بهذا المقياس النفسي، غير الموجود، لتقدير قيمة الرجال لوجب تجديده دائماً، فهو إن صلح لتقدير الأفضلية في زمنٍ لا يصلح لتقديرها في زمن آخر.

وكانت أعلى درجة في الأفضلية التي يتخيَّلها اليوناني هو أن يكون الأولَ في الألعاب الألنبية، أي المصارعة أو العدو أو الملاكمة أو ما إليها من التمارين، فإذا ما فاز فيها كان مظهراً لأعظم تكريم، أي كان اسمه يُنقش على الرخام، وكان من حقوقه أن يدخل مسقط رأسه من ثغرة تفتح له في الجدار، وكان هذا التكريم سائغًا، لا ريب، في زمن

ص: 636

كان للقوة واللياقة الجسمانية شأن كبير فيه، ولكن مثل هذه الأفضلية لا يُقَدَّر اليوم في غير أسواق القرى، ولا يكاد يمنح صاحبه خبزه اليومي.

ونحن، عند مرورنا من مجرى القرون، نرى تحول مقياس الأفضلية باستمرار، أي كانت الأفضلية قائمة على القوة الجسمانية والشجاعة في القرون الوسطى أيضاً، وكانت تقاس بالمعارف العلمية والفنية والأدبية في أدوارٍ أخُر، وبقوة الجدل بفصاحة حَول بعض الموضوعات في أدوارٍ غيرها، واليوم يميل الناس إلى قياس الأفضلية بما يُملك من النقود، وسيكون ملوك العصر الذي سندخله عما قليل أقدر الناس على حيازة الثروات، ونرى اتِّصاف بني إسرائيل بدرجةٍ من هذه القابلية لم يساوهم فيها أحدٌ، ونبصر من خلال الكُرْهِ العام الذي يُحاك حولهم في كلِّ مكانٍ ما يدل على اضطرار الناس إلى مقاتلتهم بعنفٍ للتخلص من سلطانهم الخطر.

شكل 2 - 5: مقعد مصنوع في دمشق من الخشب المرصع بالصدف (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف)

ومما يستوقف نظر الباحث ما يراه، عند درس الأحوال التي تُعَيِّن نجاح الأفراد أو الأمم في العالم، من ضعف شأن الذكاء وقوة أثر الإرادة والعِناد وغيره من الصفات الخلقية، ولا شك في المخرج عند افتراض رجلين أو شعبين: أحدهما؛ محدود الذكاء عظيم الشجاعة ماضي العزيمة كبير الصبر مستعد للتضحية بنفسه في سبيل مثلٍ عالٍ،

ص: 637

وثانيهما؛ رفيع الذكاء عاطل من القابليات التي ذكرتُها؛ فالفوز يكون حليف الأقلِّ ذكاءً منهما لا ريب، وإذا ما عُدَّ الذكاء عامل نجاحٍ فقط أمكننا أن نقول: إن ضَرَّه أكثر من نفعه عندما يكون فوق المستوى المتوسط، ويَظهرُ مصداق هذا القول، الذي يلوح أنه غريبٌ، عندما يتمثَّل المرء مصيرَ معركة يكون أحد الشعبين فيها مؤلفًا من أناس حائزين لجميع الأخلاق التي تكلمت عنها آنفًا ويكون الآخر مؤلفًا من الفلاسفة والمفكرين الذين لا يطمعون في عالمٍ أفضلَ من العالم الحاضر، والذين يقولون ببطلان كل مثلٍ عالٍ، ولا يُضَحُّون بأنفسهم في سبيل أيِّ خيالٍ كان، والذين يبتسمون من ضعف مبادئ محمد اللاهوتية، ومع ذلك فإن العالَم لم يعرف فلاسفة تشتمل مذاهبهم على جزء من السلطان المخيف للأوهام التي استطاع مؤسسو الديانات أن يبتدعونها، والمؤمنُ، عربيٍّا كان أو رمانيٍّا وللهَ عَبَدَ أو عظمةَ رومة، يتمُّ له النصر بفضل معتقداته بسهولة إذا ما ضحى بنفسه في سبيلها.

ذلك ما حَدث دائمًا، ولا شيء يَحمِل على افتراض غيره، ومع أن الرومان كانوا سادةَ العالم لم يُبدوا تفوقًا ذهنيٍّا ظاهرًا في الفنون والعلوم، وكان الأغارقة أساتذة لهم في كل ما يَمتُّ إلى الفكر بصلة، ولم يَحُلْ هذا دون استعبادهم لهؤلاء الأغارقة. ونحن، إذا لم نبالِ بغير الفوز، أمكننا أن نبحث عن مقياس التفوق والأفضلية في الصفات الخُلُقيَّة المذكورة آنفًا، ولكن مقياسًا كهذا خادعٌ أيضًا؛ لعدم قيمته فيما عدا ذلك الهدف الخاص، أي فيما عدا الفوز العتيد.

والحق يقضي بألا ننظر إلى المسألة إلا من جهة الحضارة العامة، أي من الناحية الإنسانية؛ لنرى أنه يجب أن يُبْحَث عن الأفضلية في المستوى الذهني، لا في تلك الصفات الخُلقية، أجل، ما كان نيوتن، أو لِيبِنتْز، ليفوز في الألعاب الأوليمبية أو ليقاوم جنديٍّا رومانيٍّا ثانيةً واحدة، ولكن أمثاله من شِباه آلهة الفكر أوجبوا في العالم تحولاتٍ كثيرةً بما لاكتشافاتهم من النتائج القريبة والبعيدة أكثرَ مما أوجبته جميع القبائل الآسيوية التي أقامت دولًا كبيرة، والمستقبلُ حينما يحكم في أمر الماضي بمثل هذه الحرية الفكرية التي لا عهد لنا بها اليوم سيقول، لا ريب، أن اختراع الطباعة والآلة البخارية والخطوط الحديدية والتلغراف الكهربي

وما إليه من الاختراعات الكثيرة أحدث في طرق معايش الناس من التطورات ما لا قيمة بجانبه لما أحدثته أشهر الثورات.

ولنهمل، إذن، ضروب الفوز المادي التي تعدُّها الجماهير (والتاريخ في الغالب) مقاييس حقيقيةً لتقدير قيمة الأفراد والأمم، ولنُعلن أن قيمة الأمة العقلية، ومن ثم

ص: 638

درجتها في سلم الحضارة، تُقاس بعدد من يظهر بينها من ذوي المدارك السامية، وإنما يضاف الفوز إلى التفوق العقليِّ عندما يوجد بجانب أعاظم رجالها القليلين جمعٌ كافٍ من ذوي الذكاء العادي والثقافة المتوسطة والصفات الخلقية العالية التي ذكرناها. ونستطيع، بعد هذا الإيضاح التمهيدي، أن نُعَيِّنَ، بما فيه الكفاية، مكانَ العرب في التاريخ، فنقول: إنه ظهر من العرب رجالٌ من الطراز العالي كما تشهد بذلك اكتشافاتهم، ولكنني لا أظن أنهم أخرجوا رجالاً عظماء كأولئك العباقرة الذين ذكرتهم، والعربُ كانوا دون الأغارقة في كثير من المسائل، مساوين للرومان في الذكاء لا ريب، غيرَ حائزين، إلا لوقت قصير، ما كان سببًا في دوام فوز رومة زمناً طويلاً من الصفات الخلقية.

وإذا قابلنا بين العرب والأمم الأوربية، بدلًا من مقارنتهم بالأمم التي غابت عن مسرح العالم، أمكننا أن نقول: إنهم أرقى من جميع أمم الغرب التي عاشت قبل عصر النهضة أخلاقًا وثقافةً، فلم تَعرِف جامعات القرون الوسطى، في قرون كثيرة، مصدرًا غير مؤلفاتهم ومناهجهم، وكانت أخلاقهم أفضلَ من أخلاق أجدادنا بمراحل. وكان العرب قد تواروا عن التاريخ حَوَالَيْ عصر النهضة، ولا نقدر أن نقول شيئًا عما يمكن أن يصلوا إليه لو لم يتوارَوا، ولكننا لا نعتقد، مع ذلك، أنهم كانوا يبلغون مستوًى أفضل مما بلغوا؛ لما كان يسفر نقص نُظُمهم عنه من الموانع.

ولا تمكن المقابلة بين مختلف الأدوار، كالدور الذي غاب فيه العرب والدور الحاضر كما هو واضح، ولكننا إذا حُمِلنا على المقابلة بين هذين الدورين قلنا: إن أكابر العرب السابقين دون أكابر الزمن الحاضر، وإن عرب الطبقات الوسطى السابقة مساوون لأبناء طبقاتنا الوسطى المتمدنة الحاضرة على الأقلِّ، وأرقى منها في الغالب.

وما قلناه عن طبقات العرب الوسطى السابقة نقول مثلَه عن أكثر الشرقيين في الوقت الحاضر، أي إن طبقات العرب والصينيين والهندوس الوسطى الحاضرة ليست دون أَخَواتها في أوربة، وإننا نرى بين هؤلاء زُرَّاعًا وعمالاً ماهرين مهارة زراعنا وعمالنا على الأقل، وإن في مزاحمة الصينيين الساحقة للعمال الأنغلو سكسون في أمريكا وأوسترالية، وما نَجَم عنها من اتباع سياسة طردهم منهما تقريباً، دليلاً قاطعاً على ذلك.

والشرقيون المساوون لنا مهارةً، وهم الذين لم يَحُطَّ الاختصاص ذكاءهم يفوقوننا بقناعتهم وقلة احتياجاتهم وطبائعهم الموروثة، وهم لا يفتقرون إلا إلى أمر أساسي، أي

ص: 639