المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

شكل 1 - 5: الميدان الملكي في أصبهان (من تصوير كوست).

جميع مصانعهم؛ لكي تتمكن السلع الإنكليزية من إيجاد أسواق لها عندهم، ثم قال:«إننا نسير إلى مصيبة لا مثيل لها في تاريخ العالم.»

وقد يكون التشاؤم لحمة هذه النبوءة، ولكن صدقها يظهر عندما نعلم أن في ولاية مدراس وحدها ستة عشر مليون فقيرٍ كما جاء في الإحصاءات الرسمية، وأن السكان البائسين مكلفون في كل سنة بإنفاق أربعمائة مليون على الجيش وخمسين مليوناً على الإدارة، فضلاً عن إرسال ما تعدل قيمته خمسمائة مليون إلى إنكلترة.

(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

دَرَسنا ما كان للشرق من التأثير في الغرب بواسطة العرب، ولا يخلو من فائدة أن ندرس الآن تأثير الأوربيين الحاضر في الشرقيين: دلت المشاهدة على أن هذا التأثير صِفْر في كل وقت، وكنا نرغب عن هذا الموضوع لو لم نرَ من المفيد أن نبحث في أسباب رفض الشرقيين لحضارة الغرب ومعتقداته رفضاً مستمرًا مع اعتناقهم ما أتاهم به العرب بسهولة.

ومن الأسباب العامة في عَجز الأوربيين عن حمل الأمم الأجنبية على انتحال حضارتهم هو أن الحضارة الأوربية وليدة تطور دام زمناً طويلاً، وأننا لم نصل إلى درجتها الحاضرة إلا بعد أن قطعنا كثيراً من المراحل الضرورية بالتدريج، فالرغبة في

ص: 615

إكراه أمة على قطع هذه المراحل فجأة هي من الأوهام كالرغبة في جعل الطفل كهلاً قبل أن يصبح فتى.

وهذا السببُ وحده لا يفسر لنا، مع ذلك، قلة تأثير حضارتنا في الشرقيين، ما وُجِد بين عناصر حضارتنا ما هو بسيط سهل الملاءمة لاحتياجاتهم وما رفضوه أيضًا، ولذا فإن لعدم نجاحنا أسباباً أخرى.

ومن هذه الأسباب نذكر أن زيادة التعقيد في عناصر حضارتنا أسفرت عن كثرة احتياجاتنا المصنوعة، وأن هذه الاحتياجات المصنوعة المهيمنة أوجبت اضطرابًا شديدًا في حياة الأوربي الحديث فحملته على العمل المضنى في سبيل قضائها، فكان ما نرى من كُرْه الشرقيين لهذا الاضطراب والعمل المضنى، وقد عَطِلوا من احتياجاتنا.

شكل 1 - 6: الوجهة الرئيسية لجامع السلطان أحمد بالآستانة (من صورة فوتوغرافية)

حقاً إن احتياجات الشرقيين من عرب وصينيين وهندوس وغيرهم ضعيفةٌ إلى الغاية؛ فالعربي يكتفي في لباسه بقطعة من المنسوجات، وفي طعامه بالماء وقليل من التمر، والهندوسي أو الصيني يكتفي في طعامه بحفنة من الأرز وقليل من الشاي، ولا تجد فيه كبيرَ احتياج في أمر المأوى، وقد نشأ عن زهد الصيني وفُقدان احتياجاته

ص: 616

ونشاطه أن تقهقر أمامه العامل الذي يزعم أنه من شعبٍ أرقى من شعبه؛ فاضطُرت أمريكا وأسترالية إلى منعه من دخول بلادهما في الوقت الحاضر.

وإذا أضيف إلى ما بين الشرقيين والأوربيين من ذلك الاختلاف اختلافُهما في الشعور والتفكير بَدَت الهُوة العميقة بينهما، ولا يحسُدُنا الشرقيون على حضارتنا، وأقلهم حسداً لنا مَن يَزُورُ منهم بلادنا، ويحمل هؤلاء عند رجوعهم إلى بلادهم أسوأ الآراء فينا، معتقدين أن دخول حضارتنا بلادهم ينطوي على أعظم البلايا والفجائع، ويستدل المثقفون منهم على هذا بما صارت إليه بلاد الهند، وذلك مع الإجماع على أن الشرقيين أسعد حالاً من الأوربيين، وأعظم شرفاً، وأمتن أخلاقاً ما ظلُّوا غير متصلين بهم.

ولكن إذا كان التباين الواضح بين حياة الشرقيين والأوربيين وأفكارهم ومشاعرهم كافياً لإيضاح عدم اكتراث أمم الشرق لنِعَم حضارتنا، فإنه لا يكفي لإيضاح رفضهم لنا وازدرائهم البيِّن لنظمنا ومعتقداتنا وأخلاقنا.

ومن العبث أن نكتم سبب تلك المشاعر، فهي ناشئة عن مَكر الأمم المتمدنة وظلمها الأممَ الأخرى التي هي غيرُ متمدنة أو التي نَعُدُّها ضعيفة الحضارة.

وسياسة الأوربيين القائلة: «إنه لا يجوز أن يمشي على الأرض فريقٌ من الهمج» تؤدي إلى إبادة الأمم غير المتمدنة أي المتوحشة بسرعة؛ فيطارِد الأوربيون سكان أمريكا الأصليين كما يطارد الصَّيَّادون الأرانب، ويزول أصحاب الجلود الحمر من أمريكا لسلب أرَضِي الصيد منهم وحصرهم في مناطق جديبةٍ لا يخرجون منها بفعل الجوع إلا ليُجَدَّلوا كما يُجَدَّل البط، ويُبَاد هَمَج أقيانوسية، ولم يبقَ من أهل تسمانية الأصليين أحد.

ولم تكن سياسة الأوربيين نحو الأمم الشرقية المتمدنة، كالصينيين والهنود مثلاً، أحسن كثيرًا من سياستهم نحو أولئك الهمج، وإذا أغضينا عن محاربتنا لهم بما ليس فيه ذرةٌ، من الإنصاف نرى أن سلوكنا اليومي تجاههم يكفي لجعلهم شديدي العداوة لنا، وكل من يُوغِل في الشرق يَعلَم أن أحقر الأوربيين يعتقد أن كل شيء مباحٌ له في الشرق، وإذا لم يُسْتَغَلَّ الشرقي رأساً، كما يُستَغَلُّ في الهند بما يثقل به كاهله من الضرائب التي تنزع آخر كِسرة خبز منه، فإنه يُستَغَل بالحيل التجارية التي تتم بوقاحة دالة على ضعف الطِّلاء لدى رجالنا المتمدنين، ويفقد الأوربي في الشرق كل صفاته ويهبط أخلاقاً إلى ما هو أدنى من مستوى الشعوب التي يستغلها، ولو حوكم

ص: 617

شكل 1 - 7: جامع السلطان أحمد بالآستانة من ناحية البسفور (من صورة فوتوغرافية)

التجار الأوربيون من أجل صلاتهم التجارية بالشرق على حسب قوانين بلادهم ما تَفَلَّت إلا أقلُّهم من أكثر العقوبات شَيْنًا.

إذن، لا يخلو من سبب ما يَحمله الشرقيون من الرأي السيئ في شرفنا وأخلاقنا، وستكون قصة علاقات أوربة المتمدنة بالصين في القرن التاسع عشر من الميلاد من أسوأ صفحات تاريخ حضارتنا، وقد يُدْعَى حَفَدتُنا، ذات يوم، إلى التكفير عنها بثمنٍ غالٍ، وكيف يُفكَّر في المستقبل في أمر حرب الأفيون الدامية التي أكره الإنكليز فيها بلاد الصين، وذلك بقوة المدافع، على إدخال هذا السم القاتل الذي أرادت حكومتها تحريمه؛ لما رَاعَها من أخطاره، حقاً إن فائدة إنكلترة من تجارة الأفيون مائة وخمسون مليوناً في كل سنة، ولكن عدد الوفيات السنوية في بلاد الصين بفعل استعمال الأفيون ستمائة ألف نفسٍ كما جاء في إحصاءات الدكتور كرِيْسِتْلِيب المعتدلة على الخصوص. وهنا نسأل: أليس من الحق أن يُعلِّم الصينيون أبناءهم وصفَ الغربيين بالبرابرة بعد الذي رَأوْا من حرب الأفيون الطاحنة وما أسفرت عنه هذه الحرب من إباحة تجارته كُرهاً؟ لا يكون جواب الصينيين، كما روى ذلك الدكتور، وذلك عندما يحاول مبشرو الإنكليز تنصيرهم، إلا قولهم:«ماذا؟ تسموننا للقضاء علينا ثم تأتون لتعليمنا الفضيلة! » ، وليس

ص: 618

الصيني على حق في تفكيره ذلك لا ريب، فهو لا يُدرِك أن الإنكليزي يَحُوز، بالوراثة، حِكَماً أخلاقية شديدة خاصة لا بد له من اتباعها، وذلك بأن ينفق على المبشرين ليُعِدُّوا الآسيوي للحياة الأبدية التي يسوقه إليها بسرعة ذلك الأفيون الذي يبيعونه منه!

واستوقفت بغضاء الشرقيين للأوربيين نظرَ جميع السياح المتصفين بشيء من الملاحظة، وأذكر منهم السياسي الممتاز والوزير المفوض السابق، مسيو دورُو شِيشُوَار، الذي قال في كتاب نشره حديثاً:«إن أول ما يراه الغريب حينما تطأ قدماه بلاد الهند هو كره الهندي لسادته» ، إلى أن قال في معرِض كلامه عن الصين:«إن أجراء البيض شديدو الحياء من أبناء وطنهم؛ لاضطرارهم إلى الاتصال بالبيض.»

وإن للشرقيين في سلوكنا ما يُسَوِّغ مقتَهم لنا أشدَّ المقت بما فيه الكفاية، وإنني أضع نفسي في مكانهم وأنظر إلى الأمور من وِجْهَة نظرهم، وأضيف إلى ذلك، غير متردد، قولي: إننا لو بَدَونا عنوان الفضائل لهم؛ لكان من مصالحهم أن يَرْفِضونا، وأن يحيطوا بلادهم بأسوار كالتي أحُيطت بها مملكة ابن السماء، فما يصنعون بحضارة غير ملائمة لأفكارهم ومشاعرهم واحتياجاتهم جديرة، لذلك، بأن يرفِضوها؟ وما فائدتهم من ترك نظمهم الموروثة وحياتهم السعيدة القليلة الاحتياجات وانتحالهم لحياتنا المحمَّة ولمنازعاتنا التي لا يُشفَى لها غليل، ولنظام طبقاتنا الاجتماعية المتفاوتة، ولعيشنا الكريه في المصانع، ولكل ما تطلبه الحضارات الزاهية من مختلف الاحتياجات؟

وعن لليابان، أي لهذه الدولة الشرقية، أن تعتنق حضارتنا كما قيل، وأتيح لي أن أذكر ما أسفرت عند هذه التجربة من الارتباك في بلاد اليابان التي كانت سعيدةً، والتي «حال الواحد من سكانها تعد أفضل مائة مرةٍ من حال العامل المعوز اللاهث التعب الذي يكسب عيشه بعناء في المصانع» ، كما قال أحد الأوربيين الذين عهد إليهم في إدخال الحضارة المصنوعة إليها.

ولم ينشأ عن افتتاح العرب للشرق مثل هذه الشرور، فقد كانت الأمم التي قهروها شرقيةً مثلهم، وكانت مشاعرها واحتياجاتها وطرق معايشها مماثلةً لما كان عندهم، ولم ينشأ عن استيلاء العرب أو المغول أو الترك على الهند وفارس ومصر العليا من التغييرات الأساسية كما ينشأ عن انتحال أهل هذه البلدان للحضارة الحديثة، ولا بد من أن تنال يد التبديل التامِّ حياة هذه الأمم الشرقية عند اتصالها بالأوربيين، ولكن عجز الأمم الشرقية عن منافسة الأوربيين يؤدي حتمًا إلى مثل ما صار إليه الهندوس من البؤس الأسود والثورات الشديدة التي يولدها اليأس.

ص: 619

تبين مما تقدم، وذلك بدرجة الكفاية، تأثيرُ الغرب المخرِّب في الشرق في الوقت الحاضر، ولا يوجد ما يسوغ به الأوربيون شرهم وطمعهم سوى المبدأ الذي لم يعرِف التاريخ غيره، وهو حق الأقوى، والإيمان بهذا الحق المهيمن وحده هو الذي لا يزال قائمًا من بين عقائد الأجيال المسنَّة، ولدى الشعوب الحديثة ما يَشْغَلها من الهموم الخَطِرة عن التفكير في تمدين الأمم الأخرى ما اضطُرت إلى النظر في أمور عيشها قبل كل شيء، ولن يكون للأمم من الحقوق في التنازع الحاضر الذي يزيد كل يوم إلا بنسبة ما عندها من المقاتلين والمدافع، واليوم لا أمل لأحد في المحافظة على غير ما يَقدِر على الدفاع عنه، فإما غالبٌ، وإما مغلوبٌ، وإما صيادٌ، وإما قنيصةٌ، وهذه هي سُنَّة الأزمنة الحديثة، ولا قيمة لكلمة العدل والإنصاف في علاقات الأمم بعضها ببعض، ولا مُؤيِّد لها، وهي من الألفاظ المبهمة المشابهة لاحتياجاتنا المبتذلة التي يستعملها العالم بأسره فتنتهي بها رسائلنا من غير أن تخدع إنسانًا.

واليوم يحدِّثُنا الشعراء عن العصر الذهبي الذي يسود الناسَ فيه إخاءٌ عام، وإنني أشك في وجود مثل هذا العصر في أي زمنٍ كان، وهو إن وجد تلاشى إلى الأبد، ولم يرن قول برينوس «ويل للمغلوب! » ، حينما هدد رومة بخرابها، أكثرَ مما في الساعة الحاضرة، فالإنسان قد دخل دورًا من الحديد والنار لا بد من هلاك كل ضعيف فيه.

ص: 620