الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
العرب
(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة
أرى، قبل البحث في العرب، أن أمهد الأمر بدرس ما هو ضروري من أوصاف الإنسان وقوفاً على هذا الفصل.
تقسم الجماعات البشرية المنتشرة في مختلف أقطار الأرض إلى عروق، وكان يظن أن الفروق بين العروق البشرية أقل مما هي عليه بين أنواع الحيوان، بيد أن العلم الحديث أثبت أن عروق البشر مفترقه في أخلاقها افتراق أنواع الحيوان المتقاربة، فيجب عد كلمة «العرق» بالنسبة إلى الإنسان مرادف لكلمة «النوع» .
ويمكن تعريف العرق، أو النوع البشري، بأنه يدل على جماعات ذات أخلاق مشتركة تنتقل إليها بالوراثة انتقالاً منتظماً.
ويرى الذين لم يدرسوا علم أوصاف الإنسان أن «الأمة» و «العرق» كلمتان مترادفتان تقريباً، مع أن لهما معاني مختلفة تماماً، فالأمة: هي جماعة من الناس الذين ينتسبون، في الغالب، إلى عروق كثيرة جمع بينها نظام حكم واحد ومصالح واحدة، فإذا صح ما ندعوه الآن بالأمة الإنكليزية أو الأمة الألمانية أو الأمة النمساوية أو الأمة الفرنسية مثلاً، لم يبق ما تصح تسميته بالعرق الإنكليزي أو العرق الألماني أو العرق النمسوي أو العرق الفرنسي، فكل أمة من هذه الأمم هي من تباين المحاتد والأصول ونقص الادَّغام ما لا يجوز معه أن تطلق عليها كلمة «العرق» ، أجل، إن من الجائز أن تنضوي جماعات بشرية كثيرة إلى قوانين واحدةٍ، وأن تدين هذه الجماعات بديانة واحدة، وأن نتكلم بلغة واحدة، ولكنه لا يتألف منها عرق متجانس إلا بعد أن تستقر فيها أخلاق واحدة وصفاتٌ جثمانيه واحدة بفعل البيئة والتوالد والوراثة.
ويتطلب كسب هذه الأخلاق والصفات زمناً طويلاً جداً، والصفات الموروثة إذا كانت لا تستقر إلا ببطوء فإنها لا تزول إلا ببطوء، وبأقصى البطوء تندمج العروق وتتحول، ويجب، لكي يكون للبيئات والتوالد أبلغ الأثر في تكوين العرق، أن يتوالى التطور، ويتراكم بفعل الوراثة المتتابعة المستمرة قروناً كثيرةً سائراً نحو غرض واحد.
ويعدون البيئة، في الغالب، من العوامل التي تستطيع تحويل صفات العرق وإثباتها، ولكن الوراثة التي تتراكم بها أخلاق العرق وسجاياه وترسب مع الزمن أقوى من البيئة وأعظم أثراً، فقد دلت حوادث التاريخ على أن العرق إذا ما استقرت أخلاقه وسجاياه بالوراثة وبلغ من الكبر عتياً عجزت البيئة عن التأثير فيه، وصار أهون عليه أن ينقرض من أن يتحول، من أجل ذلك نرى بني إسرائيل يحافظون على مثالهم الثابت في كل قطر، ومن أجل ذلك أيضاً تعذر على بلاد مصر الحارة، مع ما فيها من قوة صهر، أن تُحوِّل العروق المسِنَّة التي استولت عليها واحداً بعد الآخر فكانت قبراً لكل واحد فيها.
وإنما تؤثر البيئات في العروق الحديثة، أي العروق التي تنشأ عن توالد مختلف الأمم ذات الصفات المتباينة، فإذا ما فلت الوراثةُ الوارثةَ وانحلت بذلك مقومات الماضي القديمة الموروثة بفعل الوراثة الجديدة خلا الميدان للبيئة وقامت بعملها.
والتوالد، لكي يكون مؤثراً، يجب أن يتكرر، وألا تتفاوت كثيراً نسب من يتوالدون من أفراد مختلف العروق، وإذا عظم التفاوت في نسب العناصر المتوالدة كانت الغلبة لصفات العرق الوافر العدد، لا لصفات العرق القليل العدد الذي لا يبقى له أثر من حيث النتيجة، وقد دل الاستقراء على أن رهطاً من البيض لم يلبث أن يزول أثره بعد بضعة أجيال إذا ما توالد هو وقوم من الزنوج، وأن صفات أمةٍ مقهورة صغيرة تزول بالتوالد أمام صفات أمةٍ منتصرة كبيرة.
ومن الأمثلة على ذلك أغارقة الوقت الحاضر الذي لا يمتون إلى أجدادهم الذين خلدتهم التماثيل بوجه شبهٍ، ومن تلك الأمثلة رومان بلاد الغول الذين، وإن كنا وارثين لحضارتهم ولغتهم، لم يبق لدمائهم أثرٌ في عروقنا، ومنها أيضاً حال العرب في مصر، فسوف ترى أن المصريين الذين تمردوا على حضارة الفرس واليونان والرومان ولغاتهم انتحلوا لغة العرب ودينهم وتمدنهم، وأن مصر غدت بذلك أشدَّ البلاد التي دخلت في دين محمد عروبة، وأنه، مع كثرة توالد المصريين والعرب الفاتحين وظهور مثال جديد اختلف عن الأصل بعد انقضاء جيلين أو ثلاثة أجيال، أي تفوق نسبة المصريين العديدة