الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى طبقةٍ عاليةٍ كافيةٍ وبعض العظماء؛ ليكونوا هم والأمم الأوربية المتمدنة على قدم المساواة، ومن حظنا الحَسن أن كانوا عاطلين من مثل هؤلاء، وإلا لاستطاعوا بالإضافة إلى طبقاتهم الوسطى، أن يقوموا مقامنا، وأن يقبضوا على زمام الحضارة، ولذا فإنه إذا قُيِّض للاشتراكيين في الوقت الحاضر أن يحقِّقوا أحلامهم في إقامة مجتمع من ذوي الذكاء المتوسط، وفي القضاء التدريجي على الأفضليات؛ فإن سيادة العالم تنتقل من فورها إلى أبناء الشرق الأقصى.
(4) حال الإسلام الحاضرة:
ثقلت قرونٌ على أعفار العرب، ودخلت حضارتهم في ذِمَّة التاريخ منذ زمن طويل، ولا نقول، مع ذلك، إنهم ماتوا تمامًا، فنرى الآن ديانتهم ولغتهم اللتين أدخلوهما إلى العالم أكثرَ انتشاراً مما كانتا عليه في أنضر أدوارهم، والعربيةُ هي اللغةُ العامَّة من مراكش إلى الهند، ولا يزال الإسلام جادٍّا في تقدمه.
ويُقدِّر علماء الجغرافية عدد المسلمين في العالم بـ 110 ملايين، ولكن هذا الرقم، الذي وُضع حين كنا نجهل انتشار الإسلام في الصين وإفريقية الوسطى، أقلُّ من
الحقيقة، واليوم يدرَّس القرآن، فيما عدا جزيرة العرب، في مصر وسورية وتركية وآسية الصغرى وفارس وقسمٍ مهم من روسية وإفريقية والصين والهند، وتناول القرآن مدغشقر وإفريقية الجنوبية، وعُرِف في جزر الملايو، وعلمه أهل جاوة وسومطرة، وتقدم إلى غينيا الجديدة، ودخل أمريكا مع زنوج إفريقية.
والسهولة العجيبة التي ينتشر بها القرآن في العالم شاملةٌ للنظر تماماً، فالمسلم أينما مر ترك خلفه دينَه، وبلغ عدد أشياع النبي ملايين كثيرةً في البلاد التي دخلها العرب بقصد التجارة، لا فاتحين، كبعض أجزاء الصين وإفريقية الوسطى وروسية، وتم اعتناق هذه الملايين للإسلام طَوعاً، لا كَرْهًا، ولم يُسمع أن الضرورة قضت بإرسال جيوشٍ مع هؤلاء التجار المبشرين العرب لمساعدتهم، ويتسع نطاق الإسلام بعد أن يقيمه هؤلاء في أي مكان كان، ولم تُستأصل شأفة الإسلام بعد أن رسخ في روسية منذ عدة قرون، واليوم يَقطن خمسون مليون مسلم ببلاد الهند، ولم يُوفق مبشرو البروتستان لأي تنصير في الهند مع مظاهرة حكومتها لهم، ولا نعلم بالضبط عدد المسلمين في إفريقية، ولكن الرواد المعاصرين كلما أوغلوا فيها وَجدوا قبائل تُبَشِّر بالإسلام، والآن يُمدِّن الإسلامُ أقوام إفريقية، حيث يكونون، مُظهرًا عملَه الطيب في كل مكان.
ويتقدم الإسلام في الصين تقدماً يقضي بالعجب، ويكتب للإسلام أسطعُ فوز في الصين حيث اضطر المبشرون الأوربيون إلى الاعتراف بالحبوط، وقد رأينا أن عدد أتباع محمد في الصين عشرون مليوناً، وأن في مدينة بكين وحدها مائة ألف مسلم.
لقد تم الكتاب، ولنلخصه في بضع كلمات فنقول: إن الأمم التي فاقت العرب تمدنًا قليلة إلى الغاية، وإننا لا نذكر أمةً، كالعرب، حققت من المبتكرات العظيمة في وقت قصير مثل ما حققوا، وإن العرب أقاموا دينًا من أقوى الأديان التي سادت العالم، أقاموا ديناً لا يزال تأثيره أشد حيويةً مما لأي دين آخر، وإنهم أنشأوا، من الناحية السياسية، دولةً من أعظم الدول التي عرفها التاريخ، وإنهم مدنوا أوربة ثقافة وأخلاقًا، فالعروق التي سَمَتْ سموَّ العرب وهبطت هبوطهم نادرةٌ، ولم يظهر، كالعرب، عرقٌ يصلح أن يكون مثالاً بارزاً لتأثير العوامل التي تُهيمن على قيام الدول وعظمتها وانحطاطها.