الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتجلى هذا الطراز - على الخصوص- في مآذن الهند المخروطة الشكل كمآذن بلاد الفرس.
وتختلف مآذن الهند عن مآذن بلاد الفرس بتخاريمها وبطبقاتها غير المطلية بالميناء، وتختلف عن مآذن الأندلس وإفريقية والقاهرة بالزخارف الخارجية والأشكال العامة، فيبدو ذلك أول وهلة.
(3 - 7) مباني بلاد فارس:
يصل إلينا من المباني الفارسية التي أقيمت أيام الدولة الساسانية المعاصرة للفتح العربي، ولأكثر المباني التي شِيدَت في الصدر الأول من الخلافة، سوى بقايا ناقصة، فكان هذا سبباً في صعوبة تمثلنا تاريخ فن العمارة الفارسي ومَدَى تأثيره في فن العمارة العربي على الخصوص، ثم مدى تأثير فن العمارة العربي في فن العمارة الفارسي فيما بعد.
وأقيم أكثر مباني الفرس المهمة في القرن السادس عشر من الميلاد، أي في عهد الشاه عباس، فإذا قوبلت هذه المباني ببقايا العمارات السابقة ظَهَر أنها مقتبسة منها، وهي قائمةٌ على طراز يختلف عن طراز العرب الفني، ولا تشارك طراز العرب في غير الزخارف.
قال باتيسيه في كتاب «تاريخ فن العمارة» وذلك في معرض الكلام عن مساجد فارس: «يظهر أن مساجد بلاد الفرس لا تختلف عن مساجد بلا سورية» وتراني أجهل الأسس التي بنى عليها زعمه هذا ما فقد الشبه بين هذه المباني، والواقع أن المقابلة بين مساجد سوريا القديمة (أي بين مساجد دمشق والقدس وحبرون) ومساجد أصبهان أمرٌ متعذر، ولا نجادل في وجود طابعٍ خاصٍّ للفن الفارسي مع ما بين الفن الفارسي والفن العربي من صلة القرابة الواضحة التي مصدرها ما في الفن الفارسي من تأثرٍ بالفن العربي بعد أن كان مؤثِّرًا فيه.
ولمساجد الفرس صفات خاصة كثيرة يتجلى أهمُّها في شكل مآذنها وأقواسها وقبابها وزينتها الخارجية.
ويذكرنا شكل مآذن الفرس، حتى القديم منها، بمداخن مصانعنا، وهي مخروطة الشكل قليلة الارتفاع مكسوة بالميناء ذاتُ رواقٍ واحد في أعلاها، وهي تختلف اختلافاً جوهرياً عن مآذن سورية وإفريقية والأندلس المربعة، وهي تختلف أكثر من ذلك عن
شكل 8 - 14: رسم مجدد لمسجد السنية في تبريز (فارس، من تصوير تكسيه).
مآذن مصر ذات الأروقة الكثيرة التي يتغيَّر مقطعها على حسب الطبقات، والمزينة بأنواع النقوش البارزة.
وللمساجد الفارسية طابع خاصٌّ أيضاً؛ فيُرى لكل مسجد من المساجد القديمة الفارسية المتداعية، كمسجد همذان مثلاً، بابٌ عظيم يبلغ ارتفاعه علوَّ المقدَّم، وينتهي بقوس طريفة مُفَرْطَحَة مصنوعة على رسم البيكارين من طراز خاصٍ مما لا ترى مثلَه في أي مسجد عربي كان.
ونرى لزخارف المساجد الفارسية من الخارج شكلاً خاصاً أيضاً، أي أنها مكسوةٌ بالميناء ذي الرسوم المنوعة، ولا سيما رسمُ الأزهار، مما امتاز به فن الزخرفة الفارسي، وإذا حدث أن رُئي مثلها في بعض المباني العربية، كجامع عمر، أمكن القطع بأنها من صنع عمال من الفرس.
وبُنيت قباب المساجد الفارسية الحاضرة بَصَلِيَّة الشكل، وهذه القباب، وإن بدت مبتكرةً، لم تنشأ عن غير فرطحة القبة التي يشبه مقطعها نعل الفرس أو عن تضييق قاعدة القبة المشابهة لقباب المساجد العربية في القاهرة، وبالغ الفرس في فرطحة القبة ذات المقطع الذي هو على رسم البيكارين فانتهوا إلى القباب التي تشاهد أيضاً في مساجد بغداد الحديثة، والتي رأيت مثلها في الكنائس الروسية، ولا سيما كنائس
موسكو، حقاً عُدت القباب الروسية قائمةً على الطراز البيزنطي، ولكن الإنصاف يقضي بعدِّها مبنيةً على الطراز الفارسي البيزنطي وحقاً عَجَز الروس، كما عجز الترك، عن إبداع طراز خاص، ولكنهم علموا جيدًا كيف يُوفقون بين احتياجاتهم وبين عناصر فنون البناء التي اقتبسوها من الأمم التي اتصلوا بها، وذلك بخلطهم هذه العناصر.
شكل 8 - 15: مسجد في أصبهان (من تصوير كوست)
ولم يكن في بقايا أقدم المساجد الفارسية قبابٌ بصلية الشكل، وأكثر قباب سمرقند ومشهد وسلطانية ووَرَامين وأريفان
…
إلخ. التي أنُشئت على طراز آثارٍ أقدمَ منها لا ريب، بيزنطيُّ الطراز أو من القباب التي ضُيِّقَت قواعدها قليلاً.
وأكثرَ الفرسُ من استعمال المتدليات والخطوط العربية في مساجدهم، وهذه هي أهم العناصر أخذوها عن العرب.
والقارئ الذي يَدرُس الصور التي نشرناها في هذا الكتاب، إتمامًا لِمَا علمه مما تقدم، يشاطرنا رأينا في اختلاف فن العمارة العربي باختلاف البلدان، وفي أن من