الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونرى جامع السلطان حسن (1356 م) مثالاً لاقتراب الفن العربي من درجة العظمة، ويوجد بين كنائسنا الكبيرة، وهذا الأثر العظيم، الذي يبلغ ثخن جدره ثمانية أمتار، وارتفاع رتاجه عشرين متراً، وارتفاع قبته 56 متراً، وارتفاع مآذنه 86 متراً - شبه أكثر مما بينها وبين المساجد الإسلامية الأولى، ويدل جامع السلطان حسن على أن العرب كانوا يعلمون كيف يقيمون مباني واسعة متينةً عند الاقتضاء.
ويثبت جامع برقوق (1384 م) وجامع المؤيد (1415 م) وجامع قايتباي (1468 م) تقدماً جديدًا تم للعرب، ويُعدُّ جامع قايتباي مبتكراً تماماً بقُبَّتِه العجيبة ومئذنته الرائعة ذات المساند والأفاريز والأروقة والنقوش الغنية الزاهية، ولو لم يكن للعرب من المباني غيرُ جامع قايتباي لاعتقد الناس، لا ريب أنه عنوان فنٍّ لا صلة قريبةً أو بعيدة بينه وبين أي فن آخر.
ويعد جامع قايتباي، والجوامع التي أقُيمت في عصره، كجامع قاغباي (1502 م) آخر المباني المهمة التي أنُشئت في مصر على الطراز العربي، ولما حلَّ القرن السادس عشر، واستولى السلطان سليم التركي على مصر أصبحت لا ترى فيها فناً عربياً، فقد قضى الترك الفاتحون على الفن العربي بسرعة، وأخذ هذا الفن ينطفئ شيئًا فشيئًا، والحق أن الفن لا يعيش إلا حيث يُقدَّر ويُشجَّع، والحق أن دماغ التركي لا يستطيع تقدير الفن الرفيع.
وترى المبانيَ التي أقيمت في العهد التركي من ذوات الشكل الثقيل والزخارف المتعبة والألوان الكريهة، وأصاب إيبر حيث قال «إن من الحظ الحسن أن كانت هذه الآثار غيرُ محتاجة إلى زمن كبير حتى تؤذي عيونَ رجال الفن، ولم تُبن هذه الآثار لتدوم، وإنما لتكون وسيلة لخدمة الساحات التي أقيمت عليها، وما جزاء الذين أقاموها، من غير أن يفكروا في أمر الأجيال الآتية، إلا أن تنتقم منها هذه الأجيال بأن تنساهم.»
(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:
لا ترى غيرَ شَبَهٍ ضعيف بين المباني العربية في إفريقية الشمالية أو صقلية وبينها في مصر، وذلك خلافاً لمماثلتها لمباني الأندلس الأولى.
ونحن لا نقدر أن نتكلم عن القصور الإفريقية؛ لعدم وجودها في الوقت الحاضر، وإنما نذكر أن مارمول، الذي زار قصور مراكش وفاس بعد سقوط غرناطة بقرنٍ واحد، قال في وصفه لإفريقية:«إن هذه القصور تشابه قصر الحمراء على العموم.»
شكل 8 - 9: رواق عالٍ في إحدى رداه القصر بإشبيلية (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
والشبه الذي يرجَّح وجوده بين القصور العربية القديمة في إفريقية وبينها في الأندلس موجودٌ حقاً بين مبانيهما الدينية، وما انتهى إلينا منها دليلٌ قاطع على هذا، وأظهر ما يكون هذا الشبه في مآذنهما المربَّعة العاطلة من الأروقة والأطناف الخارجية، والمؤلف بعضها من طبقتين مُتَقَبِّضَتَيْن أو ثلاث طبقات مُتقبِّضات.
وتختلف هذه المآذن العربية الإفريقيةُ الأصلية عن مآذن مصر جملةً وتفصيلاً، ونجد جميع المآذن الإفريقية التي أقيمت بين القيروان وفاس من فصيلةٍ واحدة، ومنها التي أقيمت بالجزائر وطنجة في تواريخ لاحقة مع شَيْدها على الطُّرُز القديمة، ونجد من هذه الفصيلة برج لاجيرالدة (برج لعبة الهواء) القائم في أشبيلية، وأبراج كنائس طليطلة الكثيرة البادية العروبة.
وإذا عدوت هذه المآذن المبتكرة وجدت مساجد إفريقية القديمة، كمساجد القيروان مثلاً، تختلف اختلافًا كبيرًا عن مساجد مصر وفارس باتخاذها القباب البيزنطية المنخفضة عنصراً خاصاً، ويعلو جامع القيروان الكبير، الذي كان هذا السِّفر أول كتاب اشتمل على صور له، أربعُ قباب منخفضة.