الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)
تم بناء هذا القصر، الذي أنشأه شاهجهان، في سنة (1058 هـ/ 1648 م) وهذا القصر هو أجمل القصور الإسلامية التي أقيمت في بلاد الهند وفارس، وما في رداهه من الفسيفساء يجعلها قطعاً من الحلي.
ولم ينل هذا القصر الشهير (الذي هو من أعجب ما شاده البشر، والذي ضن به البرابرة الذين توخوا دهلي غير مرة ونهبوها فلم يخربوه) من الإنكليز ما يستحق من العناية، فقد هدموا جميع أجزائه التي رأوا أنهم لا ينتفعون بها، وأقاموا في مكانها ومن أنقاضها ثكناً، ولم يحترموا سوى الرداه التي رأوا فيها بعض النفع لهم، وذلك مع علمنا أن الإنكليز، الذين حسبوا مقدماً نفقة تنظيف تلك الرداه من فسيفسائها وزخارفها الجميلة عند تحويلها إلى إسطبلات ومراقد للجنود، لم يروا للخلاص من تلك النفقة ما هو أسهل من تكليسها، فسخط العالم على هذا العمل الهمجي الذي تحمر منه وجوه وحوش البرابرة خجلاً، فاضطر الإنكليز إلى كشط ما جنت أيديهم من عمل حقير، وما أبقاه الإنكليز من ذلك القصر يكفي، مع ذلك، لبيان ما كانت عليه حاله قبل أن تصيبه يدهم الهدامة، ويمكن القارئ أن يتمثله بسهولة عند نظره إلى الصورة التي نشرناها في هذا الكتاب عن إحدى رداهه.
وزار هذا القصر الشهير في إبان عظمته فرنسيان، أحدهما: طبيب اسمه بيرنيه، والآخر: صائغ اسمه تافرنيه، ووصفا دقائق كنوزه في سنة 1670 م وسنة 1677 م، وأذن للصائغ تافرنيه في فحص حجارته الكريمة ورسمها، وتجد في كتابه تقديراً ورسوماً لأهمها، ومما جاء فيه أن في القصر سبعة تيجان مرصعة بالألماس، وأن ثمن أهم هذه التيجان السبعة يقدر بـ 160500000 فرنك.
وليس من الصعب أن نستعين بما ذكرناه آنفاً، وبما جاء في كتب المتقدمين من الوصف، فنتصور الحال التي كان عليها بلاط ملوك الهند المعاصرين لملك فرنسة لويس الثالث عشر تقريباً، فالسائح الذي يقترب من دهلي يشاهد في الأفق غابة من القباب
والمناور التي تناطح السماء، ثم يمتع -بعد أن يدخل دهلي- نظره بمئات القصور والمباني الساحرة المكسوة بالميناء الملون الذي لا يقدر على الإعراب عن جماله غير التصوير، ويجب عليه، إذا ما رغب في اجتلاء طلعة سيد تلك العجائب، أن يسأل عن الساعة التي يذهب فيها إلى المسجد، وهو يشاهد، في أثناء انتظاره صابراً أزوف تلك الساعة، الرياض الغن ذات الجواسق المخرمة المغطاة بالفسيفساء والمنعكس رخامها في مياه الفساقي والحياض العميقة والبارزة من بين أزهار الجلول والياسمين وشجر البرتقال والليمون والأشجار العطرة الطيبة الرائحة التي لا تعرف بلادنا مثلها.
وبينما يقضي السائح العجب من تلك العجائب، فيقول في نفسه: إن ملائكة رواية ألف ليلة وليلة لا تستطيع أن تبدع ما هو أروع منها، يسمع ألوف الصنوج تدق إيذاناً بمجيء الملك، ويرى أنه يخرج من باب القصر الهائل جمع كبير من الدم المتسربلين بسرابيل براقة، ومن الجنود المدججين بالسلاح اللامع، ومن العبيد السمر ذوي الخلاخل الفضية، والحاملين للمحامل الزاهية ذات المظلات المخملية، ويري، في وسط موكب من فرسان الهندوس والفرس والتركمان الحاملين سيوف الهند المرهفة، ومن أكابر الأمراء والأعيان اللابسين أفخر الثياب المطرزة بالذهب والفضة والحجارة الكريمة، صاحب الجلالة الملك الراكب فيلاً ضخماً متنز الخُطا، والذي تظلله مظلة من الحرير المطرز بالألماس والزمرد، ويرى الجمهور وهو يخر ساجداً لذلك الملك المطلق الذي هو سيد الهند، وظل الله الحي المرهوب في الأرض، والمالك لخمس عشرة مملكة، والذي هو ملك أغرا ودهلي وكابل ولاهور وكجرات ومالوا وبنغال وأجمير، ويرى على جوانبه فريقاً من حاشية الملك يحرك مراوح من ريش الطاووس ذوات أهداب مرصعة بالحجارة الكريمة على حين تلقي الشمس أشعتها الذهبية على ذلك الموكب الملكي الشرقي الباهر.