المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) صلات العرب بإفريقية: - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

مليون مسلمٍ منتشرين في أجزاء مملكة ابن السماء، ومن وجود مائة ألف مسلمٍ وأحد عشر مسجدًا في مدينة بكين وحدها.

(3) صلات العرب بإفريقية:

كانت صِلات العرب بإفريقية على جانب عظيم من الأهمية أيضاً، وكان العرب يعرفون جيدًا أصقاع إفريقية الوسطى التي يَصِل إليها رُوَّادنا في الوقت الحاضر بِشِقِّ الأنفس، فيُعدُّ كل ارتياد لما حادثاً مهماً في أوربة.

ويدلُّ إسلام أمم تلك الأصقاع التي يزورها تجار العرب على مقدرة العرب في حمل الأمم على الترحيب بهم، ويجد السياح أثرًا لتأثير العرب في أكثر البقاع التي يدخلونها في الوقت الحاضر، وعندي أنه يَجْدُر بالسياح المعاصرين الذين يرغبون في درس شؤون إفريقية درساً مفصلاً من غير أن يُرهِقوا ميزانية دولتهم، وفي الاغتناء عند الاقتضاء، أن يحذوا حَذْوَ العرب في ارتيادهم، أي في تنظيمهم للقوافل التجارية؛ فالنجاح أضمن -على العموم- في حمل أية أمة على قبول فريق من الناس قبولاً حسناً عن طريق المقايضة التجارية من اجتياز هذا الفريق لأرَضيها بغير هدفٍ ظاهر، ومبادرتها العدوان برصاص البنادق عند سوء الظن.

وكان لعرب المغرب صلاتٌ تجارية بأقسام إفريقية الغربية على الخصوص، وكان لعرب مصر صلات بأصقاع إفريقية الشرقية والوسطى، وكان عربُ مصرَ يذهبون إلى بلاد السودان بعد أن يقطعوا الصحراء طلباً للذهب والعاج والأرِقَّاء، وبلغ العرب -في ارتيادهم إفريقية- بقاعًا مهمة، ومنها مدنٌ لم يُوفَّق الأوربيون المعاصرون لزيارتها، كمدينة تَنْبَكْتُو، وكان العربُ يصلون إلى السواحل وإلى المناطق الوسطى أيضًا.

قال مسيو سيديو: «يصلُ العرب من شواطئ إفريقية إلى مضيق باب المندب ثم إلى الزنجبار فإلى بلاد الكاب، ويُؤسِّسون برافا ومنباسة وكيلوة حيث يعتزل أخٌ لأمير شيراز، وموازنبيق وصوفالا وميلندة ومغادوكسو، ويستولون على الجُزُر القريبة من الشواطئ، وعلى مراكز كثيرةٍ في مدغشقر

ولم يكن أقل من هذا تأثير القرآن في إفريقية الوسطى التي لا تزال غير معلومة لدينا، وكان ما أقامه العرب من الممتلكات في الساحل الشرقي يُسهِّلُ عليهم ولوج داخل إفريقية من هذه الناحية، وكان المسلمون يزورون بلادَ الصومال الوديعة الِمقْرَاة، فتُؤلِّف، مع سوقطرة، مستودعاً تجارياً مهماً جداً، وكانوا يزورون بلاد الحبشة وسنار وكردفان التي لها علاقاتٌ دائمة بمصر فتعدُّ

ص: 574

المفتاح الحقيقي لدارفور والوادي، وكانوا يذهبون من طرابلس الغرب إلى فزان، وكانت قوافلهم تذهب من بلاد المغرب مُوغِلَةً في الصحراء الكبرى غيرَ خائفة من المغامرة في رمالها التي تمتد من ضفاف النيل إلى المحيط الأطلنطي، والتي تبلغ مساحتها نحو مائتي ألف فرسخ مربع، وغيرَ خائفة من الانتشار في بلاد السودان، والحق أن العرق العربي خطَّ طريقه بين سكان إفريقية بحروف لا تُمحى، والحق أن جميع السياح المعاصرين أجمعوا على الإشادة بما نجم عن هذا من الإصلاح في تكوين هؤلاء السكان بدناً وخلقاً وعقلاً.»

شكل 9 - 2: صندوق صغير من العاج المحفور، وهو مصنوع في مراكش في القرن الحادي عشر من الميلاد (من صورة قديمة).

(4)

صلات العرب بأوربة:

كانت لأوربة علائقُ بالعرب مدةً طويلة، وكانت هذه العلائق تتمُّ بالطرق الآتية:

(1)

طريق جبال البرنات.

(2)

طريق البحر المتوسط.

ص: 575

شكل 9 - 3: إناء من البرونز مصنوع على الطراز الصيني العربي (من مجموعة شيفر، من صورة فتوغرافية التقطها المؤلف)

(3)

طريق الفلغا المؤدية إلى شمال أوربة باجتياز بلاد روسية؛ فأما الطريقان الأوليان: فكان يسلكهما عرب الأندلس، وأما الطريق الثالثة: فكان يسلُكها عرب المشرق.

وأقام العرب بجنوب فرنسة عدةَ قرون، وكان لا بد لهم من إيجاد صلاتٍ فيما وراء جبال البرنات، غير أنهم كانوا يفَضلون أن تَقصِد بِعثاتُهم التجارية سواحل البحر المتوسط على الخصوص، وأن يتصلوا فيها بأمم تجارية مهذبة أكثر من التي كانت تقطن بفرنسة أيام سلطانهم في إسبانية.

وكان العرب سادة البحر المتوسط، وكانوا يرسلون إلى جميع الموانئ الأوربية والإفريقية المحيطة بهم منتجاتِهم الصناعية والزراعية كالقطن والزعفران والورق والحرير الغرناطي والجلد القرطبي والنصال الطليطلية

إلخ، وكانت المرافئ الإسبانية، قادس ومالقة وقرطاجنة

إلخ، مراكز لنشاط يناقضه ما هي عليه الآن مناقضةً محزنة.

ولا نرى أي أثر لصلات العرب التجارية بشمال أوربة في كتب التاريخ القديمة التي انتهت إلينا، ولكن الوثائق التي هي أدقُّ من كتب التاريخ تُثبِت وجود تلك الصلات، وتدل على تاريخ بُداءتها ونهايتها فضلًا عن الطرق التي كانوا يسلكونها، وتتألف هذه الوثائق من نقودٍ تركها العرب في الطرق التي كانوا يمرون منها؛ فتكشف أعمال الحفر الحديثة عنها في كلِّ يوم.

ص: 576

شكل 9 - 4: إناء من البرونز مصنوع على الطراز الصيني العربي (من مجموعة شيفر، من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

ومن هذه النقود نعلم أن نُقطة البُداءة لتلك التجارة هي سواحل بحر قزوين، حيث كان يجتمع تجار المراكز التجارية الكبرى، كدمشق وبغداد وسمرقند وطهران وتفليس، ويسيرون من أستراخان مع نهر القلغا إلى مدينة بُلغار (مدينة سنبرسك الحاضرة) الواقعة لدى قدماء البلغار في روسية، والتي كانت تعد مستودعًا تجارياً بين آسية وشمال أوربة.

ويظهر أن العرب لم يجاوزوا مدينةَ بلغار، وكان تجار أممٍ أخرى يأخذون السلع صاعدين مع نهر القلغا غير تاركين له إلا لِيَنْزلوا إلى البحر البلطيِّ ويصلوا إلى خليج فنلندة، وكانت نوفغورود وشلزويغ، ولا سيما جزر البحر البلطي وغُوتْلَنْد وأوُلَند وبُور نهْوُلْم، أهمَّ مستودعات شمال أوربة، وقد عُدت النقود العربية التي وُجِدَت في هذه المستودعات بالمئات.

ص: 577

شكل 9 - 5: آنية من البرونز مصنوعة على الطراز الصيني العربي (من مجموعة شيفر، من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف)

وكان التجار يتوجهون من خليج فنلندة إلى أهم نقاط شواطئ البحر البلطي، أي إلى شواطئ إسوج وفنلندة ودانيمارك وبروسية، وكانوا يصعدون مع ما يجدون على الشواطئ من مجاري المياه، وذلك كما تدل عليه النقود العربية التي وُجدت في سيليزية وبولونية، ولا سيما في جوار وارسو.

ويدل وجودُ كثيرٍ من النقود العربية في أماكن معينة على صلات أصحاب هذه النقود التجارية بالدولة العربية فيما مضى، وإن لم يكن عندنا سوى فرضيَّات حول حقيقة الشعوب التي كانوا ينتسبون إليها، وترانا نعرف، مع ذلك أنهم كانوا مسلمين، لما لا نزال نجد من روسٍ مسلمين. وتثبت الكتابات الكوفية التي وُجدت في روسية أنه كان للعرب مستعمرات عند الخزر والبلغار هنالك، ولكنه ليس لدينا ما يدل على أن تجار العرب كانوا يذهبون إلى ما هو أبعد من مدينة بلغار، وبلغار روسية هم الذين كانوا ينقلون السلع إلى أهل دانيمارك لا ريب، وأهل دانيمارك، الذين لم تصفهم التواريخ الأوربية لنا بغير القراصنة، كانوا يتعاطون التجارة أكثر من تعاطيهم القرصنة إذن.

وكان العنبر، الذي هو من السلع المرغوب فيها كثيراً في الشرق والفِراء والقصدير، والإماء على حسب ما ورد في بعض النصوص العربية، أهمَّ مواد تجارة العرب في شمال أوربة، وكان أهلُ دانيمارك يأخذون نسائج الشرق وبُسطه وآنيتَه المنقوشة وحليَّه في مقابل هذه السلع، وأرُجِّح أن يكون كثيرٌ من منتجات الشرق، كالحليِّ المحزَّزة مثلًا،

ص: 578

شكل 9 - 6: مصابيح عربية قديمة في بعض المساجد وهي مصنوعة من زجاج مطلي بالميناء (من تصوير المؤلف الفوتوغرافي)

قد دخل في عدة أقسام من أوربة الغربية، وتراني أميل إلى الاعتقاد بأن بعض الحليِّ الموجودة في متحف ستوكلهم، على أنها من مصنوعات إسكندينافية في الدور الحديدي، والتي نشرتُ صور عدة نماذج لها في كتابي الأخير، قد جُلِب من الشرق بتلك الطريق التي تكلمت عنها، فالحق أن كثيراً من هذه الحليِّ ذو منظر شرقي.

وتدلُّ تواريخ النقود التي وُجدت في روسية، من مصب نهر الفلْغَا إلى شواطئ البحر البلطي، على أن بدء تلك التجارة العربية كان في عهد الخلفاء الأولين، وأن ختامها لم يجاوز أواخر القرن الحادي عشر من الميلاد، ولذا تكون قد دامت نحو أربعة قرون.

وآخر تاريخ لتلك النقود التي وُجدت هو سنة 1040 م، وبنو العباس هم أكثرُ من ذُكِرَ فيها من أولياء الأمور بآسية.

ص: 579

شكل 9 - 7: إناء من النحاس المكفت بالفضة مصنوع في دمشق على الطراز الحديث (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف)

ووُجد بين تلك النقود نقود عربية ضُربت في الأندلس، ولكنها من الندرة ما يحتمل أن يكون قد وصلت معه إلى شمال أوربة بعد أن تداولها تجارُ دمشق وسمرقند.

والأسبابُ التي انقطعت بها صلاتُ العرب التجارية بشمال أوربة بسيطةٌ جداً، أي أن ما اشتعل من الفتن الداخلية في آسية وما تم من هجرة البلغار وما حدث من الاضطرابات السياسية في روسية وَقَفها في القرن الحادي عشر، وأنها إذا كانت لم تُستأنف فيما بعدُ فلِمَا نشأ عن الحروب الصليبية من تحويل تجارة أوربة مع الشرق إلى طريق البحر، وأن أهل البندقية ابتلعوا تجارة الشرق مع الغرب منذ القرن الثاني عشر من الميلاد، فصارت جميعُ المنتجات التي يُبادَل بها في مختلف أجزاء العالم تمرُّ من أيديهم.

ص: 580