الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:
شكل 8 - 10: أحد أبواب ردهة الصبايا في القصر بأشبيلية (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
قسم جيرول دوبرانجه فن العمارة العربيَّ في بلاد الأندلس إلى ثلاثة أدوار مختلفة: الدور البيزنطي ودور الانتقال والدور المغربي، ولا أرى سبباً جدياً للتسليم بهذا التقسيم مع رضا الآخرين به على العموم، فلا معنى للتعبير عن فن العمارة العربي بالفن المغربي أي البربري ما دام البربر لم يُدخلوا أيِّ عنصر جديد إلى فنون العرب، أجل، حَكَم ملوكٌ من البربر عرب الأندلس كما حكم ملوك من الشركس عرب مصر، ولكن البربر والشركس لم يبتدعوا شيئاً في الفنون، ولذلك لا نجد فن بناء مغربي في الأندلس كما أننا لا نجد فن بناء شركسي في القاهرة.
على أن لدينا من البينات ما يثبت أن البنائين في أيام ملوك البربر كانوا من العرب، فقد روى ابن سعيد «أن أميري الموحدين، يوسف ويعقوب المنصور، أحضرا من الأندلس مهندسين لإنشاء جميع المباني التي أقاموها في مراكش ورباط وفاس والمنصورية
…
ومن المعروف اليوم (1237 م) أن هذا الازدهار وهذا الرخاء في مراكش انتقل إلى تونس فأقام سلطانها قصورًا وغرس حدائق وكروماً على الطريقة الأندلسية مستعينًا بمهندسي الأندلس وبنَّائيها ونجَّاريها ولبَّانيها ودهَّانيها وبُستانييها، أي تم شَيْد هذه المباني وفق رسوم وضعها أناسٌ من الأندلس أو صنعت تقليداً لمبانٍ أندلسية.»
شكل 8 - 11: مسجد همذان القديم بفارس (من تصوير كوست)
وجامعُ قرطبة هو أقدمُ مباني العرب في بلاد الأندلس، وأقيم جامعُ قرطبة في دور فنِّ العمارة الذي أسُمِّيه دورَ فنِّ العمارة البيزنطي العربي، لا البيزنطي وحده، وذلك لما لم نَجد من بناء بيزنطي يشابهه، وهو، وإن كان يشتمل بوضوح على بعض عناصر الفن البيزنطي «كتيجان عَمَدِه التي هي على شكل أوراق الشجر ونقوشِه التي هي على شكل الأغصان وزينتِه المتشابكة وفسيفسائه وزخارفه التي هي على أساس من ذهب
…
إلخ»، يختلف عن المباني البيزنطية بما فيه من الزينة بالخط الكوفي، وبأقواسه المصنوعة على شكل نعل الفرس بفلق كثيرة والقائم بعضها فوق بعض، وبجزئيات
زخارفه، ويكتسب جامع قرطبة بهذا طابعاً باديَ الإبداع يتميز به من أي بناء بيزنطي، وما قضت به الحال عند صنعه، أي ضرورة تنضيد ما كان عند القوم آنئذ من العَمَد لينال به عُلواً مناسباً لعَرضه، أكسب صحونه منظراً لا تجده في أي بناء سابق، ومن تَجَلِّي ذوق العرب الفني في شَيْده طريقتُهم في تركيب أقواسه لستر ذلك التنضيد، فعلى من يَعْزو مثل هذا الذوق الفني البديع الرفيع إلى البيزنطيين أن يدلنا على مبانٍ أخرى استعملوا فيها هذه الطريقة.
وتخلَّص عرب الأندلس من المؤثرات الفنية البيزنطية بسرعة كالتي تخلَّص بها عرب مصر، ولم تلبث النقوش العربية والمتدليات أن قامت مقام الزخارف البيزنطية على أساس ذهبي، ولم تلبث الحنايا أن تحوَّلت إلى أقواس مصنوعة على رسم البيكارين ومنقوشة نقشًا لطيفًا.
ومباني العرب في طليطلة أقدمُ آثارهم في الأندلس خلا ما في قرطبة، وفي طليطلة آثارٌ عربيةٌ مهمة كباب بيزغرة (باب شقرة) الذي بدئ بإنشائه في القرن التاسع من الميلاد وباب الشمس الذي أنشئ في القرن الحادي عشر من الميلاد
…
إلخ، ويمكن الباحث في طليطلة أن يتبين بعض مراحل تطور الفن العربي.
وهدمت مآذن المساجد القويمة في الأندلس، ولم يبق منها سوى برج لاجيرالدة (لعبة الهواء) الذي أقيم في أشبيلية في القرن الثاني عشر من الميلاد، ويمكننا أن نذهب إلى أنها كانت مُربعة الشكل كالمآذن التي أنُشئت في إفريقية، وإنني أستند في رأيي هذا إلى ما في بروج كنائس طليطلة التي لا تزال قائمةً من التقليد لمآذن العرب في الشكل والفروع الجوهرية، ويمكننا أن نذهب إلى ما هو أبعد من هذا فنقول: إن الأندلس لم تَعرِف مآذن مشابهةً لمآذن القاهرة، ولو عرفوها لكان النصارى قد قلَّدوها أيضاً.
وكلما كانت إقامة العرب بإسبانية تطول زاد فنُّ بنائهم غِنًى وزخرفًا، ولسرعان ما تحرر هذا الفن من كل مؤثر أجنبي، ولسرعان ما غابت الزخارف البيزنطية، ولا سيما الفسيفساء على أساسٍ ذهبي، تاركةً المجالَ لطرازٍ جديد في الزينة، فكان القصر في أشبيلية والحمراء في غرناطة بناءين وصل فنُّ العمارة بهما إلى أسطع أدواره.
وبدئ ببناء القصر في أشبيلية في القرن الحادي عشر من الميلاد، ثم صُلِّح في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الميلاد، وذلك عدا ترميمه في زمن شارلكن وزمن فليب الثاني والزمن الحاضر، وأنُشئت وجهته في القرن الثالث عشر من الميلاد، ويعد بهو الدمى وبهو السفراء وغيرُهما من أقسامه آثارا قديمة جداً.
شكل 8 - 12: مسجد شاه خدا وضريحه في سلطانية (القرن السادس عشر، من تصوير تكسيه).
ولا يلاحَظ في أقسام القصر الأشبيلي الأولى مثلُ ما في قصر الحمراء من فَيْض الزخارف ومن القباب ذات النقوش المتدلية، ومع ذلك فكلا القصرين متقارب، ولا يختلفان في غير الدقائق، ويكثر في القصر الأشبيلي ما نَدَر وجوده في قصر الحمراء من الأقواس المجاورة (المصنوعة على شكل نعل الفرس) والأقواس المصنوعة على رسم البيكارين، وتجد في القصر الأشبيلي من السقوف ذات التقاطيع الملونة المذهبة المحفورة ما يشابه سقوف قصور القاهرة ودمشق القديمة.
وبلغ خِصْب الفن العربي الأندلسي غايته في قصر الحمراء الذي أنشئ في القرن الثالث عشر من الميلاد، وعلى ما فيه من غُلُوٍّ في الزُّخرف نرى هذا الغلو وليد ذوقٍ رفيع لا يتجلى في آثار دورٍ مُنحط.
ومع أن جُدُر قصر الحمراء مصنوعةٌ من مزيج من الكلس والرمل والصلصال والحصباء، لا من الحجارة المنحوتة، ومع أن زخارفه من الجِصِّ المضروب في القوالب،