الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن غير أن نذهب بعيداً إلى أحكام القوانين والديانات القديمة في نقص المرأة عقلاً وأخلاقاً، أذكر أن بعض العلماء المعاصرين أثبتوا ذلك النقص مستندين إلى عوامل تشريحية ونفسية كثيرة، فحاولوا إقامة الدليل على أن الحضارات كلما تقدمت اختلفت المرأة عن الرجل ذكاء.
ولا يظن القارئ أن العرب، الذين احترموا المرأة أكثر من أية أمة ظهرت، لم يوافقوا على الرأي القديم القائل بنقص المرأة عقلاً وأخلاقاً، فشكوكهم في وفاء المرأة كبيرة إلى الغاية، وذلك أن المرأة في نظرهم من المخلوقات الصغيرة الجميلة الفاتنة العابثة اللاهية التي لا يُرْكَن إلى ثَبات جَنانها طرفة عين، وقديماً قال مشترع الهند الرزين مَنُو الذي ظهر قبل مُحَمَّد بأكثرَ من ألفي سنة:«تُعد المرأة زانيةً إذا خلت بالرجل مُدةً تكفي لإنضاج بَيْضَة.»
أجل، إن المدة التي حددها مَنُو لإصدار هذا الحكم الصارم قليلة، ولكنه نشأ عن اعتقاد الشرقيين صحة ذلك تقييدُهم لحرية المرأة وإكراهها على العَيش في دوائر الحريم، وهذا لا يعني أنهم يَرَون عِصمة المرأة بين الجدُر والخِصيان، وإنما حملوها على العيش في هذه الدوائر لعدم اكتشافهم علاجاً أفضل منه، ومن يُنْعِم النظر في أقاصيصهم الشعبية يَرَ فيها أثراً لهذا الاعتقاد، فاقرأ رواية ألف ليلة وليلة العجيبة، مثلاً تجد أن فاتحتها الدقيقة تدور حول مَيْل المرأة إلى الخداع بطبيعتها، وأن المرأة لو حُبِست في قفص من زجاج وراقبها مَلَكٌ مِغيار لاستطاعت، في الغالب، أن تخادع كما تشاء، والشرقيون، إذ كانوا مُطَّلِعين بغرائزهم على سرائر الأمور، يَرَون من طبيعة المرأة أن تكون غادرةً غيرَ وفيَّة كما أن الطيران من طبيعة الطير، والشرقيون، إذ كانوا حريصين على صفاء نَسلهم، اتخذوا ما يروقُهم من وسائل الحذر منعاً لحدوث ما يَخشَون.
(3) الزواج عند العرب
أباح القرآن للمسلم أن يتزوج أربعَ نِسوَة من الحرائر وما شاء من الإماء، ويُعد أولاد الإماء شرعيين كأولاد الحرائر.
وللزوج أن يُطَلِّق زوجته، ولكنه يجب عليه أن يصنع ما يَكْفُل به مصيرها.
وفي بلد كالشرق، حيث يَسْهُل الزواج فيتزوج الرجال والنساء في مَيعَة الشباب يُدْرَك السر في إمكان صرامة الطبائع بأشد مما في أوربة، والحق أن الطبائع في الشرق صارمة، وأن من النادر أن ترى رجلاً يتملَّق زوجةَ رجلٍ آخر لمخالفة ذلك للطبيعة عند الشرقيين
مع عدِّه أمراً طبيعياً لدى الأوربيين، «فلا ترى هنالك، كما قال الدكتور إيزَنْبِرْت، مثلَ، ما يُكَدِّر صفو الحياة الزوجية في أوربة من الخيانة التي هي أعظم إفساداً للأخلاق من تعدد الزوجات على ما يحتمل.»
وتحاط المرأة في الشرق برقابة شديدة، ولا يزورها رجل، ولا تخرج من بيتها إلا مبرقعة، وإذا عَدَوْتَ الآستانة وجدت النساء الشرقيات مصحوبات على العموم، ولا يتعرض أحد لهن إلا نادراً، ولا نَعْجَب كثيراً، إذن، من قول الشرقيين إن نساءهم أفضل من الأوربيات.
ولا يزال رب الأسرة الشرقية محافظاً على سلطانه خلافاً لما هو واقع في الغرب، ولا تُكَلِّمُ النساء الشرقيات أزواجهن إلا بأدب، ويقتدي الأولاد بهن بطبيعة الحال، ويتمتع رب الأسرة الشرقية، في الحقيقة، بمثل ما كان يتمتع به ربُّ الأسرة في رومة الغابرة من السلطان والامتيازات، ولا يجد الشرقيون فينا ما يُثير حسدهم من هذه الناحية.
وينظر العرب شزراً إلى العزوبة، والعزوبةُ تزيد في الغرب شيوعاً كلَّ يوم كما دلت عليه الإحصاءات، ومتى بلغ العربيُّ العشرين من عمره تزوج على العموم، ومتى بلغت العربية ما بين السنة العاشرة والسنة الثانية عشرة من عمرها تزوجت على العموم، وقد اعترف إيبر بفائدة هذه العادة فقال:
«لا يسعنا إلا الشهادة بحسن تلك الروح البَيْتِيَّة، وصلاح تلك الحياة المنزلية.»
ويمتاز الزواج الشرقي من الزواج الأوربي، فيما عدا مبدأ تعدد الزوجات، بأن الزوج في الشرق هو الذي يدفع إلى أهل الزوجة مهراً متحوِّلاً بحسب ثروتيهما، وبأن الزوجة عند أكثر الغربيين، ولا سيما طبقاتُهم الموسرة، هي التي تدفع مبلغاً من المال يُعرف بالدُّوتَة لتنال زوجاً.
وحقوق الزوجة التي نص عليها القرآن ومفسروه أفضلُ كثيراً من حقوق الزوجة الأوربية، فالزوجة المسلمة تتمتع بأموالها الخاصة فضلاً عن مهرها، وعن أنه لا يُطلب منها أن تشترك في الإنفاق على أمور المنزل، وهي إذا أصبحت طالقاً أخذت نَفَقَةً، وهي إذا تأيَّمت أخذت نفقةَ سنةٍ واحدة، ونالت حصة من تركة زوجها.
وتعامَل المرأة المسلمة باحترام عظيم فضلاً عن تلك الامتيازات، وتنال بذلك حالاً أجمع الباحثون المنصفون، ومنهم من ناصب بعاطفته مبدأ تعدد الزوجات العِداء، على الاعتراف بحسنها، ومن هؤلاء مسيو دو أَمِسِيس الذي قال في مَعرِض الحديث عن المرأة في الشرق، وذلك أن أنحى باللائمة على تعدد الزوجات وَفْقَ وجهة نظره الأوربية: «إن
شكل 4 - 7: فتاة سورية (من صورة فوتوغرافية).
المرأة في الشرق تُحترم بنُبْل وكرم على العموم، فلا أحد يستطيع أن يرفع يده عليها في الطريق، ولا يجرؤ جنديٌّ أن يسيء إلى أوقح نساء الشعب حتى في أثناء الشغب، وفي الشرق يَشمل البعل زوجته بعين رعايته، وفي الشرق يبلغ الاعتناء بالأم درجة العبادة، وفي الشرق لا تجد رجلًا يُقدم على إلزام زوجته بالعمل ليستفيد من كسبها، وفي الشرق يدفع الزوج مهراً إلى زوجته فلا تجيء الزوجة إلى بيت زوجها مصحوبةً بأكثر من جهازها ومن بضع إماء لها، وإذا طُلِّقَت الزوجة في الشرق أو هُجِرت أعطاها الرجل نَفَقَةً لتعيش عن سعة، وحَمْلُ الزوج بعد الفراق على القيام بهذا الإنفاق يمنعه من إساءة معاملتها حَذَرَ مطالبته بالفراق.»
والاعتراض الوحيد الظاهر الذي يوجَّه إلى مبدأ تعدد الزوجات هو أنه يجعل المرأة تَعِسَة، وقد أجمع على فساد هذا الزعم الذي طال أمَده جميعُ الأوربيين الذين درسوا أمره في الشرق عن كَثَب، فبعد أن ذكر مسيو إيبر، الذي بدا خصمًا لمبدأ تعدد الزوجات مع تردُّدٍ، أن المسلمات لا يتظلمن منه قال:«قد يظهر لأخواتهن الأوربيات أنهن من الذليلات، ولكنهن لا يشعرن بأنهن أسيرات مطلقاً، وهن يقلن ــ في الغالب ــ لنسائنا اللاتي يَزُرْنَهُنَّ: إنهن لا يَقْبَلْنَ استبدال حالنا بحالهن.»
شكل 4 - 8: امرأة تركية بالزي البلدي (من صورة فوتوغرافية).
ولم يكن مدير مدرسة اللغات في القاهرة، مسيو دوفوجاني، أقلَّ صراحة من ذلك: فقد قال: «تَعُدُّ المسلماتُ أنفسهن غير تعسات من حياة العُزلة التي يَفْرِضها عليهن نظام الحريم، فهن إذ يولَدن في دوائر الحريم غالباً يترعرعن فيها جاهلاتٍ وجودَ حياة لبنات جنسهن أفضلَ من تلك الحياة مُعرضاتٍ عن الحرية التي تتمتع بها الأوربيات، ولا غرو، فدوائر الحريم كانت مسرح طفولتهنَّ ومسراتهنَّ الأولى وهواجسهنَّ الأولى.
«ويقال إن العادة طبيعة ثانية، فإذا صحَّ هذا القول كانت حياة الحريم طبيعة ثانية لبنات الشرق، فهن إذ يتعوَّدن السير في دائرةٍ يعرفن حدودها لا يُفكِّرن حتى في التحرر منها، وهن حين يتزوَّجن ينتقلن من دوائر آبائهن إلى دوائر أزواجهن حيث يتمتَّعن بأنعُمٍ جديدة ويفتحن قلوبهن، الخاليةَ من تَرَحٍ تُورِثه تربيةٌ دقيقة، لمعاني السعادة، وما يلاقينه من رعاية أزواجهن يجعل هذه السعادة أمراً ميسوراً، والمسلم
يحبُو بكل جميل وبكل ثمين، والمسلم يحب أن يعرض في دوائر حريمه كل ما ينمُّ على الترف والزخرف مع أنه يرضى لنفسه برقعةٍ مُتَّضِعَةٍ إذا ما قيست بتلك.»
ونَقَضَ ذلك العالم الرأي القائل: «إن نساء الشرق جاهلات جهلاً عميقاً» ، وذكر أنهن أعظم تعليماً من أكثر نساء أوربة، وأن منهن من ينتسبن إلى أرقى الطبقات، وقال: