المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق - حضارة العرب - غوستاف لوبون

[غوستاف لوبون]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المترجم

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌الباب الأولالبيئة والعرق

- ‌الفصل الأولجزيرة العرب

- ‌(1) جغرافية جزيرة العرب:

- ‌(2) إنتاج جزيرة العرب:

- ‌(3) أقسام جزيرة العرب:

- ‌(3 - 1) بلاد الحجر العربية (بطرا):

- ‌(3 - 2) بلاد نجد:

- ‌(3 - 3) بلاد الحجاز:

- ‌(3 - 4) بلاد عسير

- ‌(3 - 5) بلاد اليمن

- ‌(3 - 6) بلاد حضرموت ومهرة وعمان والأحساء

- ‌الفصل الثانيالعرب

- ‌(1) مبدأ العرق كما أقرته العلوم الحديثة

- ‌(2) أهمية الأخلاق في تقسيم العروق

- ‌(3) منشأ العرب

- ‌(4) تنوع شعوب العرب

- ‌(5) وصف الفوارق بين العرب

- ‌(5 - 1) عرب جزيرة العرب

- ‌(5 - 2) عرب سورية

- ‌(5 - 3) عرب مصر

- ‌(5 - 4) عرب إفريقية

- ‌(5 - 5) عرب إسبانية

- ‌(5 - 6) عرب الصين

- ‌الفصل الثالثالعرب قبل ظهور محمد

- ‌(1) الوهم في همجية العرب قبل ظهور محمد

- ‌(2) تاريخ العرب قبل ظهور محمد

- ‌(3) حضارة جزيرة العرب قبل ظهور محمد

- ‌(4) أديان جزيرة العرب القديمة

- ‌الباب الثانيمصادر قوة العرب

- ‌الفصل الأولمحمد: نشوء الدولة العربية

- ‌(1) فُتُؤَّة محمد

- ‌(2) رسالة محمد

- ‌(3) محمد بعد الهجرة

- ‌(4) حياة محمد وأخلاقه

- ‌الفصل الثانيالقرآن

- ‌(1) خلاصة القرآن

- ‌(2) فلسفة القرآن - انتشاره في العالم

- ‌الفصل الثالثفتوح العرب

- ‌(1) حال العالم في زمن محمد

- ‌(2) طبيعة فتوح العرب

- ‌(3) خلفاء محمد الأولون

- ‌(4) خلاصة تاريخ العرب

- ‌القرن الثالث من الهجرة:

- ‌القرن الرابع من الهجرة:

- ‌القرن الخامس من الهجرة:

- ‌القرن السادس من الهجرة:

- ‌‌‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌القرن السابع من الهجرة:

- ‌الباب الثالثدولة العرب

- ‌الفصل الأولالعرب في سورية

- ‌(1) اختلاف البيئات التي لاقاها العرب

- ‌(2) استقرار العرب بسورية

- ‌(3) حضارة سورية أيام سلطان العرب

- ‌(4) المباني التي تركها العرب في سورية

- ‌(4 - 1) جامع عمر

- ‌(4 - 2) المسجد الأقصى

- ‌(4 - 3) المباني العربية الأخرى في القدس

- ‌(4 - 4) برج الرملة العربي

- ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

- ‌الفصل الثانيالعرب في بغداد

- ‌(1) حضارة العرب في الشرق في دور الخلافة ببغداد

- ‌الفصل الثالثالعرب في بلاد فارس والهند

- ‌(1) العرب في بلاد فارس

- ‌(2) العرب في بلاد الهند

- ‌(2 - 1) منارة قطب

- ‌(2 - 2) باب علاء الدين

- ‌(2 - 3) مزار ألتمش

- ‌(2 - 4) معبد بندرابن

- ‌(2 - 5) مزار أكبر في سكندرا

- ‌(2 - 6) تاج محل في أغرا

- ‌(2 - 7) مسجد المعطي أو مسجد اللؤلؤ في أغرا

- ‌(2 - 8) المسجد الكبير في دهلي

- ‌(2 - 9) قصر المغول في دهلي (أو قلعة شاهجهان)

- ‌الفصل الرابعالعرب في مصر

- ‌(1) حال مصر حين الفتح العربي

- ‌واسمع جواب عمرو بن العاص:

- ‌(2) استيلاء العرب على مصر

- ‌(3) حضارة العرب في مصر

- ‌(4) مباني العرب في مصر

- ‌(4 - 1) جامع عمرو بن العاص (21 هـ/642 م)

- ‌(4 - 2) جامع ابن طولون (243 هـ/876 م)

- ‌(4 - 3) الجامع الأزهر (359 هـ/970 م)

- ‌(4 - 4) جامع قلاوون (683 هـ/ 1283 م)

- ‌(4 - 5) جامع السلطان حسن (757 هـ/1356 م)

- ‌(4 - 6) جامع برقوق (784 هـ/1384 م)

- ‌(4 - 7) جامع المؤيد (818 هـ/1415 م)

- ‌(4 - 8) جامع قايتباي (872 هـ/ 1468 م)

- ‌(4 - 9) المساجد التركية في القاهرة

- ‌(4 - 10) الآثار العربية الأخرى في القاهرة

- ‌الفصل الخامسالعرب في إفريقية الشمالية

- ‌(1) إفريقية الشمالية قبل الفتح العربي

- ‌(2) استقرار العرب بإفريقية

- ‌(3) مباني العرب في شمال إفريقية

- ‌(3 - 1) جامع القيروان

- ‌(3 - 2) مسجد سيدي أبي مدين في تلمسان

- ‌(3 - 3) مساجد الجزائر

- ‌(3 - 4) مساجد مراكش

- ‌الفصل السادسالعرب في إسبانية

- ‌(1) إسبانية قبل العرب

- ‌(2) استقرار العرب بإسبانية

- ‌(3) حضارة العرب في إسبانية

- ‌(4) مباني العرب في إسبانية

- ‌(4 - 1) المباني العربية في قرطبة

- ‌(4 - 2) المباني العربية في طليطلة

- ‌(4 - 3) المباني العربية في إشبيلية

- ‌(4 - 4) المباني العربية في غرناطة

- ‌الفصل السابعالعرب في صقلية وإيطالية وفرنسة

- ‌(1) العرب في صقلية وإيطالية

- ‌(2) حضارة العرب في صقلية

- ‌(3) غزو العرب لفرنسة

- ‌الفصل الثامناصطراع النصرانية والإسلامالحروب الصليبية

- ‌(1) منشأ الحروب الصليبية

- ‌(2) خلاصة الحروب الصليبية

- ‌(3) نتائج الحروب الصليبية بين الغرب والشرق

- ‌الباب الرابعطبائع العرب ونظمهم

- ‌الفصل الأولأهل البدو وأهل الأرياف من العرب

- ‌(1) تمثل حياة قدماء العرب

- ‌(2) حياة أهل البدو من العرب

- ‌(3) حياة أهل الأرياف من العرب

- ‌(3 - 1) الحياة الاجتماعية

- ‌(3 - 2) المساكن

- ‌(3 - 3) الطعام

- ‌(3 - 4) الأزياء

- ‌الفصل الثانيعرب المدن: طبائعهم وعاداتهم

- ‌(1) المجتمع العربي

- ‌(2) المدن العربية، البيوت، الأسواق…إلخ

- ‌(2 - 1) المدن العربية

- ‌(2 - 2) المساكن

- ‌(2 - 3) الأسواق

- ‌(3) الأعياد والاحتفالات: الولادة، والختان، والزواج، والدفن

- ‌(3 - 1) الولادة والختان

- ‌(3 - 2) الزواج

- ‌(3 - 3) المآتم

- ‌(4) مختلف عادات العرب: الحمامات، القهوات، التدخين، تعاطي الحشيش)

- ‌(4 - 1) الحمَّامات

- ‌(4 - 2) القهوات والتدخين وتعاطي الحشيش

- ‌(5) الألعاب والتمثيل والراقصون والقاصُّون…إلخ

- ‌الفصل الثالثنظُم العرب السياسية والاجتماعية

- ‌(1) مصدر نظم العرب

- ‌(2) نُظُم العرب الاجتماعية

- ‌(3) نظم العرب السياسية

- ‌الفصل الرابعالمرأة في الشرق

- ‌(1) أسباب تعدد الزوجات في الشرق

- ‌(2) تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق

- ‌(3) الزواج عند العرب

- ‌(4) الحريم في الشرق

- ‌الفصل الخامسالدينُ والأخلاق

- ‌(1) تأثير الدين في المسلمين

- ‌(2) الطقوس الدينية في الإسلام

- ‌(2 - 1) الفِرَق الإسلامية

- ‌(2 - 2) المباني الدينية

- ‌(3) الأخلاق في الإسلام

- ‌الباب الخامسحضارة العرب

- ‌الفصل الأولمصادر معارف العرب: تعليمهمومناهجهم

- ‌(1) مصادر معارف العرب العلمية والأدبية

- ‌(2) مناهج العرب العلمية

- ‌الفصل الثانياللغة والفلسفة والآداب والتاريخ

- ‌(1) اللغة العربية

- ‌(2) فلسفة العرب

- ‌(3) الأدبُ العربيُّ

- ‌(3 - 1) الشعر عند العرب

- ‌(3 - 2) الروايات والأقاصيص

- ‌(3 - 3) الحكايات والأمثال

- ‌(3 - 4) التاريخ

- ‌(3 - 5) البيان والبلاغة

- ‌الفصل الثالثالرياضيات وعلم الفلك

- ‌(1) الرياضيات

- ‌(2) علم الفلك عند العرب

- ‌الفصل الرابعالعلوم الجغرافية

- ‌(1) ريادات العرب الجغرافية

- ‌(2) التقدم الذي حققه العرب في الجغرافية

- ‌الفصل الخامسالفيزياء وتطبيقاتها

- ‌(1) الفيزياء والميكانيكا

- ‌(2) الكيمياء

- ‌(3) العلوم التطبيقية: الاكتشافات

- ‌(3 - 1) (المعارف الصناعية)

- ‌بارود الحرب والأسلحة النارية

- ‌الوِراقة

- ‌استخدام البوصلة في الملاحة

- ‌الفصل السادسالعلوم الطبيعية والطِّبية

- ‌(1) العلوم الطبيعية

- ‌(2) العلوم الطبية

- ‌(2 - 1) آثار العرب الطبية

- ‌علم الصحة عند العرب

- ‌تقدُّم العرب في الطب

- ‌الفصل السابعالفنون العربيةالرسم والحفر والفنون الصناعية

- ‌(1) أهمية الآثار الفنية في بعث الأدوار

- ‌(2) مصادر الفنون العربية:

- ‌(3) الجمال في فنون العرب:

- ‌(4) الفنون الصناعية العربية:

- ‌(4 - 1) التصوير:

- ‌(4 - 2) صنع التماثيل:

- ‌(4 - 3) صناعة المعادن والحجارة الثمينة:

- ‌(4 - 4) النقود والأوسمة:

- ‌(4 - 5) المصنوعات الخشبية:

- ‌(4 - 6) الفسيفساء:

- ‌(4 - 7) صناعة الزجاج:

- ‌(4 - 8) الصناعة الخزفية:

- ‌(4 - 9) المنسوجات والبسط والزرابي:

- ‌الفصل الثامنفن عمارة العرب

- ‌(1) معرفتنا الحاضرة لفن عمارة العرب

- ‌(2) عناصر فن عمارة العرب المميزة:

- ‌(3) المقابلة بين مباني العرب الفنية:

- ‌(3 - 1) مباني بلاد سورية:

- ‌(3 - 2) مباني بلاد مصر:

- ‌(3 - 3) مباني بلاد إفريقية الشمالية:

- ‌(3 - 4) مباني بلاد صقلية:

- ‌(3 - 5) مباني بلاد الأندلس:

- ‌(3 - 6) مباني بلاد الهند:

- ‌(3 - 7) مباني بلاد فارس:

- ‌ ولذا يمكننا أن نأتي بالتقسيم الآتي الذي يلائم معارفنا الحاضرة:

- ‌(أ) الطراز العربي قبل ظهور محمد:

- ‌(ب) الطراز البيزنطي العربي:

- ‌(ج) الطراز العربي الخالص:

- ‌(د) الطراز العربي المختلط:

- ‌الفصل التاسعتجارة العرب: صلاتهم بمختلف الأمم

- ‌(1) صلات العرب بالهند:

- ‌(2) صلات العرب بالصين:

- ‌(3) صلات العرب بإفريقية:

- ‌الفصل العاشرتمدين العرب لأوربة: تأثيرهم في الشرق والغرب

- ‌(1) تأثير العرب في الشرق:

- ‌(2) تأثير العرب في الغرب:

- ‌(2 - 1) تأثير العرب العلمي والأدبي:

- ‌(2 - 2) تأثير العربي في فن العمارة

- ‌(2 - 3) تأثير العرب في الطبائع:

- ‌الباب السادسانحطاط حضارة العرب

- ‌الفصل الأولورثة العربتأثير الأوربيين في الشرق

- ‌(1) ورثة العرب في الأندلس:

- ‌(2) ورثة العرب في مصر والشرق:

- ‌(3) ورثة العرب في الهند:

- ‌(4) شأن الأوربيين في الشرق: سبب إخفاقهم

- ‌الفصل الثانيأسباب عظمة العرب وانحطاطهمحالُ الإسلام الحاضرة

- ‌(1) أسباب عظمة العرب

- ‌(2) أسباب انحطاط العرب

- ‌(3) مقام العرب في التاريخ:

- ‌(4) حال الإسلام الحاضرة:

الفصل: ‌(4 - 5) مباني العرب في دمشق

شكل 1 - 10: سقف الرواق الأول الداخلي في جامع عمر (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

وعد بعضهم برج الرملة أثراً صليباً، وهو يذكرنا بالطراز الذي نقله الصليبيون إلى أوربة في الحقيقة، ولكنه لا ينبغي الشك في أصله العربي الثابت بدقائقه وفن بنائه، وبالكتابة التي تدل على أنه أنشئ في سنة (700 هـ/1310 م)، والتي تطابق ما رواه أحد مؤرخي العرب من أن ابن السلطان قلاوون هو الذي بناه، وتنفي الحالة التي عليها الحجر المنقوشة عليه تلك الكتابة كل احتمال بإضافة هذا الحجر مؤخراً إلى برج الرملة.

(4 - 5) مباني العرب في دمشق

ذكرنا، حين بحثنا في أحوال العرب قبل ظهور محمد، أن دمشق كانت مستودع تجارة الشرق في فجر التاريخ، وكان العرب يعرفون دمشق قبل ظهور محمد بعدة قرون لجلبهم محاصيل بلادهم إليها، وكانت دمشق جنة الدنيا في نظرهم، وكانت دمشق من

ص: 178

أروع مدن العالم في غابر القرون كما هي الآن، ودمشق هي التي قال القيصر جوستنيان إنها «نور الشرق.»

شكل 1 - 11: محراب زكريا في المسجد الأقصى (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

وكانت دمشق من الأهمية ما اتخذها العرب معه عاصمة لدولتهم بدلاً من المدينة، كما قامت بغداد مقام دمشق بعد زمن طويل.

وظلت دمشق مركزاً كبيراً للتجارة والعلوم والصناعة في الشرق حتى بعد أن عادت لا تكون عاصمة لدولة العرب، وكانت لمدرستها الطبية ومرصدها الفلكي وقصورها ومساجدها شهرة عالمية.

وظلت دمشق، التي كانت معاصرة لدور الأهرام، موجودة مع استيلاء الآشوريين والميديين والمصريين والفرس والأفارقة والرومان والعرب والترك عليها بالتتابع، ولكن انتهابها وإحراقها مما أتي على قصورها تقريباً.

والعرب، وإن زالت سيادتهم عن دمشق، يملكونها بدينهم وعاداتهم ولغتهم، وقد تكون دمشق من أكثر مدن العالم اصطباغاً بصبغة العرب، وقد نجت دمشق من النفوذ

ص: 179

شكل 1 - 22: محراب عمر في المسجد الأقصى (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).

الأوربي تماماً؛ لعطلها من مكان للأوربي إلا نادراً، وذلك خلافاً لبقية سورية، وليست دمشق كالقاهرة التي تتفرنج كل يوم مع أن العرب هم الذين أنشأوا القاهرة، وثبت ملكهم فيها عدة قرون، ومع أن القاهرة تشتمل على أبنية عربية أعظم قيمة مما في دمشق.

وعلى من يريد أن يطلع على طبائع الشرق، وأن يرجع إلى منبع التاريخ، ويعيش في الماضي، أن يزور دمشق.

وتبدو دمشق ذات المآذن الجميلة، وغوطتها للناظر من بعيد ذات منظر ساحر أجمع السياح على امتداحه وإن لم أره يعدل منظر القاهرة الفتان من فوق قلعتها، قال مسيو دافيد:

يرى السائح الذي يقترب من دمشق أنه لا شيء يعدل عظمتها وروعتها وسحرها، فلدمشق غوطها النضرة التي تقع بين سهل واسع، والتي تتخللها منازل القوم وحدائقهم، والتي تحيط بأغرب ما في الدنيا وأسطع ما فيها

ص: 180

من أسوار خلافاً لمعاقل الغرب الشاحبة الكامدة القذرة، وتبدو هذه الأسوار، المؤلفة من حجارة صفر وسود مدورة ومربعة ومثلثة على ألف شكل مع الانسجام، خملة موشاة بالزبارج كما وصفها شعراء الشرق.

وليس ذلك النطاق كل ما يبدو للأعين، فهنالك أسوار في داخل المدينة تفصل بين أحيائها، وهنالك أسوار ذات أبراج مربعة قائمة على جوانبها، وهنالك أسوار تعلوها زخارف على شكل عمائم.

ولكن هذا ليس سوى المرحلة الأولى من المنظر، فصميم المدينة أسنى وأبهى، وهو يتألف من أشجار تألفه من بيوت، وذلك أن هنا صفا من شجر السرو، وهنا محلاً للنزهة، وهناك أقواساً عربية، وهناك سوقاً للأخذ والعطاء، وهنالك نخلاً تهز رؤوسها الجميلة فوق حوض على شكل نصف دائرة لعين عظيمة، وهنالك أشجاراً مثمرة مصفوفة على شكل رقاع الشطرنج داخل قصر إسلامي، ثم هنالك أكثر من ألف قبة تعلوها الأهل النحاسية والمآذن الرفيعة القائمة على جوانبها.

ولتلك الروضة المزهرة أشجار عالية وحدائق جميلة ذات وقع في النفوس كأشعة الشمس الوهاجة، ولها شعب بردى السبع التلوية الفضية التي تهب دمشق سحر الألوان أيضاً تلك هي دمشق التي يسميها العرب بالشام، والشام ما يسمي به العرب بلاد سورية.

والأوربي، حين يدخل دمشق التي يسميها العرب درة الشرق، لا تستهويه أول وهلة، وإنما تؤثر فيه طرق معوجة قذرة تقوم على طرفيها بيوت خربة ذات جدران مصنوعة من طين وتبن، وتؤثر فيه أعفار تعمي الأبصار بما لا يتصوره الإنسان، ولا يزول هذا التأثير السيئ عن الأوربي إلا بعد تألفها.

وتجارة دمشق الواسعة القائمة بينها وبين بقية الشرق تمنحها حياة عظيمة وطابقاً شرقياً خاصاً، والقوافل التي تأتي من بغداد توصل إليها منتجات فارس والهند، وتحمل القوافل إلى ذينك البلدين نسائجها الحريرية المشهورة وبزوزها وجلودها المدبوغة ونحاسها المكفت بالفضة.

وأقول، مكرراً: إنه يجب على من يرغب في اجتلاء الشرق وألوانه اللامعة أن يزور دمشق، وأهم ما يستوقف النظر في هذه المدينة القديمة ويبدو متنوعاً هو طرقها

ص: 181

وأسواقها التجارية الطريفة، واستجلاء أمثلة مختلف أمم الشرق في بضع ساعات، ففيها يرى الفرس ذوو القلانس الفروية والخناجر الزنارية، ويرى السوريون ذوو الحُلل المخططة والكوفيات والعقل الوبرية، وترى النساء العربيات ذوات المآزر البيض التي تلمع عيونهن المتوقدة من خلالها، ويرى الدمشقيون ذوو الطرابيش الحمر أو العمائم البيض والألبسة الحريرية المخططة بخطوط بيض وسود والمشدودة بزنانير، ويرى حجاج البيت الحرام ذوو الثياب الرثة، ويرى قواسو القناصل ذوو السياط والملابس الموشاة الزرق والخطوات الموزونة، ويرى الموظفون العثمانيون ذوو الأردية الرسمية القاتمة، ويرى فرسان الدروز ذوو العجب المنطقون بالسلاح والراكبون عتاق الخيل التي تعلوها سروج جلدية قرمزية مزينة بقطع لامعة من الذهب والفضة، وترى قطر الجمال يحرسها تجار آتون من كرمان والأناضول وشواطئ الفرات، ويرى الأكراد والأعراب والأرمن والموارنة واليهود وروم الأرخبيل، ويرى في هذه الأخلاط اختلاف في الألوان كالذي يرى في قوس قزح، ويرى فيها ذوو البياض الناصع وذوو السواد الحالك وذوو الألوان التي بين اللونين.

وقد خيل إلي، حينما كنت جالساً على متكأ في إحدى القهوات العربية بدمشق، وكنت أتأمل أولئك الناس من خلال دخان نارجيلتي، أي من خلال هذا المنظار السحري الغريب، أن قدرة ساحرة نقلتني من فوري، ولساعة، إلى بيئة حاوية لأمم آسية في غابر الأزمان.

أجل، رأيت، على ما يحتمل، منظراً ممنوعاً كذلك على الجسر الممتد من غلطة إلى الضفة الأخرى من القرن الذهبي في الآستانة، ولكن العنصر الأوربي هو الغالب هنالك مقداراً فمقداراً، ومن ثم أرى أن الشرق عاد لا يتجلى وحده في الآستانة مع ما فيها من الأمثلة المتباينة لمختلف شعوب العالم.

ويستعذب علماء الآثار وهواة التحف ورجال الفن طول الإقامة بدمشق؛ لما يجدون فيها من بقايا المباني ما يتطلب وصفة مجلداً ضخماً، وما يخشى أن يزول بعد زمن قليل لتداعيه يوماً بعد يوم، ويرى في كل خطوة من ضاحية الميدان الواقعة على مدخل طريق مكة أنقاض مساجد وعيون وأبنية أخرى ترجع إلى ما قبل مئتي سنة أو ثلاثمائة سنة، وتشتمل على ضروب من الزينة القديمة وفق تقاليد العرب، ويشاهد في تلك الآثار أثر للفن الفارسي غير قليل.

ص: 182

ويمكن الباحث أن يلاحظ في دمشق وحدها قصوراً على الطراز العربي القديم مشتملةً على وسائل الراحة والرفاهية مع الذوق لا يرى مثلها في أرقى مساكن أوربة، ومن دواعي الأسف أن نرى سنة الكون تجري حكمها على هذه القصور فتزول.

شكل 1 - 13: محراب المسجد الأقصى ومنبره بالقدس (من تصوير المؤلف الفوتوغرافي).

وبما أنني سأتكلم في فصل آخر عن أحد هذه القصور فإنني أكتفي الآن بذكر الجامع الكبير الذي هو أقدم مباني دمشق.

بني الجامع الكبير، الذي يرجع قسم منه، على الأقل، إلى ما بعد الهجرة بزمن قليل، على أنقاض معبد وثني حوله النصارى إلى كنيسة، ثم التهمته النيران في سنة (461 هـ/ـ 1069 م) فجدد بناؤه، وهو دون ما كانت عليه حالته الأولى، وأقل أهمية من مساجد القاهرة على الخصوص.

وأقيم جامع دمشق الكبير على هيئة المساجد الإسلامية الأولى، فهو يتألف مثلها من ساحة كبيرة قائمة الزوايا ذات أروقة خصص بعضها للصلاة، وأقيمت على أركانها مآذن، وسنصف في الفصل الذي نتكلم فيه عن عرب مصر مساجد كثيرة من هذا الطراز.

وروى مؤرخو العرب أن الرخام النادر كان يستر أسفل جدران ذلك المسجد الجامع، وأن الفسيفساء كانت تستر أعلاها كما تستر قبته، وأن سقفه كان مصنوعاً من الخشب

ص: 183

شكل 1 - 14: برج الرملة (من صورة فوتوغرافية).

المموه بالذهب، وأن مصابيحه، وعددها ستمائة، كانت من الإبريز، وأن محاريبه كانت مرصعة بالحجارة الثمينة.

ولم يبق من تلك الزينة سوى الشيء القليل، وتزين جدرانه الآن خطوط جميلة، ويزين نوافذه زجاج ذو ألوان كثيرة، ويشاهد في مواضع منه أثر للفسيفساء القديمة.

ويشتمل ذلك الجامع الكبير على مئذنتين مربعتي الشكل، وعلى مئذنة ثالثة أنيقة مثمنة الشكل ذات أروقة منضدة ومنتهية بكرة وهلال، ومئذنة العروس أقدم هذه المآذن

ص: 184

الثلاث، وترجع في قدمها إلى القرن الأول من الهجرة كما يعتقد، ومئذنة عيسى، وهي إحدى هذه المآذن، مربعة الشكل، وتقول القصة العربية: إن عيسى سينزل على ذروتها يوم الحساب لا ريب.

ظهر مما تقدم أن العرب احترموا منذ دور الفتح الأول، آثار الأمم التي ملكوها ولم يفكروا في غير الانتفاع بحضارتها وترقيتها، وذلك خلافاً لكثير من الأمم الفاتحة التي جاءت بعدهم، وأن العرب الذين كانوا أميين في بدء الأمر لم يلبثوا أن فاقوا أساتذتهم، وأنهم تعلموا بسرعة ما كانوا يجهلون من فنون الحرب، واستعمال آلات الحصار الرومية؛ فسبقوا أعداءهم في ذلك، وأنهم بعد أن كانوا مبتدئين في العلوم والفنون ماثلوا الأمم الأخرى فيها بفضل ما أنشأوا من المدارس ثم تقدموها، وأنهم، بعد أن كانوا غير عالمين بفنون العمارة، وبعد أن استخدموا مهندسين من الروم والفرس في تشييد مبانيهم، استطاعوا بالتدريج أن يتخلصوا كل الخلاص من كل مؤثر أجنبي بما أحدثوا من التغيير والتبديل في فنون العمارة وفق ذوقهم الفني كما نرى ذلك عما قليل.

هوامش

ص: 185