الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فإن القرآن الكريم هو المعجزة العقلية الباهرة التي أيَّدَ الله بها خير خلقه، وخاتم أنبيائه -صلوات الله وسلامه عليه.
وهو خالد في إعجازه لا يزيده التقدُّم العلميُّ إلا رسوخًا في الإعجاز، وهو حجة الله البالغة على خلقه، تعبدهم بتلاوته وتدبره، وفهمه والعمل به، وأطلعهم من خلاله على بعض أسراره في ملكه وملكوته.
وهو كتاب الهداية، ومنهج الحياة، بيَّنَ فيه لعباده ما يحلُّ لهم، وما يحرِّمُ عليهم، وما ينفعهم، وما يضرهم، بإسلوب واضح مشرق، لا عوج فيه ولا التواء.
وعبَّرَ عن واقعهم، ولبَّى رغباتهم على اختلاف أجناسهم وبيئاتهم، وأزمانهم.
فما من شيء يحتاجون إليه في شئونهم الخاصة والعامة إلَّا شمله تشريعه، ووسعه بيانه.
قال تعالى في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 1.
فكان بحقٍّ كتابًا جامعًا أفاض في شرح الحقوق والواجبات إفاضة واسعة، تضمنتها أحكام جامعة، وقواعد كلية، يندرج تحتها كل ما جَدَّ ويَجِدُّ في شئون الحياة، وأناط بالرسول عليه الصلاة والسلام بيان ما قد يغمض على بعض
1 آية: 89.
الناس فهمه، فكان بيانه للقرآن مستنبطًا من القرآن نفسه، وبقدرة خاصة منحها الله، وكيفية معينة علَّمه الله إياها.
قال تعالى في سورة القيامة:
وهو الذكر الحكيم الذي علَّمَ الناس الحكمة -وبالحكمة يستطيعون أن يضعوا الأمور في موضعها، ويتعرَّفوا النهج القويم للحياة المطمئنة، والسعادة المرجوّة في داري الدنيا والآخرة.
قال تعالى:
وهو مأدبة الله التي لا ينفذ زادها، ولا ينضب معينها ولا يملها أهلها.
وهو للمؤمنين دواء وشفاء وغذاء، وروح وريحان، هو الحياة في أسمى صورها وأجلِّ معانيها، هو نعيم الدنيا ونعيم الآخرة.
لهذا جمع المسلمون الأوائل كل قواهم، وكرَّسُوا جُلَّ حياتهم لخدمة هذا الكتاب العظيم، ولم يدَّخِروا جهدًا في حفظة وتدوينه، وتفسيره، واستنباط أحكامه، والتنقيب عن لطائفه وأسراره، والعمل به والسير على نهجه في عباداتهم وعاداتهم ومعاملاتهم، فتركوا لنا تراثًا خالدًا غصَّت به المكتبات في مشارق الأرض ومغاربها.
وتتابه الغيث من بعدهم إلى يومنا هذا، يفتح للباحثين في كتاب الله تعالى أبوبًا واسعة من العلم والمعرفة، ويتيح لهم أن ينهلوا من معينه ما شاء الله أن ينهلوا في سهولة ويسر، ولا سيما بعد أن تقدَّمت أدوات الطباعة ووسائل النشر.
1 آية: 16-19.
2 الجمعة: 2.
وما على الباحثين إلّا أن يشمِّرُوا عن ساعد الجدِّ، ويخترقوا أسوار التقليد إلى الآفاق الرحبة يفتحها لهم القرآن بعباراته وإشاراته، فيستنبطوا منه ما ينفع أمتهم في دينها ودنياها، ويستلهموا منه الرشد في حلِّ المشكلات المعاصرة التي بلغت الغاية في التعقيد والتعجيز.
وإنا لقادورن -إن شاء الله تعالى، إذا ما تمسَّكْنَا بهذا الكتاب المبين، وتدبَّرْنَاه بحرية وأمانة وفق المقاييس التي رسمها لنا فيه -على تحقيق ما نصبو إليه في حاضرنا ومستقبلنا.
وإني أحاول أن أضرب في كتابي هذا بسهم متواضع في تبصير الناس ببعض ما يتعلَّق بهذا القرآن العظيم من البحوث المهمة التي تعينهم على تدبره، وفهم معانيه ومراميه، والعمل بما جاء فيه، عسى أن أُحْشَر يوم القيامة مع خدمته فأفوز فوزًا عظيمًا، وهو رجاء عبد ليس له من العمل الصالح ما يجعله أهلًا له إلّا أن رحمة الله واسعة، وفضله عظيم.
وقد التزمت في تأليف هذا الكتاب أمورًا ثلاثة:
الأول: تهذيب الأسلوب وتيسيره بحيث يكون -بفضل الله تعالى- مناسبًا لأهل العصر على اختلاف درجاتهم في الثقافة والفهم، مبينًا كل لفظ أراه غامضًا، وموضحًا كل قول أراه يحتاج إلى مزيد بيان.
وهذا الإلتزام جعلني أتحاشى النصوص الوعِرَة التي تكثر فيها الصناعة اللفظية المتكلفة، أو الألفاظ المعقدة أو الغريبة، واختار النصوص السهلة الجزلة التي تخلو من الركاكة والتعقيد.
فإن كان النص لا يتمشَّى مع سهولة الأسلوب وعذوبته، وفيه من العلم ما نحن في حاجة إليه نقلته بالمعنى، وقلت في نهايته: أفاده فلان أو ذكره فلان بمعناه.
أو قلت في أوله: ذكر فلان ما حاصله، أو ما فحواه كذا وكذا.
أو كتبت في هامش الصفحة: راجع كتاب كذا وكذا أو انتهي بتصرف، وما أشبه ذلك.
فإن كان النص سهلًا في أسلوبه نقلته بين علامتي تنصيص، وأشرت إلى مصدره في هامش الصفحة فقلت: كتاب كذا ج كذا ص كذا.
فإذا غيَّرت فيه ضميرًا أو حرفًا ليناسب الكلام قلت في هامش الصفحة:
انظر كتاب كذا.
وإذا حذفت منه شيئًا، وضعت مكان المحذوف ثلاث نقط كما هو مُتَّبَعٌ في كتابة البحوث والرسائل، وبذلك يكون أسلوب الكتاب متشابهًا متماسكًا كالبنيان يَشُدُّ بعضه بعضًا، لا يجد القاريء فيه ما يعكِّر صفو الفهم عليه من تغاير الأساليب، وتباعد المعاني، وتفكُّك الجمل، وتنافر الألفاظ.
الثاني: توخي الإيجار في العبارة، والاختصار على المقيَّد من المسائل، وتحري الدقة والأمانة العلمية في البحث والدراسة بقدر الطاقة البشرية.
الثالث: ترتيب الموضوعات بحسب أهميتها، وبحسب صلة بعضها ببعض، أو تقارُب بعضها من بعض، مع الاقتصار على ما تكون إليه الحاجة ماسَّة والضرورة إليه ملحة.
فعلوم القرآن بحر زخار لا يستطيع أحد أن يجمعها في كتاب، مهما اتسع جهده، وطال عمره.
هذا وقد بذلت وسعي في التحليل والتعليل والتحقيق والتنقيح والاستنباط، والكشف عن الجديد من المسائل العلمية المتعلقة بمعاني هذا الكتاب العزيز.
فإن أكن وفِّقْتُ في شيء من ذلك فإنما هو بحمد الله تعالى وتوفيقه.
والله المستعان، وله الفضل، وبه الثقة، وعليه المعتمد.
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
المؤلف