الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد نسختها الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى:{الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} .
روى أبو داود عن ابن عباس قال: نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فشقَّ ذلك على المسلمين حين فُرِضَ الله عليهم ألا يفرَّ واحد من عشرة، ثم إنه جاء التخفيف فقال:{الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُم} .
ومثال نسخ الحكم إلى ما هو مساوٍ له:
نسخ التوجُّه إلى بيت المقدس بالتوجُّهِ إلى الكعبة بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَام} 1.
ومثال النَّسْخِ من الأخفِّ إلى الأثقل:
نسخ صيام عاشوراء بصيام رمضان2.
ونسخ حبس الزواني بالجلد والرجم، ولا شكَّ أن الضرب بالحجارة حتى الموت أثقل من الحبس.
1 البقرة: 144.
2 قيل: كان صوم يوم عاشوراء فرضًا، فنُسِخَت فرضيته وبقي صومه مستحبًّا، وهذا النقل من الفرض إلى المستحبِّ يُسَمَّى عند المتقدِّمين من الصحابة والتابعين نسخًا.
طرق معرفة الناسخ والمنسوخ:
النَّسْخُ يتضمَّن رفع حكمٍ تقرَّرَ من جهة الشارع، وإثبات حكم، ومثل هذا لا يحلُّ لمسلم أن يقول فيه إلّا بيقين.
فمن قال في شيء: إنه منسوخ، فقد أوجب إلّا يُطَاعَ هذا الأمر الصادر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن نسقط طاعةً أمَرَنَا بها الله تعالى ورسوله إلّا ببرهان.
وفي هذا يقول ابن الحصار: "إنما يُرْجَعُ في النَّسْخِ إلى نقلٍ صريحٍ عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي يقول: آية كذا نسخت كذا، قال: ولا يُعَْمَدُ في النسخ قول عوام المفسيرين، بل ولا اجتهاد المجتهدين من غير نقل صحيح، ثم قال: والناس في هذا بين طرفي نقيض، فمن قائل: لا يُقْبَلُ في النَّسْخِ أخبار الآحاد العدول، ومن متساهلٍ يكتفي فيه بقول مفسِّرٍ أو مجتهد، والصواب خلاف قولهما". أ. هـ1
توضيح البحث: إنه لا سبيل إلى معرفة نسخ آية أو حديث بغير أحد وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: النصُّ الصريح الصحيح بأنَّ هذا الأمر ناسخ لكذا، أو أمر صريح بترك الأمر الأول، مثاله قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} 2.
ثم قوله: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} .
فهذا دليل واضحٌ على أن القِبْلَةَ التي كانت قبل هذه منسوخة.
فهذا النص صريح في نسخ النهي عن الوطء في ليل رمضان.
الوجه الثاني: إجماع الأمة بلا خلافٍ يعتد به على أن أمر كذا منسوخ.
ومن المعلوم أن الإجماع يستند دائمًا إلى دليل.
1 انظر الإتقان: ج3 ص81.
2 البقرة: 143.
3 البقرة: 187.