الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلاقة بين الخط الإملائي والمصحفي:
عرفت مما سبق أن البَوْنَ ليس واسعًا بين الخط الإملائي والرسم المصحفي، وأن كُتَّاب المصاحف قد كتبوها على ما عرفوه من قواعد الخط، وكان شائعًا في كتبهم.
وأن الرسم المصحفي كان ولا يزال هو الأساس للقواعد الإملائية التي استُحْدِثَت بعده، والتي دعت الضرورة لوضعها.
ونبيِّنُ هنا بإيجاز شديد بعض الفروق بين الخطَّيْن، فنقول: الهجاء في المصحف يكاد النطق مطابقة تامة، كما هو الشأن في الهجاء المعروف لدينا الآن، لولا ما يبدو أحيانًا من حذف رموز بعض الحركات الطويلة "الألف والواو والياء" في مثل:"العلمين - يَلْونَ - النبين - أيُّهَ - يَدْعُ - يأت"، وزيادة بعض تلك الرموز في الكلمات المهموزة خاصَّة في مثل:"بأييد - أولئك - مائة - نبإى - لقاءي - لا أذبحنه".
ومثل زيادة الألف بعد الواو المتطرفة في نحو "ملاقوا - يعفوا".
وما يبدو من كتابة بعض الأصوات بغير رموزها التي خُصِّصَت لها، من مثل: كتابة الفتحة الطويلة واو أو ياء في مثل: "الصلوة - الزكوة - رمى - يسعى - الذكرى"، وما يشبه هذه الحالات التي تظهر مخالفة جزئية للنطق، غير ذلك مما ذكره أهل هذا الشأن في كتبهم.
عناية العلماء بالرسم العثماني وأشهر المؤلفات فيه:
وقد بلَغَت عناية العلماء بالقرآن الكريم أنهم درسوا الخط الذي كُتِبَ به، والذي لا تجوز مخالفته.
فقد قدَّموا لنا وصفًا كاملًا عن كل حرفٍ كُتِبَ به أثناء جمعه في مصحف واحد، وما طرأ على هذا النسخ من نقط وشكل، وغير ذلك من علامات تُعِينُ على قراءته وتجويده.
فما إن كتبت المصاحف بالمدينة، وأُرسِلَ بعضها إلى الأمصار، حتى سارع المسلمون إلى نسخ مصاحف منها كلمة بكلمة، وحرفًا بحرف.
وانبرى فريق كبير من العلماء إلى ضبط هذه المصاحف وإقامتها على نحو ما جاء في المصحف الإمام الذي وجِّهَ إليهم، وهكذا قامت المصاحف المنسوخة من الأمهات مقام الأصول؛ لأنها نسخة منقوله عنها.
فروى الأئمة عن المصاحف العثمانية -أصولًا وفروعًا- طريقة رسم الكلمات.
وما أن وصلت تلك الرواية إلى عصر انتشار تدوين العلوم حتى سارع العلماء -في وقت مبكر- إلى تسجيل تلك الروايات في كتبٍ كانت أساسًا لحفظ صور الكلمات في المصاحف، ومرجعًا -إلى جانب المصاحف المنسوخة- لمن أراد أن ينسخ مصحفًا.
وقد ظهر في كل مَصْرٍ من الأمصار إمامٌ روى ما ورد في مصحف بلده، إذ إن أئمة القراءة كانوا يروون كيفية رسم الكلمات إلى جانب روايتهم للقراءة، وتوفَّرت روايات رسوم مصاحف الأمصار لدى العلماء في وقت مبكر فظهرت لهم مؤلفات سجلت لهم في تراجمهم، ثم تتابع الغيث من بعدهم، فظهرت مؤلفات كثيرة في هذا الفن، نذكر منها على سبيل المثال:
1-
كتاب "اختلاف مصاحف الشام والحجاز والعراق".
2-
"مقطوع القرآن وموصوله" كلها لإمام الشام عبد الله بن عامر اليحصبي، ت118هـ، ذكرهما ابن النديم في الفهرست1.
3-
"اختلاف مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة" للكسائي، "ت 189هـ"، ذكره ابن النديم أيضًا في الفهرست2.
4، 5- كتاب "المحرر"، وكتاب "علم المصاحف"، كلاهما لأبي بكر محمد بن عبد الله بن أشتة الأصفهاني "ت بمصر 360هـ"، وهو كتاب ينقل عنه السيوطي وغيره كثيرًا.
6-
"هجاء المصاحف" لمكي بن أبي طالب القيس الأندلسي "ت437 هـ"، ذكره ياقوت3 وغيره.
1 ص36.
2 ص36.
3 انظر معجم الأدباء ج19 ص170.
7-
"المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار" لأبي عمرو عثمان بن سعد الأموي الداني، المعروف في زمانه بابن الصيرفي "ت444هـ".
8-
كتاب "المحكم" في نقط المصاحف له أيضًا.
9-
القصيدة الرائية، للإمام القاسم بن فيره بن خلف الشاطبي "ت في القاهرة 590هـ"، المسماة "عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد"، التي نظم فيها مسائل المقنع لأبي عمرو الداني، وزاد عليه أحرفًا يسيرة جملتها ست كلمات.
وقد أهتم العلماء بهذه القصيدة وكتبوا عليها شروحًا كثيرة، ونظم كثير منهم على منوالها قصائد زادوا فيها عليها.
10-
ومن الكتب المؤَلَّفة في هذا الفن كتاب "عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل" لأبي العباس أحمد بن محمد بن عثمان المراكشي، الشهير بابن البناء "ت 721هـ"، ألفه في توجيه ما خالف قواعد الخط من رسم المصحف، ومنهجه أقرب إلى منهج الصوفية الباطنية، كما سيظهر لنا عند الكلام عن موقف السلف من تفسير ظواهر الرسم.
وقد ألفت في هذا الفن رسائل علمية جامعية، منها:
1-
رسالة عن "رسم المصحف ونقطه" تقدَّمَ بها إلى كلية أصول الدين جامعة الأزهر، عبد الحي حسين الفرماوي لنيل درجة العالمية "الدكتوراه"، سنة "1975م"، ناقش فيها الحكم الشرعي في التزام الرسم العثماني في طبع المصاحف ونسخها، وتعرَّض لدراسة ظواهر الرسم العثماني في المبحث الثالث في الفصل الثالث، ولم يخرج في مناقشته للموضوع عَمَّا روي عن أبي العباس المراكشي في تفسير ظواهر الرسم من تعليلات.
2-
وخير كتاب أُلِّفَ في هذا الفن في العصر الحديث كتاب "رسم المصحف - دراسة لغوية تاريخية" للأستاذ: غانم قدوري الحمد، المدرس في كلية الشريعة بجامعة بغداد.
وهو في الأصل رسالة علمية أُعِدَّتْ في قسم علم اللغة بكلية دار العلوم، بجامعة القاهرة، وقد نال كاتبها درجة الماجستير بتقدير "ممتاز"، وأوصت اللجنة بطبعها وتبادلها مع الجامعات.
وطبعته اللجنة الوطنية بالجمهورية العراقية سنة "1402هـ-1982م".
وهو وافٍ في موضوعه، سهلٌ في أسلوبه، جامعٌ لما تفرَّق من مسائل هذا العلم، في ترتيب بديع.
تناول فيه مؤلفه المنهج اللغوي والتاريخي لرسم المصحف في ستة فصول.
تكلَّمَ في الفصل الأول -وقد جعله فصلًا تمهيديًّا- عن تاريخ الكتابة العربية، وخصائصها قبل مرحلة الرسم العثماني، إلى جانب بيان الأسس التي تقوم عليها الكتابة.
وتحدَّث في الفصل الثاني عن تاريخ كتابة القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وجمعه في خلافة الصديق رضي الله عنه، ونسخه في المصاحف في خلافة عثمان رضي الله عنه، مع بيان بعض القضايا المتعلقة بذلك.
ودرس في الفصل الثالث مصادر الظواهر الهجائية في الرسم العثماني، وبيان موقف علماء السلف من قضيتين.
الأولى: موقفهم من التزام الرسم العثماني في كتابة المصحف.
والثانية: موقفهم من تفسير الظواهر الهجائية التي تظهر في الرسم العثماني.
ودرس في الفصل الرابع الرسمَ العثماني من كافَّةِ جوانبه دراسة لغوية تحليلية، تتناول دراسة الكتابة على مستوى الرمز الواحد، وعلى مستوى الكلمة.
وبيَّنَ في الفصل الخامس جهود علماء الرسم والعربية في تكميل الرسم العثماني بواسطة العلامات الخارجية خلال العديد من المحاولات، حتى استوى على ما نجده اليوم في المصاحف، وما نستعمله في الكتابة.