الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذا "منهما مُنْقَلَبًا" بالتثنية في الكهف، إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها، فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة؛ لمخالفتها الرسم المجمَع عليه.
وقولنا بعد ذلك: "لو احتمالًا" نعني به: ما يوافق الرسم ولو تقديرًا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا وهو الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديرًا وهو الموافقة احتمالًا.
فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعًا نحو السماوات، والصلحات، واليل، والصلوة، والزكاة، والربوا.
وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمله تحقيقًا، كما كتب {مَلِكِ النَّاس} وقراءة الألف محتملة تقديرًا، كما كتب {مَالِكَ الْمُلْك} فتكون الألف حذفت اختصارًا.
ثم قال ابن الجزري في شرح الشرط الثالث:
وقولنا: "وصحَّ سندها" فإنا نعني به: أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله، كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شَذَّ بها بعضهم1.
1 انتهى بتصرف من النشر ص53: 58.
هل التواتر شرط في صحة القراءة:
من المعلوم أن القرآن الكريم قد نقل إلينا كله بالتواتر، ولكن هل يشترط التواتر في كل حرف من حروفه لصحة القراءة به، أم يكفي أنه اشتهر بين القراء سلفًا وخلفًا، فتقوم الشهرة مقام التواتر؟
قال ابن الجزري: "وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن، ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبُت إلّا بالتواتر، وأن ما جاء
مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن، وهذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذا ثبت لا يحتاج فيه إلى الركنين الأخيرين من الرسم وغيره، إذا ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وقُطِعَ بكونه قرآنًا، سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة، وغيرهم.
ولقد كنت قبل أجنح إلى هذا القول، ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف"1.
وإلى هذا القول جنح أبو شامة في "مرشده"، وغيره من الباحثين المحقِّقين في هذا العلم.
والمعوَّل عليه في صحة القراءة وقبولها والقراءة بها هو النقل الصحيح.
قال الإمام أبو محمد مكي في مصنَّفه الذي ألحقه بكتاب "الكشف" له: فإن سأل سائل فقال: فما الذي يقبل من القرآن الآن فيقرأ به، وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟
فالجواب: أن جميع ما روي في القرآن على ثلاثة أقسام:
قسم يقرأ به اليوم، وهو ما اجتمعت فيه الشروط الثلاثة المتقدمة.
والقسم الثاني: ما صحَّ نقله عن الآحاد، وصحَّ وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف، فهذا يقبل ولا يقرأ به.
والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية، فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف.
1 النشر ج1 ص58.