الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، فكان من رحمة الله بهم أن أنزل الله هذه السور القصيرة في آيتها ومقاطعها ليتمكنوا من حفظها وتلاوتها في يسر ونشاط.
وأمَّا مقاصد القرآن المدني فهي -كما قلنا- تابعة للمقاصد السابقة، ومبنية عليها، ومبيِّنَة لمجملها، ويمكننا أن نجملها فيما يلي:
1-
بيان الأحكام العقدية والشرعية بالتفصيل، بيانًا يكشف دقائقها وأسبابها، وشروط صحتها، والحكمة من تشريعها.
2-
ظهرت في العهد المدني تشريعات لم تكن في العهد المكي، مثل مشروعية الصوم، ومشروعية القتال، وفريضة الحج، وتحريم الخمر، وتحريم الربا، وغير ذلك.
3-
الكشف عن أحوال المنافقين الذين كانوا أشدَّ الناس خطرًا على الإسلام والمسلمين، وبيان ما انطوت عليه نفوسهم من خبث ومكر وخداع، وحرصٍ وطمع، وإعلام المسلمين بمآلهم بعد إعلامهم بحالهم، وإيصائهم باتخاذ الحيطة والحذر من كيدهم وألاعيبهم، ومراقبتهم في جميع تصرفاتهم المغرضة، ومجاهدتهم بالحجة والبرهان، والإغلاظ عليهم في القول والمعاملة، مع بذل النصح لهم بالرجوع إلى الله تعالى، والتمسُّك بدينه الحنيف.
4-
دعوة أهل الكِتَاب إلى الإسلام ومجادلتهم بالحُجَّة والبرهان في معتقاداتهم الباطلة، وشبههم المزيفة، وبيان جناياتهم على الكتب السماوية بالتحريف والتبديل، وردِّهم عن غيِّهم إلى الرشد الذي جاءهم به الإسلام.
فائدة العلم بالمكي والمدني:
بعد أن عرفنا ما هو المكي والمدني، وخصائص كلٍّ منهما، يجدُر بنا أن نختم هذا البحث ببيان ما يعود على الباحثين فيه من الفوائد، فنقول:
1-
تمييز الناسخ من المنسوخ، فيما لو وردت آيتان أو أكثر مختلفة الحكم، وعلمنا أن إحداها مكية، والأخرى مدنية، فإننا نحكم حينئذ بأن المدنية ناسخة للمكية لتأخرها عنها.
2-
معرفة تاريخ التشريع، والوقوف على سنة الله في التدرج بالأمة من الأصول إلى الفروع، ومن الأخفِّ إلى الأثقل، وهذا يترتب عليه الإيمان بسموِّ السياسة الإسلامية في تربية الفرد والجماعة.
3-
تفيد هذه الدراسة في الوقوف على الخصائص البلاغية لكلٍّ من المكي والمدني، والكشف عن ظواهرها المختلفة، ومقارنة بعض هذه الظواهر ببعض، والبحث في مواضع الجمال في كلٍّ منهما من غير تفضيل ولا موازنة، لأن القرآن كله متساوٍ في الفصاحة والبلاغة، والحلاوة والطلاوة والجمال، على ما سيأتي بيانه عند الكلام على أسلوب القرآن وبيان إعجازه.
لهذا عُنِيَ المسلمون عناية فائقة بتتبُّع ما نزل بمكة، وما نزل بالمدينة، بل عُنِيَ بعضهم بتتبع جهات النزول في أمكانها وأوقاتها المختلفة، وبذلوا في ذلك جهودًا مضنية.
وفي ذلك دليل على سلامة القرآن من أي تغيير أو تحريف، فقد تلقَّاه الجمع الغفير من التابعين عن الجمع الغفير من الصحابة، وتلقَّاه الأواخر عن الأوائل بالمشافهة والتلقين، مع الوقوف على أماكن نزوله وأوقاته وأسبابه، وغير ذلك مما يتصل بألفاظه ومعانيه ومقاصده.
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.
1 الحجر: 9.