الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل في حدِّه أيضًا: إنه اللفظة الدالة على شيئين فصاعدًا، من غير حصر".
والخاص: ما يقابل العام، فهو الذي لا يستغرق الصالح له من غير حصر.
والتخصيص: هو إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام.
وقال الرازي: حدّ التخصيص: إخراج بعض ما تناوله الخطاب عنه1.
"والعموم كما يفهم من التعريف: من عوارض الألفاظ من جهة وضعها للدلالة على المعاني، فالعام كما عرفت هو: اللفظ الموضوع لاستغراق أفراد ما يصلح له.
فلا يوصف بالعموم الأفعال ولا المعاني، فلا يقال: عطاء فلان عام؛ لأن عطاءه زيدًا متميِّزٌ عن عطائه عمرًا من حيث إنه فعل، فليس في الوجود معنى واحد مشترك بين الموجودات، وإن كانت حقيقته في العقل واحدة.
وبهذا يظهر معنى قولنا: إن العموم من عوارض الألفاظ من جهة الدلالة على المعاني، فلا توصف به المعاني ولا الأفعال"2.
وفيما يلي نتكلم أولًا عَمَّا يتعلق بالعموم من المسائل، ثم نتبعه بذكر الخصوص ومسائله.
1 انظر المحصول الجزء الأول القسم الثالث ص7.
2 انتهى بتصرف يسير من كتاب "أصول الفقه" للشيخ محمد الخضري ص147.
صيغ العموم:
اختلف العلماء في معنى العموم، أَلَهُ في اللغة صيغةٌ موضوعةٌ له خاصةٌ به تدلُّ عليه أم لا؟
فذهب أكثرهم إلى أن هناك صيغًا وُضِعَتْ في اللغة للدلالة حقيقة على العموم، وتستعمل مجازًا فيما عداه.
وفيما يلي ذكر أهم هذه الصيغ إجمالًا، لأن محل التوسُّعِ في شرحها وتحليلها كتب أصول الفقه.
1-
الجمع المعروف باللام: كما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1.
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 2.
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} 3.
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} 4.
والدليل على إفادته العموم: إجماع الصحابة، فقد فهم أبو بكر رضي الله عنه مثلًا العموم من قوله صلى الله عليه وسلم:"الأئمة من قريش" 5 وهو جمع محلَّى بأل، وتمسَّك بذلك في مقام الحجاج، حين قال الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، ولم ينكر عليه أحد ذلك، فكان إجماعًا.
2-
الجمع المعروف بالإضافة: مثل قوله تعالى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 6.
ومثل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُم} 7.
والذي يدل على العموم فيه صحة الاستثناء منه، كما في قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} 8، فالاستثناء أمارة العموم كما يقولون.
1 البقرة: 228.
2 البقرة: 233.
3 المؤمنون: 1.
4 آل عمران: 134.
5 حديث "الأئمة من قريش" أخرجه أحمد في مسنده 3/ 129، 183، 4/ 431.
6 التوبة: 103.
7 النساء: 11.
8 الحجر: 42.
"أما الجمع المنكَّر فقد اختلف العلماء في عمومه، فذهب قوم إلى عمومه بدليل قوله تعالى:
{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 1.
فآلهة جمع منكَّرٌ، وهو عام بدليل الاستثناء منه، والاستثناء آية العموم كما ذكرنا.
وذهب آخرون إلى أن الجمع المنكَّر لا يُعَدُّ سامة عامًّا، وأنه لا استثناء في الآية الكريمة السابقة؛ لأن إلّا بمعنى غير، صفة لما قبلها، ولا يصح أن تكون للاستثناء وإلّا وجب نصب ما بعدها؛ لأن الكلام تام موجب، ولفظ الجلالة مرفوع بلا خلاف، فالحق ما ذهب إليه أكثر العلماء من أن الجمع المنكَّر لا يفيد العموم"2.
3-
المفرد المحلَّى بأل المستغرقة للجنس:
مثل قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3.
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 4.
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} 5.
وعلامة "أل" المستغرِقَة للجنس أن يصح حلول "كل" محلها، وأن يصح الاستثناء من مدخولها، وهو دليل على أنها مفيدة للعموم.
1 الأنبياء: 22.
2 انظر "أصول الفقه" لمحمد زكريا البرديسي.
3 المائدة: 38.
4 النور: 2.
5 الإنسان: 2.
فلفظ الإنسان عام، بدليل الاستثناء منه، وصحة حلول "كل" محل أداة التعريف.
والمعنى: إن كل إنسان في خسر، إلّا الذين آمنوا.
هوكذلك قوله -جل شأنه- في الآيتين السابقتين: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَة} ، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} .
والمعنى: كل من سرق فاقطعوا يده، وكل من زنى فاجلدوه.
4-
النكرة الواقعة في سياق النفي:
مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "لا وصية لوارث" 1 فوصية نكرة، وقعت بعد لا النافية فأفادت العموم.
والدليل على العموم هنا إجماع العلماء على أن لا إله إلا الله كلمة توحيد، من نطق بها كان مؤمنًا موحدًا، والتوحيد بإثبات الواحد الحق لا يكون صحيحًا إلّا إذا كان صدر الكلام "لا إله" نفيًا لكل معبود بحقٍّ، وهذا هو معنى العموم، فتكون النكرة في موضع النفي للعموم.
5-
النكرة الواقعة في سياق النهي:
كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 2.
وقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} 3.
فهو نهيٌ جاء بصيغة الخبر للمبالغة في التحذير.
وقوله تعالى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه} 4.
1 أخرجه البخاري في الوصايا 6، والترمذي أيضًا في الوصايا 5، وأبو داود في الوصايا 6، والبيوع 88 وغيرهم.
2 الإسراء: 23.
3 البقرة: 197.
4 الروم: 30.
أي: لا تبدلوا خلق الله أيَّ تبديل.
6-
النكرة الواقعة في سياق الشرط:
فإنها تفيد العموم إذا كان الشرط مثبتًا في اليمين، مثل قول الرجل لامرأته: إذا دخلت دارًا فأنت طالق؛ لأنَّ اليمين يمنع المرأة من دخول أي دار، وهذا هو العموم في جانب الشرط، فأيّ دار دخلته المرأة تعتبر طالقًا.
7-
النكرة الموصوفة بصفة عامة:
مثل: والله لا أحادث إلّا رجلًا فاضلًا، فإن رجلًا نكرة، وقد وُصِفَتْ بصفة عامة، وهي فاضل؛ لأن الفضل لا يختص بواحد من الرجال، فلا يحنث بمحادثة كل من اتصف بالفضل، سواء كان واحدًا أو اثنين أو أكثر، وذلك بخلاف ما لو قال: والله لا أحادث إلا رجلًا، يحنث بمحادلة رجلين أو ثلاثة لعدم العموم فيه.
والدليل على العموم قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم} 1.
هذه الجملة وقعت تعليلًا للنهي عن نكاح المشركين من قوله تعالى: {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} .
8-
"مَنْ" سواء كانت شرطية مثل قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} 2.
أو استفهامية مثل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 3.
أو موصولة مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} 4.
إلا أنها إذا كانت شرطية أو استفهامية أفادت العموم قطعًا، أما إذا كانت موصولة فإنها تكون للعموم تارةً، وللخصوص تارة، والقرائن هي التي تخصِّصُ أو تعمم.
1 البقرة: 221.
2 النساء: 123.
3 البقرة: 255.
4 الحج: 18.