الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر كثيرًا منها.
وإني بحمد الله تعالى سأذكر من هذه الأقوال ما أراه جديرًا بالذكر، مرجِّحًا ما أحسبه أولى بالقبول.
ولنبدأ بذكر الأحاديث الواردة في هذا الأمر، ثم نتبع ذلك بذكر الأصول المستنبطة منها، ثم نذكر أهم الأقوال في المراد بالأحرف السبعة سردًا، ثم نكر عليها بالمناقشة والتمحيص لنقف من وراء ذلك كله على الراجح منها بالدليل، ونختم المبحث بذكر فوائده.
بعض ما ورد في ذلك:
وردت في نزول القرآن على سبعة أحرف أحاديث كثيرة، نكتفي هنا بذكر بعضها، لتتحقق أن هذه الأحاديث في جملتها بلغت الغاية في الصحة، وأنها تفيد اليقين الذي لا يرتفع بالشك، ولا يسوغ لأحد إنكاره بحال.
ولتعلم من خلالها المراد من الأحرف السبعة، من حيث ما تستلزمه من أصول عامة يقاس عليها عند التصحيح أو الترجيح.
1-
روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف".
زاد مسلم: "قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام".
2-
وروى البخاري ومسلم أيضًا "واللفظ للبخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته ، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره1 في الصلاة فانتظرته حتى سلَّم، ثم لببته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟
1 أي: أواثبه وأقاتله -قاله ابن الأثير في النهاية.
قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام"، فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هكذا أنزلت"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه".
3-
وروى مسلم بسنده عن أُبَيّ بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسَّن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقًا، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقًا، فقال لي:"يا أُبَيّ، أرسل إلي أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه: أن هوِّن على أمتي، فردَّ إلي الثانية: أقرأه على حرفين فرددت إليه: أن هوِّن على أمتي، فردَّ إلي الثالثة: أقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألينها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليومٍ يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم".
4-
وأخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلًا يقرأ آية سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، قال: فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كلاكما محسن فأقرأ".
قال شعبة أحد رواة هذا الحديث: أكبر علمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن مَنْ كان قبلكم اختلفوا فأُهْلِكُوا".
5-
روى مسلم بسنده عن أُبَيِّ بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني غفار1، قال:"فأتاه جبريل عليه السلام فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك"، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرأوا عليه فقد أصابوا".
6-
وروى الترمذي عن أُبَيّ بنب كعب أيضًا قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عند أحجار المروة، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: "إنما بعثت إلى أمة أميين، فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة والغلام"، قال: فمرهم فليقرأوا القرآن على سبعة أحرف".
قال الترمذي: حسن صحيح، وفي لفظ:"فمن قرأ بحرفٍ منها فهو كما قرأ".
وفي لفظ حذيفة: "فقلت: "يا جبريل، إني أرسلت إلى أمة أمية، فيهم الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابًا قط"، قال: "إن القرآن أنزل على سبعة أحرف".
7-
أخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو، أن رجلًا قرأ آية من القرآن، فقال له عمرو: إنما هي كذا وكذا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأيّ ذلك قرأتم أصبتم، فلا تماروا".
أي: فلا تشكوا، ولا تجادلوا.
1 وأضاة بني غفار -بفتح الهمزة في أضاة، وبكسر الغين في غفار: "مستنقع الماء كالغدير، وكان بموضع من المدينة المنورة يُنْسَب إلى بني غفار، لأنهم نزلوا عنده.