الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأة علم القراءات:
من المعلوم لدى المشتغلين بالعلوم الشرعية أن المعوّل في تلقي القرآن الكريم هو السماع والمشافهة من ثقة عدل ضابط عن مثله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الصحابة القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسماع والمشافهة، ومن لم يسمع منهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم، سمعه من مثله، ومنهم مَنْ أخذ القرآن عنه صلى الله عليه وسلم بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرَّقوا في البلاد، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابع التابعين من التابعين، وهلمَّ جرَّا حتى وصل الأمر على هذا النحو إلى الأئمة القراء المشهورين الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات يضبطونها، ويعنون بها، وينشرونها بين العباد في كل وادٍ وناد.
"هذا منشأ علم القراءات واختلافها، وإن كان الاختلاف يرجع في الواقع إلى أمور يسيرة بالنسبة إلى مواضع الاتفاق الكثيرة كما هو معلوم، لكنه -على كل حالٍ- اختلاف في حدود السبعة الأحرف التي نزل عليها القرآن، وكلها من عند الله، لا من عند الرسول، ولا من عند أحد من القراء أو غيرهم"1.
وقد اشتُهِرَ في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة بحفظ القرآن وتحفيظه.
فاشتُهِرَ بذلك من الصحابة عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأُبَيّ ابن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وغيرهم.
وقد بعث عثمان بن عفان مع كل مصحف أرسله إلى الأمصار قارئًا ماهرًا من القراء، يجيد القراءة التي عُنِيَت بها النسخة التي يحملها ليعلِّمَ الناس ويقرئهم.
وممن اشتُهِرَ من التابعين بالحفظ والتحفيظ بالمدينة: ابن المسيب، وعروة، وسالم، وعمر بن عبد العزيز، وسليمان بن يسار، وعطاء بن يسار، وزيد بن أسلم، ومسلم بن جندب، وابن شهاب الزهري، ومعاذ بن الحارث، المشهور بمعاذ القارئ.
1 انظر مناهل العرفان ج1 ص406.
وبمكة اشتُهِرَ: عطاء، ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، وابن أبي مليكة، وعبيد بن عمير، وغيرهم.
وبالبصرة اشتُهِرَ: عامر بن عبد القيس، وأبو العالية، وأبو رجاء، ونصر ابن عاصم، ويحيى بن يعمر، وجابر بن زيد، والحسن البصري، وابن سيرين، وقتادة، وغيرهم.
وبالكوفة اشتُهِرَ: علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيدة، والربيع بن خيثم، والحارث بن قيس، وعمر بن شرحبيل، وعمر بن ميمون، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزِرّ بن حبيش، وعبيد بن فضلة، وأبو زرعة بن عمرو، وسعيد بن جبير، والنخعي، والشعبي، وغيرهم.
وبالشام: المغيرة المخزوميّ، وخليد بن سعيد صاحب أبي الدرداء.
ثم تفرَّغَ قوم للقراءات يضبطونها، ويعلمونها، ويعنون عناية فائقة بأسانيدها حفظًا وتمحيصًا، فكان بالمدينة منهم: أبو جعفر بن يزيد القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن أبي نعيم.
وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن محيصن.
وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النجود، وسليمان الأعمش، ثم حمزة، ثم الكسائي.
وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمرو، وأبو عمرو بن العلاء، وعاصم الجحدري، ثم يعقوب الحضرمي.
وكان بالشام: عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث الزماري، ثم شريح بن يزيد الحضرميّ.
وذاعت شهرة بعض هؤلاء في الأمصار، حتى صاروا أئمة يُرْحَل إليهم، ويُتَلَقَّى منهم، وزادت الثقة فيهم وفي سعة علمهم أكثر من غيرهم.
فكان الناس بالمدينة على قراءة نافع، وبمكة على قراءة ابن كثير، وبالكوفة على قراءة حمزة وعاصم، وبالبصرة على قراءة أبي عمرو ويعقوب، وبالشام على قراءة ابن عامر.
هذا وأوَّل مَنْ ألَّفَ في علم القراءات: أبو عبيد القاسم بن سلَّام، وأبو حاتم السجستاني، وأبو جعفر الطبري، وإسماعيل بن إسحاق.
ولم يقتصرْ واحد منهم في تأليفه على هؤلاء السبعة المشهورين، وظلَّ الحال على ذلك حتى اشتهرت من القراءات على كثرتها سبع قراءات لسبعة أئمة أعلام، ولكنها لم تأخذ طريقها إلى التدوين مجموعة في كتاب واحد حتى نهاية القرن الثالث الهجري، أو قبل نهايته بقليل.
ثم جاء أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي، المولود في بغداد سنة 245 للهجرة، والمتوفَّى سنة 324 للهجرة، فألَّفَ كتابًا في هؤلاء السبعة المشهورين، فناقش فيه أصحاب القراءات السبعة ورواتهم، وذكر أنسابهم وأساتذتهم وتلاميذهم، وذكر وجوه قراءتهم على كثرتها، ووثَّقَها بالأسانيد الصحيحة.
والسبب في اقتصاره على السبعة، مع أن في أئمة القرَّاء مَنْ هو أجلَّ منهم قدرًا، أن الرواة عن الأئمة كانوا كثيرين جدًّا، فلمَّا تقاصرت الهمم اقتصروا بما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه، وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتُهِرَ بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراء، والاتفاق في الأخذ عنه، فأفردوا من كل مَصْرٍ إمامًا واحدًا.
وقد أراد ابن مجاهد -رحمه الله تعالى- كما قلنا في الشبهة الأولى من المبحث السابق موافقة المصاحف السبعة التي أرسل بها عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، ولم يرد -رحمه الله تعالى- حصر وجوه الكلمات في سبعة، ولم يرد إلزام أحد بهذه القراءات المروية عنه.
وقد أضيف إلى القراءات السبع ثلاثة أخر، اشتُهِرَت عن الأئمة الأعلام، وصحَّت أسانيدها واشتهرت، فقامت الشهرة مقام التواتر، وهي: